منذ بداية الانقلابات العربية بقليل وحتى الآن تطرح بعض الحركات المختلفة بأيدلوجيتها وبعض الأنظمة فكرة الإصلاح رغم اختلاف رؤيتها للإصلاح، وكلها تصب في نية إصلاح النظام السياسي القائم، وذلك تشكيكاً منها – أي الحركات والأحزاب- في جدية القيام بإصلاحات في نفس بنية النظام الموجودة حالياً. وبغض النظر عن سوء نيتها أو حسنها، فإن ذلك أصبح مطلباً تقليدياً متداولاً في قلب الحركات والأحزاب التي تدعو للإصلاح دون طرح برنامج إصلاحي يقنع أصحاب السياسة أو على الأقل ، لم تدخل حتى الآن في طرح خطاب أو برنامج بسيط يفهمه الشارع.
فعندما تتحدث عن إصلاح، فإن ذلك يعني الكثير من الأمور التي يتوجب القيام بها والتحضير لها قبل الإصلاح أو قبل الانتقال إلى مرحلة التغيير الإصلاحي بمعنى جديد.
كل هذه الأمور مبهمة تماماً بالشارع المحلي، وحتى في أوساط المفكرين وأصحاب الساسة. لأن مفهوم الإصلاح شامل لا يمكن البدء فيه أو الانخراط به بشكل مبهم دون أجندة واضحة مفهومة وقبل التحضير له كما أسلفنا. هذا كله يمكن أن يكون بجهود ونية واضحة لا تخفي في تفاصيلها خفايا غير إصلاحية أيضاً ولا تحمل نظرية ميكيافلية خاطئة بمفهومها ومؤذية في طياتها. لذلك يجب أن نسأل أولاً هل تفهم هذه الحركات أن النظام قابل للإصلاح، وما هو الفرق بين إصلاح النظام وتغيير النظام في مفهومهم.
كل هذه الأمور ظهرت على ساحة التنافس الحزبي المتتالي وانتقلت من جهة إصلاح النظام إلى المطالبة المبطّنة في استعراض القوى الذي يخوضه الإخوان المسلمون في الأردن، تحت مسمى من هو الأقوى ومن يستطع الانتقال بالأمة والمجتمع إلى مرحلة جديدة. قد يظن البعض أننا ضد الأخوان وممثليهم في الحركات الإصلاحية الأخرى، نقول أن ذلك خاطئ، ولكن هذه النظرة كما هي موجودة في فكري فهي موجودة في فكر الآخرين، كون الجماعات الإسلامية انقلبت بشكل سريع ضد نفسها أولاً وضد الإرادة الشعبية بشكل أو بآخر. ودليل ذلك هو الاستعراض الهزيل الذي قام به الإخوان المسلمون في الساحة الأردنية الجمعة الفائتة، فما هو دليل قوتهم هو نفسه كان دليلاً على فشلهم حيث تبلور ذلك في طريقة حشد الطاقات والأفراد للخروج بقوة أكبر لفرض نصيبهم من اتخاذ القرار. ربما كان ذلك مستنداً حالياً على القوة الإسلامية التي ظهرت في الساحة المصرية – رغم اختلاف الأسلوب والبنية – فباتوا يتكئون على دولة بدل الحركة سابقاً.
كل هذه الأمور يجب أن يتم فهمها بشكل مغاير، فما حصل ويحصل في الساحة المصرية مختلف جذرياً عما يحدث في الساحة الأردنية، فعندما نجحت الحركة الإسلامية في مصر بالتعاون مع الحركات والأطياف المصرية المختلفة في حشد الملايين للمطالبة بإسقاط النظام، كان ذلك بعد أن أراد الشعب، إلا أن الحركة الإسلامية متعاونة مع الحراكات الشعبية في الأردن فشلت في حشد الشعب كون الشعب قد فهم المصلحة الإسلامية بشكل ربما يكون منفتح أو مغاير، وكون الحركة الإسلامية في الأردن فهمت المرحلة الحالية في الأردن بشكل مختلف.
وبالتأكيد سيحاول الإخوان مرة ثانية وثالثة وربما يتابعون محاولاتهم في فرض نظرية – الأقوياء- دون طرح منهجي لبرنامج واضح بسيط يشمل ما يجب أن يشمله من تفاعلات التي ستقوم في المجال العام والنتائج التي ستترتب عليها. فحتى الآن – ومع الاحترام لفكر هذه الحركات وقدر الفرد في مجتمعنا – فلم نصل حتى هذه الفترة لمجتمع يعبر عن مكوناته كمجتمع مستقل نسبيا ، ويمتلك وعيا مستقلا بهذا القدر أو ذاك عن أحزابه، التي ستختلف في أبنيتها وأدوارها ووظائفها اختلافا جذريا عن نمط الأحزاب التي عرفناها. لأن الفرد ضمن المجتمع لن يكون قادراً حالياً دون تحضير مسبق إلى أن يكون حاملاً للنظام السياسي المرهَق بالمطالب التي تحاول الإخوان المسلمون تسييسها لصالحهم باعتبارها نصبت نفسها وصياً أحادياً على الشعب. وهذا لن يكون ايجابياً لأن قيادة أي حركة أو حزب يختلف تماماً عن قيادة نظام أو دولة. لذلك فإن إرادة الشعب يجب هي أن تكون مصدر طاقة أي حركة أو طيف، وأن تشارك مجتمعة الشعب وتحمل معه مطالبه، لا أن تكون ممتطية عليه لتمرير ما تريده.
إن تزايد ظهور الحركة الإسلامية من وقت لآخر في الشارع الأردني هو دليل إما على عدم قدرة الدولة على تلبية مطالبها أو أن الحركة الإسلامية باتت تطالب بتخبط بالمزيد من المطالب مما يرهق الدولة ويجعلها غير قادرة على تنفيذ هذه المطالب –بغض النظر عن صحتها- وبالتالي يصبح الإسلاميون يشددون على المطالب غير المحققة من النظام لتزيد من تعنت الحركة الإسلامية. إذن نحن نفهم أن الاعتصامات والمظاهرات التي تقوم بها الحركة الإسلامية هي محاولة جعل الدولة ضعيفة عن أداء مطالب ربما تكون بسيطة في ظاهرها، إلا أنها تحتاج لسنوات طويلة من التحضير قبل البدء بتجريبها على أرض الواقع. وبصراحة فإن هذا ما يحصل على أرض الواقع، كون الحركات الإسلامية لا تعطي فرصة للدولة ولا الدولة قادرة على المشاركة في عملية التغيير بشكل جذري، حتى تقطع الطريق على الحركة الإسلامية للاستمرار في تظاهرها.
وهنا نسأل، هل الدولة إذن على حق فيما تقوم به؟ نقول وبكل شفافية أن الدولة مقصرة جداً في استباق الإصلاح بل بطيئة جداً بمحاولتها للتغيير السلمي لصالح الفرد. كل هذه العوامل تؤثر بشكل كبير في تخبط واضح في الشارع، مما يسمح للحركة الإسلامية باستغلال هذا التخبط لجر المجتمع إلى جانبها. ولولا أن الدولة تباشر بإصلاحات جذرية ملموسة، فإن ذلك سيضعف الحركة الإسلامية كون المطالب ستتغير وفقاً للمرحلة المقبلة؛ وإن هذه الامتيازات التي أعطاها الشعب بطريقة أو بأخرى لهذه الحركات والفعاليات الجدلية ستصبح ظاهرة ظرفية قابلة للتغيير في أي وقت بسبب التزام الدولة بمنهج الإصلاح أولاً وانعدام الرؤية الواضحة والبرنامج الواضح لهذه الحركات ثانياً، ولأن الانطلاق العشوائي غير الممنهج لاحتجاجات الحركات الإسلامية هي ليست من منظور المخالفة الصريحة ولكن من باب التنافس السياسي للوصول إلى السلطة التنفيذية لتعطيل أو إفراز قرارات عندها سيكون مفهوماً للمجتمع ما هو الصحيح .
وقد يقول البعض أن الحركة الإسلامية لا تسعى بشكل أو بآخر للوصول إلى السلطة كونها رفضت العديد من العروض للمشاركة في السلطة، نقول إن هذا أيضاً سر ضعف الحركة الإسلامية، لأنه بإمكانها أن تفرض نفسها عندما تكون في بوتقة صنع القرار، وإذا كان لديها هذا 'الحشد الهائل' فهي بالتأكيد تستطيع التأثير في أي قرار. وللعلم فإن الحركة الإسلامية تشارك بطريقة أو بأخرى في السلطة التشريعية ولديها ممثليها سواء كانوا مستقلين أو منتمين لأي طيف سياسي آخر. لهذا فإن حجة الإخوان المسلمون باتت غير مثمرة في هذه الظروف.
إن الهدف بات أسمى من فرض القوة، فالمواطن وبنيته التحتية هو المتلقي لسلبية استعراض القوة بين الدولة والحركة الإسلامية. وأنا أؤكد مرة ثانية أنني لست ضد أي حراك يطالب بإصلاحات حقيقية على أن لا يكون الفرد هو القاسم المشترك بين الأطراف، حتى لا يعيش الفرد في حالة فوضى تؤثر عليه. ويجب علينا التحضير إلى مؤتمر وطني شامل لتوحيد المطالب وتوحيد الجهود والتعاون ما أمكن مع الإدارة السياسية للانتقال إلى مرحلة كريمة يعيشها الفرد دون الدخول في متاهات الصراع على السلطة أو القرار أو استعراض القوة. وأن أي طيف يجب أن يحظى بمشاركة وبقاعدة شعبية كبيرة قبل الانتقال إلى الشارع لفرض الرأي لأن القوة تعني ترابط حدين إذ لا وجود للدولة بمعزل عن الأمة ولا وجود للأمة خارج الدولة.
منذ بداية الانقلابات العربية بقليل وحتى الآن تطرح بعض الحركات المختلفة بأيدلوجيتها وبعض الأنظمة فكرة الإصلاح رغم اختلاف رؤيتها للإصلاح، وكلها تصب في نية إصلاح النظام السياسي القائم، وذلك تشكيكاً منها – أي الحركات والأحزاب- في جدية القيام بإصلاحات في نفس بنية النظام الموجودة حالياً. وبغض النظر عن سوء نيتها أو حسنها، فإن ذلك أصبح مطلباً تقليدياً متداولاً في قلب الحركات والأحزاب التي تدعو للإصلاح دون طرح برنامج إصلاحي يقنع أصحاب السياسة أو على الأقل ، لم تدخل حتى الآن في طرح خطاب أو برنامج بسيط يفهمه الشارع.
فعندما تتحدث عن إصلاح، فإن ذلك يعني الكثير من الأمور التي يتوجب القيام بها والتحضير لها قبل الإصلاح أو قبل الانتقال إلى مرحلة التغيير الإصلاحي بمعنى جديد.
كل هذه الأمور مبهمة تماماً بالشارع المحلي، وحتى في أوساط المفكرين وأصحاب الساسة. لأن مفهوم الإصلاح شامل لا يمكن البدء فيه أو الانخراط به بشكل مبهم دون أجندة واضحة مفهومة وقبل التحضير له كما أسلفنا. هذا كله يمكن أن يكون بجهود ونية واضحة لا تخفي في تفاصيلها خفايا غير إصلاحية أيضاً ولا تحمل نظرية ميكيافلية خاطئة بمفهومها ومؤذية في طياتها. لذلك يجب أن نسأل أولاً هل تفهم هذه الحركات أن النظام قابل للإصلاح، وما هو الفرق بين إصلاح النظام وتغيير النظام في مفهومهم.
كل هذه الأمور ظهرت على ساحة التنافس الحزبي المتتالي وانتقلت من جهة إصلاح النظام إلى المطالبة المبطّنة في استعراض القوى الذي يخوضه الإخوان المسلمون في الأردن، تحت مسمى من هو الأقوى ومن يستطع الانتقال بالأمة والمجتمع إلى مرحلة جديدة. قد يظن البعض أننا ضد الأخوان وممثليهم في الحركات الإصلاحية الأخرى، نقول أن ذلك خاطئ، ولكن هذه النظرة كما هي موجودة في فكري فهي موجودة في فكر الآخرين، كون الجماعات الإسلامية انقلبت بشكل سريع ضد نفسها أولاً وضد الإرادة الشعبية بشكل أو بآخر. ودليل ذلك هو الاستعراض الهزيل الذي قام به الإخوان المسلمون في الساحة الأردنية الجمعة الفائتة، فما هو دليل قوتهم هو نفسه كان دليلاً على فشلهم حيث تبلور ذلك في طريقة حشد الطاقات والأفراد للخروج بقوة أكبر لفرض نصيبهم من اتخاذ القرار. ربما كان ذلك مستنداً حالياً على القوة الإسلامية التي ظهرت في الساحة المصرية – رغم اختلاف الأسلوب والبنية – فباتوا يتكئون على دولة بدل الحركة سابقاً.
كل هذه الأمور يجب أن يتم فهمها بشكل مغاير، فما حصل ويحصل في الساحة المصرية مختلف جذرياً عما يحدث في الساحة الأردنية، فعندما نجحت الحركة الإسلامية في مصر بالتعاون مع الحركات والأطياف المصرية المختلفة في حشد الملايين للمطالبة بإسقاط النظام، كان ذلك بعد أن أراد الشعب، إلا أن الحركة الإسلامية متعاونة مع الحراكات الشعبية في الأردن فشلت في حشد الشعب كون الشعب قد فهم المصلحة الإسلامية بشكل ربما يكون منفتح أو مغاير، وكون الحركة الإسلامية في الأردن فهمت المرحلة الحالية في الأردن بشكل مختلف.
وبالتأكيد سيحاول الإخوان مرة ثانية وثالثة وربما يتابعون محاولاتهم في فرض نظرية – الأقوياء- دون طرح منهجي لبرنامج واضح بسيط يشمل ما يجب أن يشمله من تفاعلات التي ستقوم في المجال العام والنتائج التي ستترتب عليها. فحتى الآن – ومع الاحترام لفكر هذه الحركات وقدر الفرد في مجتمعنا – فلم نصل حتى هذه الفترة لمجتمع يعبر عن مكوناته كمجتمع مستقل نسبيا ، ويمتلك وعيا مستقلا بهذا القدر أو ذاك عن أحزابه، التي ستختلف في أبنيتها وأدوارها ووظائفها اختلافا جذريا عن نمط الأحزاب التي عرفناها. لأن الفرد ضمن المجتمع لن يكون قادراً حالياً دون تحضير مسبق إلى أن يكون حاملاً للنظام السياسي المرهَق بالمطالب التي تحاول الإخوان المسلمون تسييسها لصالحهم باعتبارها نصبت نفسها وصياً أحادياً على الشعب. وهذا لن يكون ايجابياً لأن قيادة أي حركة أو حزب يختلف تماماً عن قيادة نظام أو دولة. لذلك فإن إرادة الشعب يجب هي أن تكون مصدر طاقة أي حركة أو طيف، وأن تشارك مجتمعة الشعب وتحمل معه مطالبه، لا أن تكون ممتطية عليه لتمرير ما تريده.
إن تزايد ظهور الحركة الإسلامية من وقت لآخر في الشارع الأردني هو دليل إما على عدم قدرة الدولة على تلبية مطالبها أو أن الحركة الإسلامية باتت تطالب بتخبط بالمزيد من المطالب مما يرهق الدولة ويجعلها غير قادرة على تنفيذ هذه المطالب –بغض النظر عن صحتها- وبالتالي يصبح الإسلاميون يشددون على المطالب غير المحققة من النظام لتزيد من تعنت الحركة الإسلامية. إذن نحن نفهم أن الاعتصامات والمظاهرات التي تقوم بها الحركة الإسلامية هي محاولة جعل الدولة ضعيفة عن أداء مطالب ربما تكون بسيطة في ظاهرها، إلا أنها تحتاج لسنوات طويلة من التحضير قبل البدء بتجريبها على أرض الواقع. وبصراحة فإن هذا ما يحصل على أرض الواقع، كون الحركات الإسلامية لا تعطي فرصة للدولة ولا الدولة قادرة على المشاركة في عملية التغيير بشكل جذري، حتى تقطع الطريق على الحركة الإسلامية للاستمرار في تظاهرها.
وهنا نسأل، هل الدولة إذن على حق فيما تقوم به؟ نقول وبكل شفافية أن الدولة مقصرة جداً في استباق الإصلاح بل بطيئة جداً بمحاولتها للتغيير السلمي لصالح الفرد. كل هذه العوامل تؤثر بشكل كبير في تخبط واضح في الشارع، مما يسمح للحركة الإسلامية باستغلال هذا التخبط لجر المجتمع إلى جانبها. ولولا أن الدولة تباشر بإصلاحات جذرية ملموسة، فإن ذلك سيضعف الحركة الإسلامية كون المطالب ستتغير وفقاً للمرحلة المقبلة؛ وإن هذه الامتيازات التي أعطاها الشعب بطريقة أو بأخرى لهذه الحركات والفعاليات الجدلية ستصبح ظاهرة ظرفية قابلة للتغيير في أي وقت بسبب التزام الدولة بمنهج الإصلاح أولاً وانعدام الرؤية الواضحة والبرنامج الواضح لهذه الحركات ثانياً، ولأن الانطلاق العشوائي غير الممنهج لاحتجاجات الحركات الإسلامية هي ليست من منظور المخالفة الصريحة ولكن من باب التنافس السياسي للوصول إلى السلطة التنفيذية لتعطيل أو إفراز قرارات عندها سيكون مفهوماً للمجتمع ما هو الصحيح .
وقد يقول البعض أن الحركة الإسلامية لا تسعى بشكل أو بآخر للوصول إلى السلطة كونها رفضت العديد من العروض للمشاركة في السلطة، نقول إن هذا أيضاً سر ضعف الحركة الإسلامية، لأنه بإمكانها أن تفرض نفسها عندما تكون في بوتقة صنع القرار، وإذا كان لديها هذا 'الحشد الهائل' فهي بالتأكيد تستطيع التأثير في أي قرار. وللعلم فإن الحركة الإسلامية تشارك بطريقة أو بأخرى في السلطة التشريعية ولديها ممثليها سواء كانوا مستقلين أو منتمين لأي طيف سياسي آخر. لهذا فإن حجة الإخوان المسلمون باتت غير مثمرة في هذه الظروف.
إن الهدف بات أسمى من فرض القوة، فالمواطن وبنيته التحتية هو المتلقي لسلبية استعراض القوة بين الدولة والحركة الإسلامية. وأنا أؤكد مرة ثانية أنني لست ضد أي حراك يطالب بإصلاحات حقيقية على أن لا يكون الفرد هو القاسم المشترك بين الأطراف، حتى لا يعيش الفرد في حالة فوضى تؤثر عليه. ويجب علينا التحضير إلى مؤتمر وطني شامل لتوحيد المطالب وتوحيد الجهود والتعاون ما أمكن مع الإدارة السياسية للانتقال إلى مرحلة كريمة يعيشها الفرد دون الدخول في متاهات الصراع على السلطة أو القرار أو استعراض القوة. وأن أي طيف يجب أن يحظى بمشاركة وبقاعدة شعبية كبيرة قبل الانتقال إلى الشارع لفرض الرأي لأن القوة تعني ترابط حدين إذ لا وجود للدولة بمعزل عن الأمة ولا وجود للأمة خارج الدولة.
منذ بداية الانقلابات العربية بقليل وحتى الآن تطرح بعض الحركات المختلفة بأيدلوجيتها وبعض الأنظمة فكرة الإصلاح رغم اختلاف رؤيتها للإصلاح، وكلها تصب في نية إصلاح النظام السياسي القائم، وذلك تشكيكاً منها – أي الحركات والأحزاب- في جدية القيام بإصلاحات في نفس بنية النظام الموجودة حالياً. وبغض النظر عن سوء نيتها أو حسنها، فإن ذلك أصبح مطلباً تقليدياً متداولاً في قلب الحركات والأحزاب التي تدعو للإصلاح دون طرح برنامج إصلاحي يقنع أصحاب السياسة أو على الأقل ، لم تدخل حتى الآن في طرح خطاب أو برنامج بسيط يفهمه الشارع.
فعندما تتحدث عن إصلاح، فإن ذلك يعني الكثير من الأمور التي يتوجب القيام بها والتحضير لها قبل الإصلاح أو قبل الانتقال إلى مرحلة التغيير الإصلاحي بمعنى جديد.
