رقية القضاة
جمعت الأميرة الكريمة حليّها في صناديقها ،وكأنها تجمع حجارة لا قيمة لها، وتقدّمت بها إلى زوجها وهي راضية النفس ،وكانت تعلم أنها لم تعد تملكها،وانها اختارت زوجها على تلك الحلي الذهبية والماسية ، واللآليء الثمينة والحجارة الكريمة ، وكل نفيس نادر من الحلي ّ ،وحمل الزوج تلك الصناديق إلى بيت مال المسلمين فأودعها فيه وعاد إلى زوجته وكأن شيئا لم يكن
كانت تلك المراة هي فاطمة بنت عبد الملك بن مروان ،الخليفة الأموي وأخت اربعة من الخلفاء ،وأخوها الخليفة سليمان بن عبد الملك الذي لم يمض على وفاته إلا أيام قلائل ،وهو الذي عهد بالخلافة إلى زوجها {عمر بن عبد العزيز) ،مقدما إياه على أولاده وإخوته ،لصلاحه وتقواه وورعه ،وتولى عمر بن عبد العزيز الخلافة ،وهو يشعر بثقلها وعظم الأمانة التي ينوء بها ،وقد أدرك الخليفة الفطن أن الدولة بحاجة إلى إصلاح ،وأن الإصلاح يجب ان يبدأمن عنده هو ،من نفسه وزوجه وأهل بيته ،وفاطمة زوجته وابنة عمّه ،عزيزة لديه ولا يحب فراقها ،ولكنه لا يقدر على رؤيتها تتزيّن بجواهر وذهب ،هي في الأصل ملك لبيت مال المسلمين ،اهداها إياها ابوها الخليفة عبد الملك يوم زفافها إليه ،ولم تكن لتحصل عليها لولا أنها بنت الخليفة،واخت الخلفاء،وعمر يرى هذا تعدّ على مال المسلمين ،فكيف له ان يرضى بذلك ؟
وعمر لم يظلمها ولا يريد لها النار، فيخيّرها بينه وبين هذه الثروة ،تاركا لها حرية الاختيار فيقول : اختاري إما أن تردي حليك إلى بيت المال، وإما أن تأذني لي في فراقك، فإني أكره أن أكون أنا وأنت وهو في بيت واحد، قالت: لا بل أختارك عليه وعلى أضعافه،
عرفت سليلة المجد والحسب والجاه ،أن الزوج الصالح لا يقارن بمال الارض ،وان المال المأخوذ بغير حق لا يحل لها،وأن بقيّة الله خير لها وأبقى ،فتنازلت عنه بطيب خاطر ورضى وقناعة
وارتبطت حياتها بعمر بن عبد العزيز، وما ادراك ماعمر ! خليفة عادل ورع تقي ،راشدي القلب واليد والعدل ،أمّه حفيدة عمر بن الخطاب رضي الله عنه،ربّته على سيرة جده وعدله وحكمته وورعه ،فتجلت تلك التربية يوم تولّيه الخلافة في اوضح وأجلى صورها ،فالمسجد يغص بالمبايعين والموكب الاميري ينتظر تشريف الخليفة الاموي ،وإذا بالخليفة الاموي النسب الراشدي القلب،يقرّب بغلته التي يملكها فيركبها ، ويصرف الخيل المسومة المطهّمة،والسرج الفارهة ،يصرفها إلى بيت المال ، ويغدو إلى كل ما تحصّل عليه قبل الخلافة فيعيده إلى بيت المال .
