الف شكر للقاضي الفاضل الدكتور عون الخصاونة، رئيس الوزراء الذي اتى شيئاً مبتكراً، حين قام - عمداً او عفواً - برسم خط النهاية لذلك النمط القديم والمتهالك من الحكومات العشوائية التي فات زمانها، واستنفذت اغراضها، وانتهت مدة صلاحيتها، واغتربت عن واقع الحال الاردني والعربي الذي يمور بالحراك الشعبي، وثورات الشباب البواسل الذين لن يغادروا الشوارع والميادين والساحات العامة، قبل ان يضمنوا لرأيهم ورؤيتهم وارادتهم وجوداً فاعلاً في صناعة القرار، وحضوراً مؤثراً في اروقة الحكم•
الف شكر لهذا القاضي الدولي الذي شكل حكومة شللية وارتجالية تفتقر الى التماسك والهوية والشخصية، وتقترب من مفهوم 'الكشكول' الذي يضم بين دفتيه جملة من النقائض والاضداد والاجيال، ويتماهى مع المقولة الشعبية المصرية 'لبن•• سمك•• تمر هندي'، ويثبت بالحقائق الدامغة ان هذا النوع من الحكومات الهابطة على الناس بالمظلات، قد اصبح من الماضي، وبات على اهبة الانقراض
لقد جاءت حكومة الخصاونة اضعف - بكل اسف - من حكومة البخيت السابقة عليها، تماماً كما جاءت حكومة البخيت اضعف من حكومة الرفاعي، التي جاءت بدورها اضعف من حكومة الذهبي، وذلك ضمن متوالية هندسية عكسية ديدنها انتاج الحكومات المستنسخة والمتماثلة، باسلوب روتيني فوقي ومتكرر لا يأخذ بعين الاعتبار جدل الحياة، وجملة الظروف المستجدة والاحوال المتغيرة كل حين، ورياح الربيع العربي التي رفعت مكانة المواطن عالياً ووضعته في مقدمة المشهد العام•
منذ عام 2007 حذرنا، في هذا المكان، حكومة البخيت الاولى من اضرار واخطار الحكومات الكربونية والكرتونية المتناسلة من ارحام بعضها بعضاً، وقلنا ان هذا الطراز من الحكومات قد اصبح عبئاً على البلاد والعباد، في ضوء التهافت المتزايد لدى الحكومات مقابل التكاثر المتصاعد في المشاكل والتحديات والازمات•• وبدل ان يتسع صدر رئيس الحكومة آنذاك لهذا التنبيه او التحذير المبكر، ويرد على الرأي بالرأي الآخر، عمد الى جرجرتنا في المحاكم بتهمة النيل من هيبة مٌّؤسسات الدولة !!
حكومة الخصاونة لم تحاول الخروج من هذه الشرنقة الضيقة او التمرد على هذه القاعدة البائسة، بل لعلها قد جاءت بما هو اغرب واعجب حين ارتضت ان تكون 'حكومة كوتات' وجوائز ترضية ومحاصصة جهوية وعشائرية وشللية ومزاجية، بعيدة كل البعد عن المعايير السياسية، وقياسات الخبرة والكفاءة ووضع الرجل المناسب في الموقع الوزاري المناسب، التي تعتبر اول واهم شروط تشكيل الحكومات•• ذلك لان الحكومة سلطة تنفيذية مركزية جامعة لا مكان فيها للاعتبارات الجغرافية والديموغرافية، خلافاً للسلطة التشريعية المولجة بالتمثيل المكاني والسكاني•
ليس من المصلحة الوطنية او الحكمة السياسية، ان تتضخم الحكومات وتتورم وتغص بثلاثين وزيراً، لا لضرورات واحتياجات موضوعية، بل لنوازع ورغبات ومجاملات شخصية واستزلامية واسترضائية وتنفيعية تتوخى المصلحة الخاصة وليس الصالح العام، وتسخّر الموقع او المنصب لحساب صاحبه وليس العكس، وتنحدر بالمستوى الوزاري الى حد غير مسبوق، وفق ما رأينا على مدى السنوات القليلة الماضية التي شهدت عدة حكومات عابرة وهزيلة ومتضخمة بغير نفع ولا دسم•
قد يصلح رئيس الحكومة الجديدة للتسويق الخارجي، باعتباره قاضياً دولياً معروفاً، وقد تصلح التركيبة الوزارية للتسويق الداخلي، بوصفها توليفة واسعة التمثيل والانتشار المناطقي والجهوي، غير ان 'الناتج العام' لهذه الحكومة لن يكون بمستوى الطموح الشعبي قط، ولن يقوى على قهر المصاعب والتحديات القائمة، ولن يطفئ عطش الظامئين الى التغيير الحقيقي والنهوض الوطني والقومي المرفوع بالضمة•
حتى لو استأثرت هذه الحكومة الهشة بكامل الولاية الدستورية، وتمتعت بسائر صلاحيات ومسؤوليات السلطة التنفيذية، وتمكنت من الحفاظ التام على حرية قرارها وخيارها، فليس من المرجح ان تنجح في مهماتها، او تتفوق في ادائها، او تخرج الزير من البير، او تأتي بما لم يستطعه الاوائل، ما دامت قائمة على هذه التركيبة العشوائية العجيبة، وما دامت لا تملك البرنامج الواضح والمشروع الطموح والخيال السياسي، وما دامت تلهث خلف الاحداث والحراكات الشعبية ولا تسبقها او تقودها، وما دامت لا تحظى بثقل شعبي وازن كان يمكن ان يتوفر لها لو انها ضمت ممثلين عن الحركة الاسلامية والمنظومة الحزبية والشخصيات السياسية والاعتبارية•
وعليه•• فقد يكون من حسن حظ الوطن والمواطن، ان تأتي هذه الحكومة على هذا النحو المتواضع، بعد زفة اعلامية رفعتها بادئ الامر الى مصاف حكومات الانقاذ والخلاص الوطني، وان تثبت بملموس التجربة ان هذا النمط من الحكومات قد بات عبئاً على نظام الحكم وليس عوناً وسنداً له، وان تفتح الدرب واسعاً امام نمط الحكومات البرلمانية التي تتولى فيها الاغلبية النيابية مهمات التأليف والتشكيل، استناداً الى الثقة الشعبية الممنوحة لها عبر صناديق الاقتراع•
ميزة الحكومات البرلمانية ومصدر قوتها انها منبثقة عن الارادة الشعبية، والشعب - كما قال عبد الناصر - هو القائد والمعلم والحكم، وهو الاقدر على مراعاة مصالحه والتعبير عن نفسه والتمييز بين الغث والثمين، في حين تبقى الحكومات المشكلة من خلف ظهر الشعب، والنازلة على العباد والبلاد بالمظلات، محض ادارات فوقية معزولة لا تراعي الا مصالح وخواطر من اوجدوها، واسبغوا نعمتهم عليها•
نقطة واحدة قد تحسب لصالح هذه الحكومة، هي انفتاحها المبكر على حركة حماس، واستعدادها الشجاع لتخطي خلل ازدواجية المعايير في التعامل مع اطراف المعادلة الفلسطينية، وارتقائها بمفهوم الدولة الاردنية الى مستوى الشقيق الداعم والمؤازر للقضية الفلسطينية برمتها وليس فقط للسلطة العباسية في رام الله•• ولنا وطيد الامل ان تواصل الحكومة تطوير علاقتها مع حماس الى حدود معقولة ومقبولة من الطرفين، شأن ما هو عليه حال هذه الحركة الفلسطينية المجاهدة مع باقي الاقطار العربية والاسلامية•
ورغم ان الرئيس السوري بشار الاسد قد طمأن الوفد الاردني الذي التقاه في دمشق مؤخراً الى حسن التواصل بينه وبين الملك، الا ان مبادرة حكومة الخصاونة للانفتاح على حماس يمكن ان تحفزنا الى مطالبتها بمبادرة اخوية مماثلة مع سوريا، والوقوف الى جانبها في هذا الظرف الحساس، وقطع دابر اي تدخل بالسوء في شؤونها الداخلية، ورفض كل محاولات التأليب والتحريض التي تطلقها الجهات الحاقدة والمغرضة لتوريط الاردن في دور خطير عجزت عن ادائه دولة اقليمية بحجم تركيا•
الف شكر للقاضي الفاضل الدكتور عون الخصاونة، رئيس الوزراء الذي اتى شيئاً مبتكراً، حين قام - عمداً او عفواً - برسم خط النهاية لذلك النمط القديم والمتهالك من الحكومات العشوائية التي فات زمانها، واستنفذت اغراضها، وانتهت مدة صلاحيتها، واغتربت عن واقع الحال الاردني والعربي الذي يمور بالحراك الشعبي، وثورات الشباب البواسل الذين لن يغادروا الشوارع والميادين والساحات العامة، قبل ان يضمنوا لرأيهم ورؤيتهم وارادتهم وجوداً فاعلاً في صناعة القرار، وحضوراً مؤثراً في اروقة الحكم•
الف شكر لهذا القاضي الدولي الذي شكل حكومة شللية وارتجالية تفتقر الى التماسك والهوية والشخصية، وتقترب من مفهوم 'الكشكول' الذي يضم بين دفتيه جملة من النقائض والاضداد والاجيال، ويتماهى مع المقولة الشعبية المصرية 'لبن•• سمك•• تمر هندي'، ويثبت بالحقائق الدامغة ان هذا النوع من الحكومات الهابطة على الناس بالمظلات، قد اصبح من الماضي، وبات على اهبة الانقراض
لقد جاءت حكومة الخصاونة اضعف - بكل اسف - من حكومة البخيت السابقة عليها، تماماً كما جاءت حكومة البخيت اضعف من حكومة الرفاعي، التي جاءت بدورها اضعف من حكومة الذهبي، وذلك ضمن متوالية هندسية عكسية ديدنها انتاج الحكومات المستنسخة والمتماثلة، باسلوب روتيني فوقي ومتكرر لا يأخذ بعين الاعتبار جدل الحياة، وجملة الظروف المستجدة والاحوال المتغيرة كل حين، ورياح الربيع العربي التي رفعت مكانة المواطن عالياً ووضعته في مقدمة المشهد العام•
منذ عام 2007 حذرنا، في هذا المكان، حكومة البخيت الاولى من اضرار واخطار الحكومات الكربونية والكرتونية المتناسلة من ارحام بعضها بعضاً، وقلنا ان هذا الطراز من الحكومات قد اصبح عبئاً على البلاد والعباد، في ضوء التهافت المتزايد لدى الحكومات مقابل التكاثر المتصاعد في المشاكل والتحديات والازمات•• وبدل ان يتسع صدر رئيس الحكومة آنذاك لهذا التنبيه او التحذير المبكر، ويرد على الرأي بالرأي الآخر، عمد الى جرجرتنا في المحاكم بتهمة النيل من هيبة مٌّؤسسات الدولة !!
حكومة الخصاونة لم تحاول الخروج من هذه الشرنقة الضيقة او التمرد على هذه القاعدة البائسة، بل لعلها قد جاءت بما هو اغرب واعجب حين ارتضت ان تكون 'حكومة كوتات' وجوائز ترضية ومحاصصة جهوية وعشائرية وشللية ومزاجية، بعيدة كل البعد عن المعايير السياسية، وقياسات الخبرة والكفاءة ووضع الرجل المناسب في الموقع الوزاري المناسب، التي تعتبر اول واهم شروط تشكيل الحكومات•• ذلك لان الحكومة سلطة تنفيذية مركزية جامعة لا مكان فيها للاعتبارات الجغرافية والديموغرافية، خلافاً للسلطة التشريعية المولجة بالتمثيل المكاني والسكاني•
ليس من المصلحة الوطنية او الحكمة السياسية، ان تتضخم الحكومات وتتورم وتغص بثلاثين وزيراً، لا لضرورات واحتياجات موضوعية، بل لنوازع ورغبات ومجاملات شخصية واستزلامية واسترضائية وتنفيعية تتوخى المصلحة الخاصة وليس الصالح العام، وتسخّر الموقع او المنصب لحساب صاحبه وليس العكس، وتنحدر بالمستوى الوزاري الى حد غير مسبوق، وفق ما رأينا على مدى السنوات القليلة الماضية التي شهدت عدة حكومات عابرة وهزيلة ومتضخمة بغير نفع ولا دسم•
