لغة الحوار


يعتبر الحوار البناء الهادف ، المليء بالتفهم للآخر، والاحترام لآداب التداول المعرفي ، والتناول الموضوعي للمواضيع المطروحة، يعتبرمقياسا لرقي المتحاورين ، وحرصهم الصادق على الوصول إلى الحقيقة المجردة عن الغموض والزيف ، وعليه فإن سمات المتحاورين، وطريقة تفكيرهم ،تبدوا اكثر جلاء ووضوحا عند إحتدام النقاش و وصول الطرفين إلى نقطة الخلاف التي يدور الحوار حولها ، وهنا تتبلور الشخصيات المتحاورة ،مابين محاور واثق من رأيه ،واضح الفكرة ،بليغ العبارة حريص على إيصال الفكرة الى الآخر، ومابين داخل الى حلبة صراع، يحسب ان آراءه لابد لها من صوت هادر ،وكلمة نابية ،وارِغاء وازباد وشتم واحتقار للآراء [ المعادية] حتى تصل إلى الاسماع وتملأ الاذهان .
ومابين متبنّ لأفكارليست له ، مناد على بضاعة غيره ،يتخذ من النفاق والتزيين الخادع والمظهر البراق للكلمات، مدخلا للحوارالاجوف ،الذي لا يشعره هو نفسه بصدق فكرته ولا بنبل هدفه ، وما بين محب لفكرة ساميةمشفق على مصيرها ،ساع لإيصالها لغيره ،حريص على إظهارها ،ولكنه غير متمكن من أدوات الحوار، ولا من إبداعات البيان المؤثرفي الآخر، وهكذا تجد الحوار وقد دخل في أزمة الفوضى، وإشكالية الأنا ، والجمود والتشنج ،وانعدام التفهم ، فيفقد الهدف الذي قام من أجله ، والمصداقية اللازمة لإنجاحه .
ولأن الإنسان هو الناطق الوحيد بين باقي الكائنات ،فإن اللغة هي الوسيلة الامثل لديه في التعبير والبيان ، وبما أن اللغة مليئة بالمفردات المصنفة مابين لغة راقية إنسانية اللهجة ، ندية التعابير، سهلة الاستيعاب ،ومابين لغة سوقية المفردات ،همجية المعاني ،إستبدادية الإقناع ، تقول للآخر مااريك إلا ما أرى وإلا فأنت مخطيء مرفوض الرأي منبوذ الفكر
وهكذا يفقد الحوار نكهة الرقي ، وإمكانية الإستمرار، وبالتالي تظل المعسكرات الحوارية المتحاربة على شفا الإصطدام المدمر لآخر خيط من خيوط التفاهم والتواصل ، وتلاقي الأفكار المبدعة ، وتآخي النقاط الجامعة لكل الأطراف على هدف واحد ، وهو الوصول إلى الحقيقة.

ولقد فصل لنا القرآن الكريم الكثير من المحاورات ،التي تواجه فيها الفكر السليم والحجة والبرهان الجلي والعلم الغزير والمنطق السديد ،مع الجهل والتحايل والتشنج والعدوانية الفكرية والنظرة المتعالية ، لكل مخالف ، والاسلوب المتهم لغير المؤيد، كحوار موسى عليه السلام مع فرعون، ولا تزال الارض ملأى بالفراعنة،وأهل الحجة والبرهان، وحوار رجلي سورة الكهف المؤمن والملحد ، ولا تزال الدنيا تخجل بالملاحدة وتزهو بالمؤمنين ،ومابين الظالم والمظلوم، كابني آدم الشهيد والقاتل ،وما تزال الأرض مخضرة بدماء الشهداء ، ضائقة بالقتلة ، ومابين المجادلة عن حقها ، وولي الأمر القادر على إنصافها ، ولا تزال الأرض تنعم برحمة السميع العليم، وعدل شرع الرسول الرحيم ،وجراة المطالبين بحقوقهم دون ان يخشوا على انفسهم حيفا من الله ورسوله ، والأمثلة كثيرة من القران والسنة والسير والمآثر، التي نفتقدها في ايامنا هذه بين المتحاورين حتى من حملة الفكر الواحد وذوي الغاية السامية نفسها .

إن ما اود قوله لكل من يؤمن بالحوار كوسيلة لاثراء التجربة الانسانية ،وكرافد حضاري لمسيرة الأمة الواعدة وكمغيّر إيجابي لوجه البشرية الحزين ، وكشراكة إنسانية مخلصة ، تسعى لإيصال فكرة طيبة إلى الآخر، أيها المتحاورون الفكرة الواضحة تحتاج الى دليل، والدليل يحتاج الى منطق ، والمنطق يحتاج الى ايمان صادق باحقيته ،وتاج هذا كله ، الادب المنبثق من انسانيتنا، والإحترام المتولد عن شعورنا بكرامتنا، والمحبة للإنسان كمخلوق نحرص على ن يلقى الله على الحق والنور، فالاخر لديه راي ،ولديه تصور، وعنده مبررات مثلك تماما ، فاذا اردت إقناعه برايك فكن مقتنعا انت بما تقول وتعتنق، واحترم فكرك وقدمه باجمل حله ،و ابسط مقولة وادق تعبير، وليشعر الاخر أنك حقا تحب له ما تحب لنفسك ، وتعطيه من الإصغاء والإنصاف ماتتمنى ان يعطيك ،وتحترم شخصه حتى لو لم تعجبك آراؤه وفي ديننا منهج للحوار راق وبناء ومقنع، ومحرر لادمية الانسان ، ولنرجع الى قراننا ونرى اشراقة الحرية ، وانطلاقة الراي وتعايش الافكار، ومساحة التداول والتبادل الثقافي المنسجم مع الشرع الالهي ، ولهفة النداء المشفق في الحوار، والذي كثيرا ماانتهى بالرافضين للحق ،الى اعتناقه بكل رضى وقناعة واعتزاز
[والله يقول الحق وهو يهدي السبيل]


رقية القضاة



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات