نقابة المعلمين .. عنقاء الرماد


عادت العنقاء إلى الحياة بعد خمسة وخمسين عاماً من القتل العمد، بعثت من تحت الرماد لتطلق تحذيراً لكل من يهمه الأمر أن إرادة الشعوب لا تقهر، وأن المطالب المشروعة لا يمكن تجاوزها أو السكوت عنها إلى الأبد.
حاولت الحكومة بطرق وأساليب مختلفة التأثير على نتائج ومخرجات انتخابات نقابة المعلمين، ولكن على نفسها جنت براقش، فانقلب السحر على الساحر، وأثبت المعلمون أنهم على قدر المسؤولية، وأنهم أوعى مما يتصور هؤلاء، فأنجح المعلمون الانتخابات رغم عوار الإجراءات، وأعطوا الحكومة وكل من يصطاد في الماء العكر درساً في الالتزام والوعي والمسؤولية.
فمن النظام الداخلي القاصر لنقابة المعلمين، والتضييق على الدعاية الانتخابية، وعدد الصناديق المحدود، وعدم التنظيم، والازدحام الشديد، ودوام الطلبة العبثي، وتأخير عملية الانتخاب إلى العاشرة، كل ذلك وما خفي كان يهدف إلى إفشال الانتخابات، وإحباط المعلمين، ولكن المعلمين رغم المسافات البعيدة التي قطعوها، والانتظار الطويل أفشلوا المكيدة، تؤازرهم لجان انتخابية صبرت على التعب والإرهاق والتجويع لإنجاح النقابة الحلم، وأثبت المعلمون أنهم شوكة في حلوق أعداء الإصلاح والتغيير.
الخلل في إدارة الإنتخابات كان واضحاً بالرغم من أن المعلمين هم المنفذون على الدوام للانتخابات النيابية والبلدية، ولكن ما حدث كان على الأرجح مقصوداً. فما المعنى أن يقطع المعلم خمس عشرة كيلومتراً وأكثر لينتخب؟ أما كان من الممكن التفكير بصناديق متحركة للمناطق المتباعدة؟ وما معنى حشر 560 ناخباً في صندوق واحد في فترة زمنية قصيرة، مما خلق ازدحاماً شديداً وانتظاراً طويلاً، أفقد البعض صبرهم وجلدهم وغادروا دون تصويت. ما المانع من زيادة عدد الصناديق تسهيلاً على المعلمين وتشجيعاً لهم وتخفيفاً عنهم؟ ما ذنب اللجان الانتخابية أن تعرضت للضغط الشديد وعانت التعب والإرهاق، دون طعام أو شراب منذ الساعة السابعة صباحاً وحتى الساعة 12 ليلاً في بعض المناطق؟ أي عقلية هذه التي تدير انتخابات مهمة بهذا الحجم؟
ومع كل هذه العوائق والصعوبات نجح المعلمون في عرسهم الأول، وتحدوا كل الظروف، وكسبوا الرهان، وانتخبوا مجالسهم بعملية ديمقراطية لم يعترض عليها أحد حتى اللحظة، وبغض النظر عن الفائزين، فهم كلهم معلمون ولدوا من رحم القهر والمعاناة والتهميش والإقصاء. انتهت الانتخابات وجميع الفائزين منذ إعلان النتيجة هم معلمون، فلا كتل ولا ألوان، فهم يمثلون الجميع دون تمييز، لهم علينا حق الدعم والمساندة، ولنا عليهم أن يسمعوا لنا ولا يتجاوزونا.
جميع المرشحين فازوا في 29 آذار، فمن حصل على ثقة المعلمين وفاز أمامه مرحلة شاقة من البناء والتأسيس والعمل المضني الذي لا يطيقه إلا الرجال الرجال، ومن لم يحالفه الحظ، فقد استراح وألقى العبء على من فاز, والجميع أشبه بمن استهم على مغرم، فلا غنيمة في الفوز، ولا منقصة في عدمه. فالجميع أخ كريم وابن أخ كريم، فالمعلم أخو المعلم، والفائز لم يأت من كوكب آخر، بل جاء من تحت الرماد، ومن بين الصخور والأشواك. أما الذين كان لهم فضل السبق في النضال والكفاح من أجل المعلمين ولم يحالفهم الحظ، فقد آن لهم أن يستريحوا، فإن كان نضالهم وجهادهم من أجل المعلمين، فقد فاز المعلمون واختاروا من يمثلهم، وإن كان حراكهم من أجل الفوز، فقد وصلتهم الرسالة واضحة جلية!
