يتابع العالم بصمت غريب مجريات الأحداث الدامية التي تشهدها فلسطين المحتلة، حيث تبطش الآلة الحربية الصهوينية بالشعب الفلسطيني الأعزل الذي لا ذنب له سوى أنه يقاوم المُحتل لأرضه. فما تقوم به حركات المقاومة الفلسطينية بإمكاناتها العسكرية واللوجستية المحدودة لا يخرج عن كونه ممارسة لحق شرعي وإنساني قبل أن يكون حقا قانونيا مقرر بموجب المواثيق والاتفاقيات الدولية.
لقد كانت المقاومة ومنذ القِدَم حقا مكرسا لشعوب العالم التي تسعى إلى الحرية والاستقلال. واللافت للنظر أن أولى هذه الدول التي كرست لنفسها ولشعوبها الحق في المقاومة هي الدولة الأكثر دعما للاحتلال الصهيوني، وهي الولايات المتحدة الأمريكية. فمن أوائل المواثيق التي اعترفت بالحق في مقاومة المُحتل إعلان الاستقلال الأميركي الصادر بتاريخ 4/7/1776، الذي اعتبر أن المقاومة المسلحة هي المرحلة الأخيرة للاحتجاج ضد الهيمنة الاستعمارية الإنجليزية في المستعمرات الأمريكية الثلاث عشرة في ذلك الوقت.
وقد تأثرت العديد من الأنظمة القانونية الأخرى بالموقف الأمريكي الداعم لحق المقاومة. فإعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي لعام 1789 أقر صراحة بحق الإنسان في المقاومة، حيث نصت المادة الثانية منه على أن الغرض من كل اجتماع سياسي هو حفظ الحقوق الطبيعية للإنسان التي لا يجوز مسهُا، وهذه الحقوق هي حق المُلك وحق الأمن وحق مقاومة الظلم والاستبداد.
وقد استمر هذا النهج التشريعي في فرنسا في تكريس الحق في المقاومة في دستورها الأول لعام 1793، الذي نص صراحة على أن حق مقاومة الظلم هو النتيجة الطبيعية لحقوق الإنسان الأخرى. وفي العام ذاته، صدر إعلان حقوق وواجبات الإنسان الاجتماعي، الذي كرّس مجموعة من الحقوق الأساسية للفرد في مقدمتها الحق في مقاومة الظلم.
ولم يتغير الموقف الدولي من الاعتراف لشعوب العالم بحقها في المقاومة وطرد المحتل بمرور السنين. فعند إنشاء منظمة الأمم المتحدة لتحل محل عصبة الأمم، عَمِد واضعوا ميثاقها إلى تكريس الحق في المقاومة، حيث تنص المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة على حق الشعوب في تقرير مصيرها، وأنه لا يوجد في الميثاق ما ينتقص من الحق الطبيعي للدول في الدفاع عن أنفسها إذا اعتدت عليها قوات مسلحة.
وقد تأكد الحق في تقرير المصير في أولى الاتفاقيات الدولية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد إنشائها، والتي تتمثل بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966، حيث تنص المادة الأولى من كلا العهدين على حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها.
وقد توسع العهدان في هذا السياق بأن ألزما الدول الأطراف، بما فيها الدول التي تقع على عاتقها مسؤولية إدارة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي والأقاليم المشمولة بالوصاية، بأن تعمل على تحقيق حق تقرير المصير، وأن تحترم هذا الحق وفقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة.
ومن المواثيق الدولية الأخرى التي تعترف لشعوب الدول بحقها في مقاومة المحتل، إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة لعام 1960 الذي ينص على أن اخضاع الشعوب لاستعباد الأجنبي وسيطرته واستغلاله يشكل إنكارا لحقوق الإنسان الأساسية، وأن لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها.