قد يصلح رئيس الحكومة الجديدة للتسويق الخارجي، باعتباره قاضياً دولياً معروفاً، وقد تصلح التركيبة الوزارية للتسويق الداخلي، بوصفها توليفة واسعة التمثيل والانتشار المناطقي والجهوي، غير ان 'الناتج العام' لهذه الحكومة لن يكون بمستوى الطموح الشعبي قط، ولن يقوى على قهر المصاعب والتحديات القائمة، ولن يطفئ عطش الظامئين الى التغيير الحقيقي والنهوض الوطني والقومي المرفوع بالضمة•
حتى لو استأثرت هذه الحكومة الهشة بكامل الولاية الدستورية، وتمتعت بسائر صلاحيات ومسؤوليات السلطة التنفيذية، وتمكنت من الحفاظ التام على حرية قرارها وخيارها، فليس من المرجح ان تنجح في مهماتها، او تتفوق في ادائها، او تخرج الزير من البير، او تأتي بما لم يستطعه الاوائل، ما دامت قائمة على هذه التركيبة العشوائية العجيبة، وما دامت لا تملك البرنامج الواضح والمشروع الطموح والخيال السياسي، وما دامت تلهث خلف الاحداث والحراكات الشعبية ولا تسبقها او تقودها، وما دامت لا تحظى بثقل شعبي وازن كان يمكن ان يتوفر لها لو انها ضمت ممثلين عن الحركة الاسلامية والمنظومة الحزبية والشخصيات السياسية والاعتبارية•
وعليه•• فقد يكون من حسن حظ الوطن والمواطن، ان تأتي هذه الحكومة على هذا النحو المتواضع، بعد زفة اعلامية رفعتها بادئ الامر الى مصاف حكومات الانقاذ والخلاص الوطني، وان تثبت بملموس التجربة ان هذا النمط من الحكومات قد بات عبئاً على نظام الحكم وليس عوناً وسنداً له، وان تفتح الدرب واسعاً امام نمط الحكومات البرلمانية التي تتولى فيها الاغلبية النيابية مهمات التأليف والتشكيل، استناداً الى الثقة الشعبية الممنوحة لها عبر صناديق الاقتراع•
ميزة الحكومات البرلمانية ومصدر قوتها انها منبثقة عن الارادة الشعبية، والشعب - كما قال عبد الناصر - هو القائد والمعلم والحكم، وهو الاقدر على مراعاة مصالحه والتعبير عن نفسه والتمييز بين الغث والثمين، في حين تبقى الحكومات المشكلة من خلف ظهر الشعب، والنازلة على العباد والبلاد بالمظلات، محض ادارات فوقية معزولة لا تراعي الا مصالح وخواطر من اوجدوها، واسبغوا نعمتهم عليها•
نقطة واحدة قد تحسب لصالح هذه الحكومة، هي انفتاحها المبكر على حركة حماس، واستعدادها الشجاع لتخطي خلل ازدواجية المعايير في التعامل مع اطراف المعادلة الفلسطينية، وارتقائها بمفهوم الدولة الاردنية الى مستوى الشقيق الداعم والمؤازر للقضية الفلسطينية برمتها وليس فقط للسلطة العباسية في رام الله•• ولنا وطيد الامل ان تواصل الحكومة تطوير علاقتها مع حماس الى حدود معقولة ومقبولة من الطرفين، شأن ما هو عليه حال هذه الحركة الفلسطينية المجاهدة مع باقي الاقطار العربية والاسلامية•
ورغم ان الرئيس السوري بشار الاسد قد طمأن الوفد الاردني الذي التقاه في دمشق مؤخراً الى حسن التواصل بينه وبين الملك، الا ان مبادرة حكومة الخصاونة للانفتاح على حماس يمكن ان تحفزنا الى مطالبتها بمبادرة اخوية مماثلة مع سوريا، والوقوف الى جانبها في هذا الظرف الحساس، وقطع دابر اي تدخل بالسوء في شؤونها الداخلية، ورفض كل محاولات التأليب والتحريض التي تطلقها الجهات الحاقدة والمغرضة لتوريط الاردن في دور خطير عجزت عن ادائه دولة اقليمية بحجم تركيا•