كل هذه الأمور مبهمة تماماً بالشارع المحلي، وحتى في أوساط المفكرين وأصحاب الساسة. لأن مفهوم الإصلاح شامل لا يمكن البدء فيه أو الانخراط به بشكل مبهم دون أجندة واضحة مفهومة وقبل التحضير له كما أسلفنا. هذا كله يمكن أن يكون بجهود ونية واضحة لا تخفي في تفاصيلها خفايا غير إصلاحية أيضاً ولا تحمل نظرية ميكيافلية خاطئة بمفهومها ومؤذية في طياتها. لذلك يجب أن نسأل أولاً هل تفهم هذه الحركات أن النظام قابل للإصلاح، وما هو الفرق بين إصلاح النظام وتغيير النظام في مفهومهم.
كل هذه الأمور ظهرت على ساحة التنافس الحزبي المتتالي وانتقلت من جهة إصلاح النظام إلى المطالبة المبطّنة في استعراض القوى الذي يخوضه الإخوان المسلمون في الأردن، تحت مسمى من هو الأقوى ومن يستطع الانتقال بالأمة والمجتمع إلى مرحلة جديدة. قد يظن البعض أننا ضد الأخوان وممثليهم في الحركات الإصلاحية الأخرى، نقول أن ذلك خاطئ، ولكن هذه النظرة كما هي موجودة في فكري فهي موجودة في فكر الآخرين، كون الجماعات الإسلامية انقلبت بشكل سريع ضد نفسها أولاً وضد الإرادة الشعبية بشكل أو بآخر. ودليل ذلك هو الاستعراض الهزيل الذي قام به الإخوان المسلمون في الساحة الأردنية الجمعة الفائتة، فما هو دليل قوتهم هو نفسه كان دليلاً على فشلهم حيث تبلور ذلك في طريقة حشد الطاقات والأفراد للخروج بقوة أكبر لفرض نصيبهم من اتخاذ القرار. ربما كان ذلك مستنداً حالياً على القوة الإسلامية التي ظهرت في الساحة المصرية – رغم اختلاف الأسلوب والبنية – فباتوا يتكئون على دولة بدل الحركة سابقاً.
كل هذه الأمور يجب أن يتم فهمها بشكل مغاير، فما حصل ويحصل في الساحة المصرية مختلف جذرياً عما يحدث في الساحة الأردنية، فعندما نجحت الحركة الإسلامية في مصر بالتعاون مع الحركات والأطياف المصرية المختلفة في حشد الملايين للمطالبة بإسقاط النظام، كان ذلك بعد أن أراد الشعب، إلا أن الحركة الإسلامية متعاونة مع الحراكات الشعبية في الأردن فشلت في حشد الشعب كون الشعب قد فهم المصلحة الإسلامية بشكل ربما يكون منفتح أو مغاير، وكون الحركة الإسلامية في الأردن فهمت المرحلة الحالية في الأردن بشكل مختلف.
وبالتأكيد سيحاول الإخوان مرة ثانية وثالثة وربما يتابعون محاولاتهم في فرض نظرية – الأقوياء- دون طرح منهجي لبرنامج واضح بسيط يشمل ما يجب أن يشمله من تفاعلات التي ستقوم في المجال العام والنتائج التي ستترتب عليها. فحتى الآن – ومع الاحترام لفكر هذه الحركات وقدر الفرد في مجتمعنا – فلم نصل حتى هذه الفترة لمجتمع يعبر عن مكوناته كمجتمع مستقل نسبيا ، ويمتلك وعيا مستقلا بهذا القدر أو ذاك عن أحزابه، التي ستختلف في أبنيتها وأدوارها ووظائفها اختلافا جذريا عن نمط الأحزاب التي عرفناها. لأن الفرد ضمن المجتمع لن يكون قادراً حالياً دون تحضير مسبق إلى أن يكون حاملاً للنظام السياسي المرهَق بالمطالب التي تحاول الإخوان المسلمون تسييسها لصالحهم باعتبارها نصبت نفسها وصياً أحادياً على الشعب. وهذا لن يكون ايجابياً لأن قيادة أي حركة أو حزب يختلف تماماً عن قيادة نظام أو دولة. لذلك فإن إرادة الشعب يجب هي أن تكون مصدر طاقة أي حركة أو طيف، وأن تشارك مجتمعة الشعب وتحمل معه مطالبه، لا أن تكون ممتطية عليه لتمرير ما تريده.
