جراسا -

شد وثاق خيله فاجتاح فضة الليل. غنى فوق قرع الطبول، وسك حديد السيوف فالهب شمس الفصول.

الفارس اعتلى المسرح رافعاً قمراً في ليل الخميس, والسيدة التي انتظرته طويلاً تألقت كبنفسجة تدور الاحاديث وترفع مدائح الطبيعة.
جومانة بو عيد نجحت بالامس خلال استضافتها لعاصي الحلاني في "كلمة فصل"، فكان الغناء وكان الكلام يزيد من اضواء روتانا ألقاً.

عاد الحلاني الى بيته الاول "روتانا" كلمة اعلنها مع جومانة دون ان يهمه اي عقد، فالذي يجمعه بهذه المؤسسة اكبر من العقود فالاهم عنده هو النجاح المشترك من اجل فن افضل.
نفحات لم تغب عن الحوار بكل فصوله وتقلباته العلاقة بالارض ومفهوم الوطن، والعلاقة بالعائلة والحب الذي يجمع اواصر الالفة بين الاهل وبين الزوج والزوجة.
اعلنها عاصي بانه يحب غيرته وغيرة زوجته فهذا دليل حب، وهو ابن الضيعة الذي يرى في المرأة هذه الغيرة التي لا تنطفئ جذوتها، ولا حبها.

عاصي الذي يستقي حضوره من رقص الخيول، يعرف كيف ينسج الكلام، فهو الفخور بنشأته البسيطة. المتشرف بأهله الذين ذارتهم الكاميرا تصور اماكنهم وضيعتهم الحلانية حالفين باسم ابنهم.

لا ينكر الحلاني ان له خطا ورأيا سياسيا، فهو يؤمن بان للفنان موقفت ورأيت في قضايا الوطن، وهو قدوة للناس الذين يحبونه، يكره عاصي الالوان التي تفرق اللبنانيين ويؤمن بجمعها تحت لواء الانتماء الواحد وضد تدخل الاخرين. الحلاني يعتبر انه لبناني بانتماء عربي، فكل وطن عربي وطنه. وهو لاجل هذا الايمان غنى بيروت "عم تبكي" .
الدين عند عاصي له مفهوم الجمع وليس التفرقة، وهو المتزوج من غير طائفته، يغرس تعاليم الالفة في ابنائه كنيسة وجامع. وهذا ليس كرما لعيون زوجته المسيحية بل لانه تربى على هذه القيم، فصورة العذراء طالما كانت في بيته .

وعندما سألته جومانة اي مكسب يحققه كونه صديقا للامم المتحدة قال : " كل ما اقوم به ليس لامر شخصي بل لان علم لبنان تاج فوق رأسي وهذا اقل ما يمكن ان اقدمه لوطني كشاب لبناني وليس لاني فنان ".

ينكشف في كل الحوار بان عاصي لا يهوى القال والقيل ويسمو فوق زلات اللسان، فيوجه رسالة الى فارس كرم حتى يزيل اي شك وغيره. موضحاً بان اللون الذي غناه فارس لشبيهه باللون الذي يغنيه من هوارة ومونولج يبعث الفرح بين الناس وهذا اللون ليس حكراً على احد انه فولكلور موجود منذ القدم. وفارس كرم فارس باخلاقه وليس بصوته فقط. ولم يستأ عاصي من راغب علامة عندما قال عنه انه قد غير لونه، وفعلاً طلب من راغب ان يرى عاصي من الداخل اما لمحمد عبده الذي غنى له الاماكن كتحية، فقال عنه: "القدوة والعملاق ويعتز بشهادة عبده لاغنية الباب عم يبكي ".

في العتمة انكشف دمع الحلاني يحكي عن امه وابيه، هو الذي حن الصخر لغنائه لهما، وذاب القصب لنشيده ولا احد يعوض فراق الاهل، واعداً روح امه بان منزلها سيبقى مفتوحاً، وفي عيون اخوته يرى عيون الحبيبة الراحلة. وعن كوليت الزوجة قال بانها الام الحقيقية وست البيت التي ترعى ابناءهما الوليد دانا وماريتا.

مفاجآت "كلمة فصل" كانت متواصلة، ريبورتاجات في مدرسة اولاد عاصي، شهادة من عبد الحليم كركلا. الذي اعلن ان اعمدة بعلبك سترقص للمسرحية القادمة مع عاصي الذي استقى من صوته خيالاً وابداعاً وفروسية وكرامة وشهامة.

والمفاجأة الابرز حضور الفنانة رويدا عطية فاجتمع قمتا الصوت في ديو من العتابا واغنية سحر الشرق.
العاصي العائد ادراج بيته يحمل صوته تحية لصاحب البيت ويغني في ربيع فصوله للامير الوليد.

ولم يتورع من قطف وردة الفصل، قابلاً التحدي، الذي اتاه على غفلة، حين اوقعته جومانة بشرك كلمتها وطلبت منه التخلي عن حصانه لمدة شهر ليعيش في مزرعة مجهولة، فامتقع لون عاصي وقال ضاحكاً : " سأعطيكم حماراً ".

صدْح صوته لم يهدأ، فمدلاته الغنائية بقبت تضج على اطراف المسرح دبكة وتلويحاً من الجمهور ومن فرقة المجد البعلبكية لينهي ليله باغنية "انك لبناني". وكأن النهاية بداية لفرح ما...