نعم .. بيان الأحكام الشرعية المتعلقة بالتربية والتعليم
هو الأساس في ' إصلاح الناس '
وما عداه ( وسواسٌ خنّاس ) !!
إن الحمد لله تعالى ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا }
{ ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }
أما بعد ..
فإن أصدق الحديث كلامُ الله ، وخيرَ الهدي هديُ محمد ٍ صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
إن عصب الحياة للأمة هو منهج التربية القائم فيها ؛ وهو ما يرتكز - أساساً - على المصادر التي يستقي منها قيمه وضوابطه وأحكامه ؛ فإن توافقت و تناسقت ؛ كان الفلاح والصلاح الذي يرفد ُ المجتمعات بأسباب رفعتها ، وعلو شأنها ، ويحفظ عليها شملها ، فإذا تخلفت وتناقصت ؛ جنحت من جادّة الطريق إلى بؤر ٍمن الرزايا ونغص العيش ، وتكالبت على النشء والشباب – خاصة – مخالبُ الانحراف والطيش .
هذا ؛ وإن من أجلّ أركان التربية – وكذلك التعليم - هو كنه ُ أو جوهرُ العلاقة بين المربي – سواءٌ كان أباً أو معلماً – وبين متعاطي التربية من الأولاد والتلاميذ ؛ مع النظر إلى الأخير كنفس ٍ آدمية ؛ يدفعها طبعُها إلى مخالطة ما يعتريها من مؤثرات ؛ أو يطرأ عليها من محدثات ؛ بما يدخل في تكوينها غالباً ، ويوجه سلوك صاحبها قلباً وقالباً .
فإذا سلم لنا هذا الركن ؛ فمن اليسير إصلاح ُ الأنفس بإذن بارئها ؛ وكذا إنشاؤها على الاستقامة ؛ وإنماؤها على حسن الطبائع ؛ وإعمارُها بمكارم الأخلاق والفضائل ، فنكون – حينئذ ٍ – قد أحسنّا الصنعة ؛ وأصبنا النّجعة ؛ بما يحفظ على المربي مقامه وقدْره ؛ وعلى المتربي نفسه وعقله .
فإن أتاه الخلل ُ ، واستشرى به الزلل ، وطغى عليه الدجل ؛ كان الوهن والشلل ؛ وبقدر ما توافد من هذه الآفات ؛ وتوافر من هذه المُلمات ، حتى يحيق به الفساد ؛ ويقعد له سوء المآل بالمرصاد ، فلا نجني من التربية إلا سوء المنقلب ؛ ولا يُغني عنا التعليم من الجهل إلا التعب .
والمتدبر – اليوم – في أحوال التربية يكاد أن يتفطرَ قلبه ، ويطيشَ عقله ؛ لما يرى من الهوّة السحيقة التي تردّى فيها قوام تلك التربية ، وكذا اختلال نظمها وأطوارها ، واختلاف أصولها و صورها ، حتى لقد شاهت ملامُحها ، وتاهت مقاصدُها ؛ وغدا بيننا وبين ( الجيل الجديد ) سدٌّ عنيد ؛ مثلُه كمثل الطوْد العتيد ؛ يزيد المسافة بعداً ، والحلَّ عُقدا ، فكان أن ماجت بهم نوازل ( التطور العلمي ) المذهل ، وهاجت عليهم غوائل الشهوات ودائها المعل ّ المعطّل .
ولمّا كانت النفس هي محل ّ الدوافع والصراع ، والتطوير والتغيير ، كان لزاماً على أيّ منهج تربوي إحكام السيطرة على أحوالها ، والعناية بأهوالها ، والاهتمام بأهوائها ، وسياستها على نحو ٍ يقيها الأسقام والأوهام ، ولا يكون ذلك المنهج محكماً رصيناً رزيناً إلا إذا كان من لدن لطيفٍ خبيرٍ .
واللهُ - جل ّ وعلا – إذ خلق النفس { ونفسٍ وما سوّاها } ؛ فهو العالم بخفاياها وأعراضها ؛ { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور } ، وهو الخبير بما يصلحها ؛ وبما يُبرئها – على وجه اليقين - من العلل التي تعتريها { يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاءٌ لما في الصدور } ، ولذلك ؛ كان ابن القيم – رحمه الله تعالى – يقول : ' أعط ِ النفس باريها ' .
وإن من أعظم ما جاء به النبيّ صلى الله عليه وسلم يتعلق – أساساً - بتربية النفوس وتهذيبها وتأديبها ؛ فقال - فيما صحّ عنه صلى الله عليه وسلم - : ' إنما بُعثت لأتمم صالح الأخلاق ' : أخلاق العبد مع ربّه ، وأخلاق العبد مع نفسه ومع الناس .. فكان أن تربى على يديه رجال ٌ لم – ولن – يعرف التاريخ ُ أمثالهم ولا أشباهاً لهم .
أقول هذا – ترصداً – لمن راح ينقب – في جانب التربية و(علم النفس ) – بين ركام العلوم عند الملل والأمم الأخرى ، و والله ِ ! ما استخرج شيئاً فيه نفع وفائدة ؛ إلا وفي كتاب الله – جل وعلا - وسنة نبيّه – صلى الله عليه وسلم – أفضلُ منه ، أو مثلُه وزيادة ، فلا يُعقل أن شرع { خير أمة أخرجت للناس } يفتقر – في جانب التربية و( علم النفس ) على الأخص – إلى علوم الغير؛ فهذا يكون نقصاً فيه ؛ وحاشاه من شرع ؛ قال تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } ، روى الإمام أحمد والشيخان عن طارق بن شهاب قال : جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب فقال : يا أمير المؤمنين ؛ إنكم تقرؤون آية ً في كتابكم ؛ لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً ، قال : وأي ُّ آية ؟ قال : قوله : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي } فقال عمر : والله ؛ إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم : عشية عرفة في يوم جمعة .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ' تركت فيكم شيئين ؛ لن تضلوا بعدهما : كتاب الله وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ' [ رواه الحاكم من حديث أبي هريرة وصححه الإمام الألباني ] .
وتركُ هذين الشيئين العظيمين هو – بعينه – الانحراف عن الطريق المستقيم ، والانجراف مع الهوى ؛ ذاك ( المسلك ) السقيم ؛ قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : ' لست تاركاً شيئاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به ؛ فإني أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ ' .
لقد أدرك العلماء الربانيون من أهل السنة هذا الأصل ؛ فعكفوا على كتاب الله والسنة فنهلوا منهما ما شغلوا به الدنيا ، وإني – والله ! – ليتملكني الذهول حين أطالع مصنفات ومؤلفات ابن القيم – مثلاً - ، فهذا العالم تبحّر في النفس الآدمية وغاص أعماقها ، فاستخرج أسرارها واستجلى آفاقها ، تألق في كشف أدوائها فأحسن وأجاد ، و تأنّق في وصف دوائها فألسن وأفاد ، جمع في التربية و ( علم النفس ) ما يعزّ نظيره ؛ إذ يعجبك استقراؤه وتقريره ، ويُعجزك تفسيرُه ، ويواطئه على الأمر – إذا صدّره – معارضُه ونصيرُه .
بَيْد أنّ استنباط علوم التربية و ( النفس ) ، وبيان أحكامها ، وتفصيل أركانها ، وتأصيل قواعدها بالارتكاز على مصادر التشريع ؛ يحتاج اليوم إلى علماء معتبرين ، يلتزمون منهجاً متزنا ً ذا وسائل فاعلة ، وأساليب مبتكرة ؛ تلتفت إلى التغيرات المادية الطارئة على المجتمع المسلم ، والدعوة – بعد هذا - إلى إعمال النصوص الشرعية في جميع جوانب ( العملية التربوية والتعليمية ){ بالحكمة والموعظة الحسنة } ؛ وحينئذٍ – فقط - نكون قد بدأنا ( الإصلاح ) الذي أراده الله - جل ّ وعلا - لعباده .
ولِما تقدّم قال شيخنا العلامة الحلبي في خطابه للمعلمين : ' إن بيان الأحكام الشرعية المترتبة على الناحية التربوية والتعليمية من جهة ما يجب على معلمي المدارس نحو طلبتهم – أداءً أو امتناعا – هو الأصل والأساس في إصلاح المجتمع والناس: كما قال – تعالى – { ... وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض } .
وابتداءً، فإني أعلم – جيدا – أن الاسم القديم – في بلادنا – لـ ' وزارة التربية والتعليم هو (وزارة المعارف) وكلمة (المعارف) – وحدها – ها هنا – لا تعطي البعد التربوي المطلوب من الدور التعليمي المرغوب، فلقد أحسن – جدا – إذن – من غير تلك التسمية القديمة: (وزارة المعارف) إلى هذه التسمية الحالية: (وزارة التربية والتعليم) وأحسن أكثر في تقديم (التربية) على (التعليم) لما تتضمنه من معنىً أخلاقيٍّ دقيق ونهج سلوكيٍّ أنيق. ' انتهى
فأما المعلم الكريم ؛ فحريٌّ به الاعتناءُ بهذا الجانب العظيم ؛ وهو تقديم التربية على التعليم ؛ ومثلُه الأب ُ في بيته ، والعالم ُ مع طلابه ، والحاكم ُ مع رعيّته .
لقد أغفلنا وأهملنا – نحن المعلمين إلا من رحم الله - في مدارسنا هذا الشِّقَّ فحدث الشَّقُّ ؛ فكان ما تراه اليوم عند الطلاب من مشكلات ٍ سلوكيةٍ في غاية التعقيد ؛ وانظر إلى علاقة المعلم بالطالب اليوم ؛ تعلمْ في أيِّ طريقٍ تسير الأمور ؛ لقد وُضعت الخطط والبرامج ، وعُقدت المؤتمرات والندوات من أجل تحسين البيئة النفسية والاجتماعية في مدارسنا ؛ وجعلها آمنة ً خاليةً من العنف والإساءَة ؛ وخاصةً ذلك الموجه نحو الطلاب ؛ وكانت – ولا زالت - أهداف هذه البرامج تسير باتجاه خفض نسبة العنف المدرسي شيئاً قليلاً فقط ؛ لا القضاء عليه ؛ ولكن ... .
يجب الإدراك أنّه لم يبقَ لنا – بفقد التربية - في مدارسنا سوى التعليم مع ما فيه من خلل وعلل ؛ ما يحتِّم علينا إعادة النظر والتفكر في ( واقعنا !! ) ؛ ولا يكون هذا – أبداً - إلا من خلال المعرفة الدقيقة بالأحكام الشرعية ؛ التي تضبط ُ عملنا كمربين ومعلمين ؛ وليس أقدر على بيان تلك الأحكام من العلماء ِ الربّانيين ، الملتزمين للكتاب والسنّة بفهم سلف الأمة .
ومنهج التربية له مفهوم ٌ أوسع ، ومدلول ٌ أنفع ؛ وهو ما يتعلق – أصلاً - بإرشاد الناس ؛ وتعليمهم ما يضرهم وينفعهم ، وما فيه صلاح أنفسهم ورشدهم ، وتوجيههم نحو إتباع الفضائل وترك الرذائل ؛ وغير ذلك مما جاء به ديننا الحنيف وفيه سعادة الناس في الدنيا
وهذا يتطلب - اليوم - عودتَنا إلى ( المحجة البيضاء ) التي تركنا عليها النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ولا شيئاً غيره ؛ قال رسول الله عليه السلام : ' قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ، من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشيًا ، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد ' . والحديث صححه الإمام الألباني رحمه الله تعالى.
فسبيل النجاة أن نكون على ما كان عليه النبيٌّ صلى الله عليه وسلّم وأصحابُه ؛ فإن بدّلنا وأحدثنا وابتدعنا وابتعدنا ؛ فالشرُّ كلُّه والهلاك ، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث : ' .. وخير الهدي هدي محمد ، وشرّ الأمور محدثاتها ، وكلّ بدعة ضلالة ' .
والنبيُّ الأعظمُ - عليه الصلاة والسلام - مبلِّغٌ عن ربِّ العزة ،{ وما ينطق عن الهوى } ، وكل شيء أخبرنا بأنه سيقع ؛ فلا بدَّ من وقوعه ؛ فحصل اختلاف ٌ كثير ، وامتدت إلى صفاء ' المحجة البيضاء ' يدُ التبديل و التحريف ، والتشويه والتزييف ؛ سواءٌ كان من أعداء الدين ، أو من أهله ؛ من ( المبتدعة ) و ( أهل الكلام والفلسفة ) وغيرهم من ( الفرق ) الضّالة التي أبلغنا عنها النبي صلى الله عليه وسلم .
فانبرى العلماءُ من أهل السنة والجماعة في كل عصر ٍ يذبّون عن الدين والسنة (انتحال المبطلين وتأويل الغالين ) ، ويردون على أهل البدع والأهواء والكلام ؛ وكان هذا من ( الأولويات ) ؛ قال يحيى بن يحيى – وهو شيخ البخاري ومسلم - : ' الذبّ عن السنة أفضل من الجهاد في سبيل الله ' فقال محمد بن يحيى الذهلي ( الراوي عن يحيى بن يحيى ) : الرجل ينفق ماله ويتعب نقسه ويجاهد ؛ فهذا أفضل منه ؟ قال : ' نعم بكثير ' .
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام :' المتبع للسنة كالقابض على الجمر ، وهو اليوم عندي أفضل من الضرب بالسيوف في سبيل الله ' .
وكان ابن القيم يقول : ' والجهاد بالحجة واللسان مقدَّم على الجهاد بالسيف والسِنان ' .