وقد تأكد الحق في المقاومة في القرار الأممي رقم (3103) لسنة 1973 بشأن المبادئ المتعلقة بالمركز القانوني للمقاتلين الذين يكافحون ضد السيطرة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي والنظم العنصرية، الذي اعتبر أن نضال الشعوب في سبيل حقها في تقرير المصير والاستقلال هو نضال شرعي يتفق تماما مع مبادئ القانون الدولي، وأن أية محاولة لقمع الكفاح المسلح هي مخالفة لميثاق الأمم المتحدة ولمبادئ القانون الدولي.
وعليه، فإن المقاومة التي يبديها الشعب الفلسطيني ضد العدو الإسرائيلي تعد مشروعة ووفق القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، فحركات التحرر التي تسعى إلى الاستقلال ودحض المحتل تعترف بها اتفاقية لاهاي لعام 1907 وتقر بحقها في حمل السلاح علنا، طالما أن هدفها نبيل يتمثل في السعي نحو الحرية وتقرير المصير.
إن المقاومة الفلسطينية تعد شكلا من أشكال الدفاع عن النفس في ظل الغطرسة الصهيونية. فما يتعرض له الشعب الفلسطيني من أبشع أنواع الجرائم اللانسانية يبرر أن يثبت له الحق في أن يقاوم بكافة الوسائل باعتباره حقا مشروعا له. وقد تكرس الحق في المقاومة الفلسطينية في قرار الأمم المتحدة رقم (3236) لعام 1974 الذي اعترف بحق الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه بكافة الوسائل وفقا لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة، والتي من ضمنها الكفاح المسلح.
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com
يتابع العالم بصمت غريب مجريات الأحداث الدامية التي تشهدها فلسطين المحتلة، حيث تبطش الآلة الحربية الصهوينية بالشعب الفلسطيني الأعزل الذي لا ذنب له سوى أنه يقاوم المُحتل لأرضه. فما تقوم به حركات المقاومة الفلسطينية بإمكاناتها العسكرية واللوجستية المحدودة لا يخرج عن كونه ممارسة لحق شرعي وإنساني قبل أن يكون حقا قانونيا مقرر بموجب المواثيق والاتفاقيات الدولية.
لقد كانت المقاومة ومنذ القِدَم حقا مكرسا لشعوب العالم التي تسعى إلى الحرية والاستقلال. واللافت للنظر أن أولى هذه الدول التي كرست لنفسها ولشعوبها الحق في المقاومة هي الدولة الأكثر دعما للاحتلال الصهيوني، وهي الولايات المتحدة الأمريكية. فمن أوائل المواثيق التي اعترفت بالحق في مقاومة المُحتل إعلان الاستقلال الأميركي الصادر بتاريخ 4/7/1776، الذي اعتبر أن المقاومة المسلحة هي المرحلة الأخيرة للاحتجاج ضد الهيمنة الاستعمارية الإنجليزية في المستعمرات الأمريكية الثلاث عشرة في ذلك الوقت.
وقد تأثرت العديد من الأنظمة القانونية الأخرى بالموقف الأمريكي الداعم لحق المقاومة. فإعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي لعام 1789 أقر صراحة بحق الإنسان في المقاومة، حيث نصت المادة الثانية منه على أن الغرض من كل اجتماع سياسي هو حفظ الحقوق الطبيعية للإنسان التي لا يجوز مسهُا، وهذه الحقوق هي حق المُلك وحق الأمن وحق مقاومة الظلم والاستبداد.
وقد استمر هذا النهج التشريعي في فرنسا في تكريس الحق في المقاومة في دستورها الأول لعام 1793، الذي نص صراحة على أن حق مقاومة الظلم هو النتيجة الطبيعية لحقوق الإنسان الأخرى. وفي العام ذاته، صدر إعلان حقوق وواجبات الإنسان الاجتماعي، الذي كرّس مجموعة من الحقوق الأساسية للفرد في مقدمتها الحق في مقاومة الظلم.
ولم يتغير الموقف الدولي من الاعتراف لشعوب العالم بحقها في المقاومة وطرد المحتل بمرور السنين. فعند إنشاء منظمة الأمم المتحدة لتحل محل عصبة الأمم، عَمِد واضعوا ميثاقها إلى تكريس الحق في المقاومة، حيث تنص المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة على حق الشعوب في تقرير مصيرها، وأنه لا يوجد في الميثاق ما ينتقص من الحق الطبيعي للدول في الدفاع عن أنفسها إذا اعتدت عليها قوات مسلحة.
