قدمت الحكومة الكويتية قبل أيام استقالتها الخطية، وذلك بعد قرابة (100) يوم فقط من تشكيلها، حيث صدر مرسوم أميري بقبولها، وتكليف الوزراء المستقيلين بتصريف الأعمال إلى حين تشكيل وزارة جديدة. وتعتبر هذه الحكومة هي الثانية التي يشكلها الشيخ أحمد نواف الصباح نجل أمير البلاد منذ شهر تموز من عام 2022، والتي تضطر إلى الاستقالة بسبب الصدامات مع السلطة التشريعية.
وقد تجلت الخلافات الأخيرة بين الحكومة ومجلس الأمة الكويتي في إصرار النواب على توجيه استجواب برلماني إلى وزير المالية بسبب رفض الحكومة مطالب البرلمان بإسقاط القروض الاستهلاكية عن آلاف المواطنين المتعثرين عن السداد. كما جرى تقديم استجواب آخر ضد وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء بسبب زيادة رواتب الوزراء، ومنح مسؤولين سابقين رواتب استثنائية رغم تقاعدهم.
بدورها أصرت الحكومة الكويتية على سحب الاستجوابات المقدمة، وإعادة النظر في أولويات القوانين الواجب إقرارها في المرحلة القادمة. كما تعمدت الغياب عن عدد من جلسات مجلس الأمة، مما أثار حفيظة النواب المنتخبين وزاد من حدة الأزمة السياسية مع الوزراء، والتي انتهت باستقالة الحكومة.
إن الحياة البرلمانية في الكويت تمتاز بالحيوية الدستورية، حيث تتعدد القواسم المشتركة مع النظام الدستوري الأردني وذلك من حيث اعتماد مبدأ الفصل المرن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتقرير الوظيفة الرقابية لأعضاء مجلس الأمة على الحكومة.
في المقابل، يختلف النظام الدستوري الكويتي عن نظيره الأردني من حيث أن اختيار الأمير للوزراء في الحكومة يكون من أعضاء مجلس الأمة ومن غيرهم، وأن عدد الوزراء جميعا يجب ألا يزيد على ثلث عدد أعضاء مجلس الأمة. كما يتكون مجلس الأمة الكويتي من خمسين عضوا يُنتخبون بطريق الانتخاب العام السري المباشر، ويعتبر الوزراء غير المنتخبين بمجلس الأمة أعضاء في المجلس بحكم وظائفهم.
إن الجمع بين الوزارة والنيابية قد حظره المشرع الدستوري الأردني بشكل مطلق في عام 2022، حيث تنص المادة (76/أ) من الدستور بحلتها المعدلة على عدم جواز الجمع بين العضوية في مجلس الأعيان أو مجلس النواب وبين منصب الوزارة.
كما يظهر التباين بين الدستورين الكويتي والأردني في مجال المسؤولية الوزارية ونطاقها، حيث تتقرر مسؤولية الوزراء في الدستور الكويتي أمام الأمير ابتداء، وذلك عملا بأحكام المادة (58) من الدستور التي تنص على أن 'رئيس مجلس الوزراء والوزراء مسؤولون بالتضامن أمام الأمير عن السياسة العامة للدولة، كما يسأل كل وزير أمامه عن أعمال وزارته'.
كما يخضع الوزراء في الكويت لمسؤولية أخرى أمام مجلس النواب، حيث تنص المادة (101) من الدستور على أن كل وزير مسؤول أمام مجلس الأمة عن أعمال وزارته، وأنه إذا قرر المجلس عدم الثقة بأحد الوزراء اعتبر معتزلا للوزارة من تاريخ قرار عدم الثقة. وهذا الحكم يتشابه مع ما قررته المادة (54/2) من الدستور الأردني، التي أوجبت على الوزير اعتزال منصبه إذا قرر مجلس النواب بالأكثرية المطلقة من مجموع عدد أعضائه حجب الثقة عنه.
ويبقى الاختلاف الأكبر فيما يخص المسؤولية السياسية لرئيس الوزراء، والذي لا يتم طرح الثقة به أمام مجلس الأمة الكويتي سندا لأحكام المادة (102) من الدستور، وإنما يقتصر دور النواب المنتخبين على تقديم مذكرة عدم تعاون مع رئيس مجلس الوزراء، ورفعها إلى رئيس الدولة. وفي هذه الحالة، يكون الخيار للأمير بإعفاء رئيس الوزراء من منصبه وتعيين وزارة جديدة، أو الإبقاء على الحكومة وحل مجلس الأمة.