لا فائدة بعد ظهور النتائج من حملات التشكيك والندب والشتم والردح وإطلاق الإشاعات، وإلقاء اللوم على الآخرين، واتهام المعلمين بعدم الوعي وخيانة قادة النضال، فلن يغير ذلك من النتيجة شيئاً، ولا يلم أحد إلا نفسه، ودعونا نتفرغ للآتي، وهو أكبر وأصعب، ولكل معلم فيه دوره ومهمته، فما دمنا قد احتكمنا إلى صناديق الاقتراع ونعرف منافسينا وقبلنا أن نكون وإياهم في ميدان واحد، فلنتقبل النتيجة مهما كانت بصدر رحب، فكل حصد ما زرع، ولكل مجتهد نصيب، ومن أتقن عمله وجد نتيجته.
المرحلة القادمة هي أصعب مرحلة في تاريخ العمل النقابي في الأردن، وتحتاج أن يتكاتف الجميع (جميع المعلمين) من أجل مرحلة التأسيس على أسس قوية وسليمة، وجودة عالية، ولا بد لذلك من بذل الجهود المخلصة، والتعاون، وإنكار الذات، وتقديم الأكفأ والأقدر، وعدم التهرب، والبعد عن الأضواء وحب الظهور، ولا بد من الاستفادة من نجاحات النقابات الأخرى وخبراتها النقابية، والانفتاح على الإعلام بشتى أشكاله وصوره، وتأسيس إعلام نقابي متقدم، وغير ذلك مما يكفل نجاحاً متميزاً يخرس الألسنة، ويفجر غيظ الشامتين، ويرد كيدهم إلى نحورهم.
تخوف البعض من تسييس النقابة، تخوف في غير محله، ففوز حزبيين ومسيسيين لا يعني تسييس النقابة، فالنقابة مهنية لخدمة المعلمين، ومواقفها السياسية –إن وجدت لاحقاً- لا تخرجها من مهنيتها، لأنها تمثل قطاعاً واسعاً من المجتمع، وهي نقابة وطنية يجب أن يكون لها دورها وموقفها في خدمة الوطن والمعلمين بما لا يخرجها عن إطارها المهني. إن العمل النقابي الناجح بحاجة إلى خبرات تنظيمية وسياسية وحزبية لأنها الأقدر في مرحلة التأسيس والبناء. ومن يطالب بعدم مشاركة الأحزاب في انتخابات النقابة وحرصها على الدفع بمرشحيها ساذج لا يفقه شيئاً في العمل النقابي!
وبعد، فإن نقابة المعلمين في هذه المرحلة بحاجة أن يتجاوز الجميع أنانيتهم وحبهم للذات، وحرصهم على قطف الثمار وحدهم، فيجب أن يكون لكل معلم دوره، فلا تقصي النقابة أحداً، ولا يبخل أي معلم بما يستطيع، فالنقابة للجميع دون استثناء، والفائزون هم من وقع عليهم الخيار للخدمة وتحمل المشاق والصعاب في مهمة انتحارية لا يحسدون عليها، فإن أثبتوا جدارتهم فلهم منا كل التقدير، وإلا فقد حكموا على انفسهم بالاحتراق، ولن يعذرهم أحد، وليعلموا أنهم منذ لحظة الفوز سيكونون تحت المراقبة الصارمة من قبل الجميع، معلمين ومجتمع وإعلام وحكومة، وسيستغل البعض بالتأكيد أي خطأ أو تقصير للتشهير، فلا تعطوا أحداً فرصة للقدح، وكونوا على قدر المسؤولية، أعانكم الله على أداء الأمانة التي حملتموها، سددوا وقاربوا، وكلنا معكم إن أحسنتم، وإلا فلا تنتظروا منا أن نكون مداحين أو مداهنين أو مصفقين!
mosa2x@yahoo.com





تعليقات القراء

عصام الضمور
مقال رائع وبورك فيك.................
01-04-2012 08:40 PM
معلم طفران مش لاقي يوكل
نعم عيوننا عليكم فلم نحضركم لتزيدوا من وطأة الاعباء علينا وانما كلفتم لخدمتنا والعناية بمايهمنا في مجالنا التربوي والاقتصادي والتنظيمي بما يسهل مهامنا التعليمية والتربوية والكيس من اتعظ والسلام
01-04-2012 09:31 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات