شظايا بيضاء


يلجأ الكثير من الكتاب والشعراء إلى أدب الإسقاط السياسي .. متخذين من الرمزية عباءة لهم .. في ظل انحسار الحرية المسؤولة في وسائل النشر الإعلامية المرئية والمقروئة على حد سواء .. وفي هذا الأدب يضع الكاتب حدودا قوية لما يمكن أن يفهم من دلالة اللفظ .. وتصبح الصورة الأدبية مجالا خصبا للتطوير والتجديد في ظل عدم إمكانية البوح المباشر .. وبذلك يكون الأدبيب قد ضرب عصفورين بحجر واحد .. فهو كتب مايريد التعبير عنه بدون حجز أو تأمين غرفة في منتجع أسود وكذلك إبتكر صورة أدبية رائعة .. يمكن أن تكون نواة لخيال الآخرين وتجديدهم .
والسؤال المهم .. يكمن في إمكانية فهم القاريء لما يدور خلف الكواليس .. ( من ضرب وإسقاط لرموز كثيرة وشن غارات أدبية سياسية على مختلف الإتجاهات ..) .. ونجد أن الإجابة بالطبع : أن القاريء العادي لايمكن أن يفهم المغزى من طرح تلك الصور والتي يراها غير مغرية بالقراءة .. ولكن هناك من يفهم مغزاه وإسقاطاته المختلفة وهم من يطلق عليهم بمسمى النخبة .. التي تمتلك حسا ثقافيا بارزا .. وتمتلك أبعاد الصورة الأدبية وتفكيكها بكل هدوء .

وبالتالي فالكاتب يستمر بإسقاطاته دائما وبغض النظر عن حدود الحرية المتاحة له .. وإستمراره بهذا النهج هو دليل على أن أدب الإسقاط السياسي .. هو فن من فنون الأدب الحديث ولا يمكن أن نتجاهله لأي سبب كان .. والأمثلة على ذلك كثيرة ..

ومايهمني في هذا الطرح ان الأدب مرتبط إرتباطا وثيقا بالسياسة وقد يرى الأديب مالايراه السياسي المحنك .. وقد يتجه الأديب بصورته الأدبية إلى إتجاهات مستقبلية قد لا تخطر ببال فحول السياسة وأعمدتها .. ومن هنا أرى أن السياسة يجب ألا تقتصر على رواد الوزارات والمؤتمرات بل يجب أن يكون المثقفين هم أوائل من يضطلع بهذه المهمة ولو على شكل مجلس إستشاري لوضع نواة لإستراتيجيات قادمة تنير الطريق وتجعل من القادم أملا يمكن الوصول إليه ومن الحاضر قدما يمكن الوثوق بها .. في ظل متغيرات حضارية وثقافية متعددة يصعب على السياسي المجرد فهمها من أول نظرة .. فالحدس الأدبي وزراعة الحلول وإنارة الطرق المظلمة هي من أكبر المهام التي يقوم بها الأديب برفقة قلمه البار .. وسيكون حليفه النجاح إن إستطاع أن يصل إلى تلك الموائد الفخمة .. والتي يجب ألا تنسيه قناعاته الكبيرة وطموحاته الأزلية .. التي أتى من أجلها .. وقد رأينا الكثير من زبانية الأدب وشعراء الغفلة ينسكبون بكل قوة إلى منحدرات الأودية السياسية .. ويصبحون أداة سيئة لبعض الأهداف التي لاتخدمهم ولا تخدم شعوبهم .. وأمامنا الكثير من الأمثلة في جميع الأوطان العربية .

ومما سبق أجد أن السياسي لايمكن أن يكون أديبا .. بأي حال .. ولكن الأديب يمكن أن يكون سياسيا بارعا لا يشق له غبار .. ( ولاقميص ) .. وبمعنى آخر .. فإن الأديب قريب جدا من شارع الحياة ومن الشعوب ومن آمالها وطموحاتها واختلافاتها .. وهو بهذا يشكل قوة شعبية للقرار السياسي .. وصدى مباشر لحيثيات الغربة التي يعيشها مجبرا في أحيان كثيرة .


أمنياتي .. أن نجد مجلس الشعب أو النواب أو الأمة أو الشورى أو أي كان إسمه .. يتكون معظمه من نخبة الأدباء والمثقفين ويكون لهم أحقية الدخول إلى عوالم السياسة بكل قوة .. وأن يملكوا صلاحية القرار في الكثير من الأمور الإقتصادية والسياسية والإجتماعية مما يشكل أوطانا تنتهج إيدلوجية متكاملة وغير متناقضة .. وتفي بمتطلبات وجود بشر لهم آمال وطموحات كبيرة .

هي أمنيات ولكنها شذرات لما يمكن أن يسمى مستقبل الحلم .. أو نقطة بيضاء في حلم المستقبل الذي لايمكن لأي مواطن بسيط أن يستغني عنه في ظروف سياسية وإجتماعية وإقتصادية قد تطيح بحيثية وجودنا .. فالتحديات القائمة في منطقتنا العربية كبيرة وكبيرة جدا .. وتشكل عائق كبير لتنمية التنمية وبث روح العمل والإجتهاد الحقيقي لدرء مايمكن أن نقع فيه .

حيث أننا نلاحظ جميعا التأثيرات الكبيرة لثورة الإتصالات على العادات والتقاليد المجتمعية .. وتأثير ذلك جملة وتفصيلا على الرؤى السياسية لما يمكن أن يكون عليه الوطن الكبير والوطن الصغير .. فكلاهما يشهد بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ...
ولكن كيف ولماذا هي أهم الأسئلة التي تقع على عاتق السياسة التي لايمكن أن تكون بمعزل عن المجتمع الذي تتحدث عنه .. فمن رؤى الشعب وثقافته وأمانيه وتقاليده يجب أن تصاغ السياسة .. ويجب أن تلبس ثوب المواطن قبل أن تلبس ثياب التحالفات الدولية .. ويجب أن تضع من أولويات المواطن أولولويات سياستها الداخلية والخارجية .. فلا يمكن الفصل بينهما بأي حال .. وبالذات في مجتمعات بدأت تفرز الكثير من التطرف والتداخل بين الثقافة والسياسة .. ونحن لم نبتعد كثيرا عن العمليات الإرهابية في 11 أيلول ولا عن العلميات التي نفذت في بعض الدول العربية الأخرى ..

من هنا فإن هناك ضرورة قائمة للنظر للسياسة كثقافة مجتمع .. وليست قرار فردي من مجموعة سياسيين .. ويجب أن يكون للمثقفين كلمتهم وحضورهم المكثف في صنع قالب للمجتمع وثقافته مع مرور الوقت .. فالتخطيط المثمر للتعليم لايجب أن يبتعد عن التخطيط الجيد للصحة والمواصلات والإقتصاد .. وربط كل ذلك بالكثير من المؤسسات الإجتماعية التي تؤدي سياسية التوعية المجتمعية لطبقات المجتمع .. فكل ذلك يجب أن يسير بوتيرة واحدة وبنغمات متناسقة من التغيير .. وليس كما نراه حاليا في معظم البلدان العربية .. فهناك هوة كبيرة بين أهداف المجتمع وثقافته وبين سياسته في التعامل الأمثل مع الداخل والخارج .. مما يشكل عبئا كبيرا على عاتق السياسيين والمواطنين على حد سواء في التوائم والتوافق في بينهما للوصول إلى صيغة محترمة لوطن أجمل يقدس الماضي ويستشرف المستقبل .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات