ما وراء الاشارات


جراسا -

لأصحاب الايمانِ العظيم والأخْلاقِ السّمِحة والافئدة البيضاء مع خالقِ الكوْن نِعَم ٌ حصريّة ورسائل دنيويّة هادية وفي الاخرة جنّةٌ " جزاءاً من ربّك عطاءا حِسابا"...

حَدَثَ بَعْدَ انْ تلقيتُ الصّفعة الأولى حينَ حَضَرَت أوّلُ اشارةٍ تُحَذِّرُني من الدّخول الى مَطْعم للوَجَبَات السَّريعة لم أُعِرها في تلك اللحظات ايُّ نَوعٍ منَ الاهْتمام مع أنّ نبضي حينها قد تسارع فجأة , ولانَّ ادراكي وعلمي في هذا البُعْد لم يكونا قد نضجا بعد, عَجِزعقلي الباطن عن تحليل تلكَ الرّسالة الغامضة فأتريّث قليلاً و أتّخِذَ قراريَ الصائب باتجاه خطوتي التالية, فَنِلتُ بعدها ما أسْتَحِق من عِقابِ المُعاناة الصحيَّة والماديّة.

يأتي خوفُنا احياناً في غَيْرِ زَمانِهِ الصّحيح ويَقِفُ قَلَقُنا بمكانٍ غير مناسب, ونعاني كثيراً من هزّاتٍ أرضيّة في مُعتقداتنا لم يَخْطُر لنا أن نُثَبِّت أركانها الروحانية لِنَسْتَقِّرَ على مفهومٍ ايمانيٍّ يُخْرِجُنا من عُقدة اللاتواصل, ومع أنَّنا ملتزمون بالعبادة ومُطبِّقون الى حدٍ ما للنّهج الديني , الّا أنَّ جزيئيّة في ذلك الايمان تحتاجُ مِنّا أنْ نأخذ بها كياسة وفطنةً وصِفنا بهما , وجزاءاً على نَقاءٍ في قلوبنا وصفاءِ في سريرتنا وحتّى لا نضيع بين الرَوحانيّة والماديّة, ويَتَزَعْزَعُ ايمانٌ فيكون قابلاً للطَّرْح أو السّقوطِ عند أوّلِ منعطف اغْراء أو قَدَرٌ زَارَ ليَخْتَبِر...

الاشارات التي نَتَحَدثُ عنها وفي مَفهومٍ بسيطٍ بعيداً عن تعقُّدِ المُصطلحات العلميّة هي الرّسائلُ السماويّةُ الماديّة منها أو المعنويّة , ايحاءاتٌ وصورداخلية تُخاطِب القلب والعقل أو حوادثَ واطاراتٍ خارجيّة ,تُرْسَل أو تُلْهَمُ كَمُساعدةٍ في أتخاذِ قرارٍ أو للتّحذيرِ من خطرِ قادم أو للتَحْبيب في خطوة تالية أو حتّى كَشْفٌ لما وراءَ الحَدث, يأتي توقيتها مُتَذَبْذِباً بين حالة الراحة أو قمة الانشغال, تتطلّبُ في مُعْظمِها قرارتٌ لحظيّة مُهمّة لا تَقْبَلُ التّأجيل.يعتمد في التفاعل معها مدى الثقة والقوة بالحاسّة السّادسة.

كيف نَتَفاعَل مَعَها وكيف نُعيدُ تَحديثِ عقْلَنا الباطِن ليَتَمَكَّنَ من تَرْجَمةِ تلكَ الاشارات مَسْألة ليست مُعقّدة الجَوابُ عليْها بِكلمتان : الثّقَة والمُمارَسة. ويبقى الأصْعبُ هو جرأتنا في اتّخاذ القَرار حين يأتي تردّدنا بسببِ غيابُ الادلَّةِ التقليديّة التي اعْتدنا أنْ نتّخذَ على أساسِها قراراتنا أو تَعارضِ تلك الاشارات مع المَنْطِق الأرضي و ضعفِ ارتباطها بمفاهيم المَعْرفة المتوفرة .

الاشارات قد تأتي من أجلِ أبْسطِ الأمور, وقد تُرْسل لمَسائلَ قد تعقّدت على صاحبها أو لرعونة أعترته في حاجة لم يّعُدْ يُدَقِّقُ في أبعادها وتفاصيلها وهي تُرْسل لأصْحاب النيّات الطيّبة والاخلاق الرّفيعة والمؤمنين ذَوو القلوبِ الطّاهرة , ولا يأسَ في تصنيفِ حالَكُم بعيداً عن تلك الفئات فلا أحد يَعْلمُ حقّ العلم منزلته عند خالقه فقد تكون عظيمة و لم يُدْرِكُها...

والجديرُ ذكره هُنا أنّ هُناك شَعرةٌ رفيعة بين مفهومِ الاشارات وبين التشائم أو التطيّر, ففي حين أنّ الاشارات هي رسالة انقاذ كونيّة تَتَجَدَّدُ باستمرار , تَتَعدَّدُ أشكالها وتتنوّعُ أحداثها وفقاً لسير أمور خاصّة عند ذات فرد معين, ايجابيّةٌ في محتواها وانْ اعْترى شكلها الخارجي احياناً منظرٌ مزعج أو توقيت سيّء , يأتي التطيّر عادة بشريّة مكررة بنفس الشكل والحالة, جماعية على الأغلب,وينطلق التطيّر أو التشاؤم من كره باطني اساسه صورة سابقة ثابتة لا يستند الى قاعدة علميّة او تفسير روحاني بل عُرْفٌ وعادة ترجع على صاحبها بالنّدم والبلاهة والتخبّط ,.وفي اجتهادٍ بسيطٍ أخرَ قد تُعَدُ الرّؤى والاحلام من ضِمْن عالم الاشارات ولكنّها أكثرُ تعقيداً في تحليلها وتفسيرها لذا فهي تَحتاجُ عِلْمٍ مُفَسِّرٍ خاصٍ بهذا الشأن.

