المجد (19) عاماً من الرباط في خندق العروبة


الصـحافـة صـلاتي اليـوميـة
(هيجل)

يوم الخميس الماضي غادرت “المجد” ردهات عامها التاسع عشر، لتخطو بخيلاء الصبايا الجميلات على دروب عامها العشرين الذي نأمل ان تكمله وتتخطاه الى ما عداه.
من فوق شرفة عالية ترتفع تسعة عشر عاماً عن سطح الحاضر وخط البداية، اطلت “المجد” يوم الخميس الماضي على تضاريس تاريخها الحافل بالمواقف الباسلة، ثم شخصت بالبصر والبصيرة نحو مستقبلها المبني للمجهول بعدما تغير الزمان والانسان في الوطن العربي، واوشكت الصحافة الورقية ان ترفع الراية البيضاء امام زحف الصحافة الالكترونية على صعيد العالم كله.
لو كان للسعادة محل، وللبهجة مكان، وللفرح موقع في دنيا العرب الراهنة، لكان من حق “المجد” علينا ان نحتفل بعيد ميلادها الحبيب، ونشعل لها تسع عشرة شمعة مزركشة الالوان، ونطوق عنقها باكاليل الورد والريحان، ونطلق في حضرتها ما تيسر من الاهازيج والزغاريد.. ولكن بئس الحال الذي وضع المصير العربي في قبضة الانذال واشباه الرجال، وحوّل الفرسان الشجعان الى فرائس منذورة للذبح، واتاح للرجعية النفطية ان تلعب دور المرجعية الثورية، بكل اسف.
تسعة عشر عاماً و”المجد” تمتشق سيف الكلمة الحرة، وتداوم في خندق العروبة، وترابط على خط الدفاع الاول عن الوعي القومي والاتجاه الوحدوي والمشروع الناصري، وتشكل قوة مثال في الصمود والثبات والالتزام المهني والمبدئي والاخلاقي، وسط موجات عاتية ومتوالية من الردة والامركة والصهينة والاخونة والعثمنة والافتئات على الهوية العربية والاشواق الوحدوية والنهضوية.
بملموس التجربة اثبتت “المجد” على مدى اعوام عمرها، ان قوة المبدأ وصلابة الموقف وسلامة الاتجاه امضى من كل سلاح، واقوى من اي عدو، رغم شح الموارد وضعف الامكانات ومحدودية الصفحات، قياساً بما لدى وسائل الاعلام الفتنوية والتضليلية التي تمتلك احدث التقنيات واضخم الموازنات وامهر الخبراء والاجراء.. فالوطنية قوة لانها نبض الشعب، والعروبية قوة لانها روح الامة، والمبدئية قوة لانها جذر الاستقامة والثبات والمسؤولية العامة.
منذ اول ايام صدورها عام 1994 طرحت “المجد” خطاباً قومياً وحدوياً ناصع الوضوح، وتقدمت من القارئ باوراق اعتماد راديكالية بالغة الصراحة، واعتبرت نفسها جملة معترضة في صفحات الواقع المزري، وانتصرت بغير تردد لكل قوى الحرية والتحرير والمقاومة والصمود العربية والاممية، ودفعت لقاء ذلك وعن طيب خاطر ثمناً تمثل في الكثير من اجراءات المصادرة والتوقيف والاعتقال والرقابة الخانقة.
لقد راهنا منذ البدايات الاولى على عبقرية الشعب، واصالة الامة، وحتمية النهوض والانتصار، وصوابية المشروع الناصري وقابليته للدوام والاستمرار، باعتباره مكافأة الامة لذاتها، وزبدة جهدها واجتهادها، ووعد حاضرها ومستقبلها، وشرط وحدتها وعزتها، وفخر اجيالها المتعاقبة، وهادي شعوبها وجماهيرها الى سواء السبيل وعظمة المصير.
وبقدر ما واجهنا من التحديات، استنفرنا من الطاقات.. وبحجم ما تكبدنا من الخسائر والانكسارات، حققنا من النجاحات والانتصارات، ذلك لاننا تهيأنا منذ البداية للمنازلة والصراع، وادركنا ان المسيرة ستكون شاقة والاعداء اكثر من الهم على القلب، ولم تزدنا التحديات الا اصراراً على المقارعة، وتشبثاً بالمواقف والقناعات، واستعداداً لمواصلة المشوار وتحمل الاعباء والاضرار والاخطار الى ان يشاء الله.
نعرف من واقع تجربتنا الذاتية، ان الطريق وعر، وان المصاعب جمة، وان التكاليف فادحة.. غير اننا نعلم بالمقابل ان الصمت افدح، وان الهروب اقبح، وان المهادنة والوسطية والحيادية والهلامية ضرب من العمالة او الهمالة او النذالة التي لا تليق بالشرفاء الشجعان من حملة الاقلام، وفرسان المنابر الاعلامية.. ذلك لان الساكت عن الحق شيطان اخرس، والمتعامي عن الحقيقة متواطئ خبيث، والمتهاون في اداء الواجب الوطني والقومي خائن لامته او خائر في عزيمته او ممنوع من الصرف او ساقط من دفاتر الحساب.
امتنا اليوم في امس الحاجة الى الملتزمين بقضاياها، والمهمومين بهمومها، والمدافعين عن عروبتها وكينونتها ومكانتها الاقليمية والدولية، فهي المستهدفة الاولى بالتآمر والعدوان بين كل الامم، وهي المرشحة للدمار والبوار اذا لم تستيقظ من سباتها، وهي المحتاجة لجهود كل ابنائها وكامل اصدقائها كي تستعيد وحدتها وسيادتها، وتمتلك زمام امرها ومصيرها، وتحرر اكبر مساحة من وعيها الجمعي الذي شوهته الفتاوى الوهابية التعسفية والثقافة الليبرالية التغريبية على حد سواء.
من هنا تنبع ضرورة واهمية وجود المنابر الاعلامية والثقافية الملتزمة والمحترمة التي تحقق للامة العربية وعيها لذاتها، وتأخذ بيدها على مدارج الوحدة والحرية والاشتراكية، وتنتصر لحقها في الحداثة وليس التغريب، وفي الاصالة وليس السلفية، وفي الديموقراطية وليس الفوضى الدموية.. خصوصاً بعدما ضاعت الطاسة، وغامت الرؤية، واختلط الحابل بالنابل، وتولى رعيان النفط وعراعير المساجد ودهاقنة اليهود صناعة الاعلام وتصدير الافكار وتسويق الضلال المبين.
مؤكد ان “المجد” المحدودة والمكدودة لن تُخرج الزير من البير، ولن تقوى وحدها على حمل الرسالة القومية، ولن تنتصر بمفردها على “طواحين الفضاء” من قنوات الفتنة والجعجعة والهلس التي تزاول التقيؤ الاعلامي على مدار الساعة.. غير ان “المجد” تملك ان تضيء شمعة وسط الظلام، وتطلق خطاباً عقلانياً يتحدى الجهل، وتصك جملة مفيدة ورشيقة تثير الاعجاب وتشيع بين الناس ثقافة المقاومة والمعارضة وتحدي الحكام وانتزاع الحقوق، وترفع سرباً من الشعارات والعناوين والاهداف المراد اسقاطها واهالة التراب عليها، من قبل الاعداء والعملاء.
تملك “المجد” ان تظل على قيد التحالف مع المستقبل، والكتابة بمداد الثقة والامل، والرهان على يقظة الامة ونهضة شعوبها، فالامم العريقة قد تكبو ولكنها لا تموت، والشعوب العظيمة قد تستكين ولكنها لا تهون ولا تخون، والنفوس الكبيرة قد تتهيب وتتردد ولكنها لا تقبل الضيم والمذلة، والدروب الوعرة قد تعيق المسيرة ولكنها لا تصمد امام الارادة الحازمة، والنعاج السمينة قد تقود القطعان الداجنة ولكنها لا تتمالك نفسها في حضرة السباع.
ما بقي لها من العمر، ستظل “المجد” على موعد مع نقاء الحرف، ورقي المعنى، ومصداقية الخبر، وحصافة الرأي.. ستظل وطناً للاقلام القومية، والاصوات العروبية، والدعوات الوحدوية، والادبيات الناصرية.. وسواء واصلت صدورها وحضورها، او خانتها الامكانات المالية واحوال الصحافة الورقية، فقد ادت بعض واجبها، وعملت جهد طاقتها، واوفت بجوهر وعدها وعهدها، وضمنت لنفسها مكاناً متميزاً ومكانة محترمة في فهرس الصحافة الاردنية، وتركت اجندتها مفتوحة بلا خاتمة او نقطة آخر السطر، لعل الاقلام الصاعدة تفيد منها وتضيف اليها، وتنسج على منوالها، وتنسجم مع رؤاها وطروحاتها، وتقتدي بقول الشاعر الالماني غوته : “نحن نتشكل على هيئة الاشياء التي نحبها”.
وكل عام “والمجد” وقراؤها واحباؤها بالف خير !!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات