لقد رحلت يا أبي ، وأنا أعلم أن الراحلين لا يعودون ، ولكنك عدت لتسكن أعماقي ، أخاطبك في سكون الليل وظلمته وأنزوي وحدي لأبثك ما بداخلي ، فنحن في زمن لا نفتح قلوبنا إلا للراحلين . وأكاد أسمع صوتك وأنت تقول لي وبطريقتك ولغتك الخاصة : أحبب حبيبك هونا ما فعسى أن يكون بغيضك يوما ما ، وأبغض بغيضك يوما ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما . وأنت تحذرني من صحبة الفاجر والمنافق ، لأن الذي لا يخاف الله سيغدر بك والذي يبيع نفسه سيتخلى عنك .
رحلت وأنا أشد ما أكون حاجة إليك ، في فترة كنت تنتظرها لترى انجازك فيّ ، وكنت أنتظرها لتكون أول من أخبره بنجاح هو منك وبك ولك . كان يكفيني ابتسامة وأنت تنظر إلى أفق بعيد تخطط لمستقبل كان القدر أسبق منه . كان يكفيني كلمة التشجيع والإعجاب التي كنت تقولها لمن يتقن عملا ، أو ينجح في مهمّة صعبة ، وما أكثرها الحالات التي كنت تكلفني بأعمال تصعب على من هم أكبر مني سنا وخبرة وقوة .
أذكر كيف طلبت مني ذات ليلة كانونية أن أقوم بجولة تفقديّة للمزرعة . فتدثّرت وحملت كشافا ، كان كل صوت أو حركة حقيقية أو مُتوهّمة كفيلة بتجميد الدّم في عروقي . وطال الزمن ظننته دهرا ، كنت أحاول أن تكون خطواتي أسرع ولكن دون أن اُحدث جلبة فلم تساعدني قدماي . وعندما عدت وجدتك في انتظاري ، حينها وحينها فقط استقر قلبك في مكانه ورُدّت إليك روحك وارتسمت على وجهك بسمة تجمع بين الشفقة والمحبة والإعجاب . وعندها أدركت كم يحب الوالد ولده ويخاف عليه . إلا أنها تربية آباء ذاك الزمن الجميل والذي يبدو في ظاهرها قسوة وشدّة ، ومن يك حازما فليقس أحيانا على من يرحم .
أمس اشتقت إليك ، فمر بخاطري شريط ذكريات طويل ، فرأيتك أمامي بابتسامتك المحببة ونظرتك المعبرة ، تناديني لأحضر لك المذياع فقد اقتربت الساعة الثالثة وحان موعد نشرة الأخبار من لندن ، والتي لها عندك طقوس خاصة ، فيجتمع عدد من الرجال يستمعون وكأن على رؤوسهم الطير ويحضر إبريق الشاي . فأعرف من حركة العيون وتعابير الوجوه وحركة الرؤوس والأيدي على طبيعة الخبر وأهميته .
ذهبت بهدوء ودون وداع . نمت فكانت نومتك الأخيرة . وكم يقتلني أنني لم أجلس إليك أكثر ، ولم أُقبّل يديك أكثر . وليتك كنت موجودا فتكون أول من يحمل أول أبنائي كما حملتني صغيرا .فأنت من علّمني الوضوء والصلاة و الفاتحة وقصار السور وحفّظني جدول الضرب وأفهمني العمليات الحسابية ، قبل دخولي المدرسة ،أنت الذي لم يدخل المدارس .
في ذكراك أشعر بغصّة وبدمعة حرّى تغسل بعض تقصيري فأقول يرحمك الله ، فأنت عند أرحم جار وأكرم جوار ، رب كريم رحيم ، يغفر الذنوب ويستر العيوب ، يجازي بالسيئة الحسنة ، ويكافئ الحسنة أضعافها . غافر الذنب وقابل التوب ، اللطيف بعباده .
لقد رحلت يا أبي ، وأنا أعلم أن الراحلين لا يعودون ، ولكنك عدت لتسكن أعماقي ، أخاطبك في سكون الليل وظلمته وأنزوي وحدي لأبثك ما بداخلي ، فنحن في زمن لا نفتح قلوبنا إلا للراحلين . وأكاد أسمع صوتك وأنت تقول لي وبطريقتك ولغتك الخاصة : أحبب حبيبك هونا ما فعسى أن يكون بغيضك يوما ما ، وأبغض بغيضك يوما ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما . وأنت تحذرني من صحبة الفاجر والمنافق ، لأن الذي لا يخاف الله سيغدر بك والذي يبيع نفسه سيتخلى عنك .
رحلت وأنا أشد ما أكون حاجة إليك ، في فترة كنت تنتظرها لترى انجازك فيّ ، وكنت أنتظرها لتكون أول من أخبره بنجاح هو منك وبك ولك . كان يكفيني ابتسامة وأنت تنظر إلى أفق بعيد تخطط لمستقبل كان القدر أسبق منه . كان يكفيني كلمة التشجيع والإعجاب التي كنت تقولها لمن يتقن عملا ، أو ينجح في مهمّة صعبة ، وما أكثرها الحالات التي كنت تكلفني بأعمال تصعب على من هم أكبر مني سنا وخبرة وقوة .
أذكر كيف طلبت مني ذات ليلة كانونية أن أقوم بجولة تفقديّة للمزرعة . فتدثّرت وحملت كشافا ، كان كل صوت أو حركة حقيقية أو مُتوهّمة كفيلة بتجميد الدّم في عروقي . وطال الزمن ظننته دهرا ، كنت أحاول أن تكون خطواتي أسرع ولكن دون أن اُحدث جلبة فلم تساعدني قدماي . وعندما عدت وجدتك في انتظاري ، حينها وحينها فقط استقر قلبك في مكانه ورُدّت إليك روحك وارتسمت على وجهك بسمة تجمع بين الشفقة والمحبة والإعجاب . وعندها أدركت كم يحب الوالد ولده ويخاف عليه . إلا أنها تربية آباء ذاك الزمن الجميل والذي يبدو في ظاهرها قسوة وشدّة ، ومن يك حازما فليقس أحيانا على من يرحم .
أمس اشتقت إليك ، فمر بخاطري شريط ذكريات طويل ، فرأيتك أمامي بابتسامتك المحببة ونظرتك المعبرة ، تناديني لأحضر لك المذياع فقد اقتربت الساعة الثالثة وحان موعد نشرة الأخبار من لندن ، والتي لها عندك طقوس خاصة ، فيجتمع عدد من الرجال يستمعون وكأن على رؤوسهم الطير ويحضر إبريق الشاي . فأعرف من حركة العيون وتعابير الوجوه وحركة الرؤوس والأيدي على طبيعة الخبر وأهميته .
ذهبت بهدوء ودون وداع . نمت فكانت نومتك الأخيرة . وكم يقتلني أنني لم أجلس إليك أكثر ، ولم أُقبّل يديك أكثر . وليتك كنت موجودا فتكون أول من يحمل أول أبنائي كما حملتني صغيرا .فأنت من علّمني الوضوء والصلاة و الفاتحة وقصار السور وحفّظني جدول الضرب وأفهمني العمليات الحسابية ، قبل دخولي المدرسة ،أنت الذي لم يدخل المدارس .
في ذكراك أشعر بغصّة وبدمعة حرّى تغسل بعض تقصيري فأقول يرحمك الله ، فأنت عند أرحم جار وأكرم جوار ، رب كريم رحيم ، يغفر الذنوب ويستر العيوب ، يجازي بالسيئة الحسنة ، ويكافئ الحسنة أضعافها . غافر الذنب وقابل التوب ، اللطيف بعباده .
لقد رحلت يا أبي ، وأنا أعلم أن الراحلين لا يعودون ، ولكنك عدت لتسكن أعماقي ، أخاطبك في سكون الليل وظلمته وأنزوي وحدي لأبثك ما بداخلي ، فنحن في زمن لا نفتح قلوبنا إلا للراحلين . وأكاد أسمع صوتك وأنت تقول لي وبطريقتك ولغتك الخاصة : أحبب حبيبك هونا ما فعسى أن يكون بغيضك يوما ما ، وأبغض بغيضك يوما ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما . وأنت تحذرني من صحبة الفاجر والمنافق ، لأن الذي لا يخاف الله سيغدر بك والذي يبيع نفسه سيتخلى عنك .
رحلت وأنا أشد ما أكون حاجة إليك ، في فترة كنت تنتظرها لترى انجازك فيّ ، وكنت أنتظرها لتكون أول من أخبره بنجاح هو منك وبك ولك . كان يكفيني ابتسامة وأنت تنظر إلى أفق بعيد تخطط لمستقبل كان القدر أسبق منه . كان يكفيني كلمة التشجيع والإعجاب التي كنت تقولها لمن يتقن عملا ، أو ينجح في مهمّة صعبة ، وما أكثرها الحالات التي كنت تكلفني بأعمال تصعب على من هم أكبر مني سنا وخبرة وقوة .
أذكر كيف طلبت مني ذات ليلة كانونية أن أقوم بجولة تفقديّة للمزرعة . فتدثّرت وحملت كشافا ، كان كل صوت أو حركة حقيقية أو مُتوهّمة كفيلة بتجميد الدّم في عروقي . وطال الزمن ظننته دهرا ، كنت أحاول أن تكون خطواتي أسرع ولكن دون أن اُحدث جلبة فلم تساعدني قدماي . وعندما عدت وجدتك في انتظاري ، حينها وحينها فقط استقر قلبك في مكانه ورُدّت إليك روحك وارتسمت على وجهك بسمة تجمع بين الشفقة والمحبة والإعجاب . وعندها أدركت كم يحب الوالد ولده ويخاف عليه . إلا أنها تربية آباء ذاك الزمن الجميل والذي يبدو في ظاهرها قسوة وشدّة ، ومن يك حازما فليقس أحيانا على من يرحم .
أمس اشتقت إليك ، فمر بخاطري شريط ذكريات طويل ، فرأيتك أمامي بابتسامتك المحببة ونظرتك المعبرة ، تناديني لأحضر لك المذياع فقد اقتربت الساعة الثالثة وحان موعد نشرة الأخبار من لندن ، والتي لها عندك طقوس خاصة ، فيجتمع عدد من الرجال يستمعون وكأن على رؤوسهم الطير ويحضر إبريق الشاي . فأعرف من حركة العيون وتعابير الوجوه وحركة الرؤوس والأيدي على طبيعة الخبر وأهميته .
ذهبت بهدوء ودون وداع . نمت فكانت نومتك الأخيرة . وكم يقتلني أنني لم أجلس إليك أكثر ، ولم أُقبّل يديك أكثر . وليتك كنت موجودا فتكون أول من يحمل أول أبنائي كما حملتني صغيرا .فأنت من علّمني الوضوء والصلاة و الفاتحة وقصار السور وحفّظني جدول الضرب وأفهمني العمليات الحسابية ، قبل دخولي المدرسة ،أنت الذي لم يدخل المدارس .
في ذكراك أشعر بغصّة وبدمعة حرّى تغسل بعض تقصيري فأقول يرحمك الله ، فأنت عند أرحم جار وأكرم جوار ، رب كريم رحيم ، يغفر الذنوب ويستر العيوب ، يجازي بالسيئة الحسنة ، ويكافئ الحسنة أضعافها . غافر الذنب وقابل التوب ، اللطيف بعباده .
التعليقات