وفاطمة ترى كلّ هذا ولا يغضبها الامر، فهي رغم الرفاهية والإمارة والجاه ،تحمل في قلبها التقوى والورع وحبّ الله عمّا سواه ،وتدرك أنّ زوجها تثقله الأمانة وينؤ تحت وطأة الخوف من مساءلة الله له يوم يلقاه فتوطن نفسها على عونه ومساندته دون تذمّر ولا اعتراض
وتقدم إلى حاضرة الخلافة ذات يوم امرأة دفعتها الحاجة من العراق إلى الشام ،وتطلب مقابلة الخليفة ويدلّها الناس على بيته ،فتنظر حولها وقد ظنّتهم يهزؤون بها ،فالدار خاوية متهالكة بسيطة ،لا تشبه حتى دور الأغنياء من العامة فما بالك بقصور الخلفاء ،وتتقدم وتطرق الباب وتفتح لها امرأة يحمل وجهها الجميل مخايل العزة وكرم المحتد ،وقد تلوثت يداها بالعجين ،فتبادرها المراة بالسؤال أهذا بيت أمير المؤمنين ؟،فتضحك فاطمة لها وتجيبها بنعم ،فتدخل المرأة وإذا في البيت طيّان يصلح جدارا ،والطيان ينظر إلى فاطمة ،فتقول المرأة :يا سيدتي ألا تسترين وجهك عن هذا الطيان ؟،فتضحك زوجة الخليفة قائلة ،هذا الطيّان هو أمير المؤمنين فتقول المرأة بعجب:لقد عذت من الفقر ببيت من الفقراء ،!وتجيبها سيدة الدولة الأولى :يا امة الله فقر هذا البيت هو الذي عمر بيوت المسلمين
أجل فالخليفة إذا عفّ عن مال رعيته عفّ عماله وجنوده فعم الخير البلاد والعباد ،وهذا ما ادركته فاطمة التقيةالقانعة
وذات يوم يقف الخليفة ليقسم تفاحا ورد إلى بيت المال بين المسلمين ،وبجواره طفل له صغير،فمد الصغير يده ليأخذ تفاحة كما يأخذ الناس فوثب إليه عمر وأخذها منه وردها، فذهب الطفل إلى أمه باكيا، فلما أخبرها الخبر، أرسلت بدرهمين فاشترت تفاحا وأطعمته، ثم أعطت لعمر منه، فقال: من أين هذا؟ فقصت عليه الخبر، فقال: رحمك الله، لكأنما انتزعتها من قلبي، ولكني كرهت أن أضيع نفسي من الله عز وجل بتفاحة من فئ المسلمين.
وأحسّت فاطمة بما في قلب زوجها من حنوّ على أولاده ،وأدركت كيف كان شعوره الوالدي وهو ينتزع التفاحة من يد صغير ،ولمست صدق لهجته وهو يقول:{لكأنّما انتزعتها من قلبي }فكم هو صعب على الوالد أن ينتزع من طفله لقمة يشتهيها ،ولكنها جنة أو نار تلك التي يوردها الوالدين لأبناءهم ،ومن ذا الذي يورد ولده النار بارادته إلّا من سفه نفسه ؟
لم تلم فاطمة زوجها لانه نهر ولده أمام الملأ،ولم تذكّره بتقصيره بحق أولاد الخليفة ،ولم تطالبه بأن يجعل مال المسلمين نهبة في أيديهم ،وغنيمة خالصة لهم ،بل عرفت وهي راوية الحديث الفقيهة الورعة ،ان هذا المال حرام لا تحب أن يدخل جوف أولادها فيكون وبالا عليهم في الدنيا والآخرة
وماا نقضى عامان على خلافة عمر بن عبد العزيز حتى وافته المنيّة غير مغيّر ولا مبدّل ،ويلي الخلافة من بعده يزيد بن عبد الملك ،ويطلب منها أن تأخذ حليّها التي ردّها عمر فتقول:أأطيعه حيّا ّوأعصيه ميتا!لا والله أبدا ،وتقتسمها نساء يزيد أمامها وهي تنظر غير آسفة على شيء تركته لوجه الله
{اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا}
رقية القضاة
جمعت الأميرة الكريمة حليّها في صناديقها ،وكأنها تجمع حجارة لا قيمة لها، وتقدّمت بها إلى زوجها وهي راضية النفس ،وكانت تعلم أنها لم تعد تملكها،وانها اختارت زوجها على تلك الحلي الذهبية والماسية ، واللآليء الثمينة والحجارة الكريمة ، وكل نفيس نادر من الحلي ّ ،وحمل الزوج تلك الصناديق إلى بيت مال المسلمين فأودعها فيه وعاد إلى زوجته وكأن شيئا لم يكن
كانت تلك المراة هي فاطمة بنت عبد الملك بن مروان ،الخليفة الأموي وأخت اربعة من الخلفاء ،وأخوها الخليفة سليمان بن عبد الملك الذي لم يمض على وفاته إلا أيام قلائل ،وهو الذي عهد بالخلافة إلى زوجها {عمر بن عبد العزيز) ،مقدما إياه على أولاده وإخوته ،لصلاحه وتقواه وورعه ،وتولى عمر بن عبد العزيز الخلافة ،وهو يشعر بثقلها وعظم الأمانة التي ينوء بها ،وقد أدرك الخليفة الفطن أن الدولة بحاجة إلى إصلاح ،وأن الإصلاح يجب ان يبدأمن عنده هو ،من نفسه وزوجه وأهل بيته ،وفاطمة زوجته وابنة عمّه ،عزيزة لديه ولا يحب فراقها ،ولكنه لا يقدر على رؤيتها تتزيّن بجواهر وذهب ،هي في الأصل ملك لبيت مال المسلمين ،اهداها إياها ابوها الخليفة عبد الملك يوم زفافها إليه ،ولم تكن لتحصل عليها لولا أنها بنت الخليفة،واخت الخلفاء،وعمر يرى هذا تعدّ على مال المسلمين ،فكيف له ان يرضى بذلك ؟
وعمر لم يظلمها ولا يريد لها النار، فيخيّرها بينه وبين هذه الثروة ،تاركا لها حرية الاختيار فيقول : اختاري إما أن تردي حليك إلى بيت المال، وإما أن تأذني لي في فراقك، فإني أكره أن أكون أنا وأنت وهو في بيت واحد، قالت: لا بل أختارك عليه وعلى أضعافه،
عرفت سليلة المجد والحسب والجاه ،أن الزوج الصالح لا يقارن بمال الارض ،وان المال المأخوذ بغير حق لا يحل لها،وأن بقيّة الله خير لها وأبقى ،فتنازلت عنه بطيب خاطر ورضى وقناعة
وارتبطت حياتها بعمر بن عبد العزيز، وما ادراك ماعمر ! خليفة عادل ورع تقي ،راشدي القلب واليد والعدل ،أمّه حفيدة عمر بن الخطاب رضي الله عنه،ربّته على سيرة جده وعدله وحكمته وورعه ،فتجلت تلك التربية يوم تولّيه الخلافة في اوضح وأجلى صورها ،فالمسجد يغص بالمبايعين والموكب الاميري ينتظر تشريف الخليفة الاموي ،وإذا بالخليفة الاموي النسب الراشدي القلب،يقرّب بغلته التي يملكها فيركبها ، ويصرف الخيل المسومة المطهّمة،والسرج الفارهة ،يصرفها إلى بيت المال ، ويغدو إلى كل ما تحصّل عليه قبل الخلافة فيعيده إلى بيت المال .
وفاطمة ترى كلّ هذا ولا يغضبها الامر، فهي رغم الرفاهية والإمارة والجاه ،تحمل في قلبها التقوى والورع وحبّ الله عمّا سواه ،وتدرك أنّ زوجها تثقله الأمانة وينؤ تحت وطأة الخوف من مساءلة الله له يوم يلقاه فتوطن نفسها على عونه ومساندته دون تذمّر ولا اعتراض
وتقدم إلى حاضرة الخلافة ذات يوم امرأة دفعتها الحاجة من العراق إلى الشام ،وتطلب مقابلة الخليفة ويدلّها الناس على بيته ،فتنظر حولها وقد ظنّتهم يهزؤون بها ،فالدار خاوية متهالكة بسيطة ،لا تشبه حتى دور الأغنياء من العامة فما بالك بقصور الخلفاء ،وتتقدم وتطرق الباب وتفتح لها امرأة يحمل وجهها الجميل مخايل العزة وكرم المحتد ،وقد تلوثت يداها بالعجين ،فتبادرها المراة بالسؤال أهذا بيت أمير المؤمنين ؟،فتضحك فاطمة لها وتجيبها بنعم ،فتدخل المرأة وإذا في البيت طيّان يصلح جدارا ،والطيان ينظر إلى فاطمة ،فتقول المرأة :يا سيدتي ألا تسترين وجهك عن هذا الطيان ؟،فتضحك زوجة الخليفة قائلة ،هذا الطيّان هو أمير المؤمنين فتقول المرأة بعجب:لقد عذت من الفقر ببيت من الفقراء ،!وتجيبها سيدة الدولة الأولى :يا امة الله فقر هذا البيت هو الذي عمر بيوت المسلمين
أجل فالخليفة إذا عفّ عن مال رعيته عفّ عماله وجنوده فعم الخير البلاد والعباد ،وهذا ما ادركته فاطمة التقيةالقانعة
وذات يوم يقف الخليفة ليقسم تفاحا ورد إلى بيت المال بين المسلمين ،وبجواره طفل له صغير،فمد الصغير يده ليأخذ تفاحة كما يأخذ الناس فوثب إليه عمر وأخذها منه وردها، فذهب الطفل إلى أمه باكيا، فلما أخبرها الخبر، أرسلت بدرهمين فاشترت تفاحا وأطعمته، ثم أعطت لعمر منه، فقال: من أين هذا؟ فقصت عليه الخبر، فقال: رحمك الله، لكأنما انتزعتها من قلبي، ولكني كرهت أن أضيع نفسي من الله عز وجل بتفاحة من فئ المسلمين.
