شهدت الدورات البرلمانية السابقة من عُمر مجلس النواب الحالي حالة من الجدل الشعبي والسياسي التي رافقت العديد من مشاريع القوانين التي اقترحتها الحكومة، وقام مجلس الأمة بإقرارها وفق أحكام الدستور. فمن أهم مشاريع القوانين التي ثار حولها الرأي العام مشروع القانون المعدل لقانون التنفيذ الذي تضمن تعديلات جوهرية تتعلق بتقليص حالات حبس المدين، مرورا بمشروع قانون حقوق الطفل، وانتهاء بمشروع قانون الجرائم الالكترونية الحالي الذي تمت الموافقة على معظم نصوصه وأحكامه من قبل مجلسي الأعيان والنواب.
ويبقى القاسم المشترك بين مشاريع القوانين السابقة أنها قد أثارت ضجة سياسية وقانونية حول مدى توافق نصوصها مع أحكام الدستور، حيث أثير في مواجهة قانون التنفيذ الدفع بعدم مراعاته مبدأ المساواة بين الدائنين والمدينين في مجال الحماية القانونية وتحصيل الديون. كما جرى الدفع بعدم دستورية مشروع قانون حقوق الطفل بحجة أنه يخالف المادة (6/4) من الدستور، التي تعتبر الأسرة هي أساس المجتمع وعلى القانون أن يحفظ كيانها الشرعي ويقوي أواصرها وقيمها.
أما مشروع قانون الجرائم الإلكترونية الجديد، فقد جرى اتهامه بأنه يتعارض مع أحكام المادة (15) من الدستور التي تكرس حرية الرأي بأشكالها وصورها المختلفة، وتكفل لكل أردني أن يُعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير وفق أحكام القانون.
إن الهجوم على مشاريع القوانين الهامة التي يجري إعدادها وتقديمها من قبل الحكومة ونعتها بعدم الدستورية قد أصبحت ظاهرة متزايدة، وأن وسم مخالفة مشروع القانون لأحكام الدستور قد أضحى شائعا تتناقله الأصوات السياسية والشعبية وحتى البرلمانية منها. وهذا ما يبرر التفكير في إيجاد آلية دستورية معينة لتفحص مشاريع القوانين التي تقترحها الحكومة وترسلها إلى مجلس النواب، بحيث يتم التحقق من دستوريتها قبل الموافقة عليها ودخولها حيز النفاذ.
إن الرقابة المسبقة على دستورية القوانين عادة ما تتقرر للمجالس أو المحاكم الدستورية التي يدخل ضمن اختصاصها الأصيل الرقابة على احترام القوانين الوضعية لأحكام الدستور، وأن هذه الرقابة السابقة على إقرار القوانين تسمى رقابة وقائية، تهدف إلى التحقق من عدم وجود أي عوار دستوري في مشروع القانون وذلك قبل أن تنشغل السلطة التشريعية بأعمال إقراره، بحيث إذا ثبت أن مشروع القانون يخالف الدستور، يجري إعدامه بأثر فوري مباشر قبل صيرورته نافذا وواجب التطبيق.
إن الدستور الأردني قد أخذ بالرقابة الدستورية اللاحقة على نفاذ القوانين والأنظمة، حيث ينعقد الاختصاص للمحكمة الدستورية في التحقق من توافق أحكام القانون والنظام النافذ مع نصوص الدستور. فهذه الرقابة بحكم توقيت ممارستها تسمى رقابة علاجية، تهدف إلى معالجة القوانين النافذة التي يجري الطعن بعدم دستوريتها بعدم دخولها حيز التنفيذ، بحيث يجري علاج النص القانوني المخالف للدستور من خلال إعلان عدم دستوريته وبطلان العمل به.
ويبقى التساؤل الأبرز حول مدى إمكانية توسيع اختصاصات المحكمة الدستورية الأردنية لتشمل الرقابة السابقة على مشاريع القوانين إلى جانب الرقابة اللاحقة، وماهية الخطوات الدستورية الضرورية لتفعيل هذا الاقتراح.
إن اختصاصات المحكمة الدستورية قد جرى تحديدها بشكل واضح وصريح في المادة (59) من الدستور بأنها تقتصرعلى الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة فقط، بالتالي فإن منحها الاختصاص بالرقابة السابقة على مشاريع القوانين بحاجة إلى تعديل الدستور.
وما يشجع على توسيع مهام المحكمة الدستورية لتشمل الرقابة على مشاريع القوانين، أن التعديلات الدستورية لعام 2022 قد أدخلت تغييرا جوهريا على شروط العضوية وتركيبة الأعضاء فيها. فالمادة (61) من الدستور قبل التعديل كانت تجيز تعيين أحد الأعضاء المختصين الذين تنطبق عليهم شروط العضوية في مجلس الأعيان عضوا في المحكمة الدستورية.
أما بعد عام 2022، فقد جرى إلغاء القيد الوارد على عدد الأعضاء المختصين من مجلس الأعيان الذين يمكن تعيينهم في المحكمة الدستورية، مما سيسمح بزيادة عدد الأعضاء السياسيين في المحكمة الدستورية في المستقبل. وهذا ما يتوافق مع طبيعة الرقابة السابقة على مشاريع القوانين، التي يطلق عليها الفقه الدستوري مسمى الرقابة السياسية، باعتبارها تمارس من قبل مجالس أو محاكم دستورية تضم في عضويتها أعضاء سياسيين.
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com
شهدت الدورات البرلمانية السابقة من عُمر مجلس النواب الحالي حالة من الجدل الشعبي والسياسي التي رافقت العديد من مشاريع القوانين التي اقترحتها الحكومة، وقام مجلس الأمة بإقرارها وفق أحكام الدستور. فمن أهم مشاريع القوانين التي ثار حولها الرأي العام مشروع القانون المعدل لقانون التنفيذ الذي تضمن تعديلات جوهرية تتعلق بتقليص حالات حبس المدين، مرورا بمشروع قانون حقوق الطفل، وانتهاء بمشروع قانون الجرائم الالكترونية الحالي الذي تمت الموافقة على معظم نصوصه وأحكامه من قبل مجلسي الأعيان والنواب.
ويبقى القاسم المشترك بين مشاريع القوانين السابقة أنها قد أثارت ضجة سياسية وقانونية حول مدى توافق نصوصها مع أحكام الدستور، حيث أثير في مواجهة قانون التنفيذ الدفع بعدم مراعاته مبدأ المساواة بين الدائنين والمدينين في مجال الحماية القانونية وتحصيل الديون. كما جرى الدفع بعدم دستورية مشروع قانون حقوق الطفل بحجة أنه يخالف المادة (6/4) من الدستور، التي تعتبر الأسرة هي أساس المجتمع وعلى القانون أن يحفظ كيانها الشرعي ويقوي أواصرها وقيمها.
أما مشروع قانون الجرائم الإلكترونية الجديد، فقد جرى اتهامه بأنه يتعارض مع أحكام المادة (15) من الدستور التي تكرس حرية الرأي بأشكالها وصورها المختلفة، وتكفل لكل أردني أن يُعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير وفق أحكام القانون.
إن الهجوم على مشاريع القوانين الهامة التي يجري إعدادها وتقديمها من قبل الحكومة ونعتها بعدم الدستورية قد أصبحت ظاهرة متزايدة، وأن وسم مخالفة مشروع القانون لأحكام الدستور قد أضحى شائعا تتناقله الأصوات السياسية والشعبية وحتى البرلمانية منها. وهذا ما يبرر التفكير في إيجاد آلية دستورية معينة لتفحص مشاريع القوانين التي تقترحها الحكومة وترسلها إلى مجلس النواب، بحيث يتم التحقق من دستوريتها قبل الموافقة عليها ودخولها حيز النفاذ.
