إنّ الحمدَ لله تعالى ، نحمدُه ونستعينه ونستغفرُه ، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هاديَ له ، وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسوُله . أما بعد .. فإنَّ أصدق الحديث كلامُ الله ، وخيرَ الهدي هديُ محمد ٍ صلى الله عليه وسلم ، وشرَّ الأمور مُحدثاتها وكلَّ محدثة بدعة ، وكلَّ بدعة ضلالة ، وكلَّ ضلالة في النّار .
روى ابن جرير بسنده عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - قال : ' إن أجمع آية في القرآن في سورة النحل { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } الآية ' وفي كلِّ شيء .. في العبادات ، والمعاملات ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والأقوال ، والخصومات ... قال الإمام الشنقيطي – رحمه الله - في « أضواء البيان » : ' ومن الآيات التي أمر فيها بالعدل قولُه تعالى : { ولا يجْرمنَّكم شنآنُ قومٍ على ألّا تعْدلوا اعْدلوا هو أقربُ للتقوى } ، وقوله : { إنَّ الله يأمرُكُم أن تُؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حَكمتم بين النَّاس أنْ تَحكموا بالعدْل إنَّ الله نعمَّا يَعِظكم به }
ومن الآيات التي أمر فيها بالإحسان قوله تعالى : { ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحْسِنوا إن الله يحبُّ المحسنين } ، وقوله : { وبالوالدين إحسانًا } ، وقوله : { وأحسنْ كما أحسنَ الله إليك ولا تبْغِ الفسادَ في الأرض } ، وقوله : { وقولوا للناس حُسْنًا }، وقوله : { ما على المُحسنين من سَبيل } ' إلى أن قال : ' فإذا عرفت هذا ، فاعلم أن العدل في اللغة : القسط والإنصاف ، وعدم الجور ؛ وأصله التوسط بين المرتبتين ; أي : الإفراط والتفريط ؛ فمن جانب الإفراط والتفريط فقد عدل ' .
ومن تتبع تاريخ الإسلام ؛ وجد أكثر الفتن التي حصلت للمسلمين إنما كانت بسبب إهمال هذا الأصل العظيم ، وجنوح جماعات إلى الغلوِّ ، والاستطالة ، والظلم في ( سياستهم ) عند النوازل والمُحدثات ، ومطالباتهم للإصلاحات !! ؛ ولنا ... { في قصصهم عبرةٌ }
قال ابن كثير – رحمه الله تعالى – في « البداية والنهاية » : ' ذكر ابن جرير : أنّ عثمان استدعى الأشترَّ النَخَعيَّ – ووضعت لعثمان وسادة في كوَّة من داره - ؛ فأشرف على النَّاس ؛ فقال له عثمان : يا أشتر ماذا يريدون ؟ فقال : إنهم يريدون منك : إما أن تعزل نفسك عن الإمرة ! ، وإما أن تَقِيدَ من نفسك من قد ضربتَه ، أو جلدتَه ، أو حبستَه !! ، وإما أم يقتلوك ! وفي رواية : أنهم طلبوا منه أن يعزل ( نوَّابه ) عن الأمصار ، ويولي عليها من يريدون هم !
وإن لم يعزل نفسه : أن يسلِّم لهم مروان بن الحكم ؛ فيعاقبوه .. فخشي عثمان – إن سلَّمه إليهم – أن يقتلوه ؛ فيكون سبباً في قتل امرئ مسلم ؛ وما فعل من الأمر ما يستحقُّ بسببه القتل .. واعتذر عن الاقتصاص مما قالوا بأنَّه [ مروان بن الحكم ] رجلٌ ضعيف البدن ، كبير السِّن . وأما ما سألوه من خلع نفسه ؛ فإنّه لا يفعل ، ولا ينزعُ قميصاً قمَّصه اللهُ إياه ، ويتركُ امَّة محمد ( يعدو بعضُها على بعض ! ) ! وقال لهم فيما قال : وأيُّ شيءٍ إليَّ من الأمر إن كنت كلَّما كرهتم أميراً عزلتُه ، وكلّما رضيتم عنه ولَّيتُه ؟ ! وقال : والله ؛ لئن قتلتموني لا تحابُّوا بعدي أبداً ، ولا تصلُّوا – جميعاً – أبداً ، ولا تقاتلوا بعدي عدوَّاً – جميعاً – أبداً ' ا هـ بتصرف يسير جداً . فكان ما كان ..