لا بُدّ أنّ الكثيرَ قَدْ تعامل مع الاشارات في حياتهِ وتَعامَل مَعَها حتى دون أن يعرف أو تردّد فأهْمَلها فندم , ويبقى حديثنا عن الموضوع في عُجالة, ولنستعرض مِثالين سريعين حتَّى تَتّضحَ الفِكرة أكثر ولان طرحنا هناك سريعٌ على البعض, فنقول : ( تخيّل أنّك ذاهبٌ لِشراءِ شِقّة سكنيّة وقابلت مالكَ العَقَار ثم ترافقتما لترى تلك الشّقة ولِتَعْرف هل ستكون ضِمْنَ المواصفات التي تناسبك وتناسب عائلتك بعد أنْ لائمك ثمنها , وعندما اقْترَبْتُما من الشقة تفاجأ المالك بأنه قد نَسِيَ المفتاح ,فأضطرّ انْ يعود ليجلبه وبقيت أنت تنتظره, وعندما رجَعَ وهَمَّ بِفَتْح الباب كُسِرَ المفتاح في القفل , ولم يستطع بعد محاولات عديدة من فتحه ,فَطَلَبَ منك العودة في اليوم التالي , ولكنّك لن تستطيع لظروف عملك )...(كان أحدُ المُطّلعينَ على الاشارات يتّجهُ بمركبتهِ الى وظيفته التي تَبْعُد أكثر من ثلاثمائة كيلومترا عن بيته وفي منتصف الطريق أوْقفتهٌ دوريّة شرطة المرور بالقُرِبِ من بلدة صغيرة مُنزوية ,لم يكن الشرطيّ ليوقفه الّا طالباً منه بكل أدب أنْ يُقِلَّ معه في طريقه فتاتين الى المدينة التالية لطول انتظارهما على الطريق دون جدوى ولشدة الرياح والجو القارص خارجاً , قَبِلَ صاحبنا بعد أنْ أخبر الشرطيّ أنّه سَيَقِلّهما فقط الى ما قبل المدينة بعدة كيلومترات حيث مقرُّ عَمَلِهِ هُناك , صعدت الفتاتان بلا تردّد وسار بهما مسافة طويلة الى أنْ اقترب من القرية التالية و من مَركِز عمله أيضاً فاعتذر مِنهنّ لعدم قدرته على الذهاب بهما الى المدينة ,خرجت الفتاتان ممتنّتين له على كرمه وطيب اخلاقه , وقد واجهتا صعوبة في فتح باب المركبة من شدة وقوة الرياح لكنّهُنّ ترجلتا في النّهاية , تابع طريقه لعدة امتار ثم أشْفَقَ أنْ يتركهما هكذا في هذا الجو القارص فقرّر أنْ يعودَ أدْراجَهُ في أوّل مُنْعطفٍ قادم , وقد فعل ولكنّهُ في الّلحظة التي عَبَرَ فيها كادت مركبة أُخرى قادمةٌ من اتجاه غير قانوني أنْ تَصْدمه لا بل وتُدَمِّرهُ كلياً مع مركبته ولكنّ رحمة الله أنقذته, تابع سيره بمركبته ورأى انّ الفتاتان ما زالتا واقفتين على ناصية الشارع الاُخْرى أمام مَتْجَرٍ صغير تنتظران وترقبان الحافلات القادمة لكن دون أنْ يلحظانه , فَكّر هذا العارف ما حَصَلَ مَعَهُ مِنْذ لحظات وقرّر في نَفْسِه أنّه حالما يلْتَفُّ مرةً أخرى في مسافةِ لا تتجاوزُ الخمسين متراً للجهة التي تقف عليها الفتاتان ويرى أنّهما ما زالتا تقفان واتجاههما الى الشارع سيتوقف ويطلب منهما الصعود وأمّا اذا كان وجهيهما باتجاه المَتْجر سَيُتابع سَيرهُ ولن يتوقّف ,ولانّ المسافة صغيرة كما ذكرنا فقد خفف من السّرعة تمهيداً للتوقّف لاعْتقادهِ بضعفِ احتماليَة التغيير هذه ولكنّهُ تفاجأ عندما أقترب أكثر ووجد أنّ قِبْلة وجهيهما قد تغيرتا سويةً وأصبحتا باتجاه المتجر بعكس كل من كانوا بجانبهما من المارّة في تعقّد غريب من نوعه , فأكمل ولم يتوقف...).

لا شكّ انّ الفِكرة قد وصلت البعض وللبعض الاخر نقول : انَّ نسيانَ مفتاح باب الشّقة وخرابهِ وعدمِ تَفَرُّغِ المشتري للعودة في اليوم التالي في المثال الأوّل هي اشارات بأنّ الصفقة لا تَسْتَحِقُّ أنْ تَتِمَ ,وانّ احتماليّة وقوعِ حادث جسيم و تغيير وجهة الفتاتانِ في المثال الثاني اشارات للعارف بأنْ لا يَقِلّهما مَعَه ...

بقي انْ نقول انَّ هُناك راحةً نفسيّة واطمئنانٍ يَشْعرُ بهما صاحبهما بعد انْ يستجيب لتلك الاشارات,وتاتي الاجوبة عن تساؤلاتنا المتعلّقة بقرارتنا التي بُنيت على التوكّل الالهي لاحقاً ولتكشف مصداقيتها ولتأتي اكُلها في زمنها المناسب في أحساس يفوق حالتنا المأمولة السّابقة...

الاشارات فاكِهةُ الحَدَس تَشْعر بحلاوة صدقها مجرّد رؤيتها ومن تذوّقِها تستمتعُ وتستفيد , تأتيك لتنقذك , توكِزُك فأهتم لِوَكْزَتِها , وتفاعل معها لتتابع سَيْركَ بأمان... 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات