بعد ساعات طويلة من الاستعراض الخطابي غير المسبوق، قرر مجلس النواب تشكيل لجنة تحقق نيابية في حادثة مستشفى السلط، حيث اختصر المجلس المنتخب صلاحياته الدستورية الرقابية الواسعة في قرار يتيم تمثل بإيجاد لجنة تحقق في مجريات هذه الواقعة التي هزت الشارع الأردني. ففي الوقت الذي كان المأمول فيه أن يبادر مجلس النواب وعلى الفور بطرح الثقة بالحكومة وإجبارها على الاستقالة، اكتفى المجلس بهذا القرار الذي زاد من الاحتقان الشعبي على نواب الأمة.
إن حق مجلس النواب في تشكيل لجان تحقق لم يرد النص على ذكره صراحة في النظام الداخلي للمجلس، وإنما يمكن الاستناد في إصداره إلى سلطة المجلس النيابي في تشكيل لجان مؤقتة عملا بأحكام المادة (55) من النظام الداخلي. فغياب النصوص القانونية الناظمة لحق مجلس النواب في التحقق يقلل من طبيعة هذا الإجراء وأهميته، والذي لا يتناسب مع الصلاحية الرقابية المقررة له بموجب الدستور. فباقي سلطات الرقابة من أسئلة واستجوابات وطرح ثقة قد عالجها النظام الداخلي لمجلس النواب بشكل مفصل، دون الحق في التحقق، بشكل يؤكد على عدم وجوب التوسع في ممارسة هذا الإجراء.
ويبقى التساؤل الأبرز حول الجدوى من قرار تشكيل لجنة التحقق النيابية في ظل المعطيات والتطورات القضائية والسياسية التي شهدتها هذه القضية. فالنيابة العامة صاحبة الولاية الدستورية في تحريك دعوى الحق العام قد باشرت إجراءات التحقيق الجزائية، وصدر قرار قضائي بتوقيف عدد من الأشخاص على ذمة القضية. ومن الأسس العامة التي يقوم عليها القانون الجنائي، أن الإجراءات الجزائية تعقل باقي الخطوات الأخرى وتوقفها بحكم القانون، فلا تملك أي جهة تحقق مهما كان مصدرها أو أشخاصها أن تزاحم الإدعاء العام في ممارسته لولاية القانونية في إقامة الدعاوى الجزائية ومتابعتها.
كما أن ما يقلل من أهمية دور لجنة التحقق النيابية أن وزير الصحة المسؤول عن إدارة المرافق الصحية قد جرت إقالته بإرادة ملكية سامية ولم يعد عضوا في السلطة التنفيذية. كما أن إجراءات التحقيق القضائية لم تشر إلى تورط الوزير المقال بأي مخالفة جزائية ذات صلة بجريمة التسبب بالوفاة التي حصلت. بالتالي، فإن أي توصيات للجنة التحقق لن تشير لا من قريب أو من بعيد إلى المسؤولية الجزائية لوزير الصحة، وإنما سيقتصر الأمر على إدانة مجموعة من المسؤولين والإداريين في مستشفى السلط بالتسبب بوقوع الواقعة بسبب إهمالهم وقلة إحترازهم. وهؤلاء الأشخاص قد بدأت محاكمتهم الجزائية، ولن يكون لمخرجات لجنة التحقق أي أثر في ثبوت مسؤوليتهم من عدمها.
أما مخرجات لجنة التحقق النيابية فلن تأتي بجديد، ذلك على اعتبار أن وقائع الأحداث وتسلسلها قد أصبحت معروفة للجميع، وأعلنتها الحكومة بشكل واضح وجلي ضمن إدانتها الذاتية لنفسها وتحملها المسؤولية الأدبية عن الجرم المرتكب. فوزير الداخلية المكلف بإدارة وزارة الصحة قد سرد هذه الوقائع وبالتفصيل أمام مجلس النواب، بالتالي لن يكون لتقرير التحقق النيابي أي دور في الكشف عن الحقائق الثابتة والمعلن عنها.
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
بعد ساعات طويلة من الاستعراض الخطابي غير المسبوق، قرر مجلس النواب تشكيل لجنة تحقق نيابية في حادثة مستشفى السلط، حيث اختصر المجلس المنتخب صلاحياته الدستورية الرقابية الواسعة في قرار يتيم تمثل بإيجاد لجنة تحقق في مجريات هذه الواقعة التي هزت الشارع الأردني. ففي الوقت الذي كان المأمول فيه أن يبادر مجلس النواب وعلى الفور بطرح الثقة بالحكومة وإجبارها على الاستقالة، اكتفى المجلس بهذا القرار الذي زاد من الاحتقان الشعبي على نواب الأمة.
إن حق مجلس النواب في تشكيل لجان تحقق لم يرد النص على ذكره صراحة في النظام الداخلي للمجلس، وإنما يمكن الاستناد في إصداره إلى سلطة المجلس النيابي في تشكيل لجان مؤقتة عملا بأحكام المادة (55) من النظام الداخلي. فغياب النصوص القانونية الناظمة لحق مجلس النواب في التحقق يقلل من طبيعة هذا الإجراء وأهميته، والذي لا يتناسب مع الصلاحية الرقابية المقررة له بموجب الدستور. فباقي سلطات الرقابة من أسئلة واستجوابات وطرح ثقة قد عالجها النظام الداخلي لمجلس النواب بشكل مفصل، دون الحق في التحقق، بشكل يؤكد على عدم وجوب التوسع في ممارسة هذا الإجراء.
ويبقى التساؤل الأبرز حول الجدوى من قرار تشكيل لجنة التحقق النيابية في ظل المعطيات والتطورات القضائية والسياسية التي شهدتها هذه القضية. فالنيابة العامة صاحبة الولاية الدستورية في تحريك دعوى الحق العام قد باشرت إجراءات التحقيق الجزائية، وصدر قرار قضائي بتوقيف عدد من الأشخاص على ذمة القضية. ومن الأسس العامة التي يقوم عليها القانون الجنائي، أن الإجراءات الجزائية تعقل باقي الخطوات الأخرى وتوقفها بحكم القانون، فلا تملك أي جهة تحقق مهما كان مصدرها أو أشخاصها أن تزاحم الإدعاء العام في ممارسته لولاية القانونية في إقامة الدعاوى الجزائية ومتابعتها.
كما أن ما يقلل من أهمية دور لجنة التحقق النيابية أن وزير الصحة المسؤول عن إدارة المرافق الصحية قد جرت إقالته بإرادة ملكية سامية ولم يعد عضوا في السلطة التنفيذية. كما أن إجراءات التحقيق القضائية لم تشر إلى تورط الوزير المقال بأي مخالفة جزائية ذات صلة بجريمة التسبب بالوفاة التي حصلت. بالتالي، فإن أي توصيات للجنة التحقق لن تشير لا من قريب أو من بعيد إلى المسؤولية الجزائية لوزير الصحة، وإنما سيقتصر الأمر على إدانة مجموعة من المسؤولين والإداريين في مستشفى السلط بالتسبب بوقوع الواقعة بسبب إهمالهم وقلة إحترازهم. وهؤلاء الأشخاص قد بدأت محاكمتهم الجزائية، ولن يكون لمخرجات لجنة التحقق أي أثر في ثبوت مسؤوليتهم من عدمها.
أما مخرجات لجنة التحقق النيابية فلن تأتي بجديد، ذلك على اعتبار أن وقائع الأحداث وتسلسلها قد أصبحت معروفة للجميع، وأعلنتها الحكومة بشكل واضح وجلي ضمن إدانتها الذاتية لنفسها وتحملها المسؤولية الأدبية عن الجرم المرتكب. فوزير الداخلية المكلف بإدارة وزارة الصحة قد سرد هذه الوقائع وبالتفصيل أمام مجلس النواب، بالتالي لن يكون لتقرير التحقق النيابي أي دور في الكشف عن الحقائق الثابتة والمعلن عنها.
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
بعد ساعات طويلة من الاستعراض الخطابي غير المسبوق، قرر مجلس النواب تشكيل لجنة تحقق نيابية في حادثة مستشفى السلط، حيث اختصر المجلس المنتخب صلاحياته الدستورية الرقابية الواسعة في قرار يتيم تمثل بإيجاد لجنة تحقق في مجريات هذه الواقعة التي هزت الشارع الأردني. ففي الوقت الذي كان المأمول فيه أن يبادر مجلس النواب وعلى الفور بطرح الثقة بالحكومة وإجبارها على الاستقالة، اكتفى المجلس بهذا القرار الذي زاد من الاحتقان الشعبي على نواب الأمة.
إن حق مجلس النواب في تشكيل لجان تحقق لم يرد النص على ذكره صراحة في النظام الداخلي للمجلس، وإنما يمكن الاستناد في إصداره إلى سلطة المجلس النيابي في تشكيل لجان مؤقتة عملا بأحكام المادة (55) من النظام الداخلي. فغياب النصوص القانونية الناظمة لحق مجلس النواب في التحقق يقلل من طبيعة هذا الإجراء وأهميته، والذي لا يتناسب مع الصلاحية الرقابية المقررة له بموجب الدستور. فباقي سلطات الرقابة من أسئلة واستجوابات وطرح ثقة قد عالجها النظام الداخلي لمجلس النواب بشكل مفصل، دون الحق في التحقق، بشكل يؤكد على عدم وجوب التوسع في ممارسة هذا الإجراء.
ويبقى التساؤل الأبرز حول الجدوى من قرار تشكيل لجنة التحقق النيابية في ظل المعطيات والتطورات القضائية والسياسية التي شهدتها هذه القضية. فالنيابة العامة صاحبة الولاية الدستورية في تحريك دعوى الحق العام قد باشرت إجراءات التحقيق الجزائية، وصدر قرار قضائي بتوقيف عدد من الأشخاص على ذمة القضية. ومن الأسس العامة التي يقوم عليها القانون الجنائي، أن الإجراءات الجزائية تعقل باقي الخطوات الأخرى وتوقفها بحكم القانون، فلا تملك أي جهة تحقق مهما كان مصدرها أو أشخاصها أن تزاحم الإدعاء العام في ممارسته لولاية القانونية في إقامة الدعاوى الجزائية ومتابعتها.
كما أن ما يقلل من أهمية دور لجنة التحقق النيابية أن وزير الصحة المسؤول عن إدارة المرافق الصحية قد جرت إقالته بإرادة ملكية سامية ولم يعد عضوا في السلطة التنفيذية. كما أن إجراءات التحقيق القضائية لم تشر إلى تورط الوزير المقال بأي مخالفة جزائية ذات صلة بجريمة التسبب بالوفاة التي حصلت. بالتالي، فإن أي توصيات للجنة التحقق لن تشير لا من قريب أو من بعيد إلى المسؤولية الجزائية لوزير الصحة، وإنما سيقتصر الأمر على إدانة مجموعة من المسؤولين والإداريين في مستشفى السلط بالتسبب بوقوع الواقعة بسبب إهمالهم وقلة إحترازهم. وهؤلاء الأشخاص قد بدأت محاكمتهم الجزائية، ولن يكون لمخرجات لجنة التحقق أي أثر في ثبوت مسؤوليتهم من عدمها.
أما مخرجات لجنة التحقق النيابية فلن تأتي بجديد، ذلك على اعتبار أن وقائع الأحداث وتسلسلها قد أصبحت معروفة للجميع، وأعلنتها الحكومة بشكل واضح وجلي ضمن إدانتها الذاتية لنفسها وتحملها المسؤولية الأدبية عن الجرم المرتكب. فوزير الداخلية المكلف بإدارة وزارة الصحة قد سرد هذه الوقائع وبالتفصيل أمام مجلس النواب، بالتالي لن يكون لتقرير التحقق النيابي أي دور في الكشف عن الحقائق الثابتة والمعلن عنها.
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
التعليقات