ومثلُه دون نقصان .. وإلى الآن .. ! قال شيخُنا العلامة الحلبي – حفظه الله تعالى – في « الدعوة السَّلفيَّة الهادية » - وقد ذكر هذه القصَّةَ - : ونسمعُ – اليوم – بعضَ رؤوس الأحزاب – حينما ( يفاوضون ! ) زعماءَ دولهم ، أو ( يشترطون ! ) على حكومات بلادهم ! - : كأنهم أصحاب إمبراطوريات عظمى ؛ بيدهم الأمرُ - كلُّه - ؛ غروراً واغتراراً ، وتيهاً وبَأْواً [ فخْراً ] ، وتوعُّداً ووعيداً !! بل قد انعكست هذه النفسيَّةُ ( ! ) على ( مظاهراتهم ) ، و ( اعتصاماتهم ) ؛ فصارت - أشبه ما تكون – بعرض القوَّة ! واستعراض العضلات !! ' ا هـ وشيخُنا – حفظه الله – قال هذا في رسالته التي صَدرَت قبل عدَّة أشهر ؛ وقد جعل رأسَ عنوانها قولَ الله – عزَّ وجل - : { فستذكرون ما أقول لكم .. } .
واليوم – إذ أذكرُ هذا الكلام والبيان – لأخاطب العقلاءَ من القوم ،و ( الإخوانَ ) .. ألا ترَوْن الأمورَ إلى أيِّ منحىً تسير ؟ وكيف الأخبارُ إلى ( الفضائيات المذمومة .. ) تطير !؟ ، و كيف – بعد ( التزيين ! ) و التزييف ! – تصير ؟! ألا تَتَروُّون ، وتتفكَّرون ، وتنظرون – ولو بعين العقل لا النقل – إلى ما آلت إليه ( الأحداثُ ) في بلاد ( المسلمين ) : من سَفْكِ دماءٍ - ولا تستهينوا !! - ، و فتنٍ عمياء – ولا تستهزئوا !! - ، و دواهٍ دهماء – ولا تستهتروا - !! ولا يستهجن أحدُكم هذا القول ؛ فإنهم – من قبْلُ – استهجنوا و ( استعجلوا !) ، وقد بدت الأمورُ – عندهم ! - صِغاراً ؛ ثمَّ صارت ناراً ..
إنَّ سياسة ( الاستقواء بالدَّهماء ) لهي سياسةٌ هوجاء ! ، لن تجرَّ إلا الخرابَ والبلاء ، وإلا الدمار والمُلمَّات ، وضياعَ الأمن والانفلات .. فالأمر المؤسفُ ؛- الذي يراه العاقل المُنصفُ - :استعمالُ المسيرات ، والمظاهرات التي لا تخلو من ( الغلط والخَلْط ! ) ، واستغلالُ ( التنازلات ! ) و ( الضغط تلو الضغط ) ، .. فإذا استمرت ( التنازلات ) من الدّولة لتَجَنُّب الأمَرِّ !! ؛ ( استمرؤوا ) الأمْرَ ..!! « وليس من شكٍّ - عند كلِّ ذي نظر – أنّ مثل هذه الفعائل ، والصنائع .. ستؤولُ – وليس بعيداً !! – إلى ضعف هيبة الدَّولة – أيِّ دولة - ؛ مما سيكون سبباً قوياً مباشراً لذهاب أسباب الأمن ، وتزلزل قِوام المجتمع ، وتغْييب الطُّمأنينة والاستقرار .. » ( الدّعوة السَّلفية الهادية ) أنشد نصرُ بن سيار : أرى خلَلَ الرَّمادِ وميضَ جمْرٍ .... ويوشكُ أن يكون له ضِرامُ ولا أرى لها – بعد الله جلَّ في علاه – إلا ( العقلاء .. ) لعلَّهم يتداركون الأمرَ .. ويطفئون الجمْرَ ! { وكان ذلك على الله يسيرا } أسألُ الله – تعالى – أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأن يجعلنا هُداةً مهتدين ؛ غير ضالين ولا مُضلّين ، و أن يوفق ولاة أمورنا لما فيه صلاح البلاد والعباد ، وان يجعل بلدنا آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين . وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين Saed_abbade@yahoo.com
إنّ الحمدَ لله تعالى ، نحمدُه ونستعينه ونستغفرُه ، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هاديَ له ، وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسوُله . أما بعد .. فإنَّ أصدق الحديث كلامُ الله ، وخيرَ الهدي هديُ محمد ٍ صلى الله عليه وسلم ، وشرَّ الأمور مُحدثاتها وكلَّ محدثة بدعة ، وكلَّ بدعة ضلالة ، وكلَّ ضلالة في النّار .
روى ابن جرير بسنده عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - قال : ' إن أجمع آية في القرآن في سورة النحل { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } الآية ' وفي كلِّ شيء .. في العبادات ، والمعاملات ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والأقوال ، والخصومات ... قال الإمام الشنقيطي – رحمه الله - في « أضواء البيان » : ' ومن الآيات التي أمر فيها بالعدل قولُه تعالى : { ولا يجْرمنَّكم شنآنُ قومٍ على ألّا تعْدلوا اعْدلوا هو أقربُ للتقوى } ، وقوله : { إنَّ الله يأمرُكُم أن تُؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حَكمتم بين النَّاس أنْ تَحكموا بالعدْل إنَّ الله نعمَّا يَعِظكم به }
ومن الآيات التي أمر فيها بالإحسان قوله تعالى : { ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحْسِنوا إن الله يحبُّ المحسنين } ، وقوله : { وبالوالدين إحسانًا } ، وقوله : { وأحسنْ كما أحسنَ الله إليك ولا تبْغِ الفسادَ في الأرض } ، وقوله : { وقولوا للناس حُسْنًا }، وقوله : { ما على المُحسنين من سَبيل } ' إلى أن قال : ' فإذا عرفت هذا ، فاعلم أن العدل في اللغة : القسط والإنصاف ، وعدم الجور ؛ وأصله التوسط بين المرتبتين ; أي : الإفراط والتفريط ؛ فمن جانب الإفراط والتفريط فقد عدل ' .
ومن تتبع تاريخ الإسلام ؛ وجد أكثر الفتن التي حصلت للمسلمين إنما كانت بسبب إهمال هذا الأصل العظيم ، وجنوح جماعات إلى الغلوِّ ، والاستطالة ، والظلم في ( سياستهم ) عند النوازل والمُحدثات ، ومطالباتهم للإصلاحات !! ؛ ولنا ... { في قصصهم عبرةٌ }
قال ابن كثير – رحمه الله تعالى – في « البداية والنهاية » : ' ذكر ابن جرير : أنّ عثمان استدعى الأشترَّ النَخَعيَّ – ووضعت لعثمان وسادة في كوَّة من داره - ؛ فأشرف على النَّاس ؛ فقال له عثمان : يا أشتر ماذا يريدون ؟ فقال : إنهم يريدون منك : إما أن تعزل نفسك عن الإمرة ! ، وإما أن تَقِيدَ من نفسك من قد ضربتَه ، أو جلدتَه ، أو حبستَه !! ، وإما أم يقتلوك ! وفي رواية : أنهم طلبوا منه أن يعزل ( نوَّابه ) عن الأمصار ، ويولي عليها من يريدون هم !
وإن لم يعزل نفسه : أن يسلِّم لهم مروان بن الحكم ؛ فيعاقبوه .. فخشي عثمان – إن سلَّمه إليهم – أن يقتلوه ؛ فيكون سبباً في قتل امرئ مسلم ؛ وما فعل من الأمر ما يستحقُّ بسببه القتل .. واعتذر عن الاقتصاص مما قالوا بأنَّه [ مروان بن الحكم ] رجلٌ ضعيف البدن ، كبير السِّن . وأما ما سألوه من خلع نفسه ؛ فإنّه لا يفعل ، ولا ينزعُ قميصاً قمَّصه اللهُ إياه ، ويتركُ امَّة محمد ( يعدو بعضُها على بعض ! ) ! وقال لهم فيما قال : وأيُّ شيءٍ إليَّ من الأمر إن كنت كلَّما كرهتم أميراً عزلتُه ، وكلّما رضيتم عنه ولَّيتُه ؟ ! وقال : والله ؛ لئن قتلتموني لا تحابُّوا بعدي أبداً ، ولا تصلُّوا – جميعاً – أبداً ، ولا تقاتلوا بعدي عدوَّاً – جميعاً – أبداً ' ا هـ بتصرف يسير جداً . فكان ما كان ..
ومثلُه دون نقصان .. وإلى الآن .. ! قال شيخُنا العلامة الحلبي – حفظه الله تعالى – في « الدعوة السَّلفيَّة الهادية » - وقد ذكر هذه القصَّةَ - : ونسمعُ – اليوم – بعضَ رؤوس الأحزاب – حينما ( يفاوضون ! ) زعماءَ دولهم ، أو ( يشترطون ! ) على حكومات بلادهم ! - : كأنهم أصحاب إمبراطوريات عظمى ؛ بيدهم الأمرُ - كلُّه - ؛ غروراً واغتراراً ، وتيهاً وبَأْواً [ فخْراً ] ، وتوعُّداً ووعيداً !! بل قد انعكست هذه النفسيَّةُ ( ! ) على ( مظاهراتهم ) ، و ( اعتصاماتهم ) ؛ فصارت - أشبه ما تكون – بعرض القوَّة ! واستعراض العضلات !! ' ا هـ وشيخُنا – حفظه الله – قال هذا في رسالته التي صَدرَت قبل عدَّة أشهر ؛ وقد جعل رأسَ عنوانها قولَ الله – عزَّ وجل - : { فستذكرون ما أقول لكم .. } .
واليوم – إذ أذكرُ هذا الكلام والبيان – لأخاطب العقلاءَ من القوم ،و ( الإخوانَ ) .. ألا ترَوْن الأمورَ إلى أيِّ منحىً تسير ؟ وكيف الأخبارُ إلى ( الفضائيات المذمومة .. ) تطير !؟ ، و كيف – بعد ( التزيين ! ) و التزييف ! – تصير ؟! ألا تَتَروُّون ، وتتفكَّرون ، وتنظرون – ولو بعين العقل لا النقل – إلى ما آلت إليه ( الأحداثُ ) في بلاد ( المسلمين ) : من سَفْكِ دماءٍ - ولا تستهينوا !! - ، و فتنٍ عمياء – ولا تستهزئوا !! - ، و دواهٍ دهماء – ولا تستهتروا - !! ولا يستهجن أحدُكم هذا القول ؛ فإنهم – من قبْلُ – استهجنوا و ( استعجلوا !) ، وقد بدت الأمورُ – عندهم ! - صِغاراً ؛ ثمَّ صارت ناراً ..
إنَّ سياسة ( الاستقواء بالدَّهماء ) لهي سياسةٌ هوجاء ! ، لن تجرَّ إلا الخرابَ والبلاء ، وإلا الدمار والمُلمَّات ، وضياعَ الأمن والانفلات .. فالأمر المؤسفُ ؛- الذي يراه العاقل المُنصفُ - :استعمالُ المسيرات ، والمظاهرات التي لا تخلو من ( الغلط والخَلْط ! ) ، واستغلالُ ( التنازلات ! ) و ( الضغط تلو الضغط ) ، .. فإذا استمرت ( التنازلات ) من الدّولة لتَجَنُّب الأمَرِّ !! ؛ ( استمرؤوا ) الأمْرَ ..!! « وليس من شكٍّ - عند كلِّ ذي نظر – أنّ مثل هذه الفعائل ، والصنائع .. ستؤولُ – وليس بعيداً !! – إلى ضعف هيبة الدَّولة – أيِّ دولة - ؛ مما سيكون سبباً قوياً مباشراً لذهاب أسباب الأمن ، وتزلزل قِوام المجتمع ، وتغْييب الطُّمأنينة والاستقرار .. » ( الدّعوة السَّلفية الهادية ) أنشد نصرُ بن سيار : أرى خلَلَ الرَّمادِ وميضَ جمْرٍ .... ويوشكُ أن يكون له ضِرامُ ولا أرى لها – بعد الله جلَّ في علاه – إلا ( العقلاء .. ) لعلَّهم يتداركون الأمرَ .. ويطفئون الجمْرَ ! { وكان ذلك على الله يسيرا } أسألُ الله – تعالى – أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأن يجعلنا هُداةً مهتدين ؛ غير ضالين ولا مُضلّين ، و أن يوفق ولاة أمورنا لما فيه صلاح البلاد والعباد ، وان يجعل بلدنا آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين . وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين Saed_abbade@yahoo.com
إنّ الحمدَ لله تعالى ، نحمدُه ونستعينه ونستغفرُه ، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضلل فلا هاديَ له ، وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسوُله . أما بعد .. فإنَّ أصدق الحديث كلامُ الله ، وخيرَ الهدي هديُ محمد ٍ صلى الله عليه وسلم ، وشرَّ الأمور مُحدثاتها وكلَّ محدثة بدعة ، وكلَّ بدعة ضلالة ، وكلَّ ضلالة في النّار .
روى ابن جرير بسنده عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - قال : ' إن أجمع آية في القرآن في سورة النحل { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } الآية ' وفي كلِّ شيء .. في العبادات ، والمعاملات ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والأقوال ، والخصومات ... قال الإمام الشنقيطي – رحمه الله - في « أضواء البيان » : ' ومن الآيات التي أمر فيها بالعدل قولُه تعالى : { ولا يجْرمنَّكم شنآنُ قومٍ على ألّا تعْدلوا اعْدلوا هو أقربُ للتقوى } ، وقوله : { إنَّ الله يأمرُكُم أن تُؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حَكمتم بين النَّاس أنْ تَحكموا بالعدْل إنَّ الله نعمَّا يَعِظكم به }
ومن الآيات التي أمر فيها بالإحسان قوله تعالى : { ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحْسِنوا إن الله يحبُّ المحسنين } ، وقوله : { وبالوالدين إحسانًا } ، وقوله : { وأحسنْ كما أحسنَ الله إليك ولا تبْغِ الفسادَ في الأرض } ، وقوله : { وقولوا للناس حُسْنًا }، وقوله : { ما على المُحسنين من سَبيل } ' إلى أن قال : ' فإذا عرفت هذا ، فاعلم أن العدل في اللغة : القسط والإنصاف ، وعدم الجور ؛ وأصله التوسط بين المرتبتين ; أي : الإفراط والتفريط ؛ فمن جانب الإفراط والتفريط فقد عدل ' .
ومن تتبع تاريخ الإسلام ؛ وجد أكثر الفتن التي حصلت للمسلمين إنما كانت بسبب إهمال هذا الأصل العظيم ، وجنوح جماعات إلى الغلوِّ ، والاستطالة ، والظلم في ( سياستهم ) عند النوازل والمُحدثات ، ومطالباتهم للإصلاحات !! ؛ ولنا ... { في قصصهم عبرةٌ }
قال ابن كثير – رحمه الله تعالى – في « البداية والنهاية » : ' ذكر ابن جرير : أنّ عثمان استدعى الأشترَّ النَخَعيَّ – ووضعت لعثمان وسادة في كوَّة من داره - ؛ فأشرف على النَّاس ؛ فقال له عثمان : يا أشتر ماذا يريدون ؟ فقال : إنهم يريدون منك : إما أن تعزل نفسك عن الإمرة ! ، وإما أن تَقِيدَ من نفسك من قد ضربتَه ، أو جلدتَه ، أو حبستَه !! ، وإما أم يقتلوك ! وفي رواية : أنهم طلبوا منه أن يعزل ( نوَّابه ) عن الأمصار ، ويولي عليها من يريدون هم !
وإن لم يعزل نفسه : أن يسلِّم لهم مروان بن الحكم ؛ فيعاقبوه .. فخشي عثمان – إن سلَّمه إليهم – أن يقتلوه ؛ فيكون سبباً في قتل امرئ مسلم ؛ وما فعل من الأمر ما يستحقُّ بسببه القتل .. واعتذر عن الاقتصاص مما قالوا بأنَّه [ مروان بن الحكم ] رجلٌ ضعيف البدن ، كبير السِّن . وأما ما سألوه من خلع نفسه ؛ فإنّه لا يفعل ، ولا ينزعُ قميصاً قمَّصه اللهُ إياه ، ويتركُ امَّة محمد ( يعدو بعضُها على بعض ! ) ! وقال لهم فيما قال : وأيُّ شيءٍ إليَّ من الأمر إن كنت كلَّما كرهتم أميراً عزلتُه ، وكلّما رضيتم عنه ولَّيتُه ؟ ! وقال : والله ؛ لئن قتلتموني لا تحابُّوا بعدي أبداً ، ولا تصلُّوا – جميعاً – أبداً ، ولا تقاتلوا بعدي عدوَّاً – جميعاً – أبداً ' ا هـ بتصرف يسير جداً . فكان ما كان ..
ومثلُه دون نقصان .. وإلى الآن .. ! قال شيخُنا العلامة الحلبي – حفظه الله تعالى – في « الدعوة السَّلفيَّة الهادية » - وقد ذكر هذه القصَّةَ - : ونسمعُ – اليوم – بعضَ رؤوس الأحزاب – حينما ( يفاوضون ! ) زعماءَ دولهم ، أو ( يشترطون ! ) على حكومات بلادهم ! - : كأنهم أصحاب إمبراطوريات عظمى ؛ بيدهم الأمرُ - كلُّه - ؛ غروراً واغتراراً ، وتيهاً وبَأْواً [ فخْراً ] ، وتوعُّداً ووعيداً !! بل قد انعكست هذه النفسيَّةُ ( ! ) على ( مظاهراتهم ) ، و ( اعتصاماتهم ) ؛ فصارت - أشبه ما تكون – بعرض القوَّة ! واستعراض العضلات !! ' ا هـ وشيخُنا – حفظه الله – قال هذا في رسالته التي صَدرَت قبل عدَّة أشهر ؛ وقد جعل رأسَ عنوانها قولَ الله – عزَّ وجل - : { فستذكرون ما أقول لكم .. } .
واليوم – إذ أذكرُ هذا الكلام والبيان – لأخاطب العقلاءَ من القوم ،و ( الإخوانَ ) .. ألا ترَوْن الأمورَ إلى أيِّ منحىً تسير ؟ وكيف الأخبارُ إلى ( الفضائيات المذمومة .. ) تطير !؟ ، و كيف – بعد ( التزيين ! ) و التزييف ! – تصير ؟! ألا تَتَروُّون ، وتتفكَّرون ، وتنظرون – ولو بعين العقل لا النقل – إلى ما آلت إليه ( الأحداثُ ) في بلاد ( المسلمين ) : من سَفْكِ دماءٍ - ولا تستهينوا !! - ، و فتنٍ عمياء – ولا تستهزئوا !! - ، و دواهٍ دهماء – ولا تستهتروا - !! ولا يستهجن أحدُكم هذا القول ؛ فإنهم – من قبْلُ – استهجنوا و ( استعجلوا !) ، وقد بدت الأمورُ – عندهم ! - صِغاراً ؛ ثمَّ صارت ناراً ..
إنَّ سياسة ( الاستقواء بالدَّهماء ) لهي سياسةٌ هوجاء ! ، لن تجرَّ إلا الخرابَ والبلاء ، وإلا الدمار والمُلمَّات ، وضياعَ الأمن والانفلات .. فالأمر المؤسفُ ؛- الذي يراه العاقل المُنصفُ - :استعمالُ المسيرات ، والمظاهرات التي لا تخلو من ( الغلط والخَلْط ! ) ، واستغلالُ ( التنازلات ! ) و ( الضغط تلو الضغط ) ، .. فإذا استمرت ( التنازلات ) من الدّولة لتَجَنُّب الأمَرِّ !! ؛ ( استمرؤوا ) الأمْرَ ..!! « وليس من شكٍّ - عند كلِّ ذي نظر – أنّ مثل هذه الفعائل ، والصنائع .. ستؤولُ – وليس بعيداً !! – إلى ضعف هيبة الدَّولة – أيِّ دولة - ؛ مما سيكون سبباً قوياً مباشراً لذهاب أسباب الأمن ، وتزلزل قِوام المجتمع ، وتغْييب الطُّمأنينة والاستقرار .. » ( الدّعوة السَّلفية الهادية ) أنشد نصرُ بن سيار : أرى خلَلَ الرَّمادِ وميضَ جمْرٍ .... ويوشكُ أن يكون له ضِرامُ ولا أرى لها – بعد الله جلَّ في علاه – إلا ( العقلاء .. ) لعلَّهم يتداركون الأمرَ .. ويطفئون الجمْرَ ! { وكان ذلك على الله يسيرا } أسألُ الله – تعالى – أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأن يجعلنا هُداةً مهتدين ؛ غير ضالين ولا مُضلّين ، و أن يوفق ولاة أمورنا لما فيه صلاح البلاد والعباد ، وان يجعل بلدنا آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين . وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين Saed_abbade@yahoo.com
التعليقات