وأحسّت فاطمة بما في قلب زوجها من حنوّ على أولاده ،وأدركت كيف كان شعوره الوالدي وهو ينتزع التفاحة من يد صغير ،ولمست صدق لهجته وهو يقول:{لكأنّما انتزعتها من قلبي }فكم هو صعب على الوالد أن ينتزع من طفله لقمة يشتهيها ،ولكنها جنة أو نار تلك التي يوردها الوالدين لأبناءهم ،ومن ذا الذي يورد ولده النار بارادته إلّا من سفه نفسه ؟
لم تلم فاطمة زوجها لانه نهر ولده أمام الملأ،ولم تذكّره بتقصيره بحق أولاد الخليفة ،ولم تطالبه بأن يجعل مال المسلمين نهبة في أيديهم ،وغنيمة خالصة لهم ،بل عرفت وهي راوية الحديث الفقيهة الورعة ،ان هذا المال حرام لا تحب أن يدخل جوف أولادها فيكون وبالا عليهم في الدنيا والآخرة
وماا نقضى عامان على خلافة عمر بن عبد العزيز حتى وافته المنيّة غير مغيّر ولا مبدّل ،ويلي الخلافة من بعده يزيد بن عبد الملك ،ويطلب منها أن تأخذ حليّها التي ردّها عمر فتقول:أأطيعه حيّا ّوأعصيه ميتا!لا والله أبدا ،وتقتسمها نساء يزيد أمامها وهي تنظر غير آسفة على شيء تركته لوجه الله
{اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا}
رقية القضاة
جمعت الأميرة الكريمة حليّها في صناديقها ،وكأنها تجمع حجارة لا قيمة لها، وتقدّمت بها إلى زوجها وهي راضية النفس ،وكانت تعلم أنها لم تعد تملكها،وانها اختارت زوجها على تلك الحلي الذهبية والماسية ، واللآليء الثمينة والحجارة الكريمة ، وكل نفيس نادر من الحلي ّ ،وحمل الزوج تلك الصناديق إلى بيت مال المسلمين فأودعها فيه وعاد إلى زوجته وكأن شيئا لم يكن
كانت تلك المراة هي فاطمة بنت عبد الملك بن مروان ،الخليفة الأموي وأخت اربعة من الخلفاء ،وأخوها الخليفة سليمان بن عبد الملك الذي لم يمض على وفاته إلا أيام قلائل ،وهو الذي عهد بالخلافة إلى زوجها {عمر بن عبد العزيز) ،مقدما إياه على أولاده وإخوته ،لصلاحه وتقواه وورعه ،وتولى عمر بن عبد العزيز الخلافة ،وهو يشعر بثقلها وعظم الأمانة التي ينوء بها ،وقد أدرك الخليفة الفطن أن الدولة بحاجة إلى إصلاح ،وأن الإصلاح يجب ان يبدأمن عنده هو ،من نفسه وزوجه وأهل بيته ،وفاطمة زوجته وابنة عمّه ،عزيزة لديه ولا يحب فراقها ،ولكنه لا يقدر على رؤيتها تتزيّن بجواهر وذهب ،هي في الأصل ملك لبيت مال المسلمين ،اهداها إياها ابوها الخليفة عبد الملك يوم زفافها إليه ،ولم تكن لتحصل عليها لولا أنها بنت الخليفة،واخت الخلفاء،وعمر يرى هذا تعدّ على مال المسلمين ،فكيف له ان يرضى بذلك ؟
وعمر لم يظلمها ولا يريد لها النار، فيخيّرها بينه وبين هذه الثروة ،تاركا لها حرية الاختيار فيقول : اختاري إما أن تردي حليك إلى بيت المال، وإما أن تأذني لي في فراقك، فإني أكره أن أكون أنا وأنت وهو في بيت واحد، قالت: لا بل أختارك عليه وعلى أضعافه،
عرفت سليلة المجد والحسب والجاه ،أن الزوج الصالح لا يقارن بمال الارض ،وان المال المأخوذ بغير حق لا يحل لها،وأن بقيّة الله خير لها وأبقى ،فتنازلت عنه بطيب خاطر ورضى وقناعة
وارتبطت حياتها بعمر بن عبد العزيز، وما ادراك ماعمر ! خليفة عادل ورع تقي ،راشدي القلب واليد والعدل ،أمّه حفيدة عمر بن الخطاب رضي الله عنه،ربّته على سيرة جده وعدله وحكمته وورعه ،فتجلت تلك التربية يوم تولّيه الخلافة في اوضح وأجلى صورها ،فالمسجد يغص بالمبايعين والموكب الاميري ينتظر تشريف الخليفة الاموي ،وإذا بالخليفة الاموي النسب الراشدي القلب،يقرّب بغلته التي يملكها فيركبها ، ويصرف الخيل المسومة المطهّمة،والسرج الفارهة ،يصرفها إلى بيت المال ، ويغدو إلى كل ما تحصّل عليه قبل الخلافة فيعيده إلى بيت المال .
