أنصح رئيس الحكومة وهو على أبواب امتحان الثقة تحت قبة البرلمان، أن يَعِد بمراجعة سياسة رفع الأسعار التي تعتزم حكومته تنفيذها، وإجراء تعديل سريع على الحكومة بهدف ترشيقها وترشيدها وتخليصها من وزارات الحمولة الزائدة، كما أنصحه بإخراج وزير تطوير القطاع العام من الحكومة، تمهيداً لإحالته إلى القضاء للنظر في محاكمته على ما تسبّب من أزمات منذ بداية العام الجاري وإلى الآن، وربما في المستقبل أيضاً..!!
وأطالب مجلس النواب، بحجب الثقة عن الوزير خليف الخوالدة، ما لم يبادر رئيس الوزراء إلى إخراجه من حكومته فوراً، أما لماذا هذه المطالبة، فللأسباب العشرة التالية:
أولاً: عدم احترام التشريعات والقوانين النافذة عند شروعه بتطبيق نظام هيكلة القطاع العام، وخصوصاً القوانين الناظمة لعمل المؤسسات المستقلة.. حيث لم تقم الحكومة بتعديل هذه التشريعات قبل شروعها بتطبيق الهيكلة، ما تسبّب بمخالفة صارخة لقوانين وتشريعات نافذة ممهورة بتوقيع جلالة الملك، وقد انطوت هذه المخالفات أياَ على تضارب في الإنفاق على الرواتب، فما كانت تصرفه بعض المؤسسات على رواتب موظفيها بموجب أنظمتها الخاصة أصبح لزاماً أن تصرفها بموجب نظام الخدمة المدنية مما يحتّم إدارجها ضمن بنود الموازنة العامة للدولة، وليس من أي مصادر مالية أخرى...!!
ثانياً: مخالفة الدستور الأردني في إدخال مؤسسات عامة تحت مظلة الخدمة المدنية، في الوقت الذي تم تكييفها كمؤسسات ذات نفع عام، لكنها ليست من ضمن الدوائر الحكومية.. وذلك باعتبار نظام الخدمة المدنية نظاماً مستقلاً صادراً بموجب المادة (120) من الدستور التي تنص على صلاحيات مجلس الوزراء بإصدار الأنظمة المستقلة، وقصر ذلك على تنظيم دوائر الحكومة والتقسيمات الإدارية في المملكة، ولا تمتد هذه الصلاحية للمؤسسات أو الدوائر غير الحكومية، وقد جاء في قرارات ديوان تفسير القوانين أن بعض المؤسسات' التي تم هيكلتها وإخضاعها للخدمة المدنية' لا تُعد دوائر حكومية وإنْ كانت ذات نفع عام، وهو ما جاء أيضاً في قرار مشابه لمحكمة العدل العليا..!!
ثالثاً: الاعتداء على حقوق مكتسبة لفئات من موظفي المؤسسات المستقلة، وبخاصة حقوقهم في الدرجات والمستويات الوظيفية التي ترقّوْا إليها بموجب أنظمة وتشريعات نافذة، ولم يبلغوها بالمزاجية أو التجاوز على القوانين والأنظمة.. فكيف يتم الاعتداء على هذه الحقوق دون مسوّغات مقبولة ومقنعة..؟!
رابعاً: الأزمات الخانقة التي تسبّب فيها الوزير بتطبيقه لنظام لم يُدرس بما فيه الكفاية، وأدّى ذلك إلى موجة غضب واحتقان هائلة في جسم القطاع العام، وبدأت الحكومة السابقة تلملم أطراف الأزمة بتقديم المزيد من التنازلات والأعطيات والإرضاءات لهذه الجهة أو تلك، لإخماد الاحتجاجات التي اشتعلت في معظم مؤسسات وإدارات القطاع العام.. ولعل أزمة المعلمين كانت الأكبر، وكانت الكلفة المباشرة لهذه الأزمات باهظة على الموازنة العامة حيث وصلت الكلفة إلى (400) مليون دينار للسنة الحالية، ما أدّى إلى خلق تشوّهات جديدة أخطر من التشوّهات التي كانت ماثلة قبل تنفيذ الهيكلة، وأدى ذلك أيضاً إلى إنهاك الموازنة العامة بدلاً من ضبط الإنفاق ناهيك عن الكلف غير المباشرة، وبالتالي فإن الهيكلة لم تحقق مبتغاه الحقيقي وإنما العكس تماماً..!!
خامساً: أدّى المشروع الذي أصرّ الوزير على تطبيقه قبل إنضاجه، إلى إرباك الدولة بكل مؤسساتها الرسمية والخاصة، وأدى بصورة غير مباشرة إلى إفشال حكومة الرئيس الخصاونة التي جاء تكليفها لإنجاز تشريعات الإصلاح السياسي، فانشغلت في إطفاء الحرائق التي أشعلها مشروع الهيكلة، مما ادّى إلى 'لخبطة' أولوياتها، وإشغالها عن قضايا الإصلاح الحقيقية التي جاءت من أجلها.. والوطن والمواطن هما منْ دفع ثمن هذا الإخفاق الناجم عن التغيير السريع للحكومات، وبالتالي هناك أيضاَ كلفة إضافية كبيرة سياسية واقتصادية ومالية بسبب مشروع فاشل تم تطبيقه دون دراسات كافية، مما يجب أن يتحمّل معه الوزير الخوالدة كامل المسؤولية عن هذه التبعات الكبيرة..!!
سادساً: لم يميّز نظام الهيكلة الذي تم تنفيذه بين مجموعة الإدارة العامة أو الخدمة المدنية متمثلة في الوزارات والدوائر الحكومية، وبين مجموعة المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية التي تقوم على إدارة مرافق عامة ذات أهمية نسبية لا تستطيع العمل بكفاءة إلاّ ضمن حيّز مناسب من الاستقلالية الإدارية والمالية كونها تُدار وفقاً لمبادىء المحاسبة الاقتصادية، وإغفال هذه الطبيعة يعني تقليص دورها في التنمية والاقتصاد الوطني، علماً بأن التطورات التشريعية والاقتصادية والاجتماعية سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي المعمول بها في إدارة أنواع معينة من المؤسسات والمرافق المهمة في الدولة تؤكّد على الطيبيعة الخاصة لها، مما يتناقض مع إدخالها ضمن منظومة الخدمة المدنية، وهنا نتحدث عن كلف وخسائر مستقبلية مدمّرة متوقعة..!
سابعاً: لم تحقق هيكلة الرواتب العدالة المبتغاة، والدليل أن موظفين حصلوا على زيادات كبيرة وآخرين حصلوا على ملاليم.. وأن فئات من الموظفين لم تتبيّن رواتبهم الجديدة بشكل نهائي حتى لحظة كتابة هذه السطور، أي بعد مرور خمسة أشهر على تطبيق الهيكلة، ويكفي أن أشير إلى أن قيمة الزيادة التي طرأت على راتب مؤذن بلغت (45) قرشاً فقط.. وفي المقابل حصل موظفون على زيادة تفوق المائة دينار.. فأين العدالة التي لطالما تحدّث عنها الوزير الخوالدة..!!
ثامناً: إن ما حصل من احتجاجات كبيرة على الهيكلة في أوساط القطاع العام، نَقَل العدوى إلى مؤسسات القطاع الخاص، وتحديداً كبريات الشركات، وأدى ذلك إلى مطالبات بحقوق ومزايا ومكتسبات جديدة، ودفع الوطن كلفة تعطّل الإنتاج الناجم عن الإضرابات والاعتصامات التي اجتاحت بعض هذه الشركات والمؤسسات.. والسبب الرئيس كان الهيكلة ونموذجها السيء..!!
تاسعاً: لقد أدخل مشروع الهيكلة مؤسسات القطاع العام إلى بداية نفق مظلم وكلما تعمّقت فيه كلما اكتشفت مدى حلكته، وهي عودة، مع الأسف، وبإرادة رسمية وإصرار، إلى أجواء البيروقراطية والإحباط والتراخي، وهل تظن الحكومة أن هذه الأجواء بلا ثمن.. أم أن ثمنها سيكون باهظاً.!؟ ومن يتحمّل هذا الوزْر..؟!
عاشراً: وأتساءل أخيراً إذا كان الهدف من إعادة الهيكلة هو تحقيق العدالة بين موظفي القطاع العام وضبط الإنفاق العام وإزالة التشوهّات، فلماذا لم تُرضِ أحداً.. وبأي روح منتمية مخلصة سيعمل موظفون محتَقَنُون بمشاعر الإحباط والغبن.. وأي تطوير أو تنمية للموارد البشرية للقطاع العام في ظل نظام خدمة مدنية بيروقراطي قميء.. وأسوق دليلاً بسيطاً على ذلك، فأنت تحتاج إلى جهد يوم كامل إذا حصلت على إجازة مرضية مدتها أربع وعشرون ساعة وذلك لاعتمادها والمصادقة عليها من عدة جهات: مديرية الصحة، نقابة الأطباء، المركز الصحي الحكومي، الجهة المعنية في دائرتك..!!!
للأسباب العشرة أعلاه، من حقي كمواطن أن أطالب بمساءلة حقيقية لوزير تطوير القطاع العام، وإحالته إلى القضاء بتهمة إساءة استعمال السلطة، وسوء إدارته لهذا الملف، وأدعو ممثلي الأمة في البرلمان إلى حجب الثقة عن هذا الوزير، تمهيداً لإحالته إلى القضاء..!
أما الدرس الذي أعيده فهو: ( ليس كل منْ يملك الخيار يملك القرار، وليس كل من تم توزيره نتحمل وزْره..!!).
Subaihi_99@yahoo.com
أنصح رئيس الحكومة وهو على أبواب امتحان الثقة تحت قبة البرلمان، أن يَعِد بمراجعة سياسة رفع الأسعار التي تعتزم حكومته تنفيذها، وإجراء تعديل سريع على الحكومة بهدف ترشيقها وترشيدها وتخليصها من وزارات الحمولة الزائدة، كما أنصحه بإخراج وزير تطوير القطاع العام من الحكومة، تمهيداً لإحالته إلى القضاء للنظر في محاكمته على ما تسبّب من أزمات منذ بداية العام الجاري وإلى الآن، وربما في المستقبل أيضاً..!!
وأطالب مجلس النواب، بحجب الثقة عن الوزير خليف الخوالدة، ما لم يبادر رئيس الوزراء إلى إخراجه من حكومته فوراً، أما لماذا هذه المطالبة، فللأسباب العشرة التالية:
أولاً: عدم احترام التشريعات والقوانين النافذة عند شروعه بتطبيق نظام هيكلة القطاع العام، وخصوصاً القوانين الناظمة لعمل المؤسسات المستقلة.. حيث لم تقم الحكومة بتعديل هذه التشريعات قبل شروعها بتطبيق الهيكلة، ما تسبّب بمخالفة صارخة لقوانين وتشريعات نافذة ممهورة بتوقيع جلالة الملك، وقد انطوت هذه المخالفات أياَ على تضارب في الإنفاق على الرواتب، فما كانت تصرفه بعض المؤسسات على رواتب موظفيها بموجب أنظمتها الخاصة أصبح لزاماً أن تصرفها بموجب نظام الخدمة المدنية مما يحتّم إدارجها ضمن بنود الموازنة العامة للدولة، وليس من أي مصادر مالية أخرى...!!
ثانياً: مخالفة الدستور الأردني في إدخال مؤسسات عامة تحت مظلة الخدمة المدنية، في الوقت الذي تم تكييفها كمؤسسات ذات نفع عام، لكنها ليست من ضمن الدوائر الحكومية.. وذلك باعتبار نظام الخدمة المدنية نظاماً مستقلاً صادراً بموجب المادة (120) من الدستور التي تنص على صلاحيات مجلس الوزراء بإصدار الأنظمة المستقلة، وقصر ذلك على تنظيم دوائر الحكومة والتقسيمات الإدارية في المملكة، ولا تمتد هذه الصلاحية للمؤسسات أو الدوائر غير الحكومية، وقد جاء في قرارات ديوان تفسير القوانين أن بعض المؤسسات' التي تم هيكلتها وإخضاعها للخدمة المدنية' لا تُعد دوائر حكومية وإنْ كانت ذات نفع عام، وهو ما جاء أيضاً في قرار مشابه لمحكمة العدل العليا..!!
ثالثاً: الاعتداء على حقوق مكتسبة لفئات من موظفي المؤسسات المستقلة، وبخاصة حقوقهم في الدرجات والمستويات الوظيفية التي ترقّوْا إليها بموجب أنظمة وتشريعات نافذة، ولم يبلغوها بالمزاجية أو التجاوز على القوانين والأنظمة.. فكيف يتم الاعتداء على هذه الحقوق دون مسوّغات مقبولة ومقنعة..؟!
رابعاً: الأزمات الخانقة التي تسبّب فيها الوزير بتطبيقه لنظام لم يُدرس بما فيه الكفاية، وأدّى ذلك إلى موجة غضب واحتقان هائلة في جسم القطاع العام، وبدأت الحكومة السابقة تلملم أطراف الأزمة بتقديم المزيد من التنازلات والأعطيات والإرضاءات لهذه الجهة أو تلك، لإخماد الاحتجاجات التي اشتعلت في معظم مؤسسات وإدارات القطاع العام.. ولعل أزمة المعلمين كانت الأكبر، وكانت الكلفة المباشرة لهذه الأزمات باهظة على الموازنة العامة حيث وصلت الكلفة إلى (400) مليون دينار للسنة الحالية، ما أدّى إلى خلق تشوّهات جديدة أخطر من التشوّهات التي كانت ماثلة قبل تنفيذ الهيكلة، وأدى ذلك أيضاً إلى إنهاك الموازنة العامة بدلاً من ضبط الإنفاق ناهيك عن الكلف غير المباشرة، وبالتالي فإن الهيكلة لم تحقق مبتغاه الحقيقي وإنما العكس تماماً..!!
خامساً: أدّى المشروع الذي أصرّ الوزير على تطبيقه قبل إنضاجه، إلى إرباك الدولة بكل مؤسساتها الرسمية والخاصة، وأدى بصورة غير مباشرة إلى إفشال حكومة الرئيس الخصاونة التي جاء تكليفها لإنجاز تشريعات الإصلاح السياسي، فانشغلت في إطفاء الحرائق التي أشعلها مشروع الهيكلة، مما ادّى إلى 'لخبطة' أولوياتها، وإشغالها عن قضايا الإصلاح الحقيقية التي جاءت من أجلها.. والوطن والمواطن هما منْ دفع ثمن هذا الإخفاق الناجم عن التغيير السريع للحكومات، وبالتالي هناك أيضاَ كلفة إضافية كبيرة سياسية واقتصادية ومالية بسبب مشروع فاشل تم تطبيقه دون دراسات كافية، مما يجب أن يتحمّل معه الوزير الخوالدة كامل المسؤولية عن هذه التبعات الكبيرة..!!
سادساً: لم يميّز نظام الهيكلة الذي تم تنفيذه بين مجموعة الإدارة العامة أو الخدمة المدنية متمثلة في الوزارات والدوائر الحكومية، وبين مجموعة المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية التي تقوم على إدارة مرافق عامة ذات أهمية نسبية لا تستطيع العمل بكفاءة إلاّ ضمن حيّز مناسب من الاستقلالية الإدارية والمالية كونها تُدار وفقاً لمبادىء المحاسبة الاقتصادية، وإغفال هذه الطبيعة يعني تقليص دورها في التنمية والاقتصاد الوطني، علماً بأن التطورات التشريعية والاقتصادية والاجتماعية سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي المعمول بها في إدارة أنواع معينة من المؤسسات والمرافق المهمة في الدولة تؤكّد على الطيبيعة الخاصة لها، مما يتناقض مع إدخالها ضمن منظومة الخدمة المدنية، وهنا نتحدث عن كلف وخسائر مستقبلية مدمّرة متوقعة..!
سابعاً: لم تحقق هيكلة الرواتب العدالة المبتغاة، والدليل أن موظفين حصلوا على زيادات كبيرة وآخرين حصلوا على ملاليم.. وأن فئات من الموظفين لم تتبيّن رواتبهم الجديدة بشكل نهائي حتى لحظة كتابة هذه السطور، أي بعد مرور خمسة أشهر على تطبيق الهيكلة، ويكفي أن أشير إلى أن قيمة الزيادة التي طرأت على راتب مؤذن بلغت (45) قرشاً فقط.. وفي المقابل حصل موظفون على زيادة تفوق المائة دينار.. فأين العدالة التي لطالما تحدّث عنها الوزير الخوالدة..!!
ثامناً: إن ما حصل من احتجاجات كبيرة على الهيكلة في أوساط القطاع العام، نَقَل العدوى إلى مؤسسات القطاع الخاص، وتحديداً كبريات الشركات، وأدى ذلك إلى مطالبات بحقوق ومزايا ومكتسبات جديدة، ودفع الوطن كلفة تعطّل الإنتاج الناجم عن الإضرابات والاعتصامات التي اجتاحت بعض هذه الشركات والمؤسسات.. والسبب الرئيس كان الهيكلة ونموذجها السيء..!!
تاسعاً: لقد أدخل مشروع الهيكلة مؤسسات القطاع العام إلى بداية نفق مظلم وكلما تعمّقت فيه كلما اكتشفت مدى حلكته، وهي عودة، مع الأسف، وبإرادة رسمية وإصرار، إلى أجواء البيروقراطية والإحباط والتراخي، وهل تظن الحكومة أن هذه الأجواء بلا ثمن.. أم أن ثمنها سيكون باهظاً.!؟ ومن يتحمّل هذا الوزْر..؟!
عاشراً: وأتساءل أخيراً إذا كان الهدف من إعادة الهيكلة هو تحقيق العدالة بين موظفي القطاع العام وضبط الإنفاق العام وإزالة التشوهّات، فلماذا لم تُرضِ أحداً.. وبأي روح منتمية مخلصة سيعمل موظفون محتَقَنُون بمشاعر الإحباط والغبن.. وأي تطوير أو تنمية للموارد البشرية للقطاع العام في ظل نظام خدمة مدنية بيروقراطي قميء.. وأسوق دليلاً بسيطاً على ذلك، فأنت تحتاج إلى جهد يوم كامل إذا حصلت على إجازة مرضية مدتها أربع وعشرون ساعة وذلك لاعتمادها والمصادقة عليها من عدة جهات: مديرية الصحة، نقابة الأطباء، المركز الصحي الحكومي، الجهة المعنية في دائرتك..!!!
للأسباب العشرة أعلاه، من حقي كمواطن أن أطالب بمساءلة حقيقية لوزير تطوير القطاع العام، وإحالته إلى القضاء بتهمة إساءة استعمال السلطة، وسوء إدارته لهذا الملف، وأدعو ممثلي الأمة في البرلمان إلى حجب الثقة عن هذا الوزير، تمهيداً لإحالته إلى القضاء..!
أما الدرس الذي أعيده فهو: ( ليس كل منْ يملك الخيار يملك القرار، وليس كل من تم توزيره نتحمل وزْره..!!).
Subaihi_99@yahoo.com
أنصح رئيس الحكومة وهو على أبواب امتحان الثقة تحت قبة البرلمان، أن يَعِد بمراجعة سياسة رفع الأسعار التي تعتزم حكومته تنفيذها، وإجراء تعديل سريع على الحكومة بهدف ترشيقها وترشيدها وتخليصها من وزارات الحمولة الزائدة، كما أنصحه بإخراج وزير تطوير القطاع العام من الحكومة، تمهيداً لإحالته إلى القضاء للنظر في محاكمته على ما تسبّب من أزمات منذ بداية العام الجاري وإلى الآن، وربما في المستقبل أيضاً..!!
وأطالب مجلس النواب، بحجب الثقة عن الوزير خليف الخوالدة، ما لم يبادر رئيس الوزراء إلى إخراجه من حكومته فوراً، أما لماذا هذه المطالبة، فللأسباب العشرة التالية:
أولاً: عدم احترام التشريعات والقوانين النافذة عند شروعه بتطبيق نظام هيكلة القطاع العام، وخصوصاً القوانين الناظمة لعمل المؤسسات المستقلة.. حيث لم تقم الحكومة بتعديل هذه التشريعات قبل شروعها بتطبيق الهيكلة، ما تسبّب بمخالفة صارخة لقوانين وتشريعات نافذة ممهورة بتوقيع جلالة الملك، وقد انطوت هذه المخالفات أياَ على تضارب في الإنفاق على الرواتب، فما كانت تصرفه بعض المؤسسات على رواتب موظفيها بموجب أنظمتها الخاصة أصبح لزاماً أن تصرفها بموجب نظام الخدمة المدنية مما يحتّم إدارجها ضمن بنود الموازنة العامة للدولة، وليس من أي مصادر مالية أخرى...!!
ثانياً: مخالفة الدستور الأردني في إدخال مؤسسات عامة تحت مظلة الخدمة المدنية، في الوقت الذي تم تكييفها كمؤسسات ذات نفع عام، لكنها ليست من ضمن الدوائر الحكومية.. وذلك باعتبار نظام الخدمة المدنية نظاماً مستقلاً صادراً بموجب المادة (120) من الدستور التي تنص على صلاحيات مجلس الوزراء بإصدار الأنظمة المستقلة، وقصر ذلك على تنظيم دوائر الحكومة والتقسيمات الإدارية في المملكة، ولا تمتد هذه الصلاحية للمؤسسات أو الدوائر غير الحكومية، وقد جاء في قرارات ديوان تفسير القوانين أن بعض المؤسسات' التي تم هيكلتها وإخضاعها للخدمة المدنية' لا تُعد دوائر حكومية وإنْ كانت ذات نفع عام، وهو ما جاء أيضاً في قرار مشابه لمحكمة العدل العليا..!!
ثالثاً: الاعتداء على حقوق مكتسبة لفئات من موظفي المؤسسات المستقلة، وبخاصة حقوقهم في الدرجات والمستويات الوظيفية التي ترقّوْا إليها بموجب أنظمة وتشريعات نافذة، ولم يبلغوها بالمزاجية أو التجاوز على القوانين والأنظمة.. فكيف يتم الاعتداء على هذه الحقوق دون مسوّغات مقبولة ومقنعة..؟!
رابعاً: الأزمات الخانقة التي تسبّب فيها الوزير بتطبيقه لنظام لم يُدرس بما فيه الكفاية، وأدّى ذلك إلى موجة غضب واحتقان هائلة في جسم القطاع العام، وبدأت الحكومة السابقة تلملم أطراف الأزمة بتقديم المزيد من التنازلات والأعطيات والإرضاءات لهذه الجهة أو تلك، لإخماد الاحتجاجات التي اشتعلت في معظم مؤسسات وإدارات القطاع العام.. ولعل أزمة المعلمين كانت الأكبر، وكانت الكلفة المباشرة لهذه الأزمات باهظة على الموازنة العامة حيث وصلت الكلفة إلى (400) مليون دينار للسنة الحالية، ما أدّى إلى خلق تشوّهات جديدة أخطر من التشوّهات التي كانت ماثلة قبل تنفيذ الهيكلة، وأدى ذلك أيضاً إلى إنهاك الموازنة العامة بدلاً من ضبط الإنفاق ناهيك عن الكلف غير المباشرة، وبالتالي فإن الهيكلة لم تحقق مبتغاه الحقيقي وإنما العكس تماماً..!!
خامساً: أدّى المشروع الذي أصرّ الوزير على تطبيقه قبل إنضاجه، إلى إرباك الدولة بكل مؤسساتها الرسمية والخاصة، وأدى بصورة غير مباشرة إلى إفشال حكومة الرئيس الخصاونة التي جاء تكليفها لإنجاز تشريعات الإصلاح السياسي، فانشغلت في إطفاء الحرائق التي أشعلها مشروع الهيكلة، مما ادّى إلى 'لخبطة' أولوياتها، وإشغالها عن قضايا الإصلاح الحقيقية التي جاءت من أجلها.. والوطن والمواطن هما منْ دفع ثمن هذا الإخفاق الناجم عن التغيير السريع للحكومات، وبالتالي هناك أيضاَ كلفة إضافية كبيرة سياسية واقتصادية ومالية بسبب مشروع فاشل تم تطبيقه دون دراسات كافية، مما يجب أن يتحمّل معه الوزير الخوالدة كامل المسؤولية عن هذه التبعات الكبيرة..!!
