طريقة العرض :
كامل
الصورة الرئيسية فقط
بدون صور

اظهار التعليقات

وكالة جراسا الإخبارية

في سوريا .. سقط القناع عن الوجوه الغادرة


طيلة حياتنا نحن العرب ، ومنذ بداية الوعي السياسي لجيلنا ، ونحن نسمع عن مؤامرات ، هنا وهناك في ارجاء وطننا العربي ، فان فشلت محاولة انقلابية ، تصبح مؤامرة ويحاكم الانقلابيون 'المتآمرون' ، وان هزمنا في معركة ، كانت المؤامرة هي المبرر ، وان تراجع اقتصادنا ، او فشلنا في مباراة كرة قدم ، او فشلنا في تحقيق اي نجاح كنا نطمح اليه ، كانت المؤامرات هي السبب .
انا هنا لا انفي نظرية المؤامرة ، فهي على الاغلب حقيقة ، لكننا كنا نؤمن ببعضها فقط بالمنطق ، وقياسا على النتائج في الاغلب ، وتحليل الظواهر التي رافقتها ، وقد لا تكون كل تحليلاتنا واستنتاجاتنا صحيحة ، ربما ايضا كان للعاطفة دور في هذا الاستنتاج او ذاك ، في الخلاصة المؤامرات اجمالا لم تكن واضحة للجميع ، وكانت سببا للتهكم وجلد الذات احيانا ، لمن لم يؤمنوا بها .
لم اشهد في حياتي مؤامرة واضحة تمام الوضوح ، كما هو حال المؤامرة على سوريا الشقيقة هذه الايام ، رغم انها ليست المرة الوحيدة التي تتعرض فيها لمؤامرات ، لقد كانت اخطر مؤامرة تعرضت لها سابقا ، هي ما جرى من جرائم قتل واغتيال وتفجيرات ، استهدفت الابرياء ، بين عام 1975 وحتى عام 1980 ، والتي نفذها الاخوان المسلمون السوريون ، بهدف اسقاط نظام الحكم ، بمبررات طائفية بحتة ، فلم تكن سوريا تلك الايام تعاني من الفساد ، الذي تطورت اشكاله في كل دول العالم ، الى ما نحن عليه الان ، ولم يكن هناك حكم طويل مستبد ، فالرئيس الراحل حافظ الاسد لم يكن قد مضى عليه في الحكم ، الا اربع سنوات فقط ، اي انه لم يكن قد اكمل ولايته الدستورية الاولى ، ولم يكن هناك انفراد لحزب بالسلطة المطلقة ، فقد كانت سوريا هي السباقة للتعددية الحزبية ، فبعد الحركة التصحيحية عام 1970 ، انشئت الجبهة الوطنية التقدمية ، لتضم احزابا يسارية وقومية تشارك في الحكم ، ورغم ان حزب البعث العربي الاشتراكي ، كان الحزب القائد للمجتمع والدولة ، حسب المادة الثامنة من الدستور ، فانه قياسا الى ذاك الزمن ، الذي كانت فيه الاحزاب القومية واليسارية ، في العديد من الاقطار العربية ، تعمل تحت الارض ، وكانت الشيوعية جريمة يلاحق المتهم بها ويحاكم ويسجن ، وفي بعض الاقطار يعدم ، كان الشيوعيون في سوريا يشاركون في الحكم ، لهم مقاعد في الوزارة ، وفي مجلس الشعب ، وفي النقابات العمالية والمهنية وغيرها .
لقد كان انشاء الجبهة الوطنية التقدمية قياسا الى ذلك العصر ، انجازا ديمقراطيا مميزا ، رغم المآخذ على فعالية الاحزاب المشاركة فيها ، والمآخذ على كون البعث قائدا للمجتمع والدولة ، وللجبهة الوطنية التقدمية ايضا ، وفي رأيي الشخصي ، وقياسا الى مفاهيم ذلك العصر ايضا ، فان البعث يستحق تلك الميزة ، لانه كان الحزب الاكثر تاثيرا في تاريخ سوريا ، لا بل في تاريخ الامة العربية .
هذه المؤامرة كانت الاطراف المنفذة لها ، اي ادواتها واضحة ، اما الاطراف المخططة والمساندة من خارج سوريا ، فلم تكن تجرؤ على الاطلال برؤوسها من جحورها ، اما الظروف التي اشرت الى كونها مؤامرة ، ونحن نتحدث من منطق المواطن العربي المراقب للحدث ، وليس من منطق الدولة التي تمتلك الادلة الموثقة ، فقد كان تزامنها مع بداية الحرب الاهلية في لبنان ، ومع اندفاع السادات للحلول الاستسلامية ، وتصدي سوريا لهذا النهج ، فكان هدفها المنطقي ، هو اجهاض نتائج حرب تشرين التحريرية ، والضغط على سوريا للتنازل عن ثوابتها القومية ، ودفعها الى مستنقع الحلول الاستسلامية ، وقد كان بامكانها حينها ، تغليب المصلحة القطرية على المصلحة القومية ، من خلال استعادة الجولان ، واقامة الصلح المنفرد مع الكيان الصهيوني ، لكن هيهات لسوريا العرب ان تفعل ذلك ، فكان لا بد من ازاحة هذا النظام القومي التقدمي المقاوم ، كي ياتي من يقبل بالاستسلام ، والتخلي عن القومية العربية ، تماما كما هو حال مجلس استانبول الحالي .
ها هي المؤامرة وبنفس الادوات ، تعود اليوم الى سوريا ، ويستخدم بيادق بيادقها نفس الاساليب الاجرامية السابقة ، من قتل طائفي وتفجيرات وافتعال مجازر ومساهمة عملية بالتضليل الاعلامي ، لكن المؤامرة هذه المرة مدعومة بوضوح وصراحة ، من الاعداء التاريخيين للامة العربية ، الذين يشكلون رؤوس المؤامرة ، فهذه كلينتون تولول صباحا ومساءا ، حزنا على مصير الشعب العربي السوري ، وها هو ساركوزي يعزف على نفس اللحن ، اما البيادق ، فها هو اردوغان يرغي ويزبد ، غضبا على مصير شعب سوريا ، وها هم حكام الخليج ، ويا لسخرية القدر ، يتباكون ليلا ونهارا على الديمقراطية وحقوق الانسان في سوريا ، وجميعنا يعلم حال الديمقراطية وحقوق الانسان في اماراتهم وممالكهم ، وينفقون مليارات الدولارات لشراء السلاح ، واستئجار المرتزقة ، وتجنيد الزعران والطائفيين الحاقدين واللصوص وقطاع الطرق ، وممارسة التضليل الاعلامي ، من ابواق الجزيرة والعربية وغيرها ، وقد ورد في الانباء ، ان ما خصص للمؤامرة على سوريا ، بلغ 198 مليار دولار ، طبعا لن تدفع الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا فلسا واحدا من هذا المبلغ ، وانتم تعرفون بالطبع من هو المتبرع السخي ، نصير الديمقراطية وحقوق الانسان ، نصير المظلومين والثوار ، وعلى رأسهم المناضل الثوري القومي ، كاسترو قطر ، الذي قاد الثورة في قطر ، وحررها من القواعد الامريكية ، فانطلق الى اقطار العروبة ، مساندا لثوارها ، واضعا خبرته الثورية ، في خدمة اهداف شعوبها التحررية .
لم يمل كاسترو قطر الأممي ، من الدعوة المستمرة لاستقدام ثوار حلف الناتو ، وخلق الظروف الملائمة لمجيئهم ، للمشاركة في هذه المعركة الثورية الاممية ، كي يحرروا سوريا من 'الاحتلال الصهيوني' ، لتنطلق جحافل الثوار بعد ذلك ، لتحرير الجولان وجنوب لبنان ، ومن ثم الزحف الى بطاح الجليل وكثبان النقب ، ورفع رايات فلسطين في سماء يافا وقمة الكرمل ، وها هو يسعى مع ذنبه اللاعربي واللانبيل ، الذي قبض منه خمسون مليون دولار ، لاستصدار قرار جديد من مجلس الامن الثوري ، لاجتياح سوريا ، الا ان فيتو 'الاشقاء' في روسيا والصين ، قد حال بينه وبين تحقيق هذا الانجاز الثوري ، لصالح ثوار الزمن الرديء في سوريا ، وهو الذي خاب ظنه بالمراقبين العرب ، الذين ابوا الا ان يسجلوا في تقريرهم ، الحقيقة الساطعة سطوع الشمس ، فكان التخبط بالتمديد لهم ثم التجميد ، بعد ان افشلت سوريا مخططهم ، الذي توقعوا فيه رفضها لعملهم منذ البداية ، ثم المراهنة على شراء ذمم المراقبين العرب ، فهم لم يدركوا الحنكة السياسية لقيادة سوريا ، وقدرتها على اللعب مع امثالهم مئة عام ، ولم يدركوا ابعاد مكانتها الاقليمية والدولية ، ولم يدركوا وعي شعب سوريا ، الذي لا يمكن ان ينجر الى 'ثورة' ، يرعاها من كان دوما يصفهم بالرجعيين ، ومن كانت الحرب عليهم معلنة ، الى ما قبل شعار التضامن العربي ، الذي كان ابرز شعارات الحركة التصحيحية ، والهدف الاسمى للقائد الخالد حافظ الاسد ، جسده حتى اخر لحظات حياته ، في تشابك يديه وهو يحيي الجماهير ، قكان التآمر اليوم على سوريا ، ردا لجميل من مد يده الى العرب ، كل العرب ، من اجل عزتهم جميعا .
لن يستغرب احد تآمر امريكا وفرنسا على سوريا ، فموقف امريكا من صراعنا مع اسرائيل ، وانحيازها لها ، وتزويدها بكل اسلحة القتل والدمار ندركه جميعا ، ولن نستغرب موقف فرنسا ، فالتاريخ الاستعماري لها حاضر باذهاننا ، اما موقف تركيا ، فلم يخدع الا بعض العرب بعض الوقت ، فثوب العروبة التي حاولت ارتدائه ، لم يكن بمقاسها ، وعلاقاتها الاطلسية والصهيونية ما زالت وطيدة ، وكم كنا نحتار في تحليل موقف قطر ، التي اقامت افضل العلاقات مع سوريا وحزب الله وحماس في فترة سابقة ، وفي نفس الوقت مع اسرائيل ، اضافة الى تواجد القواعد الامريكية في ارضها ، ورغم كل ذلك حاولت الظهور بمظهر الزعيمة لمحور المقاومة ، ربما كانت تخطط مع تركيا لجر سوريا الى الاستسلام ، فما ان فشل المخطط حتى كشروا عن انيابهم ، ولم نستغرب موقف الاخوان المسلمين ، صنيعة الانكليز سابقا ، وربيبة الامريكان حاليا ، فعدائهم لكل ما هو قومي وتقدمي ، ليس موضع شك ، وهم اصحاب ثار مع جمال عبدالناصر ومع حافظ الاسد ، وطموحهم للسلطة وسبل الوصول لها هو اسمى اهدافهم ، لكن ما استغربه فعلا ، هو انقلابهم على ثقافتهم ، التي اصم صراخهم بها آذاننا ، الغرب الكافر وثقافته الغازية لتدميرنا ، وامريكا الشيطان الاكبر ، والحشد والرباط لمواجهة الاعداء ، وفلسطين وقف اسلامي ، لا يجوز التخلي عن شبر منه ، وغيرها من شعارات العداء ضد امريكا والغرب والصهيونية ، التي ترسخت في ادمغتنا ، ويصعب حتى فرمتتها Format كما يحدث في اقراص الكمبيوتر ، حتى ننسخ الثقافة الجديدة التي طلعوا علينا بها ، فها هو احد قادتهم بالامس ، يدعو الى مقاطعة البضائع الروسية والصينية احتجاجا على الفيتو الروسي الصيني المزدوج ، ضد قرار مجلس الامن الذي استهدف سوريا ، هذه الدعوة التي لم نسمع بمثل ضراوتها ، ضد 60 فيتو امريكي على قرارات لصالح العرب ، لا بل نجد ان علاقاتهم جيدة مع امريكا ، يزورها العديد من قادتهم ، ونعرف عن ابناء بعضهم الذين يدرسون فيها ، وها هو احد قادتهم ايضا ، يصرح بانه لا يمكن تجاهل امريكا ، ولا بد من الحوار معها ، وكأن امريكا لم تسمع بقضيتنا ، ولم تعرف عنها شيئا ، وبحاجة الى من يتحاور معها ، كي يحن قلبها علينا ، وتتوقف عن مساندتها لاسرائيل .
وها هي حماس ، رغم اقامتها الطويلة في سوريا معززة مكرمة ، لم يؤذها احد ، رغم موقفها من المؤامرة على سوريا ، والذي كان مبعثا للشك والارتياب ، فصرح رئيس مكتبها السياسي بانها على الحياد بين الشعب والسلطة ، معتبرا ان المتامرين يمثلون الشعب السوري ، ورغم تصريحات الغليون ، رئيس مجلس استانبول ، بانه سيطرد حماس ويقطع العلاقات مع حزب الله ، ويقيم العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل ، رغم كل ذلك ظلت حماس على حيادها السلبي ، وفي نفس الوقت قام اسماعيل هنية ، رئيس حكومة غزة المقالة ، بزيارات الى اطراف المؤامرة في تركيا وقطر ، اشاد فيها بقيادات البلدين ، ونسمع في الوقت نفسه عن طي الخيار المسلح ، واللجوء الى الحل السلمي ، ونحن جميعا نعلم ، ان حركة حماس تاسست عام 1987 ، لابقاء شعلة الكفاح مشتعلة ، امام تهاوي السلطة الفلسطينية في مستنقع الحلول الاستسلامية ، فهل بقي مبرر لوجود حماس ، سوى الحفاظ على تجزئة الشعب الفلسطيني ، ام انها كالاخوان المسلمين ، وعدتها امريكا بالسلطة في الضفة الغربية ، بديلا عن السلطة الحالية ؟
اننا امام مؤامرة واضحة ، انقلبت فيها المفاهيم والقيم ، مؤامرة دفع اليأس والانغماس في مستنقعها ، الى فقدان خط الرجعة ، وبالتاكيد لن تتقدم الى الامام ، ولن تصل الى اهدافها ، وسيبتلع مستنقعها ، المتآمرين العالقين به ، لن تمر المؤامرة ، فقد ادرك شعبنا ابعادها ومراميها ، والنصر لسوريا .

مالك نصراوين
m_nasrawin@yahoo.com
06/02/2012

جميع الحقوق محفوظة
https://www.gerasanews.com/article/67720