عبت تركيا دوراً محورياً واستراتيجياً في العديد من القضايا الهامة في العالم الإسلامي فأنقرة فضلاً عن أنها لاعباً أساسياً في منطقة الشرق الأوسط فإن دورها الريادي لا يقل أهمية في مناطق أخرى أيضاً كمنطقة القرن الإفريقي وعلى رأسه الصومال
العلاقات المشتركة الصومالية التركية ليست حديثة العهد وهي قائمة منذ أيام الدولة العثمانية حين ساندت تركيا في تلك المرحلة ثورة ' الدراويش ' التي قادها السيد محمد عبد الله حسن بين عامي 1899- 1920 في محاولة منه لتحرير البلاد من قبضة الاستعمار البريطاني الإيطالي لكن العلاقة بدأت بالنمو بشكل اكبر بعد أول زيارة قام بها اردوغان لمقديشو عام 2011 حينما كان رئيس للوزراء ومنذ تلك الزيارة المفتاحية تجري الدولتان محادثات دورية رفيعة المستوى وتتبادلان البعثات وتتعاونان في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة وغيرها
والحكومة التركية الحالية تولي أهمية خاصة للعلاقة مع الصومال نظرا لموقعه الاستراتيجي والحيوي الهام على خليج عدن ومدخل البحر الأحمر من جهة والمحيط الهندي من جهة أخرى والذي يتحكم من خلاله بالملاحة الدولية والتجارة العالمية غبر منافذه البحرية ناهيك عن وجود مخزون هائل من النفط والغاز والثروة الزراعية والحيوانية والسمكية والتي لم تستغل على النحو المنظم والكافي بعد حيث تعمل تركيا على استغلال حالة كل من ليبيا والصومال لتعزيز مصالحها البحرية عبر توقيع اتفاقيات مشتركة تسمح لها بالتنقيب عن الغاز والنفط خارج مياهها الإقليمية
تركيا استشعرت مبكرا إمكانيات الصومال الواعدة فطورت علاقاتها معه بينما أدارت دول أخرى ظهورها له واعتبرته ' دولة فاشلة ' بينما كان يصارع محنة كبيرة ( جماعة مسلحة متشددة وأوضاع اقتصادية متردية ) بعد حروب أهلية ونزاعات داخلية طاحنة منذ عام ١٩٩١سقطت بسببها الحكومة الصومالية المركزية واندلعت الفوضى في البلاد واليوم يمثّل الانخراط التركي في الصومال تعبيراً فعلياً عن سياسة الانفتاح على أفريقيا التي أطلقتها الحكومة التركية في عام 2005 حيث تربط البلدين الصديقين علاقات دبلوماسية واقتصادية وثيقة تنعكس في مجالات التعاون الأمني بينهما
ورغم أن كلا البلدين يواجهان تحديات داخلية كبيرة إلا أن التعاون بينهما مازال وثيقا مع تصدر الصومالي في أنحاء العاصمة مقديشو بكل حرية وتتمتع البضائع والأطعمة التركية ومزودي الخدمات برواج تجاري كبير وترى المستشفى الرئيسي والموانئ ووكالات الإغاثة الإنسانية تعج بمواطنين أتراك كما بدأ بعض الصوماليون بتعلم اللغة التركية التي أصبحت تدريجيا اللغة الثانية بجانب العربية والإنجليزية وتعتبر المدارس التركية في الصومال الأفضل من حيث جودة التعليم والفرص التي تقدمها لطلابها وأصبحت أسماء الشركات التركية معروفة عند المستهلكين الصوماليين في كل مكان وأن الدعم التركي للصومال لم يقتصر على المساعدات المالية فقد قدمت تركيا على مدار الأعوام الماضية مساعدات إغاثة وإنسانية وطبية وعسكرية خاصة خلال فترة جائحة كورونا
لقد وجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضربات عديدة الى منافسيه في منطقة استراتيجية وهامة افتتحت الحكومة التركية في الصومال أكبر مستشفى ' دجفير ' في شرق إفريقيا وأهلت عشرات الأطباء والممرضين ونفذت توأمة مقديشو مع إسطنبول وأقامت مشاريع ضخمة مثل بناء الطرق والمستشفيات والمدارس وتشغيل والمطارات والموانئ وترميم المقرّات الحكومية والاستثمار في القطاع الزراعي بتوفير طرق جديدة للزراعة في وسط الصومال بالإضافة إلى تدريب وتسليح الجيش الصومالي وإنشاء قاعدة ' تركيصوم ' العسكرية التي تخرج نحو ثلاثمئة جندي صومالي على الأقل سنوياً وهي أكبر قاعدة عسكرية تركية في الخارج وذلك ( ضمن إستراتيجية القواعد المتقدّمة في المنطقة ) كما أنشأت في مقديشو أكبر سفارة تركية في العالم مما أدّى إلى إعادة الصومال في أنظار العالم كبلدٍ ذات موقع جاذب وأهمية إستراتيجية ودولة ذات قرارات محايدة بعيدة عن الخضوع والتبعية ولا يمكن انكار الدور التركي في تحقيق الاستقرار ومحاربة الإرهاب وحفظ الأمن والسلام في البلاد
ونظراً للموقع الاستراتيجي الذي تمتاز به الصومال ظل ولمدى قرون عدة موقع جذب عالمي تتنافس عليه القوى الأوربية والخليجية والإقليمية الأمر الذي دفع أنقرة ونتيجة لحالة العزلة التي تعانيها للتوجه نحو الصومال بشكل خاص ونحو دول شرق أفريقيا بشكل عام وقد اعتبر ذلك تحولا سياسيا استراتيجيا تركيا ارتبط بصعود حزب العدالة والتنمية ووصوله إلى السلطة عام 2002 حيث انطلقت توجهات السياسة الخارجية التركية نحو أفريقيا بهدف فتح أسواق جديدة في أفريقيا وكسب تأييد الدول الأفريقية في المحافل الدولية وبناء شراكات إستراتيجية مع دول المنطقة ولم يقتصر الدور التركي في الصومال على الجانب الصحي والعمراني والبنية التحتية والزراعي والتنموي والاقتصادي والعسكري والإنساني فقط بل تعدى ذلك إلى المجال السياسي والدبلوماسي وإدارة الموانئ والمعابر والمطار ومن المحتمل أن تجد تركيا نفسها منخرطة في المجال الأمني كالتحرك البري أو الجوي لضرب مواقع مقاتلي حركة الشباب نظراً لتزايد الهجمات الانتحارية التي تستهدف الرعايا الأتراك في مقديشو وخاصة المهندسين والأمنيين وعمال البناء
في عام 2012حازت الحكومة الصومالية الاعتراف من المجتمع الدولي وبعدها بعام اعتراف بها صندوق النقد الدولي بعد تجميد عضويتها في أعوام الحرب ومع عودة الصومال إلى الساحة الدولية ظهر ما يعانيه من عبء شديد في سداد الديون الخارجية التي تشكلت معظمها من تراكم قروض متأخرة السداد يعود معظمها إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي والتي أصبحت اليوم تحول دون إمكانية الحصول على الموارد المالية والمساعدات والاستثمارات التي تحتاجها من المجتمع الدولي من أجل إعادة البناء والأعمار وقد حاولت الحكومة الصومالية الوصول إلى حلول عاجلة لمشكلة الديون بعد عجزها عن السداد حيث طالبت بإعفائها منها أو تخفيضها كي تتمكن من تحقيق قدر من النمو الاقتصادي لكنّ المجتمع الدولي اشترط لتنفيذ المطلب إجراء إصلاح مؤسساتي واقتصادي في بلد يعاني من الفساد وضعف المؤسسات السيادية وغياب الخدمات الحكومية الأساسية ويمكن للصومال أن يستفيد من مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون ( هيبيك ) وهي آلية عمل أنشأها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي للمساعدة في تخفيف عبء الديون عن أفقر بلدان العالم وأكثرها مديونية كي تسهم في حل مشكلة الديون أو تخفيفها مع التأكيد بأن هذه المبادرة على أهميتها فإنها لا تؤدي إلى إلغاء الديون الثنائية بالكامل من جميع الدائنين لأنها ليست ملزمة لجميع الدائنين الخارجيين
وحتى الآن ألغت الصين بالفعل كامل ديونها على الصومال وأعادت المملكة العربية السعودية جدولة ديونها المترتبة عليه اعتباراً من عام 2016 وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وحدهما غير الدائنين الآخرين يطالبانه بأكثر من 800 مليون دولار
لهذا قررت تركيا مؤخرا بموجب قرار مباشرة من رئيس الدولة رجب طيب اردوغان سداد ديون الصومال المتأخرة لصندوق النقد الدولي من خلال حقوق السحب الخاصة في حساباتها الاحتياطية والمقدرة بـ2.4 مليون سهم متراكم (حقوق السحب الخاصة ) ودخل القرار، الذي يحمل اسم ( الاتفاقية الدولية ) حيز التنفيذ بتاريخ 5 تشرين الثاني الجاري وبناء عليه سيتم تخفيض ديون الصومال من 5.2 مليار دولار في نهاية 2018 إلى 3.7 مليار دولار في صافي القيمة الحالية وذلك بهدف تعزيز نموها الاقتصادي والحد من الفقر ووفقا لصندوق النقد الدولي يعيش ما يقرب من 70% من الصوماليين على أقل من 1.90 دولار في اليوم وستمكن هذه الخطوة الصومال من تحصيل موارد مالية جديدة من المانحين الدوليين، وذلك في إطار تحقيق
الإصلاحات الاقتصادية التي يسعى إليها
نكرر ان تسديد تركيا ديون الصومال لدى البنك الدولي بهذ السخاء وفي هذه المرحلة الدقيقة والخطيرة يشير الى عمق الفهم في السياسة التركية الخارجية لضرورات التكتيك الاستيعابي والتحرك الايجابي ورسم الخطط وبناء القواعد الارتكازية والاستعداد والتحدي لمواجهة تحركات المنافسين والأعداء على هذه المنطقة الحساسة والإستراتيجية بهدف ترسيخ السيطرة والنفوذ التركي ليكون الأقوى والاهم والأكثر قبول شعبيا ورسميا
جدير بالذكر أنه رغم عدم انتشار العربية على نطاق واسع في الصومال وتعد اللغة الثانية، إلا أنها دولة عربية انضمت إلى جامعة الدول العربية عام 1974 بقرار من الرئيس الثالث للصومال محمد سياد بري
ختاما يشار إلى أن تركيا حققت نجاحا كبيرا فيما يتعلق بسداد ديونها لصندوق النقد الدولي لتكون بذلك من بين 11 دولة في العالم تمكنت من تصفير ديونها للصندوق في الوقت المحدد منذ عام 2000 وقد تم ذلك في عام 2013 عندما كان رجب طيب أدروغان رئيسا للحكومة آنذاك
mahdimubarak@gmail.com
عبت تركيا دوراً محورياً واستراتيجياً في العديد من القضايا الهامة في العالم الإسلامي فأنقرة فضلاً عن أنها لاعباً أساسياً في منطقة الشرق الأوسط فإن دورها الريادي لا يقل أهمية في مناطق أخرى أيضاً كمنطقة القرن الإفريقي وعلى رأسه الصومال
العلاقات المشتركة الصومالية التركية ليست حديثة العهد وهي قائمة منذ أيام الدولة العثمانية حين ساندت تركيا في تلك المرحلة ثورة ' الدراويش ' التي قادها السيد محمد عبد الله حسن بين عامي 1899- 1920 في محاولة منه لتحرير البلاد من قبضة الاستعمار البريطاني الإيطالي لكن العلاقة بدأت بالنمو بشكل اكبر بعد أول زيارة قام بها اردوغان لمقديشو عام 2011 حينما كان رئيس للوزراء ومنذ تلك الزيارة المفتاحية تجري الدولتان محادثات دورية رفيعة المستوى وتتبادلان البعثات وتتعاونان في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة وغيرها
والحكومة التركية الحالية تولي أهمية خاصة للعلاقة مع الصومال نظرا لموقعه الاستراتيجي والحيوي الهام على خليج عدن ومدخل البحر الأحمر من جهة والمحيط الهندي من جهة أخرى والذي يتحكم من خلاله بالملاحة الدولية والتجارة العالمية غبر منافذه البحرية ناهيك عن وجود مخزون هائل من النفط والغاز والثروة الزراعية والحيوانية والسمكية والتي لم تستغل على النحو المنظم والكافي بعد حيث تعمل تركيا على استغلال حالة كل من ليبيا والصومال لتعزيز مصالحها البحرية عبر توقيع اتفاقيات مشتركة تسمح لها بالتنقيب عن الغاز والنفط خارج مياهها الإقليمية
تركيا استشعرت مبكرا إمكانيات الصومال الواعدة فطورت علاقاتها معه بينما أدارت دول أخرى ظهورها له واعتبرته ' دولة فاشلة ' بينما كان يصارع محنة كبيرة ( جماعة مسلحة متشددة وأوضاع اقتصادية متردية ) بعد حروب أهلية ونزاعات داخلية طاحنة منذ عام ١٩٩١سقطت بسببها الحكومة الصومالية المركزية واندلعت الفوضى في البلاد واليوم يمثّل الانخراط التركي في الصومال تعبيراً فعلياً عن سياسة الانفتاح على أفريقيا التي أطلقتها الحكومة التركية في عام 2005 حيث تربط البلدين الصديقين علاقات دبلوماسية واقتصادية وثيقة تنعكس في مجالات التعاون الأمني بينهما
ورغم أن كلا البلدين يواجهان تحديات داخلية كبيرة إلا أن التعاون بينهما مازال وثيقا مع تصدر الصومالي في أنحاء العاصمة مقديشو بكل حرية وتتمتع البضائع والأطعمة التركية ومزودي الخدمات برواج تجاري كبير وترى المستشفى الرئيسي والموانئ ووكالات الإغاثة الإنسانية تعج بمواطنين أتراك كما بدأ بعض الصوماليون بتعلم اللغة التركية التي أصبحت تدريجيا اللغة الثانية بجانب العربية والإنجليزية وتعتبر المدارس التركية في الصومال الأفضل من حيث جودة التعليم والفرص التي تقدمها لطلابها وأصبحت أسماء الشركات التركية معروفة عند المستهلكين الصوماليين في كل مكان وأن الدعم التركي للصومال لم يقتصر على المساعدات المالية فقد قدمت تركيا على مدار الأعوام الماضية مساعدات إغاثة وإنسانية وطبية وعسكرية خاصة خلال فترة جائحة كورونا
لقد وجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضربات عديدة الى منافسيه في منطقة استراتيجية وهامة افتتحت الحكومة التركية في الصومال أكبر مستشفى ' دجفير ' في شرق إفريقيا وأهلت عشرات الأطباء والممرضين ونفذت توأمة مقديشو مع إسطنبول وأقامت مشاريع ضخمة مثل بناء الطرق والمستشفيات والمدارس وتشغيل والمطارات والموانئ وترميم المقرّات الحكومية والاستثمار في القطاع الزراعي بتوفير طرق جديدة للزراعة في وسط الصومال بالإضافة إلى تدريب وتسليح الجيش الصومالي وإنشاء قاعدة ' تركيصوم ' العسكرية التي تخرج نحو ثلاثمئة جندي صومالي على الأقل سنوياً وهي أكبر قاعدة عسكرية تركية في الخارج وذلك ( ضمن إستراتيجية القواعد المتقدّمة في المنطقة ) كما أنشأت في مقديشو أكبر سفارة تركية في العالم مما أدّى إلى إعادة الصومال في أنظار العالم كبلدٍ ذات موقع جاذب وأهمية إستراتيجية ودولة ذات قرارات محايدة بعيدة عن الخضوع والتبعية ولا يمكن انكار الدور التركي في تحقيق الاستقرار ومحاربة الإرهاب وحفظ الأمن والسلام في البلاد
ونظراً للموقع الاستراتيجي الذي تمتاز به الصومال ظل ولمدى قرون عدة موقع جذب عالمي تتنافس عليه القوى الأوربية والخليجية والإقليمية الأمر الذي دفع أنقرة ونتيجة لحالة العزلة التي تعانيها للتوجه نحو الصومال بشكل خاص ونحو دول شرق أفريقيا بشكل عام وقد اعتبر ذلك تحولا سياسيا استراتيجيا تركيا ارتبط بصعود حزب العدالة والتنمية ووصوله إلى السلطة عام 2002 حيث انطلقت توجهات السياسة الخارجية التركية نحو أفريقيا بهدف فتح أسواق جديدة في أفريقيا وكسب تأييد الدول الأفريقية في المحافل الدولية وبناء شراكات إستراتيجية مع دول المنطقة ولم يقتصر الدور التركي في الصومال على الجانب الصحي والعمراني والبنية التحتية والزراعي والتنموي والاقتصادي والعسكري والإنساني فقط بل تعدى ذلك إلى المجال السياسي والدبلوماسي وإدارة الموانئ والمعابر والمطار ومن المحتمل أن تجد تركيا نفسها منخرطة في المجال الأمني كالتحرك البري أو الجوي لضرب مواقع مقاتلي حركة الشباب نظراً لتزايد الهجمات الانتحارية التي تستهدف الرعايا الأتراك في مقديشو وخاصة المهندسين والأمنيين وعمال البناء
في عام 2012حازت الحكومة الصومالية الاعتراف من المجتمع الدولي وبعدها بعام اعتراف بها صندوق النقد الدولي بعد تجميد عضويتها في أعوام الحرب ومع عودة الصومال إلى الساحة الدولية ظهر ما يعانيه من عبء شديد في سداد الديون الخارجية التي تشكلت معظمها من تراكم قروض متأخرة السداد يعود معظمها إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي والتي أصبحت اليوم تحول دون إمكانية الحصول على الموارد المالية والمساعدات والاستثمارات التي تحتاجها من المجتمع الدولي من أجل إعادة البناء والأعمار وقد حاولت الحكومة الصومالية الوصول إلى حلول عاجلة لمشكلة الديون بعد عجزها عن السداد حيث طالبت بإعفائها منها أو تخفيضها كي تتمكن من تحقيق قدر من النمو الاقتصادي لكنّ المجتمع الدولي اشترط لتنفيذ المطلب إجراء إصلاح مؤسساتي واقتصادي في بلد يعاني من الفساد وضعف المؤسسات السيادية وغياب الخدمات الحكومية الأساسية ويمكن للصومال أن يستفيد من مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون ( هيبيك ) وهي آلية عمل أنشأها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي للمساعدة في تخفيف عبء الديون عن أفقر بلدان العالم وأكثرها مديونية كي تسهم في حل مشكلة الديون أو تخفيفها مع التأكيد بأن هذه المبادرة على أهميتها فإنها لا تؤدي إلى إلغاء الديون الثنائية بالكامل من جميع الدائنين لأنها ليست ملزمة لجميع الدائنين الخارجيين
وحتى الآن ألغت الصين بالفعل كامل ديونها على الصومال وأعادت المملكة العربية السعودية جدولة ديونها المترتبة عليه اعتباراً من عام 2016 وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وحدهما غير الدائنين الآخرين يطالبانه بأكثر من 800 مليون دولار
لهذا قررت تركيا مؤخرا بموجب قرار مباشرة من رئيس الدولة رجب طيب اردوغان سداد ديون الصومال المتأخرة لصندوق النقد الدولي من خلال حقوق السحب الخاصة في حساباتها الاحتياطية والمقدرة بـ2.4 مليون سهم متراكم (حقوق السحب الخاصة ) ودخل القرار، الذي يحمل اسم ( الاتفاقية الدولية ) حيز التنفيذ بتاريخ 5 تشرين الثاني الجاري وبناء عليه سيتم تخفيض ديون الصومال من 5.2 مليار دولار في نهاية 2018 إلى 3.7 مليار دولار في صافي القيمة الحالية وذلك بهدف تعزيز نموها الاقتصادي والحد من الفقر ووفقا لصندوق النقد الدولي يعيش ما يقرب من 70% من الصوماليين على أقل من 1.90 دولار في اليوم وستمكن هذه الخطوة الصومال من تحصيل موارد مالية جديدة من المانحين الدوليين، وذلك في إطار تحقيق
الإصلاحات الاقتصادية التي يسعى إليها
نكرر ان تسديد تركيا ديون الصومال لدى البنك الدولي بهذ السخاء وفي هذه المرحلة الدقيقة والخطيرة يشير الى عمق الفهم في السياسة التركية الخارجية لضرورات التكتيك الاستيعابي والتحرك الايجابي ورسم الخطط وبناء القواعد الارتكازية والاستعداد والتحدي لمواجهة تحركات المنافسين والأعداء على هذه المنطقة الحساسة والإستراتيجية بهدف ترسيخ السيطرة والنفوذ التركي ليكون الأقوى والاهم والأكثر قبول شعبيا ورسميا
جدير بالذكر أنه رغم عدم انتشار العربية على نطاق واسع في الصومال وتعد اللغة الثانية، إلا أنها دولة عربية انضمت إلى جامعة الدول العربية عام 1974 بقرار من الرئيس الثالث للصومال محمد سياد بري
ختاما يشار إلى أن تركيا حققت نجاحا كبيرا فيما يتعلق بسداد ديونها لصندوق النقد الدولي لتكون بذلك من بين 11 دولة في العالم تمكنت من تصفير ديونها للصندوق في الوقت المحدد منذ عام 2000 وقد تم ذلك في عام 2013 عندما كان رجب طيب أدروغان رئيسا للحكومة آنذاك
mahdimubarak@gmail.com
عبت تركيا دوراً محورياً واستراتيجياً في العديد من القضايا الهامة في العالم الإسلامي فأنقرة فضلاً عن أنها لاعباً أساسياً في منطقة الشرق الأوسط فإن دورها الريادي لا يقل أهمية في مناطق أخرى أيضاً كمنطقة القرن الإفريقي وعلى رأسه الصومال
العلاقات المشتركة الصومالية التركية ليست حديثة العهد وهي قائمة منذ أيام الدولة العثمانية حين ساندت تركيا في تلك المرحلة ثورة ' الدراويش ' التي قادها السيد محمد عبد الله حسن بين عامي 1899- 1920 في محاولة منه لتحرير البلاد من قبضة الاستعمار البريطاني الإيطالي لكن العلاقة بدأت بالنمو بشكل اكبر بعد أول زيارة قام بها اردوغان لمقديشو عام 2011 حينما كان رئيس للوزراء ومنذ تلك الزيارة المفتاحية تجري الدولتان محادثات دورية رفيعة المستوى وتتبادلان البعثات وتتعاونان في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة وغيرها
والحكومة التركية الحالية تولي أهمية خاصة للعلاقة مع الصومال نظرا لموقعه الاستراتيجي والحيوي الهام على خليج عدن ومدخل البحر الأحمر من جهة والمحيط الهندي من جهة أخرى والذي يتحكم من خلاله بالملاحة الدولية والتجارة العالمية غبر منافذه البحرية ناهيك عن وجود مخزون هائل من النفط والغاز والثروة الزراعية والحيوانية والسمكية والتي لم تستغل على النحو المنظم والكافي بعد حيث تعمل تركيا على استغلال حالة كل من ليبيا والصومال لتعزيز مصالحها البحرية عبر توقيع اتفاقيات مشتركة تسمح لها بالتنقيب عن الغاز والنفط خارج مياهها الإقليمية
تركيا استشعرت مبكرا إمكانيات الصومال الواعدة فطورت علاقاتها معه بينما أدارت دول أخرى ظهورها له واعتبرته ' دولة فاشلة ' بينما كان يصارع محنة كبيرة ( جماعة مسلحة متشددة وأوضاع اقتصادية متردية ) بعد حروب أهلية ونزاعات داخلية طاحنة منذ عام ١٩٩١سقطت بسببها الحكومة الصومالية المركزية واندلعت الفوضى في البلاد واليوم يمثّل الانخراط التركي في الصومال تعبيراً فعلياً عن سياسة الانفتاح على أفريقيا التي أطلقتها الحكومة التركية في عام 2005 حيث تربط البلدين الصديقين علاقات دبلوماسية واقتصادية وثيقة تنعكس في مجالات التعاون الأمني بينهما
ورغم أن كلا البلدين يواجهان تحديات داخلية كبيرة إلا أن التعاون بينهما مازال وثيقا مع تصدر الصومالي في أنحاء العاصمة مقديشو بكل حرية وتتمتع البضائع والأطعمة التركية ومزودي الخدمات برواج تجاري كبير وترى المستشفى الرئيسي والموانئ ووكالات الإغاثة الإنسانية تعج بمواطنين أتراك كما بدأ بعض الصوماليون بتعلم اللغة التركية التي أصبحت تدريجيا اللغة الثانية بجانب العربية والإنجليزية وتعتبر المدارس التركية في الصومال الأفضل من حيث جودة التعليم والفرص التي تقدمها لطلابها وأصبحت أسماء الشركات التركية معروفة عند المستهلكين الصوماليين في كل مكان وأن الدعم التركي للصومال لم يقتصر على المساعدات المالية فقد قدمت تركيا على مدار الأعوام الماضية مساعدات إغاثة وإنسانية وطبية وعسكرية خاصة خلال فترة جائحة كورونا
لقد وجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضربات عديدة الى منافسيه في منطقة استراتيجية وهامة افتتحت الحكومة التركية في الصومال أكبر مستشفى ' دجفير ' في شرق إفريقيا وأهلت عشرات الأطباء والممرضين ونفذت توأمة مقديشو مع إسطنبول وأقامت مشاريع ضخمة مثل بناء الطرق والمستشفيات والمدارس وتشغيل والمطارات والموانئ وترميم المقرّات الحكومية والاستثمار في القطاع الزراعي بتوفير طرق جديدة للزراعة في وسط الصومال بالإضافة إلى تدريب وتسليح الجيش الصومالي وإنشاء قاعدة ' تركيصوم ' العسكرية التي تخرج نحو ثلاثمئة جندي صومالي على الأقل سنوياً وهي أكبر قاعدة عسكرية تركية في الخارج وذلك ( ضمن إستراتيجية القواعد المتقدّمة في المنطقة ) كما أنشأت في مقديشو أكبر سفارة تركية في العالم مما أدّى إلى إعادة الصومال في أنظار العالم كبلدٍ ذات موقع جاذب وأهمية إستراتيجية ودولة ذات قرارات محايدة بعيدة عن الخضوع والتبعية ولا يمكن انكار الدور التركي في تحقيق الاستقرار ومحاربة الإرهاب وحفظ الأمن والسلام في البلاد
ونظراً للموقع الاستراتيجي الذي تمتاز به الصومال ظل ولمدى قرون عدة موقع جذب عالمي تتنافس عليه القوى الأوربية والخليجية والإقليمية الأمر الذي دفع أنقرة ونتيجة لحالة العزلة التي تعانيها للتوجه نحو الصومال بشكل خاص ونحو دول شرق أفريقيا بشكل عام وقد اعتبر ذلك تحولا سياسيا استراتيجيا تركيا ارتبط بصعود حزب العدالة والتنمية ووصوله إلى السلطة عام 2002 حيث انطلقت توجهات السياسة الخارجية التركية نحو أفريقيا بهدف فتح أسواق جديدة في أفريقيا وكسب تأييد الدول الأفريقية في المحافل الدولية وبناء شراكات إستراتيجية مع دول المنطقة ولم يقتصر الدور التركي في الصومال على الجانب الصحي والعمراني والبنية التحتية والزراعي والتنموي والاقتصادي والعسكري والإنساني فقط بل تعدى ذلك إلى المجال السياسي والدبلوماسي وإدارة الموانئ والمعابر والمطار ومن المحتمل أن تجد تركيا نفسها منخرطة في المجال الأمني كالتحرك البري أو الجوي لضرب مواقع مقاتلي حركة الشباب نظراً لتزايد الهجمات الانتحارية التي تستهدف الرعايا الأتراك في مقديشو وخاصة المهندسين والأمنيين وعمال البناء