الف شكر للقاضي الفاضل الدكتور عون الخصاونة، رئيس الوزراء الذي اتى شيئاً مبتكراً، حين قام - عمداً او عفواً - برسم خط النهاية لذلك النمط القديم والمتهالك من الحكومات العشوائية التي فات زمانها، واستنفذت اغراضها، وانتهت مدة صلاحيتها، واغتربت عن واقع الحال الاردني والعربي الذي يمور بالحراك الشعبي، وثورات الشباب البواسل الذين لن يغادروا الشوارع والميادين والساحات العامة، قبل ان يضمنوا لرأيهم ورؤيتهم وارادتهم وجوداً فاعلاً في صناعة القرار، وحضوراً مؤثراً في اروقة الحكم•
الف شكر لهذا القاضي الدولي الذي شكل حكومة شللية وارتجالية تفتقر الى التماسك والهوية والشخصية، وتقترب من مفهوم 'الكشكول' الذي يضم بين دفتيه جملة من النقائض والاضداد والاجيال، ويتماهى مع المقولة الشعبية المصرية 'لبن•• سمك•• تمر هندي'، ويثبت بالحقائق الدامغة ان هذا النوع من الحكومات الهابطة على الناس بالمظلات، قد اصبح من الماضي، وبات على اهبة الانقراض
لقد جاءت حكومة الخصاونة اضعف - بكل اسف - من حكومة البخيت السابقة عليها، تماماً كما جاءت حكومة البخيت اضعف من حكومة الرفاعي، التي جاءت بدورها اضعف من حكومة الذهبي، وذلك ضمن متوالية هندسية عكسية ديدنها انتاج الحكومات المستنسخة والمتماثلة، باسلوب روتيني فوقي ومتكرر لا يأخذ بعين الاعتبار جدل الحياة، وجملة الظروف المستجدة والاحوال المتغيرة كل حين، ورياح الربيع العربي التي رفعت مكانة المواطن عالياً ووضعته في مقدمة المشهد العام•
منذ عام 2007 حذرنا، في هذا المكان، حكومة البخيت الاولى من اضرار واخطار الحكومات الكربونية والكرتونية المتناسلة من ارحام بعضها بعضاً، وقلنا ان هذا الطراز من الحكومات قد اصبح عبئاً على البلاد والعباد، في ضوء التهافت المتزايد لدى الحكومات مقابل التكاثر المتصاعد في المشاكل والتحديات والازمات•• وبدل ان يتسع صدر رئيس الحكومة آنذاك لهذا التنبيه او التحذير المبكر، ويرد على الرأي بالرأي الآخر، عمد الى جرجرتنا في المحاكم بتهمة النيل من هيبة مٌّؤسسات الدولة !!
حكومة الخصاونة لم تحاول الخروج من هذه الشرنقة الضيقة او التمرد على هذه القاعدة البائسة، بل لعلها قد جاءت بما هو اغرب واعجب حين ارتضت ان تكون 'حكومة كوتات' وجوائز ترضية ومحاصصة جهوية وعشائرية وشللية ومزاجية، بعيدة كل البعد عن المعايير السياسية، وقياسات الخبرة والكفاءة ووضع الرجل المناسب في الموقع الوزاري المناسب، التي تعتبر اول واهم شروط تشكيل الحكومات•• ذلك لان الحكومة سلطة تنفيذية مركزية جامعة لا مكان فيها للاعتبارات الجغرافية والديموغرافية، خلافاً للسلطة التشريعية المولجة بالتمثيل المكاني والسكاني•
ليس من المصلحة الوطنية او الحكمة السياسية، ان تتضخم الحكومات وتتورم وتغص بثلاثين وزيراً، لا لضرورات واحتياجات موضوعية، بل لنوازع ورغبات ومجاملات شخصية واستزلامية واسترضائية وتنفيعية تتوخى المصلحة الخاصة وليس الصالح العام، وتسخّر الموقع او المنصب لحساب صاحبه وليس العكس، وتنحدر بالمستوى الوزاري الى حد غير مسبوق، وفق ما رأينا على مدى السنوات القليلة الماضية التي شهدت عدة حكومات عابرة وهزيلة ومتضخمة بغير نفع ولا دسم•
قد يصلح رئيس الحكومة الجديدة للتسويق الخارجي، باعتباره قاضياً دولياً معروفاً، وقد تصلح التركيبة الوزارية للتسويق الداخلي، بوصفها توليفة واسعة التمثيل والانتشار المناطقي والجهوي، غير ان 'الناتج العام' لهذه الحكومة لن يكون بمستوى الطموح الشعبي قط، ولن يقوى على قهر المصاعب والتحديات القائمة، ولن يطفئ عطش الظامئين الى التغيير الحقيقي والنهوض الوطني والقومي المرفوع بالضمة•
حتى لو استأثرت هذه الحكومة الهشة بكامل الولاية الدستورية، وتمتعت بسائر صلاحيات ومسؤوليات السلطة التنفيذية، وتمكنت من الحفاظ التام على حرية قرارها وخيارها، فليس من المرجح ان تنجح في مهماتها، او تتفوق في ادائها، او تخرج الزير من البير، او تأتي بما لم يستطعه الاوائل، ما دامت قائمة على هذه التركيبة العشوائية العجيبة، وما دامت لا تملك البرنامج الواضح والمشروع الطموح والخيال السياسي، وما دامت تلهث خلف الاحداث والحراكات الشعبية ولا تسبقها او تقودها، وما دامت لا تحظى بثقل شعبي وازن كان يمكن ان يتوفر لها لو انها ضمت ممثلين عن الحركة الاسلامية والمنظومة الحزبية والشخصيات السياسية والاعتبارية•
وعليه•• فقد يكون من حسن حظ الوطن والمواطن، ان تأتي هذه الحكومة على هذا النحو المتواضع، بعد زفة اعلامية رفعتها بادئ الامر الى مصاف حكومات الانقاذ والخلاص الوطني، وان تثبت بملموس التجربة ان هذا النمط من الحكومات قد بات عبئاً على نظام الحكم وليس عوناً وسنداً له، وان تفتح الدرب واسعاً امام نمط الحكومات البرلمانية التي تتولى فيها الاغلبية النيابية مهمات التأليف والتشكيل، استناداً الى الثقة الشعبية الممنوحة لها عبر صناديق الاقتراع•
ميزة الحكومات البرلمانية ومصدر قوتها انها منبثقة عن الارادة الشعبية، والشعب - كما قال عبد الناصر - هو القائد والمعلم والحكم، وهو الاقدر على مراعاة مصالحه والتعبير عن نفسه والتمييز بين الغث والثمين، في حين تبقى الحكومات المشكلة من خلف ظهر الشعب، والنازلة على العباد والبلاد بالمظلات، محض ادارات فوقية معزولة لا تراعي الا مصالح وخواطر من اوجدوها، واسبغوا نعمتهم عليها•
نقطة واحدة قد تحسب لصالح هذه الحكومة، هي انفتاحها المبكر على حركة حماس، واستعدادها الشجاع لتخطي خلل ازدواجية المعايير في التعامل مع اطراف المعادلة الفلسطينية، وارتقائها بمفهوم الدولة الاردنية الى مستوى الشقيق الداعم والمؤازر للقضية الفلسطينية برمتها وليس فقط للسلطة العباسية في رام الله•• ولنا وطيد الامل ان تواصل الحكومة تطوير علاقتها مع حماس الى حدود معقولة ومقبولة من الطرفين، شأن ما هو عليه حال هذه الحركة الفلسطينية المجاهدة مع باقي الاقطار العربية والاسلامية•
ورغم ان الرئيس السوري بشار الاسد قد طمأن الوفد الاردني الذي التقاه في دمشق مؤخراً الى حسن التواصل بينه وبين الملك، الا ان مبادرة حكومة الخصاونة للانفتاح على حماس يمكن ان تحفزنا الى مطالبتها بمبادرة اخوية مماثلة مع سوريا، والوقوف الى جانبها في هذا الظرف الحساس، وقطع دابر اي تدخل بالسوء في شؤونها الداخلية، ورفض كل محاولات التأليب والتحريض التي تطلقها الجهات الحاقدة والمغرضة لتوريط الاردن في دور خطير عجزت عن ادائه دولة اقليمية بحجم تركيا•
التعليقات