إن الرقابة المسبقة على دستورية القوانين عادة ما تتقرر للمجالس أو المحاكم الدستورية التي يدخل ضمن اختصاصها الأصيل الرقابة على احترام القوانين الوضعية لأحكام الدستور، وأن هذه الرقابة السابقة على إقرار القوانين تسمى رقابة وقائية، تهدف إلى التحقق من عدم وجود أي عوار دستوري في مشروع القانون وذلك قبل أن تنشغل السلطة التشريعية بأعمال إقراره، بحيث إذا ثبت أن مشروع القانون يخالف الدستور، يجري إعدامه بأثر فوري مباشر قبل صيرورته نافذا وواجب التطبيق.
إن الدستور الأردني قد أخذ بالرقابة الدستورية اللاحقة على نفاذ القوانين والأنظمة، حيث ينعقد الاختصاص للمحكمة الدستورية في التحقق من توافق أحكام القانون والنظام النافذ مع نصوص الدستور. فهذه الرقابة بحكم توقيت ممارستها تسمى رقابة علاجية، تهدف إلى معالجة القوانين النافذة التي يجري الطعن بعدم دستوريتها بعدم دخولها حيز التنفيذ، بحيث يجري علاج النص القانوني المخالف للدستور من خلال إعلان عدم دستوريته وبطلان العمل به.
ويبقى التساؤل الأبرز حول مدى إمكانية توسيع اختصاصات المحكمة الدستورية الأردنية لتشمل الرقابة السابقة على مشاريع القوانين إلى جانب الرقابة اللاحقة، وماهية الخطوات الدستورية الضرورية لتفعيل هذا الاقتراح.
إن اختصاصات المحكمة الدستورية قد جرى تحديدها بشكل واضح وصريح في المادة (59) من الدستور بأنها تقتصرعلى الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة فقط، بالتالي فإن منحها الاختصاص بالرقابة السابقة على مشاريع القوانين بحاجة إلى تعديل الدستور.
وما يشجع على توسيع مهام المحكمة الدستورية لتشمل الرقابة على مشاريع القوانين، أن التعديلات الدستورية لعام 2022 قد أدخلت تغييرا جوهريا على شروط العضوية وتركيبة الأعضاء فيها. فالمادة (61) من الدستور قبل التعديل كانت تجيز تعيين أحد الأعضاء المختصين الذين تنطبق عليهم شروط العضوية في مجلس الأعيان عضوا في المحكمة الدستورية.
أما بعد عام 2022، فقد جرى إلغاء القيد الوارد على عدد الأعضاء المختصين من مجلس الأعيان الذين يمكن تعيينهم في المحكمة الدستورية، مما سيسمح بزيادة عدد الأعضاء السياسيين في المحكمة الدستورية في المستقبل. وهذا ما يتوافق مع طبيعة الرقابة السابقة على مشاريع القوانين، التي يطلق عليها الفقه الدستوري مسمى الرقابة السياسية، باعتبارها تمارس من قبل مجالس أو محاكم دستورية تضم في عضويتها أعضاء سياسيين.
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com
شهدت الدورات البرلمانية السابقة من عُمر مجلس النواب الحالي حالة من الجدل الشعبي والسياسي التي رافقت العديد من مشاريع القوانين التي اقترحتها الحكومة، وقام مجلس الأمة بإقرارها وفق أحكام الدستور. فمن أهم مشاريع القوانين التي ثار حولها الرأي العام مشروع القانون المعدل لقانون التنفيذ الذي تضمن تعديلات جوهرية تتعلق بتقليص حالات حبس المدين، مرورا بمشروع قانون حقوق الطفل، وانتهاء بمشروع قانون الجرائم الالكترونية الحالي الذي تمت الموافقة على معظم نصوصه وأحكامه من قبل مجلسي الأعيان والنواب.
ويبقى القاسم المشترك بين مشاريع القوانين السابقة أنها قد أثارت ضجة سياسية وقانونية حول مدى توافق نصوصها مع أحكام الدستور، حيث أثير في مواجهة قانون التنفيذ الدفع بعدم مراعاته مبدأ المساواة بين الدائنين والمدينين في مجال الحماية القانونية وتحصيل الديون. كما جرى الدفع بعدم دستورية مشروع قانون حقوق الطفل بحجة أنه يخالف المادة (6/4) من الدستور، التي تعتبر الأسرة هي أساس المجتمع وعلى القانون أن يحفظ كيانها الشرعي ويقوي أواصرها وقيمها.