وعلى الرغم من تجذر الرقابة السياسية للبرلمان في الدستور الأردني بشكل أوسع لتشمل كل من رئيس الوزراء والوزراء، والذين يمكن أن يقرر مجلس النواب طرح الثقة بهم، إلا أن المظاهر الأخرى للرقابة البرلمانية تظهر فاعليتها في النظام الدستوري الكويتي أكثر منه في الأردن. فالاستجوابات الأخيرة التي وجهها النواب الكويتيون إلى أعضاء مجلس الوزراء قد أثارت حفيظة الحكومة وتسببت بأزمة سياسية أجبرتها على تقديم استقالتها. فهذا المصير الذي واجهته الحكومة الكويتية يعود للأهمية الدستورية للاستجواب، باعتباره من الآليات الرقابية المقررة بموجب الدستور.
إن هذه القيمة الدستورية للاستجواب تختفي تماما في النظام الدستوري الأردني ذلك على الرغم من اتحاد الأثر المترتب عليه في كل من الكويت والأردن، والمتمثل في إمكانية أن يتحول الاستجواب إلى طرح للثقة. فأعضاء مجلس النواب يتسابقون فيما بينهم على توجيه الاسئلة والاستجوابات إلى الوزراء بشكل عشوائي دون حتى الاهتمام بمتابعتها، وهو الأمر الذي أفقد هذه الآليات الرقابية هيبتها ومكانتها في النظام الدستوري الأردني.
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com
قدمت الحكومة الكويتية قبل أيام استقالتها الخطية، وذلك بعد قرابة (100) يوم فقط من تشكيلها، حيث صدر مرسوم أميري بقبولها، وتكليف الوزراء المستقيلين بتصريف الأعمال إلى حين تشكيل وزارة جديدة. وتعتبر هذه الحكومة هي الثانية التي يشكلها الشيخ أحمد نواف الصباح نجل أمير البلاد منذ شهر تموز من عام 2022، والتي تضطر إلى الاستقالة بسبب الصدامات مع السلطة التشريعية.
وقد تجلت الخلافات الأخيرة بين الحكومة ومجلس الأمة الكويتي في إصرار النواب على توجيه استجواب برلماني إلى وزير المالية بسبب رفض الحكومة مطالب البرلمان بإسقاط القروض الاستهلاكية عن آلاف المواطنين المتعثرين عن السداد. كما جرى تقديم استجواب آخر ضد وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء بسبب زيادة رواتب الوزراء، ومنح مسؤولين سابقين رواتب استثنائية رغم تقاعدهم.
بدورها أصرت الحكومة الكويتية على سحب الاستجوابات المقدمة، وإعادة النظر في أولويات القوانين الواجب إقرارها في المرحلة القادمة. كما تعمدت الغياب عن عدد من جلسات مجلس الأمة، مما أثار حفيظة النواب المنتخبين وزاد من حدة الأزمة السياسية مع الوزراء، والتي انتهت باستقالة الحكومة.
إن الحياة البرلمانية في الكويت تمتاز بالحيوية الدستورية، حيث تتعدد القواسم المشتركة مع النظام الدستوري الأردني وذلك من حيث اعتماد مبدأ الفصل المرن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتقرير الوظيفة الرقابية لأعضاء مجلس الأمة على الحكومة.
في المقابل، يختلف النظام الدستوري الكويتي عن نظيره الأردني من حيث أن اختيار الأمير للوزراء في الحكومة يكون من أعضاء مجلس الأمة ومن غيرهم، وأن عدد الوزراء جميعا يجب ألا يزيد على ثلث عدد أعضاء مجلس الأمة. كما يتكون مجلس الأمة الكويتي من خمسين عضوا يُنتخبون بطريق الانتخاب العام السري المباشر، ويعتبر الوزراء غير المنتخبين بمجلس الأمة أعضاء في المجلس بحكم وظائفهم.
إن الجمع بين الوزارة والنيابية قد حظره المشرع الدستوري الأردني بشكل مطلق في عام 2022، حيث تنص المادة (76/أ) من الدستور بحلتها المعدلة على عدم جواز الجمع بين العضوية في مجلس الأعيان أو مجلس النواب وبين منصب الوزارة.
كما يظهر التباين بين الدستورين الكويتي والأردني في مجال المسؤولية الوزارية ونطاقها، حيث تتقرر مسؤولية الوزراء في الدستور الكويتي أمام الأمير ابتداء، وذلك عملا بأحكام المادة (58) من الدستور التي تنص على أن 'رئيس مجلس الوزراء والوزراء مسؤولون بالتضامن أمام الأمير عن السياسة العامة للدولة، كما يسأل كل وزير أمامه عن أعمال وزارته'.
كما يخضع الوزراء في الكويت لمسؤولية أخرى أمام مجلس النواب، حيث تنص المادة (101) من الدستور على أن كل وزير مسؤول أمام مجلس الأمة عن أعمال وزارته، وأنه إذا قرر المجلس عدم الثقة بأحد الوزراء اعتبر معتزلا للوزارة من تاريخ قرار عدم الثقة. وهذا الحكم يتشابه مع ما قررته المادة (54/2) من الدستور الأردني، التي أوجبت على الوزير اعتزال منصبه إذا قرر مجلس النواب بالأكثرية المطلقة من مجموع عدد أعضائه حجب الثقة عنه.
ويبقى الاختلاف الأكبر فيما يخص المسؤولية السياسية لرئيس الوزراء، والذي لا يتم طرح الثقة به أمام مجلس الأمة الكويتي سندا لأحكام المادة (102) من الدستور، وإنما يقتصر دور النواب المنتخبين على تقديم مذكرة عدم تعاون مع رئيس مجلس الوزراء، ورفعها إلى رئيس الدولة. وفي هذه الحالة، يكون الخيار للأمير بإعفاء رئيس الوزراء من منصبه وتعيين وزارة جديدة، أو الإبقاء على الحكومة وحل مجلس الأمة.
وعلى الرغم من تجذر الرقابة السياسية للبرلمان في الدستور الأردني بشكل أوسع لتشمل كل من رئيس الوزراء والوزراء، والذين يمكن أن يقرر مجلس النواب طرح الثقة بهم، إلا أن المظاهر الأخرى للرقابة البرلمانية تظهر فاعليتها في النظام الدستوري الكويتي أكثر منه في الأردن. فالاستجوابات الأخيرة التي وجهها النواب الكويتيون إلى أعضاء مجلس الوزراء قد أثارت حفيظة الحكومة وتسببت بأزمة سياسية أجبرتها على تقديم استقالتها. فهذا المصير الذي واجهته الحكومة الكويتية يعود للأهمية الدستورية للاستجواب، باعتباره من الآليات الرقابية المقررة بموجب الدستور.
إن هذه القيمة الدستورية للاستجواب تختفي تماما في النظام الدستوري الأردني ذلك على الرغم من اتحاد الأثر المترتب عليه في كل من الكويت والأردن، والمتمثل في إمكانية أن يتحول الاستجواب إلى طرح للثقة. فأعضاء مجلس النواب يتسابقون فيما بينهم على توجيه الاسئلة والاستجوابات إلى الوزراء بشكل عشوائي دون حتى الاهتمام بمتابعتها، وهو الأمر الذي أفقد هذه الآليات الرقابية هيبتها ومكانتها في النظام الدستوري الأردني.
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com
قدمت الحكومة الكويتية قبل أيام استقالتها الخطية، وذلك بعد قرابة (100) يوم فقط من تشكيلها، حيث صدر مرسوم أميري بقبولها، وتكليف الوزراء المستقيلين بتصريف الأعمال إلى حين تشكيل وزارة جديدة. وتعتبر هذه الحكومة هي الثانية التي يشكلها الشيخ أحمد نواف الصباح نجل أمير البلاد منذ شهر تموز من عام 2022، والتي تضطر إلى الاستقالة بسبب الصدامات مع السلطة التشريعية.
وقد تجلت الخلافات الأخيرة بين الحكومة ومجلس الأمة الكويتي في إصرار النواب على توجيه استجواب برلماني إلى وزير المالية بسبب رفض الحكومة مطالب البرلمان بإسقاط القروض الاستهلاكية عن آلاف المواطنين المتعثرين عن السداد. كما جرى تقديم استجواب آخر ضد وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء بسبب زيادة رواتب الوزراء، ومنح مسؤولين سابقين رواتب استثنائية رغم تقاعدهم.
بدورها أصرت الحكومة الكويتية على سحب الاستجوابات المقدمة، وإعادة النظر في أولويات القوانين الواجب إقرارها في المرحلة القادمة. كما تعمدت الغياب عن عدد من جلسات مجلس الأمة، مما أثار حفيظة النواب المنتخبين وزاد من حدة الأزمة السياسية مع الوزراء، والتي انتهت باستقالة الحكومة.