وقد تأكد الحق في تقرير المصير في أولى الاتفاقيات الدولية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد إنشائها، والتي تتمثل بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966، حيث تنص المادة الأولى من كلا العهدين على حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها.
وقد توسع العهدان في هذا السياق بأن ألزما الدول الأطراف، بما فيها الدول التي تقع على عاتقها مسؤولية إدارة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي والأقاليم المشمولة بالوصاية، بأن تعمل على تحقيق حق تقرير المصير، وأن تحترم هذا الحق وفقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة.
ومن المواثيق الدولية الأخرى التي تعترف لشعوب الدول بحقها في مقاومة المحتل، إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة لعام 1960 الذي ينص على أن اخضاع الشعوب لاستعباد الأجنبي وسيطرته واستغلاله يشكل إنكارا لحقوق الإنسان الأساسية، وأن لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها.
وقد تأكد الحق في المقاومة في القرار الأممي رقم (3103) لسنة 1973 بشأن المبادئ المتعلقة بالمركز القانوني للمقاتلين الذين يكافحون ضد السيطرة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي والنظم العنصرية، الذي اعتبر أن نضال الشعوب في سبيل حقها في تقرير المصير والاستقلال هو نضال شرعي يتفق تماما مع مبادئ القانون الدولي، وأن أية محاولة لقمع الكفاح المسلح هي مخالفة لميثاق الأمم المتحدة ولمبادئ القانون الدولي.
وعليه، فإن المقاومة التي يبديها الشعب الفلسطيني ضد العدو الإسرائيلي تعد مشروعة ووفق القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، فحركات التحرر التي تسعى إلى الاستقلال ودحض المحتل تعترف بها اتفاقية لاهاي لعام 1907 وتقر بحقها في حمل السلاح علنا، طالما أن هدفها نبيل يتمثل في السعي نحو الحرية وتقرير المصير.
إن المقاومة الفلسطينية تعد شكلا من أشكال الدفاع عن النفس في ظل الغطرسة الصهيونية. فما يتعرض له الشعب الفلسطيني من أبشع أنواع الجرائم اللانسانية يبرر أن يثبت له الحق في أن يقاوم بكافة الوسائل باعتباره حقا مشروعا له. وقد تكرس الحق في المقاومة الفلسطينية في قرار الأمم المتحدة رقم (3236) لعام 1974 الذي اعترف بحق الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه بكافة الوسائل وفقا لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة، والتي من ضمنها الكفاح المسلح.
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com
يتابع العالم بصمت غريب مجريات الأحداث الدامية التي تشهدها فلسطين المحتلة، حيث تبطش الآلة الحربية الصهوينية بالشعب الفلسطيني الأعزل الذي لا ذنب له سوى أنه يقاوم المُحتل لأرضه. فما تقوم به حركات المقاومة الفلسطينية بإمكاناتها العسكرية واللوجستية المحدودة لا يخرج عن كونه ممارسة لحق شرعي وإنساني قبل أن يكون حقا قانونيا مقرر بموجب المواثيق والاتفاقيات الدولية.
لقد كانت المقاومة ومنذ القِدَم حقا مكرسا لشعوب العالم التي تسعى إلى الحرية والاستقلال. واللافت للنظر أن أولى هذه الدول التي كرست لنفسها ولشعوبها الحق في المقاومة هي الدولة الأكثر دعما للاحتلال الصهيوني، وهي الولايات المتحدة الأمريكية. فمن أوائل المواثيق التي اعترفت بالحق في مقاومة المُحتل إعلان الاستقلال الأميركي الصادر بتاريخ 4/7/1776، الذي اعتبر أن المقاومة المسلحة هي المرحلة الأخيرة للاحتجاج ضد الهيمنة الاستعمارية الإنجليزية في المستعمرات الأمريكية الثلاث عشرة في ذلك الوقت.
وقد تأثرت العديد من الأنظمة القانونية الأخرى بالموقف الأمريكي الداعم لحق المقاومة. فإعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي لعام 1789 أقر صراحة بحق الإنسان في المقاومة، حيث نصت المادة الثانية منه على أن الغرض من كل اجتماع سياسي هو حفظ الحقوق الطبيعية للإنسان التي لا يجوز مسهُا، وهذه الحقوق هي حق المُلك وحق الأمن وحق مقاومة الظلم والاستبداد.
وقد استمر هذا النهج التشريعي في فرنسا في تكريس الحق في المقاومة في دستورها الأول لعام 1793، الذي نص صراحة على أن حق مقاومة الظلم هو النتيجة الطبيعية لحقوق الإنسان الأخرى. وفي العام ذاته، صدر إعلان حقوق وواجبات الإنسان الاجتماعي، الذي كرّس مجموعة من الحقوق الأساسية للفرد في مقدمتها الحق في مقاومة الظلم.
ولم يتغير الموقف الدولي من الاعتراف لشعوب العالم بحقها في المقاومة وطرد المحتل بمرور السنين. فعند إنشاء منظمة الأمم المتحدة لتحل محل عصبة الأمم، عَمِد واضعوا ميثاقها إلى تكريس الحق في المقاومة، حيث تنص المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة على حق الشعوب في تقرير مصيرها، وأنه لا يوجد في الميثاق ما ينتقص من الحق الطبيعي للدول في الدفاع عن أنفسها إذا اعتدت عليها قوات مسلحة.
وقد تأكد الحق في تقرير المصير في أولى الاتفاقيات الدولية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد إنشائها، والتي تتمثل بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966، حيث تنص المادة الأولى من كلا العهدين على حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها.
وقد توسع العهدان في هذا السياق بأن ألزما الدول الأطراف، بما فيها الدول التي تقع على عاتقها مسؤولية إدارة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي والأقاليم المشمولة بالوصاية، بأن تعمل على تحقيق حق تقرير المصير، وأن تحترم هذا الحق وفقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة.
ومن المواثيق الدولية الأخرى التي تعترف لشعوب الدول بحقها في مقاومة المحتل، إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة لعام 1960 الذي ينص على أن اخضاع الشعوب لاستعباد الأجنبي وسيطرته واستغلاله يشكل إنكارا لحقوق الإنسان الأساسية، وأن لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها.
وقد تأكد الحق في المقاومة في القرار الأممي رقم (3103) لسنة 1973 بشأن المبادئ المتعلقة بالمركز القانوني للمقاتلين الذين يكافحون ضد السيطرة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي والنظم العنصرية، الذي اعتبر أن نضال الشعوب في سبيل حقها في تقرير المصير والاستقلال هو نضال شرعي يتفق تماما مع مبادئ القانون الدولي، وأن أية محاولة لقمع الكفاح المسلح هي مخالفة لميثاق الأمم المتحدة ولمبادئ القانون الدولي.
وعليه، فإن المقاومة التي يبديها الشعب الفلسطيني ضد العدو الإسرائيلي تعد مشروعة ووفق القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، فحركات التحرر التي تسعى إلى الاستقلال ودحض المحتل تعترف بها اتفاقية لاهاي لعام 1907 وتقر بحقها في حمل السلاح علنا، طالما أن هدفها نبيل يتمثل في السعي نحو الحرية وتقرير المصير.
إن المقاومة الفلسطينية تعد شكلا من أشكال الدفاع عن النفس في ظل الغطرسة الصهيونية. فما يتعرض له الشعب الفلسطيني من أبشع أنواع الجرائم اللانسانية يبرر أن يثبت له الحق في أن يقاوم بكافة الوسائل باعتباره حقا مشروعا له. وقد تكرس الحق في المقاومة الفلسطينية في قرار الأمم المتحدة رقم (3236) لعام 1974 الذي اعترف بحق الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه بكافة الوسائل وفقا لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة، والتي من ضمنها الكفاح المسلح.
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com
التعليقات