سادساً: لم يميّز نظام الهيكلة الذي تم تنفيذه بين مجموعة الإدارة العامة أو الخدمة المدنية متمثلة في الوزارات والدوائر الحكومية، وبين مجموعة المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية التي تقوم على إدارة مرافق عامة ذات أهمية نسبية لا تستطيع العمل بكفاءة إلاّ ضمن حيّز مناسب من الاستقلالية الإدارية والمالية كونها تُدار وفقاً لمبادىء المحاسبة الاقتصادية، وإغفال هذه الطبيعة يعني تقليص دورها في التنمية والاقتصاد الوطني، علماً بأن التطورات التشريعية والاقتصادية والاجتماعية سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي المعمول بها في إدارة أنواع معينة من المؤسسات والمرافق المهمة في الدولة تؤكّد على الطيبيعة الخاصة لها، مما يتناقض مع إدخالها ضمن منظومة الخدمة المدنية، وهنا نتحدث عن كلف وخسائر مستقبلية مدمّرة متوقعة..!
سابعاً: لم تحقق هيكلة الرواتب العدالة المبتغاة، والدليل أن موظفين حصلوا على زيادات كبيرة وآخرين حصلوا على ملاليم.. وأن فئات من الموظفين لم تتبيّن رواتبهم الجديدة بشكل نهائي حتى لحظة كتابة هذه السطور، أي بعد مرور خمسة أشهر على تطبيق الهيكلة، ويكفي أن أشير إلى أن قيمة الزيادة التي طرأت على راتب مؤذن بلغت (45) قرشاً فقط.. وفي المقابل حصل موظفون على زيادة تفوق المائة دينار.. فأين العدالة التي لطالما تحدّث عنها الوزير الخوالدة..!!
ثامناً: إن ما حصل من احتجاجات كبيرة على الهيكلة في أوساط القطاع العام، نَقَل العدوى إلى مؤسسات القطاع الخاص، وتحديداً كبريات الشركات، وأدى ذلك إلى مطالبات بحقوق ومزايا ومكتسبات جديدة، ودفع الوطن كلفة تعطّل الإنتاج الناجم عن الإضرابات والاعتصامات التي اجتاحت بعض هذه الشركات والمؤسسات.. والسبب الرئيس كان الهيكلة ونموذجها السيء..!!
تاسعاً: لقد أدخل مشروع الهيكلة مؤسسات القطاع العام إلى بداية نفق مظلم وكلما تعمّقت فيه كلما اكتشفت مدى حلكته، وهي عودة، مع الأسف، وبإرادة رسمية وإصرار، إلى أجواء البيروقراطية والإحباط والتراخي، وهل تظن الحكومة أن هذه الأجواء بلا ثمن.. أم أن ثمنها سيكون باهظاً.!؟ ومن يتحمّل هذا الوزْر..؟!
عاشراً: وأتساءل أخيراً إذا كان الهدف من إعادة الهيكلة هو تحقيق العدالة بين موظفي القطاع العام وضبط الإنفاق العام وإزالة التشوهّات، فلماذا لم تُرضِ أحداً.. وبأي روح منتمية مخلصة سيعمل موظفون محتَقَنُون بمشاعر الإحباط والغبن.. وأي تطوير أو تنمية للموارد البشرية للقطاع العام في ظل نظام خدمة مدنية بيروقراطي قميء.. وأسوق دليلاً بسيطاً على ذلك، فأنت تحتاج إلى جهد يوم كامل إذا حصلت على إجازة مرضية مدتها أربع وعشرون ساعة وذلك لاعتمادها والمصادقة عليها من عدة جهات: مديرية الصحة، نقابة الأطباء، المركز الصحي الحكومي، الجهة المعنية في دائرتك..!!!
للأسباب العشرة أعلاه، من حقي كمواطن أن أطالب بمساءلة حقيقية لوزير تطوير القطاع العام، وإحالته إلى القضاء بتهمة إساءة استعمال السلطة، وسوء إدارته لهذا الملف، وأدعو ممثلي الأمة في البرلمان إلى حجب الثقة عن هذا الوزير، تمهيداً لإحالته إلى القضاء..!
أما الدرس الذي أعيده فهو: ( ليس كل منْ يملك الخيار يملك القرار، وليس كل من تم توزيره نتحمل وزْره..!!).
Subaihi_99@yahoo.com
التعليقات