إن الحياة البرلمانية في الكويت تمتاز بالحيوية الدستورية، حيث تتعدد القواسم المشتركة مع النظام الدستوري الأردني وذلك من حيث اعتماد مبدأ الفصل المرن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتقرير الوظيفة الرقابية لأعضاء مجلس الأمة على الحكومة.
في المقابل، يختلف النظام الدستوري الكويتي عن نظيره الأردني من حيث أن اختيار الأمير للوزراء في الحكومة يكون من أعضاء مجلس الأمة ومن غيرهم، وأن عدد الوزراء جميعا يجب ألا يزيد على ثلث عدد أعضاء مجلس الأمة. كما يتكون مجلس الأمة الكويتي من خمسين عضوا يُنتخبون بطريق الانتخاب العام السري المباشر، ويعتبر الوزراء غير المنتخبين بمجلس الأمة أعضاء في المجلس بحكم وظائفهم.
إن الجمع بين الوزارة والنيابية قد حظره المشرع الدستوري الأردني بشكل مطلق في عام 2022، حيث تنص المادة (76/أ) من الدستور بحلتها المعدلة على عدم جواز الجمع بين العضوية في مجلس الأعيان أو مجلس النواب وبين منصب الوزارة.
كما يظهر التباين بين الدستورين الكويتي والأردني في مجال المسؤولية الوزارية ونطاقها، حيث تتقرر مسؤولية الوزراء في الدستور الكويتي أمام الأمير ابتداء، وذلك عملا بأحكام المادة (58) من الدستور التي تنص على أن 'رئيس مجلس الوزراء والوزراء مسؤولون بالتضامن أمام الأمير عن السياسة العامة للدولة، كما يسأل كل وزير أمامه عن أعمال وزارته'.
كما يخضع الوزراء في الكويت لمسؤولية أخرى أمام مجلس النواب، حيث تنص المادة (101) من الدستور على أن كل وزير مسؤول أمام مجلس الأمة عن أعمال وزارته، وأنه إذا قرر المجلس عدم الثقة بأحد الوزراء اعتبر معتزلا للوزارة من تاريخ قرار عدم الثقة. وهذا الحكم يتشابه مع ما قررته المادة (54/2) من الدستور الأردني، التي أوجبت على الوزير اعتزال منصبه إذا قرر مجلس النواب بالأكثرية المطلقة من مجموع عدد أعضائه حجب الثقة عنه.
ويبقى الاختلاف الأكبر فيما يخص المسؤولية السياسية لرئيس الوزراء، والذي لا يتم طرح الثقة به أمام مجلس الأمة الكويتي سندا لأحكام المادة (102) من الدستور، وإنما يقتصر دور النواب المنتخبين على تقديم مذكرة عدم تعاون مع رئيس مجلس الوزراء، ورفعها إلى رئيس الدولة. وفي هذه الحالة، يكون الخيار للأمير بإعفاء رئيس الوزراء من منصبه وتعيين وزارة جديدة، أو الإبقاء على الحكومة وحل مجلس الأمة.
وعلى الرغم من تجذر الرقابة السياسية للبرلمان في الدستور الأردني بشكل أوسع لتشمل كل من رئيس الوزراء والوزراء، والذين يمكن أن يقرر مجلس النواب طرح الثقة بهم، إلا أن المظاهر الأخرى للرقابة البرلمانية تظهر فاعليتها في النظام الدستوري الكويتي أكثر منه في الأردن. فالاستجوابات الأخيرة التي وجهها النواب الكويتيون إلى أعضاء مجلس الوزراء قد أثارت حفيظة الحكومة وتسببت بأزمة سياسية أجبرتها على تقديم استقالتها. فهذا المصير الذي واجهته الحكومة الكويتية يعود للأهمية الدستورية للاستجواب، باعتباره من الآليات الرقابية المقررة بموجب الدستور.
إن هذه القيمة الدستورية للاستجواب تختفي تماما في النظام الدستوري الأردني ذلك على الرغم من اتحاد الأثر المترتب عليه في كل من الكويت والأردن، والمتمثل في إمكانية أن يتحول الاستجواب إلى طرح للثقة. فأعضاء مجلس النواب يتسابقون فيما بينهم على توجيه الاسئلة والاستجوابات إلى الوزراء بشكل عشوائي دون حتى الاهتمام بمتابعتها، وهو الأمر الذي أفقد هذه الآليات الرقابية هيبتها ومكانتها في النظام الدستوري الأردني.
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com
التعليقات