وإنه لما قام علماء أهل السنة - أو ما يعرفون بعلماء الدعوة السلفية - في هذا الزمان بحمل لواء السنة وتصفية الإسلام من الشوائب التي علقت به على مرّ السنين ؛ ثم تربية الناس – بعد ذلك – عليه - وهو ما يعرف بمنهج ( التصفية والتربية ) والذي برز في تأصيله هنا في بلدنا الأردن الإمامُ المحدِّث محمد ناصر الدين الألباني وتلاميذه الكبار ومنهم شيخنا العلامة الحلبي - أقول : لمّا قام علماء أهل السنة بحمل لواء التصفية ؛ ارتجف المبطلون والمعطّلون ؛ من الحزبيين والحركيين ؛ وراحوا يرمون أولئك العلماء بأوصاف تلبّس على العامة ؛ وتدفع بالشباب المسلم للإعراض عن ( مشايخ السلفية ) ؛ فقالوا { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} :
( هؤلاء يخذّلون ويخدرون الناس عن الثورات والجهاد !! )
( إلى متى سنبقى قابعين – يقصدون : خانعين – بين الكتب الصفراء والمخطوطات) ؛ يقصدون : تحقيق كتب الحديث ؛ وتنقيح كتب المتقدمين من أهل العلم ومصنفاتهم .
( هؤلاء بعيدون عن فقه الواقع !! ) ؛ وقد قيلت هذه العبارة - مؤخراً – عن شيخنا العلامة الحلبي بعد خطابه ونُصحه للمعلمين بشأن إضرابهم ! .
( علماء جامدون )
والأدهى : أنهم قالوا عن أولئك العلماء – يدفعهم وسواسٌ خنّاس - : ( هؤلاء علماء الحيض والنفاس ) ؛ بنيّة الانتقاص ، أليس هذا هو – بعينه – ( الإفلاس ) ؟!
هذا يقال عن علماء أهل السنة اليوم ، ليس (الشيوعيون ) من قاله ، ولا ( الليبراليون ) ولا ( البعثيون ) ولا ( العلمانيون ) ؛ وإنما قاله ( إخوان – لنا - مسلمون ) ؛ وإلى الله الشكوى عمّا يصفون .
واسمع أخي .. ثمّ قارن واحكم :
تكلم واصل بن عطاء يوماً – وهو من المعتزلة – فقال عمرو بن عبيد : ( ألا تسمعون ؟ ما كلام الحسن ( يعني : البصري ) وابن سيرين إلا خرقة حيض ٍ ملقاة ؟! ) .
وقال واحدٌ من أهل البدع – مفضلاً علم الكلام على الفقه - : ( إنّ علم الشافعي وأبي حنيفة جملته لا يخرج عن سراويل امرأة ) ؛ يريد أن يقول : ( إنّ علمهما لا يخرج عن أحكام الحيض والنفاس ) !!!
قال الإمام الشاطبي في كتابه ( الاعتصام ) – وقد ذكر هذه الأقوال عن أهل البدع والكلام - : ' هذا كلام هؤلاء الزائغين ؛ قاتلهم الله ' .
قال الشيخ عبد المالك الجزائري قي كتابه ( مدارك النظر في السياسة ) – وقد أورد تلك الآثار عن أهل الشّنار - : ' فماذا يقول الشاطبي لو أدرك أهل زماننا من الحركيين والحزبيين وهم يتفكهون بأعراض أهل العلم ورثة الأنبياء ؟ ( ولكل قوم ٍ وارث ) ' .
قلت ُ : سبحان الله ! ما أقرب اليوم للأمس !
وإذا عجبتَ ! فالعجبُ من هؤلاء القوم – إذ تخرج هذه الكلمات من أفواههم – أنه ما نبت فيهم عالم ٌ واحد ٌ طوال هذه السنين التي مرّت منذ تأسيس أحزابهم ( !! ) ، وإنْ كان ثمة علم عند أحدهم ؛ فلخدمة الحزب !! ، وتحريك النّاس مع الحزب هنا وهناك عبر ( فضائية معتبرة !!).
فاحذر أخي – حفظك الله تعالى – من أمثال أولئك ؛ أن يصدّوك َ عن سبيل العلماء من أهل السنة بدعاوى هم – أنفسهم – يعلمون زورها ؛ والله – عز وجل – يقول : { وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ } .
وسأتكلم في الجزء القادم – إن شاء الله ُ تعالى – عن وصف ( المعلم ) ؛ وردّ شبهة ( أن علماء السلفية – في قضيّة المعلمين - ينصرون الظالم على المظلوم ، وأنهم علماء سلاطين ) .
أسأل الله العظيم ربَّ العرش الكريم ؛ أن يطهّر قلوبنا من الرياء والنفاق وقول الزّور ؛ وأن لا يجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين
نعم .. بيان الأحكام الشرعية المتعلقة بالتربية والتعليم
هو الأساس في ' إصلاح الناس '
وما عداه ( وسواسٌ خنّاس ) !!
إن الحمد لله تعالى ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا }
{ ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }
أما بعد ..
فإن أصدق الحديث كلامُ الله ، وخيرَ الهدي هديُ محمد ٍ صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
إن عصب الحياة للأمة هو منهج التربية القائم فيها ؛ وهو ما يرتكز - أساساً - على المصادر التي يستقي منها قيمه وضوابطه وأحكامه ؛ فإن توافقت و تناسقت ؛ كان الفلاح والصلاح الذي يرفد ُ المجتمعات بأسباب رفعتها ، وعلو شأنها ، ويحفظ عليها شملها ، فإذا تخلفت وتناقصت ؛ جنحت من جادّة الطريق إلى بؤر ٍمن الرزايا ونغص العيش ، وتكالبت على النشء والشباب – خاصة – مخالبُ الانحراف والطيش .
هذا ؛ وإن من أجلّ أركان التربية – وكذلك التعليم - هو كنه ُ أو جوهرُ العلاقة بين المربي – سواءٌ كان أباً أو معلماً – وبين متعاطي التربية من الأولاد والتلاميذ ؛ مع النظر إلى الأخير كنفس ٍ آدمية ؛ يدفعها طبعُها إلى مخالطة ما يعتريها من مؤثرات ؛ أو يطرأ عليها من محدثات ؛ بما يدخل في تكوينها غالباً ، ويوجه سلوك صاحبها قلباً وقالباً .
فإذا سلم لنا هذا الركن ؛ فمن اليسير إصلاح ُ الأنفس بإذن بارئها ؛ وكذا إنشاؤها على الاستقامة ؛ وإنماؤها على حسن الطبائع ؛ وإعمارُها بمكارم الأخلاق والفضائل ، فنكون – حينئذ ٍ – قد أحسنّا الصنعة ؛ وأصبنا النّجعة ؛ بما يحفظ على المربي مقامه وقدْره ؛ وعلى المتربي نفسه وعقله .
فإن أتاه الخلل ُ ، واستشرى به الزلل ، وطغى عليه الدجل ؛ كان الوهن والشلل ؛ وبقدر ما توافد من هذه الآفات ؛ وتوافر من هذه المُلمات ، حتى يحيق به الفساد ؛ ويقعد له سوء المآل بالمرصاد ، فلا نجني من التربية إلا سوء المنقلب ؛ ولا يُغني عنا التعليم من الجهل إلا التعب .
والمتدبر – اليوم – في أحوال التربية يكاد أن يتفطرَ قلبه ، ويطيشَ عقله ؛ لما يرى من الهوّة السحيقة التي تردّى فيها قوام تلك التربية ، وكذا اختلال نظمها وأطوارها ، واختلاف أصولها و صورها ، حتى لقد شاهت ملامُحها ، وتاهت مقاصدُها ؛ وغدا بيننا وبين ( الجيل الجديد ) سدٌّ عنيد ؛ مثلُه كمثل الطوْد العتيد ؛ يزيد المسافة بعداً ، والحلَّ عُقدا ، فكان أن ماجت بهم نوازل ( التطور العلمي ) المذهل ، وهاجت عليهم غوائل الشهوات ودائها المعل ّ المعطّل .
ولمّا كانت النفس هي محل ّ الدوافع والصراع ، والتطوير والتغيير ، كان لزاماً على أيّ منهج تربوي إحكام السيطرة على أحوالها ، والعناية بأهوالها ، والاهتمام بأهوائها ، وسياستها على نحو ٍ يقيها الأسقام والأوهام ، ولا يكون ذلك المنهج محكماً رصيناً رزيناً إلا إذا كان من لدن لطيفٍ خبيرٍ .
واللهُ - جل ّ وعلا – إذ خلق النفس { ونفسٍ وما سوّاها } ؛ فهو العالم بخفاياها وأعراضها ؛ { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور } ، وهو الخبير بما يصلحها ؛ وبما يُبرئها – على وجه اليقين - من العلل التي تعتريها { يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاءٌ لما في الصدور } ، ولذلك ؛ كان ابن القيم – رحمه الله تعالى – يقول : ' أعط ِ النفس باريها ' .
وإن من أعظم ما جاء به النبيّ صلى الله عليه وسلم يتعلق – أساساً - بتربية النفوس وتهذيبها وتأديبها ؛ فقال - فيما صحّ عنه صلى الله عليه وسلم - : ' إنما بُعثت لأتمم صالح الأخلاق ' : أخلاق العبد مع ربّه ، وأخلاق العبد مع نفسه ومع الناس .. فكان أن تربى على يديه رجال ٌ لم – ولن – يعرف التاريخ ُ أمثالهم ولا أشباهاً لهم .
أقول هذا – ترصداً – لمن راح ينقب – في جانب التربية و(علم النفس ) – بين ركام العلوم عند الملل والأمم الأخرى ، و والله ِ ! ما استخرج شيئاً فيه نفع وفائدة ؛ إلا وفي كتاب الله – جل وعلا - وسنة نبيّه – صلى الله عليه وسلم – أفضلُ منه ، أو مثلُه وزيادة ، فلا يُعقل أن شرع { خير أمة أخرجت للناس } يفتقر – في جانب التربية و( علم النفس ) على الأخص – إلى علوم الغير؛ فهذا يكون نقصاً فيه ؛ وحاشاه من شرع ؛ قال تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } ، روى الإمام أحمد والشيخان عن طارق بن شهاب قال : جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب فقال : يا أمير المؤمنين ؛ إنكم تقرؤون آية ً في كتابكم ؛ لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً ، قال : وأي ُّ آية ؟ قال : قوله : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي } فقال عمر : والله ؛ إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم : عشية عرفة في يوم جمعة .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ' تركت فيكم شيئين ؛ لن تضلوا بعدهما : كتاب الله وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ' [ رواه الحاكم من حديث أبي هريرة وصححه الإمام الألباني ] .
وتركُ هذين الشيئين العظيمين هو – بعينه – الانحراف عن الطريق المستقيم ، والانجراف مع الهوى ؛ ذاك ( المسلك ) السقيم ؛ قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : ' لست تاركاً شيئاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به ؛ فإني أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ ' .
لقد أدرك العلماء الربانيون من أهل السنة هذا الأصل ؛ فعكفوا على كتاب الله والسنة فنهلوا منهما ما شغلوا به الدنيا ، وإني – والله ! – ليتملكني الذهول حين أطالع مصنفات ومؤلفات ابن القيم – مثلاً - ، فهذا العالم تبحّر في النفس الآدمية وغاص أعماقها ، فاستخرج أسرارها واستجلى آفاقها ، تألق في كشف أدوائها فأحسن وأجاد ، و تأنّق في وصف دوائها فألسن وأفاد ، جمع في التربية و ( علم النفس ) ما يعزّ نظيره ؛ إذ يعجبك استقراؤه وتقريره ، ويُعجزك تفسيرُه ، ويواطئه على الأمر – إذا صدّره – معارضُه ونصيرُه .
بَيْد أنّ استنباط علوم التربية و ( النفس ) ، وبيان أحكامها ، وتفصيل أركانها ، وتأصيل قواعدها بالارتكاز على مصادر التشريع ؛ يحتاج اليوم إلى علماء معتبرين ، يلتزمون منهجاً متزنا ً ذا وسائل فاعلة ، وأساليب مبتكرة ؛ تلتفت إلى التغيرات المادية الطارئة على المجتمع المسلم ، والدعوة – بعد هذا - إلى إعمال النصوص الشرعية في جميع جوانب ( العملية التربوية والتعليمية ){ بالحكمة والموعظة الحسنة } ؛ وحينئذٍ – فقط - نكون قد بدأنا ( الإصلاح ) الذي أراده الله - جل ّ وعلا - لعباده .
ولِما تقدّم قال شيخنا العلامة الحلبي في خطابه للمعلمين : ' إن بيان الأحكام الشرعية المترتبة على الناحية التربوية والتعليمية من جهة ما يجب على معلمي المدارس نحو طلبتهم – أداءً أو امتناعا – هو الأصل والأساس في إصلاح المجتمع والناس: كما قال – تعالى – { ... وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض } .
وابتداءً، فإني أعلم – جيدا – أن الاسم القديم – في بلادنا – لـ ' وزارة التربية والتعليم هو (وزارة المعارف) وكلمة (المعارف) – وحدها – ها هنا – لا تعطي البعد التربوي المطلوب من الدور التعليمي المرغوب، فلقد أحسن – جدا – إذن – من غير تلك التسمية القديمة: (وزارة المعارف) إلى هذه التسمية الحالية: (وزارة التربية والتعليم) وأحسن أكثر في تقديم (التربية) على (التعليم) لما تتضمنه من معنىً أخلاقيٍّ دقيق ونهج سلوكيٍّ أنيق. ' انتهى
فأما المعلم الكريم ؛ فحريٌّ به الاعتناءُ بهذا الجانب العظيم ؛ وهو تقديم التربية على التعليم ؛ ومثلُه الأب ُ في بيته ، والعالم ُ مع طلابه ، والحاكم ُ مع رعيّته .
لقد أغفلنا وأهملنا – نحن المعلمين إلا من رحم الله - في مدارسنا هذا الشِّقَّ فحدث الشَّقُّ ؛ فكان ما تراه اليوم عند الطلاب من مشكلات ٍ سلوكيةٍ في غاية التعقيد ؛ وانظر إلى علاقة المعلم بالطالب اليوم ؛ تعلمْ في أيِّ طريقٍ تسير الأمور ؛ لقد وُضعت الخطط والبرامج ، وعُقدت المؤتمرات والندوات من أجل تحسين البيئة النفسية والاجتماعية في مدارسنا ؛ وجعلها آمنة ً خاليةً من العنف والإساءَة ؛ وخاصةً ذلك الموجه نحو الطلاب ؛ وكانت – ولا زالت - أهداف هذه البرامج تسير باتجاه خفض نسبة العنف المدرسي شيئاً قليلاً فقط ؛ لا القضاء عليه ؛ ولكن ... .
يجب الإدراك أنّه لم يبقَ لنا – بفقد التربية - في مدارسنا سوى التعليم مع ما فيه من خلل وعلل ؛ ما يحتِّم علينا إعادة النظر والتفكر في ( واقعنا !! ) ؛ ولا يكون هذا – أبداً - إلا من خلال المعرفة الدقيقة بالأحكام الشرعية ؛ التي تضبط ُ عملنا كمربين ومعلمين ؛ وليس أقدر على بيان تلك الأحكام من العلماء ِ الربّانيين ، الملتزمين للكتاب والسنّة بفهم سلف الأمة .
ومنهج التربية له مفهوم ٌ أوسع ، ومدلول ٌ أنفع ؛ وهو ما يتعلق – أصلاً - بإرشاد الناس ؛ وتعليمهم ما يضرهم وينفعهم ، وما فيه صلاح أنفسهم ورشدهم ، وتوجيههم نحو إتباع الفضائل وترك الرذائل ؛ وغير ذلك مما جاء به ديننا الحنيف وفيه سعادة الناس في الدنيا
وهذا يتطلب - اليوم - عودتَنا إلى ( المحجة البيضاء ) التي تركنا عليها النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ولا شيئاً غيره ؛ قال رسول الله عليه السلام : ' قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ، من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشيًا ، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد ' . والحديث صححه الإمام الألباني رحمه الله تعالى.
فسبيل النجاة أن نكون على ما كان عليه النبيٌّ صلى الله عليه وسلّم وأصحابُه ؛ فإن بدّلنا وأحدثنا وابتدعنا وابتعدنا ؛ فالشرُّ كلُّه والهلاك ، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث : ' .. وخير الهدي هدي محمد ، وشرّ الأمور محدثاتها ، وكلّ بدعة ضلالة ' .
والنبيُّ الأعظمُ - عليه الصلاة والسلام - مبلِّغٌ عن ربِّ العزة ،{ وما ينطق عن الهوى } ، وكل شيء أخبرنا بأنه سيقع ؛ فلا بدَّ من وقوعه ؛ فحصل اختلاف ٌ كثير ، وامتدت إلى صفاء ' المحجة البيضاء ' يدُ التبديل و التحريف ، والتشويه والتزييف ؛ سواءٌ كان من أعداء الدين ، أو من أهله ؛ من ( المبتدعة ) و ( أهل الكلام والفلسفة ) وغيرهم من ( الفرق ) الضّالة التي أبلغنا عنها النبي صلى الله عليه وسلم .
فانبرى العلماءُ من أهل السنة والجماعة في كل عصر ٍ يذبّون عن الدين والسنة (انتحال المبطلين وتأويل الغالين ) ، ويردون على أهل البدع والأهواء والكلام ؛ وكان هذا من ( الأولويات ) ؛ قال يحيى بن يحيى – وهو شيخ البخاري ومسلم - : ' الذبّ عن السنة أفضل من الجهاد في سبيل الله ' فقال محمد بن يحيى الذهلي ( الراوي عن يحيى بن يحيى ) : الرجل ينفق ماله ويتعب نقسه ويجاهد ؛ فهذا أفضل منه ؟ قال : ' نعم بكثير ' .
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام :' المتبع للسنة كالقابض على الجمر ، وهو اليوم عندي أفضل من الضرب بالسيوف في سبيل الله ' .
وكان ابن القيم يقول : ' والجهاد بالحجة واللسان مقدَّم على الجهاد بالسيف والسِنان ' .
وإنه لما قام علماء أهل السنة - أو ما يعرفون بعلماء الدعوة السلفية - في هذا الزمان بحمل لواء السنة وتصفية الإسلام من الشوائب التي علقت به على مرّ السنين ؛ ثم تربية الناس – بعد ذلك – عليه - وهو ما يعرف بمنهج ( التصفية والتربية ) والذي برز في تأصيله هنا في بلدنا الأردن الإمامُ المحدِّث محمد ناصر الدين الألباني وتلاميذه الكبار ومنهم شيخنا العلامة الحلبي - أقول : لمّا قام علماء أهل السنة بحمل لواء التصفية ؛ ارتجف المبطلون والمعطّلون ؛ من الحزبيين والحركيين ؛ وراحوا يرمون أولئك العلماء بأوصاف تلبّس على العامة ؛ وتدفع بالشباب المسلم للإعراض عن ( مشايخ السلفية ) ؛ فقالوا { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} :
( هؤلاء يخذّلون ويخدرون الناس عن الثورات والجهاد !! )
( إلى متى سنبقى قابعين – يقصدون : خانعين – بين الكتب الصفراء والمخطوطات) ؛ يقصدون : تحقيق كتب الحديث ؛ وتنقيح كتب المتقدمين من أهل العلم ومصنفاتهم .
( هؤلاء بعيدون عن فقه الواقع !! ) ؛ وقد قيلت هذه العبارة - مؤخراً – عن شيخنا العلامة الحلبي بعد خطابه ونُصحه للمعلمين بشأن إضرابهم ! .
( علماء جامدون )
والأدهى : أنهم قالوا عن أولئك العلماء – يدفعهم وسواسٌ خنّاس - : ( هؤلاء علماء الحيض والنفاس ) ؛ بنيّة الانتقاص ، أليس هذا هو – بعينه – ( الإفلاس ) ؟!
هذا يقال عن علماء أهل السنة اليوم ، ليس (الشيوعيون ) من قاله ، ولا ( الليبراليون ) ولا ( البعثيون ) ولا ( العلمانيون ) ؛ وإنما قاله ( إخوان – لنا - مسلمون ) ؛ وإلى الله الشكوى عمّا يصفون .
واسمع أخي .. ثمّ قارن واحكم :
تكلم واصل بن عطاء يوماً – وهو من المعتزلة – فقال عمرو بن عبيد : ( ألا تسمعون ؟ ما كلام الحسن ( يعني : البصري ) وابن سيرين إلا خرقة حيض ٍ ملقاة ؟! ) .
وقال واحدٌ من أهل البدع – مفضلاً علم الكلام على الفقه - : ( إنّ علم الشافعي وأبي حنيفة جملته لا يخرج عن سراويل امرأة ) ؛ يريد أن يقول : ( إنّ علمهما لا يخرج عن أحكام الحيض والنفاس ) !!!
قال الإمام الشاطبي في كتابه ( الاعتصام ) – وقد ذكر هذه الأقوال عن أهل البدع والكلام - : ' هذا كلام هؤلاء الزائغين ؛ قاتلهم الله ' .
قال الشيخ عبد المالك الجزائري قي كتابه ( مدارك النظر في السياسة ) – وقد أورد تلك الآثار عن أهل الشّنار - : ' فماذا يقول الشاطبي لو أدرك أهل زماننا من الحركيين والحزبيين وهم يتفكهون بأعراض أهل العلم ورثة الأنبياء ؟ ( ولكل قوم ٍ وارث ) ' .