أما مشروع قانون الجرائم الإلكترونية الجديد، فقد جرى اتهامه بأنه يتعارض مع أحكام المادة (15) من الدستور التي تكرس حرية الرأي بأشكالها وصورها المختلفة، وتكفل لكل أردني أن يُعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير وفق أحكام القانون.
إن الهجوم على مشاريع القوانين الهامة التي يجري إعدادها وتقديمها من قبل الحكومة ونعتها بعدم الدستورية قد أصبحت ظاهرة متزايدة، وأن وسم مخالفة مشروع القانون لأحكام الدستور قد أضحى شائعا تتناقله الأصوات السياسية والشعبية وحتى البرلمانية منها. وهذا ما يبرر التفكير في إيجاد آلية دستورية معينة لتفحص مشاريع القوانين التي تقترحها الحكومة وترسلها إلى مجلس النواب، بحيث يتم التحقق من دستوريتها قبل الموافقة عليها ودخولها حيز النفاذ.
إن الرقابة المسبقة على دستورية القوانين عادة ما تتقرر للمجالس أو المحاكم الدستورية التي يدخل ضمن اختصاصها الأصيل الرقابة على احترام القوانين الوضعية لأحكام الدستور، وأن هذه الرقابة السابقة على إقرار القوانين تسمى رقابة وقائية، تهدف إلى التحقق من عدم وجود أي عوار دستوري في مشروع القانون وذلك قبل أن تنشغل السلطة التشريعية بأعمال إقراره، بحيث إذا ثبت أن مشروع القانون يخالف الدستور، يجري إعدامه بأثر فوري مباشر قبل صيرورته نافذا وواجب التطبيق.
إن الدستور الأردني قد أخذ بالرقابة الدستورية اللاحقة على نفاذ القوانين والأنظمة، حيث ينعقد الاختصاص للمحكمة الدستورية في التحقق من توافق أحكام القانون والنظام النافذ مع نصوص الدستور. فهذه الرقابة بحكم توقيت ممارستها تسمى رقابة علاجية، تهدف إلى معالجة القوانين النافذة التي يجري الطعن بعدم دستوريتها بعدم دخولها حيز التنفيذ، بحيث يجري علاج النص القانوني المخالف للدستور من خلال إعلان عدم دستوريته وبطلان العمل به.
ويبقى التساؤل الأبرز حول مدى إمكانية توسيع اختصاصات المحكمة الدستورية الأردنية لتشمل الرقابة السابقة على مشاريع القوانين إلى جانب الرقابة اللاحقة، وماهية الخطوات الدستورية الضرورية لتفعيل هذا الاقتراح.
إن اختصاصات المحكمة الدستورية قد جرى تحديدها بشكل واضح وصريح في المادة (59) من الدستور بأنها تقتصرعلى الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة فقط، بالتالي فإن منحها الاختصاص بالرقابة السابقة على مشاريع القوانين بحاجة إلى تعديل الدستور.
وما يشجع على توسيع مهام المحكمة الدستورية لتشمل الرقابة على مشاريع القوانين، أن التعديلات الدستورية لعام 2022 قد أدخلت تغييرا جوهريا على شروط العضوية وتركيبة الأعضاء فيها. فالمادة (61) من الدستور قبل التعديل كانت تجيز تعيين أحد الأعضاء المختصين الذين تنطبق عليهم شروط العضوية في مجلس الأعيان عضوا في المحكمة الدستورية.
أما بعد عام 2022، فقد جرى إلغاء القيد الوارد على عدد الأعضاء المختصين من مجلس الأعيان الذين يمكن تعيينهم في المحكمة الدستورية، مما سيسمح بزيادة عدد الأعضاء السياسيين في المحكمة الدستورية في المستقبل. وهذا ما يتوافق مع طبيعة الرقابة السابقة على مشاريع القوانين، التي يطلق عليها الفقه الدستوري مسمى الرقابة السياسية، باعتبارها تمارس من قبل مجالس أو محاكم دستورية تضم في عضويتها أعضاء سياسيين.
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com
التعليقات