وفاطمة ترى كلّ هذا ولا يغضبها الامر، فهي رغم الرفاهية والإمارة والجاه ،تحمل في قلبها التقوى والورع وحبّ الله عمّا سواه ،وتدرك أنّ زوجها تثقله الأمانة وينؤ تحت وطأة الخوف من مساءلة الله له يوم يلقاه فتوطن نفسها على عونه ومساندته دون تذمّر ولا اعتراض
وتقدم إلى حاضرة الخلافة ذات يوم امرأة دفعتها الحاجة من العراق إلى الشام ،وتطلب مقابلة الخليفة ويدلّها الناس على بيته ،فتنظر حولها وقد ظنّتهم يهزؤون بها ،فالدار خاوية متهالكة بسيطة ،لا تشبه حتى دور الأغنياء من العامة فما بالك بقصور الخلفاء ،وتتقدم وتطرق الباب وتفتح لها امرأة يحمل وجهها الجميل مخايل العزة وكرم المحتد ،وقد تلوثت يداها بالعجين ،فتبادرها المراة بالسؤال أهذا بيت أمير المؤمنين ؟،فتضحك فاطمة لها وتجيبها بنعم ،فتدخل المرأة وإذا في البيت طيّان يصلح جدارا ،والطيان ينظر إلى فاطمة ،فتقول المرأة :يا سيدتي ألا تسترين وجهك عن هذا الطيان ؟،فتضحك زوجة الخليفة قائلة ،هذا الطيّان هو أمير المؤمنين فتقول المرأة بعجب:لقد عذت من الفقر ببيت من الفقراء ،!وتجيبها سيدة الدولة الأولى :يا امة الله فقر هذا البيت هو الذي عمر بيوت المسلمين
أجل فالخليفة إذا عفّ عن مال رعيته عفّ عماله وجنوده فعم الخير البلاد والعباد ،وهذا ما ادركته فاطمة التقيةالقانعة
وذات يوم يقف الخليفة ليقسم تفاحا ورد إلى بيت المال بين المسلمين ،وبجواره طفل له صغير،فمد الصغير يده ليأخذ تفاحة كما يأخذ الناس فوثب إليه عمر وأخذها منه وردها، فذهب الطفل إلى أمه باكيا، فلما أخبرها الخبر، أرسلت بدرهمين فاشترت تفاحا وأطعمته، ثم أعطت لعمر منه، فقال: من أين هذا؟ فقصت عليه الخبر، فقال: رحمك الله، لكأنما انتزعتها من قلبي، ولكني كرهت أن أضيع نفسي من الله عز وجل بتفاحة من فئ المسلمين.
وأحسّت فاطمة بما في قلب زوجها من حنوّ على أولاده ،وأدركت كيف كان شعوره الوالدي وهو ينتزع التفاحة من يد صغير ،ولمست صدق لهجته وهو يقول:{لكأنّما انتزعتها من قلبي }فكم هو صعب على الوالد أن ينتزع من طفله لقمة يشتهيها ،ولكنها جنة أو نار تلك التي يوردها الوالدين لأبناءهم ،ومن ذا الذي يورد ولده النار بارادته إلّا من سفه نفسه ؟
لم تلم فاطمة زوجها لانه نهر ولده أمام الملأ،ولم تذكّره بتقصيره بحق أولاد الخليفة ،ولم تطالبه بأن يجعل مال المسلمين نهبة في أيديهم ،وغنيمة خالصة لهم ،بل عرفت وهي راوية الحديث الفقيهة الورعة ،ان هذا المال حرام لا تحب أن يدخل جوف أولادها فيكون وبالا عليهم في الدنيا والآخرة
وماا نقضى عامان على خلافة عمر بن عبد العزيز حتى وافته المنيّة غير مغيّر ولا مبدّل ،ويلي الخلافة من بعده يزيد بن عبد الملك ،ويطلب منها أن تأخذ حليّها التي ردّها عمر فتقول:أأطيعه حيّا ّوأعصيه ميتا!لا والله أبدا ،وتقتسمها نساء يزيد أمامها وهي تنظر غير آسفة على شيء تركته لوجه الله
{اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا}
التعليقات