قلت ُ : سبحان الله ! ما أقرب اليوم للأمس !
وإذا عجبتَ ! فالعجبُ من هؤلاء القوم – إذ تخرج هذه الكلمات من أفواههم – أنه ما نبت فيهم عالم ٌ واحد ٌ طوال هذه السنين التي مرّت منذ تأسيس أحزابهم ( !! ) ، وإنْ كان ثمة علم عند أحدهم ؛ فلخدمة الحزب !! ، وتحريك النّاس مع الحزب هنا وهناك عبر ( فضائية معتبرة !!).
فاحذر أخي – حفظك الله تعالى – من أمثال أولئك ؛ أن يصدّوك َ عن سبيل العلماء من أهل السنة بدعاوى هم – أنفسهم – يعلمون زورها ؛ والله – عز وجل – يقول : { وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ } .
وسأتكلم في الجزء القادم – إن شاء الله ُ تعالى – عن وصف ( المعلم ) ؛ وردّ شبهة ( أن علماء السلفية – في قضيّة المعلمين - ينصرون الظالم على المظلوم ، وأنهم علماء سلاطين ) .
أسأل الله العظيم ربَّ العرش الكريم ؛ أن يطهّر قلوبنا من الرياء والنفاق وقول الزّور ؛ وأن لا يجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين
نعم .. بيان الأحكام الشرعية المتعلقة بالتربية والتعليم
هو الأساس في ' إصلاح الناس '
وما عداه ( وسواسٌ خنّاس ) !!
إن الحمد لله تعالى ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا }
{ ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }
أما بعد ..
فإن أصدق الحديث كلامُ الله ، وخيرَ الهدي هديُ محمد ٍ صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
إن عصب الحياة للأمة هو منهج التربية القائم فيها ؛ وهو ما يرتكز - أساساً - على المصادر التي يستقي منها قيمه وضوابطه وأحكامه ؛ فإن توافقت و تناسقت ؛ كان الفلاح والصلاح الذي يرفد ُ المجتمعات بأسباب رفعتها ، وعلو شأنها ، ويحفظ عليها شملها ، فإذا تخلفت وتناقصت ؛ جنحت من جادّة الطريق إلى بؤر ٍمن الرزايا ونغص العيش ، وتكالبت على النشء والشباب – خاصة – مخالبُ الانحراف والطيش .
هذا ؛ وإن من أجلّ أركان التربية – وكذلك التعليم - هو كنه ُ أو جوهرُ العلاقة بين المربي – سواءٌ كان أباً أو معلماً – وبين متعاطي التربية من الأولاد والتلاميذ ؛ مع النظر إلى الأخير كنفس ٍ آدمية ؛ يدفعها طبعُها إلى مخالطة ما يعتريها من مؤثرات ؛ أو يطرأ عليها من محدثات ؛ بما يدخل في تكوينها غالباً ، ويوجه سلوك صاحبها قلباً وقالباً .
فإذا سلم لنا هذا الركن ؛ فمن اليسير إصلاح ُ الأنفس بإذن بارئها ؛ وكذا إنشاؤها على الاستقامة ؛ وإنماؤها على حسن الطبائع ؛ وإعمارُها بمكارم الأخلاق والفضائل ، فنكون – حينئذ ٍ – قد أحسنّا الصنعة ؛ وأصبنا النّجعة ؛ بما يحفظ على المربي مقامه وقدْره ؛ وعلى المتربي نفسه وعقله .
فإن أتاه الخلل ُ ، واستشرى به الزلل ، وطغى عليه الدجل ؛ كان الوهن والشلل ؛ وبقدر ما توافد من هذه الآفات ؛ وتوافر من هذه المُلمات ، حتى يحيق به الفساد ؛ ويقعد له سوء المآل بالمرصاد ، فلا نجني من التربية إلا سوء المنقلب ؛ ولا يُغني عنا التعليم من الجهل إلا التعب .
والمتدبر – اليوم – في أحوال التربية يكاد أن يتفطرَ قلبه ، ويطيشَ عقله ؛ لما يرى من الهوّة السحيقة التي تردّى فيها قوام تلك التربية ، وكذا اختلال نظمها وأطوارها ، واختلاف أصولها و صورها ، حتى لقد شاهت ملامُحها ، وتاهت مقاصدُها ؛ وغدا بيننا وبين ( الجيل الجديد ) سدٌّ عنيد ؛ مثلُه كمثل الطوْد العتيد ؛ يزيد المسافة بعداً ، والحلَّ عُقدا ، فكان أن ماجت بهم نوازل ( التطور العلمي ) المذهل ، وهاجت عليهم غوائل الشهوات ودائها المعل ّ المعطّل .
ولمّا كانت النفس هي محل ّ الدوافع والصراع ، والتطوير والتغيير ، كان لزاماً على أيّ منهج تربوي إحكام السيطرة على أحوالها ، والعناية بأهوالها ، والاهتمام بأهوائها ، وسياستها على نحو ٍ يقيها الأسقام والأوهام ، ولا يكون ذلك المنهج محكماً رصيناً رزيناً إلا إذا كان من لدن لطيفٍ خبيرٍ .
واللهُ - جل ّ وعلا – إذ خلق النفس { ونفسٍ وما سوّاها } ؛ فهو العالم بخفاياها وأعراضها ؛ { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور } ، وهو الخبير بما يصلحها ؛ وبما يُبرئها – على وجه اليقين - من العلل التي تعتريها { يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاءٌ لما في الصدور } ، ولذلك ؛ كان ابن القيم – رحمه الله تعالى – يقول : ' أعط ِ النفس باريها ' .
وإن من أعظم ما جاء به النبيّ صلى الله عليه وسلم يتعلق – أساساً - بتربية النفوس وتهذيبها وتأديبها ؛ فقال - فيما صحّ عنه صلى الله عليه وسلم - : ' إنما بُعثت لأتمم صالح الأخلاق ' : أخلاق العبد مع ربّه ، وأخلاق العبد مع نفسه ومع الناس .. فكان أن تربى على يديه رجال ٌ لم – ولن – يعرف التاريخ ُ أمثالهم ولا أشباهاً لهم .
أقول هذا – ترصداً – لمن راح ينقب – في جانب التربية و(علم النفس ) – بين ركام العلوم عند الملل والأمم الأخرى ، و والله ِ ! ما استخرج شيئاً فيه نفع وفائدة ؛ إلا وفي كتاب الله – جل وعلا - وسنة نبيّه – صلى الله عليه وسلم – أفضلُ منه ، أو مثلُه وزيادة ، فلا يُعقل أن شرع { خير أمة أخرجت للناس } يفتقر – في جانب التربية و( علم النفس ) على الأخص – إلى علوم الغير؛ فهذا يكون نقصاً فيه ؛ وحاشاه من شرع ؛ قال تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } ، روى الإمام أحمد والشيخان عن طارق بن شهاب قال : جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب فقال : يا أمير المؤمنين ؛ إنكم تقرؤون آية ً في كتابكم ؛ لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً ، قال : وأي ُّ آية ؟ قال : قوله : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي } فقال عمر : والله ؛ إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم : عشية عرفة في يوم جمعة .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ' تركت فيكم شيئين ؛ لن تضلوا بعدهما : كتاب الله وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ' [ رواه الحاكم من حديث أبي هريرة وصححه الإمام الألباني ] .
وتركُ هذين الشيئين العظيمين هو – بعينه – الانحراف عن الطريق المستقيم ، والانجراف مع الهوى ؛ ذاك ( المسلك ) السقيم ؛ قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : ' لست تاركاً شيئاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به ؛ فإني أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ ' .
لقد أدرك العلماء الربانيون من أهل السنة هذا الأصل ؛ فعكفوا على كتاب الله والسنة فنهلوا منهما ما شغلوا به الدنيا ، وإني – والله ! – ليتملكني الذهول حين أطالع مصنفات ومؤلفات ابن القيم – مثلاً - ، فهذا العالم تبحّر في النفس الآدمية وغاص أعماقها ، فاستخرج أسرارها واستجلى آفاقها ، تألق في كشف أدوائها فأحسن وأجاد ، و تأنّق في وصف دوائها فألسن وأفاد ، جمع في التربية و ( علم النفس ) ما يعزّ نظيره ؛ إذ يعجبك استقراؤه وتقريره ، ويُعجزك تفسيرُه ، ويواطئه على الأمر – إذا صدّره – معارضُه ونصيرُه .
بَيْد أنّ استنباط علوم التربية و ( النفس ) ، وبيان أحكامها ، وتفصيل أركانها ، وتأصيل قواعدها بالارتكاز على مصادر التشريع ؛ يحتاج اليوم إلى علماء معتبرين ، يلتزمون منهجاً متزنا ً ذا وسائل فاعلة ، وأساليب مبتكرة ؛ تلتفت إلى التغيرات المادية الطارئة على المجتمع المسلم ، والدعوة – بعد هذا - إلى إعمال النصوص الشرعية في جميع جوانب ( العملية التربوية والتعليمية ){ بالحكمة والموعظة الحسنة } ؛ وحينئذٍ – فقط - نكون قد بدأنا ( الإصلاح ) الذي أراده الله - جل ّ وعلا - لعباده .
ولِما تقدّم قال شيخنا العلامة الحلبي في خطابه للمعلمين : ' إن بيان الأحكام الشرعية المترتبة على الناحية التربوية والتعليمية من جهة ما يجب على معلمي المدارس نحو طلبتهم – أداءً أو امتناعا – هو الأصل والأساس في إصلاح المجتمع والناس: كما قال – تعالى – { ... وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض } .
وابتداءً، فإني أعلم – جيدا – أن الاسم القديم – في بلادنا – لـ ' وزارة التربية والتعليم هو (وزارة المعارف) وكلمة (المعارف) – وحدها – ها هنا – لا تعطي البعد التربوي المطلوب من الدور التعليمي المرغوب، فلقد أحسن – جدا – إذن – من غير تلك التسمية القديمة: (وزارة المعارف) إلى هذه التسمية الحالية: (وزارة التربية والتعليم) وأحسن أكثر في تقديم (التربية) على (التعليم) لما تتضمنه من معنىً أخلاقيٍّ دقيق ونهج سلوكيٍّ أنيق. ' انتهى
فأما المعلم الكريم ؛ فحريٌّ به الاعتناءُ بهذا الجانب العظيم ؛ وهو تقديم التربية على التعليم ؛ ومثلُه الأب ُ في بيته ، والعالم ُ مع طلابه ، والحاكم ُ مع رعيّته .
لقد أغفلنا وأهملنا – نحن المعلمين إلا من رحم الله - في مدارسنا هذا الشِّقَّ فحدث الشَّقُّ ؛ فكان ما تراه اليوم عند الطلاب من مشكلات ٍ سلوكيةٍ في غاية التعقيد ؛ وانظر إلى علاقة المعلم بالطالب اليوم ؛ تعلمْ في أيِّ طريقٍ تسير الأمور ؛ لقد وُضعت الخطط والبرامج ، وعُقدت المؤتمرات والندوات من أجل تحسين البيئة النفسية والاجتماعية في مدارسنا ؛ وجعلها آمنة ً خاليةً من العنف والإساءَة ؛ وخاصةً ذلك الموجه نحو الطلاب ؛ وكانت – ولا زالت - أهداف هذه البرامج تسير باتجاه خفض نسبة العنف المدرسي شيئاً قليلاً فقط ؛ لا القضاء عليه ؛ ولكن ... .
يجب الإدراك أنّه لم يبقَ لنا – بفقد التربية - في مدارسنا سوى التعليم مع ما فيه من خلل وعلل ؛ ما يحتِّم علينا إعادة النظر والتفكر في ( واقعنا !! ) ؛ ولا يكون هذا – أبداً - إلا من خلال المعرفة الدقيقة بالأحكام الشرعية ؛ التي تضبط ُ عملنا كمربين ومعلمين ؛ وليس أقدر على بيان تلك الأحكام من العلماء ِ الربّانيين ، الملتزمين للكتاب والسنّة بفهم سلف الأمة .
ومنهج التربية له مفهوم ٌ أوسع ، ومدلول ٌ أنفع ؛ وهو ما يتعلق – أصلاً - بإرشاد الناس ؛ وتعليمهم ما يضرهم وينفعهم ، وما فيه صلاح أنفسهم ورشدهم ، وتوجيههم نحو إتباع الفضائل وترك الرذائل ؛ وغير ذلك مما جاء به ديننا الحنيف وفيه سعادة الناس في الدنيا
وهذا يتطلب - اليوم - عودتَنا إلى ( المحجة البيضاء ) التي تركنا عليها النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ولا شيئاً غيره ؛ قال رسول الله عليه السلام : ' قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ، من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشيًا ، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد ' . والحديث صححه الإمام الألباني رحمه الله تعالى.
فسبيل النجاة أن نكون على ما كان عليه النبيٌّ صلى الله عليه وسلّم وأصحابُه ؛ فإن بدّلنا وأحدثنا وابتدعنا وابتعدنا ؛ فالشرُّ كلُّه والهلاك ، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث : ' .. وخير الهدي هدي محمد ، وشرّ الأمور محدثاتها ، وكلّ بدعة ضلالة ' .
والنبيُّ الأعظمُ - عليه الصلاة والسلام - مبلِّغٌ عن ربِّ العزة ،{ وما ينطق عن الهوى } ، وكل شيء أخبرنا بأنه سيقع ؛ فلا بدَّ من وقوعه ؛ فحصل اختلاف ٌ كثير ، وامتدت إلى صفاء ' المحجة البيضاء ' يدُ التبديل و التحريف ، والتشويه والتزييف ؛ سواءٌ كان من أعداء الدين ، أو من أهله ؛ من ( المبتدعة ) و ( أهل الكلام والفلسفة ) وغيرهم من ( الفرق ) الضّالة التي أبلغنا عنها النبي صلى الله عليه وسلم .