في عام 2012حازت الحكومة الصومالية الاعتراف من المجتمع الدولي وبعدها بعام اعتراف بها صندوق النقد الدولي بعد تجميد عضويتها في أعوام الحرب ومع عودة الصومال إلى الساحة الدولية ظهر ما يعانيه من عبء شديد في سداد الديون الخارجية التي تشكلت معظمها من تراكم قروض متأخرة السداد يعود معظمها إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي والتي أصبحت اليوم تحول دون إمكانية الحصول على الموارد المالية والمساعدات والاستثمارات التي تحتاجها من المجتمع الدولي من أجل إعادة البناء والأعمار وقد حاولت الحكومة الصومالية الوصول إلى حلول عاجلة لمشكلة الديون بعد عجزها عن السداد حيث طالبت بإعفائها منها أو تخفيضها كي تتمكن من تحقيق قدر من النمو الاقتصادي لكنّ المجتمع الدولي اشترط لتنفيذ المطلب إجراء إصلاح مؤسساتي واقتصادي في بلد يعاني من الفساد وضعف المؤسسات السيادية وغياب الخدمات الحكومية الأساسية ويمكن للصومال أن يستفيد من مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون ( هيبيك ) وهي آلية عمل أنشأها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي للمساعدة في تخفيف عبء الديون عن أفقر بلدان العالم وأكثرها مديونية كي تسهم في حل مشكلة الديون أو تخفيفها مع التأكيد بأن هذه المبادرة على أهميتها فإنها لا تؤدي إلى إلغاء الديون الثنائية بالكامل من جميع الدائنين لأنها ليست ملزمة لجميع الدائنين الخارجيين
وحتى الآن ألغت الصين بالفعل كامل ديونها على الصومال وأعادت المملكة العربية السعودية جدولة ديونها المترتبة عليه اعتباراً من عام 2016 وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وحدهما غير الدائنين الآخرين يطالبانه بأكثر من 800 مليون دولار
لهذا قررت تركيا مؤخرا بموجب قرار مباشرة من رئيس الدولة رجب طيب اردوغان سداد ديون الصومال المتأخرة لصندوق النقد الدولي من خلال حقوق السحب الخاصة في حساباتها الاحتياطية والمقدرة بـ2.4 مليون سهم متراكم (حقوق السحب الخاصة ) ودخل القرار، الذي يحمل اسم ( الاتفاقية الدولية ) حيز التنفيذ بتاريخ 5 تشرين الثاني الجاري وبناء عليه سيتم تخفيض ديون الصومال من 5.2 مليار دولار في نهاية 2018 إلى 3.7 مليار دولار في صافي القيمة الحالية وذلك بهدف تعزيز نموها الاقتصادي والحد من الفقر ووفقا لصندوق النقد الدولي يعيش ما يقرب من 70% من الصوماليين على أقل من 1.90 دولار في اليوم وستمكن هذه الخطوة الصومال من تحصيل موارد مالية جديدة من المانحين الدوليين، وذلك في إطار تحقيق
الإصلاحات الاقتصادية التي يسعى إليها
نكرر ان تسديد تركيا ديون الصومال لدى البنك الدولي بهذ السخاء وفي هذه المرحلة الدقيقة والخطيرة يشير الى عمق الفهم في السياسة التركية الخارجية لضرورات التكتيك الاستيعابي والتحرك الايجابي ورسم الخطط وبناء القواعد الارتكازية والاستعداد والتحدي لمواجهة تحركات المنافسين والأعداء على هذه المنطقة الحساسة والإستراتيجية بهدف ترسيخ السيطرة والنفوذ التركي ليكون الأقوى والاهم والأكثر قبول شعبيا ورسميا
جدير بالذكر أنه رغم عدم انتشار العربية على نطاق واسع في الصومال وتعد اللغة الثانية، إلا أنها دولة عربية انضمت إلى جامعة الدول العربية عام 1974 بقرار من الرئيس الثالث للصومال محمد سياد بري
ختاما يشار إلى أن تركيا حققت نجاحا كبيرا فيما يتعلق بسداد ديونها لصندوق النقد الدولي لتكون بذلك من بين 11 دولة في العالم تمكنت من تصفير ديونها للصندوق في الوقت المحدد منذ عام 2000 وقد تم ذلك في عام 2013 عندما كان رجب طيب أدروغان رئيسا للحكومة آنذاك
mahdimubarak@gmail.com
التعليقات