إن تزايد ظهور الحركة الإسلامية من وقت لآخر في الشارع الأردني هو دليل إما على عدم قدرة الدولة على تلبية مطالبها أو أن الحركة الإسلامية باتت تطالب بتخبط بالمزيد من المطالب مما يرهق الدولة ويجعلها غير قادرة على تنفيذ هذه المطالب –بغض النظر عن صحتها- وبالتالي يصبح الإسلاميون يشددون على المطالب غير المحققة من النظام لتزيد من تعنت الحركة الإسلامية. إذن نحن نفهم أن الاعتصامات والمظاهرات التي تقوم بها الحركة الإسلامية هي محاولة جعل الدولة ضعيفة عن أداء مطالب ربما تكون بسيطة في ظاهرها، إلا أنها تحتاج لسنوات طويلة من التحضير قبل البدء بتجريبها على أرض الواقع. وبصراحة فإن هذا ما يحصل على أرض الواقع، كون الحركات الإسلامية لا تعطي فرصة للدولة ولا الدولة قادرة على المشاركة في عملية التغيير بشكل جذري، حتى تقطع الطريق على الحركة الإسلامية للاستمرار في تظاهرها.
وهنا نسأل، هل الدولة إذن على حق فيما تقوم به؟ نقول وبكل شفافية أن الدولة مقصرة جداً في استباق الإصلاح بل بطيئة جداً بمحاولتها للتغيير السلمي لصالح الفرد. كل هذه العوامل تؤثر بشكل كبير في تخبط واضح في الشارع، مما يسمح للحركة الإسلامية باستغلال هذا التخبط لجر المجتمع إلى جانبها. ولولا أن الدولة تباشر بإصلاحات جذرية ملموسة، فإن ذلك سيضعف الحركة الإسلامية كون المطالب ستتغير وفقاً للمرحلة المقبلة؛ وإن هذه الامتيازات التي أعطاها الشعب بطريقة أو بأخرى لهذه الحركات والفعاليات الجدلية ستصبح ظاهرة ظرفية قابلة للتغيير في أي وقت بسبب التزام الدولة بمنهج الإصلاح أولاً وانعدام الرؤية الواضحة والبرنامج الواضح لهذه الحركات ثانياً، ولأن الانطلاق العشوائي غير الممنهج لاحتجاجات الحركات الإسلامية هي ليست من منظور المخالفة الصريحة ولكن من باب التنافس السياسي للوصول إلى السلطة التنفيذية لتعطيل أو إفراز قرارات عندها سيكون مفهوماً للمجتمع ما هو الصحيح .
وقد يقول البعض أن الحركة الإسلامية لا تسعى بشكل أو بآخر للوصول إلى السلطة كونها رفضت العديد من العروض للمشاركة في السلطة، نقول إن هذا أيضاً سر ضعف الحركة الإسلامية، لأنه بإمكانها أن تفرض نفسها عندما تكون في بوتقة صنع القرار، وإذا كان لديها هذا 'الحشد الهائل' فهي بالتأكيد تستطيع التأثير في أي قرار. وللعلم فإن الحركة الإسلامية تشارك بطريقة أو بأخرى في السلطة التشريعية ولديها ممثليها سواء كانوا مستقلين أو منتمين لأي طيف سياسي آخر. لهذا فإن حجة الإخوان المسلمون باتت غير مثمرة في هذه الظروف.
إن الهدف بات أسمى من فرض القوة، فالمواطن وبنيته التحتية هو المتلقي لسلبية استعراض القوة بين الدولة والحركة الإسلامية. وأنا أؤكد مرة ثانية أنني لست ضد أي حراك يطالب بإصلاحات حقيقية على أن لا يكون الفرد هو القاسم المشترك بين الأطراف، حتى لا يعيش الفرد في حالة فوضى تؤثر عليه. ويجب علينا التحضير إلى مؤتمر وطني شامل لتوحيد المطالب وتوحيد الجهود والتعاون ما أمكن مع الإدارة السياسية للانتقال إلى مرحلة كريمة يعيشها الفرد دون الدخول في متاهات الصراع على السلطة أو القرار أو استعراض القوة. وأن أي طيف يجب أن يحظى بمشاركة وبقاعدة شعبية كبيرة قبل الانتقال إلى الشارع لفرض الرأي لأن القوة تعني ترابط حدين إذ لا وجود للدولة بمعزل عن الأمة ولا وجود للأمة خارج الدولة.
التعليقات