فانبرى العلماءُ من أهل السنة والجماعة في كل عصر ٍ يذبّون عن الدين والسنة (انتحال المبطلين وتأويل الغالين ) ، ويردون على أهل البدع والأهواء والكلام ؛ وكان هذا من ( الأولويات ) ؛ قال يحيى بن يحيى – وهو شيخ البخاري ومسلم - : ' الذبّ عن السنة أفضل من الجهاد في سبيل الله ' فقال محمد بن يحيى الذهلي ( الراوي عن يحيى بن يحيى ) : الرجل ينفق ماله ويتعب نقسه ويجاهد ؛ فهذا أفضل منه ؟ قال : ' نعم بكثير ' .
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام :' المتبع للسنة كالقابض على الجمر ، وهو اليوم عندي أفضل من الضرب بالسيوف في سبيل الله ' .
وكان ابن القيم يقول : ' والجهاد بالحجة واللسان مقدَّم على الجهاد بالسيف والسِنان ' .
وإنه لما قام علماء أهل السنة - أو ما يعرفون بعلماء الدعوة السلفية - في هذا الزمان بحمل لواء السنة وتصفية الإسلام من الشوائب التي علقت به على مرّ السنين ؛ ثم تربية الناس – بعد ذلك – عليه - وهو ما يعرف بمنهج ( التصفية والتربية ) والذي برز في تأصيله هنا في بلدنا الأردن الإمامُ المحدِّث محمد ناصر الدين الألباني وتلاميذه الكبار ومنهم شيخنا العلامة الحلبي - أقول : لمّا قام علماء أهل السنة بحمل لواء التصفية ؛ ارتجف المبطلون والمعطّلون ؛ من الحزبيين والحركيين ؛ وراحوا يرمون أولئك العلماء بأوصاف تلبّس على العامة ؛ وتدفع بالشباب المسلم للإعراض عن ( مشايخ السلفية ) ؛ فقالوا { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} :
( هؤلاء يخذّلون ويخدرون الناس عن الثورات والجهاد !! )
( إلى متى سنبقى قابعين – يقصدون : خانعين – بين الكتب الصفراء والمخطوطات) ؛ يقصدون : تحقيق كتب الحديث ؛ وتنقيح كتب المتقدمين من أهل العلم ومصنفاتهم .
( هؤلاء بعيدون عن فقه الواقع !! ) ؛ وقد قيلت هذه العبارة - مؤخراً – عن شيخنا العلامة الحلبي بعد خطابه ونُصحه للمعلمين بشأن إضرابهم ! .
( علماء جامدون )
والأدهى : أنهم قالوا عن أولئك العلماء – يدفعهم وسواسٌ خنّاس - : ( هؤلاء علماء الحيض والنفاس ) ؛ بنيّة الانتقاص ، أليس هذا هو – بعينه – ( الإفلاس ) ؟!
هذا يقال عن علماء أهل السنة اليوم ، ليس (الشيوعيون ) من قاله ، ولا ( الليبراليون ) ولا ( البعثيون ) ولا ( العلمانيون ) ؛ وإنما قاله ( إخوان – لنا - مسلمون ) ؛ وإلى الله الشكوى عمّا يصفون .
واسمع أخي .. ثمّ قارن واحكم :
تكلم واصل بن عطاء يوماً – وهو من المعتزلة – فقال عمرو بن عبيد : ( ألا تسمعون ؟ ما كلام الحسن ( يعني : البصري ) وابن سيرين إلا خرقة حيض ٍ ملقاة ؟! ) .
وقال واحدٌ من أهل البدع – مفضلاً علم الكلام على الفقه - : ( إنّ علم الشافعي وأبي حنيفة جملته لا يخرج عن سراويل امرأة ) ؛ يريد أن يقول : ( إنّ علمهما لا يخرج عن أحكام الحيض والنفاس ) !!!
قال الإمام الشاطبي في كتابه ( الاعتصام ) – وقد ذكر هذه الأقوال عن أهل البدع والكلام - : ' هذا كلام هؤلاء الزائغين ؛ قاتلهم الله ' .
قال الشيخ عبد المالك الجزائري قي كتابه ( مدارك النظر في السياسة ) – وقد أورد تلك الآثار عن أهل الشّنار - : ' فماذا يقول الشاطبي لو أدرك أهل زماننا من الحركيين والحزبيين وهم يتفكهون بأعراض أهل العلم ورثة الأنبياء ؟ ( ولكل قوم ٍ وارث ) ' .
قلت ُ : سبحان الله ! ما أقرب اليوم للأمس !
وإذا عجبتَ ! فالعجبُ من هؤلاء القوم – إذ تخرج هذه الكلمات من أفواههم – أنه ما نبت فيهم عالم ٌ واحد ٌ طوال هذه السنين التي مرّت منذ تأسيس أحزابهم ( !! ) ، وإنْ كان ثمة علم عند أحدهم ؛ فلخدمة الحزب !! ، وتحريك النّاس مع الحزب هنا وهناك عبر ( فضائية معتبرة !!).
فاحذر أخي – حفظك الله تعالى – من أمثال أولئك ؛ أن يصدّوك َ عن سبيل العلماء من أهل السنة بدعاوى هم – أنفسهم – يعلمون زورها ؛ والله – عز وجل – يقول : { وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ } .
وسأتكلم في الجزء القادم – إن شاء الله ُ تعالى – عن وصف ( المعلم ) ؛ وردّ شبهة ( أن علماء السلفية – في قضيّة المعلمين - ينصرون الظالم على المظلوم ، وأنهم علماء سلاطين ) .
أسأل الله العظيم ربَّ العرش الكريم ؛ أن يطهّر قلوبنا من الرياء والنفاق وقول الزّور ؛ وأن لا يجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين
التعليقات
وإلى مزيد من التقدم بإذن الله
كان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - إذا مدحه أحدٌ قال : " اللهم لا تؤاخذني بما يقولون ، واغفر لي مالا يعلمون ، واجعلني خيراً مما يظنّون "
شيخنا العلامة الحلبي لم يدخل في تفاصيل قضية المعلمين مع الحكومة ولم يرد ذلك ، الذي يتكلم فيه أمر بعيد وهو كيفية المطالبة بالحقوق والوسائل المشروعة في هذا والآثار المترتبة عليها ،ونصيحة لإخوانه المعلمين هذا أولاً .
ثانياً : مذهب مشايخنا - وعلى رأسهم الإمام الألباني - في المظاهرات والإضرابات معروف للجميع ، وقد ألف شيخنا العلامة الحلبي رسالة في حكم المظاهرات والإضرابات بشكل عام ( عند الأطباء والممرضين والعاملين والموظفين وغيرهم ) فبل أن تظهر قضية المعلمين بزمن طويل .
فهو في خطابه الأخير لنا - نحن المعلمين - كان يوجه نصيحة عمامة لكل الأردنيين انطلاقاً من قاعدة أصولية عظيمة وهي : ( درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ) واستناداً على حديث نبينا صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا ضرار " .
وأما لماذا بم يتكلم في الحكومة فهذا له تفصيل وتأصيل في الجزء القادم من المقالة بإذن الله .
وبارك الله فيك على اهتمامك