قبل أيام قليلة لا تزيد على أصابع اليد الواحدة على موعد سباق الانتخابات الرئاسية الأميركية يوم الثلاثاء القادم تنتظر أكثرية شعوب ودول العالم على أحر من الجمر وهم يحبسون أنفاسهم في حالة من الترقب وبمستوى غير مسبوق للنتائج المتوقعة وما سيقرره الشعب الأميركي من فوز بايدن أو سقوط ترامب أو التجديد له فيما يرى بعض المراقبين أن هذه الانتخابات ربما تكون الأكثر حدة وأهمية منذ ما يزيد على قرن كامل من الزمن والأكبر إثارة للاهتمام والجذب داخلياً وخارجياً في تاريخ الولايات المتحدة الكل يترقب نتائجها من زاويته ومنظار مصالحه وهواجسه ومخاوفه وتوقعاته وإسرائيل نظام وقيادات لا تشذ عن هذه القاعدة
المرشح الديمقراطي جو بايدن يحظى بفرصة كبيرة وتاريخية للفوز خصوصا بعد اجتياحه معظم الولايات المهمة قبل بدء المعركة ما لم تحدث أي مفاجئة في اللحظات الأخيرة والكل يتصور في عقله السياسة التي يفترض انتهاجها ومدى تأثير وجوده في البيت الأبيض على مجمل التطورات في الساحة المحلية وعلى السياسات الإقليمية والدولية وتحديدا ما يتعلق منها بالقضية الفلسطينية مع الفهم المسبق بان الحكم الأميركي يخضع لنظام وقانون ومؤسسة وأحزاب وبروتوكولات ومصالح الدولة العظمى المهيمنة على العالم وهي لا تتبدل إلا في الهوامش الطفيفة وبأضيق الحدود
البعض يصر على أنه لا فرق يذكر بين عودة ترامب أو نجاح بايدن لأن السياسة الأميركية في مجملها اتجاه القضية الفلسطينية تدعم إسرائيل وتبقي على تفوقها والدفاع عن أمنها والالتزام المطلق بحماية وجودها والتبني الحرفي لجميع سياساتها التي يصوغها اليمين القومي والديني المتطرف في عدائه للسلام وتوغله في العنصرية وان سياسة أي إدارة قادمة ستظل ثابتة دون أي تغير حقيقي بغض النظر عن الفائز وذلك ( حسب رصد المواقف التاريخية الموثقة للحزبين الديمقراطي والجمهوري في تاريخ السياسة الأمريكية على مدار سنوات طويلة )
في حين يرى فريق آخر ان نجاح بايدن سيحدث فرقاً كبيراً وجوهرياً ملموسا نتيجة ما أقدم عليه ترامب بشخصيته الإشكالية المتهورة وبتجربته المثيرة والغريبة في الخروج عن المألوف في قواعد اللعبة السياسية والاقتصادية والأخلاقية داخلياً وخارجياً وما مارسه من انتهاكات جسيمة للشرعية الدولية وللقانون الدولي ولعبه بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال ما أسماه بصفقة القرن التي جسد فيها رؤية أقصى اليمين الإسرائيلي في حل سياسي يثبت الاحتلال والاستيطان والسيادة الإسرائيلية ويشطب قضية اللاجئين وتقرير المصير والدولة ولا يقدم للشعب الفلسطيني غير حكم ذاتي على شكل مقاطعات أو ولايات منفصلة تحت إدارة وسيطرة الاحتلال فضلا عن وقوفه العلني مع مصالح القوى الاقتصادية الأكثر توحشاً ومقامرة في الاقتصاد والسياسة والبيئة والصحة وحقوق الإنسان والقضاء وغيرها عبر سجل حافل بالتخبط والتناقض قدمه الرئيس ترامب بنفسه ونفذ بعضه ديفيد فريدمان السفير الأميركي في إسرائيل وأشرفت على رسمه وتخطيطه كل الطواقم العاملة في ملف الشرق الأوسط بقيادة جاريد كوشنر ومع مجيء وزير الخارجية الحالي بومبيو اكتملت الصورة السوداوية وأغلق باب الأمل كليا
ومن اجل عدم وصول بايدن للبيت الأبيض يعمل اليمين المتطرف في إسرائيل منذ زمن بعيد لصالح ترامب وعودته ويحشد الناخبين وخاصة الإنجيليين للوقوف إلى جانبه خوفا من التغير السلبي المتوقع لان نجاح بايدن قد يعني عدم تبنى سياسات ترامب حول مجمل ملف الصراع في الشرق الأوسط من حيث الجوهر والانقلاب عليه وإعادة الاعتبار لحل الدولتين والعودة إلى معادلة الأرض مقابل السلام الفلسطينية وتوظيف عمليات التطبيع التي جرت مؤخرا كحافز قوي لإحياء المبادرة العربية السلام الميتة للوقوف إلى جانب الحقوق والمطالب الفلسطينية حتى وإن اضطر بايدن في بعض المراحل الى المساومات التكتيكية في هذا الإطار تحديدا فيما يتعلق بنقل السفارة الأميركية للقدس
في استطلاع للرأي أجرته قناة إسرائيل 24 قبل أيام حول توجهات الرأي العام الإسرائيلي إزاء الانتخابات الرئاسية الأميركية تبين أن نصف المستطلعين يتابعون باهتمام بالغ هذه الانتخابات في حين أن ثلثي النصف الثاني يتابعها بشكل عام ولم تكن هناك أي مفاجأة في أن ثلثي هؤلاء يأملون بفوز ترامب بينما رغبت نسبة 19% بفوز بايدن الذي في حال فوزه سيؤثر تأثيراً سلبياً ويشكل ضرراً على إسرائيل حسب نصف المستطلعين لهذا بدأ قادة الرأي لدى الدولة العبرية بقرع جرس الإنذار بأن معظم المؤشرات تتجه نحو احتمال اكبر لفور بايدن وذلك خلافاً لرغبة الأغلبية الإسرائيلية
ربما لا يكون بإيدن قادر على فعل الكثير مثلا من حيث إعادة السفارة الأميركية إلى تل أبيب الا انه من المتوقع ان يقوم بفتح القنصلية الفلسطينية في شرقي القدس والمباشرة في استئناف المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية ووكالة الغوث وإعادة فتح المكتب التمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن الذي سبق وأن أغلقه ترامب عام 2018 والتركيز على ان انعدم سبل الاستقرار في المنطقة تعود إلى أسباب كثيرة أهمها الاستيطان الإسرائيلي ولا يمكن لنا ان نغفل هنا الملف الإيراني كعامل قلق وخوف لإسرائيل حيث أعلن بايدن انه سيجري مفاوضات مع إيران للتوصل إلى اتفاق جديد وإعادة النظر في مسألة الحظر المفروض عليها
وغير ذلك الكثير من التوقعات التي لا يتسع المقال ذكرها
الدوائر السياسية العليا في إسرائيل تأخذ كل ذلك بالاعتبار والاهتمام والنتن ياهو يجهز نفسه كخصم عنيد لبايدن والعجلة والسيناريوهات والخطط مستمرة للتعامل مع إدارة أميركية جديدة بزعامة بايدن والتي من شأنها أن تؤثر تأثيراً مباشراً على العلاقة مع إسرائيل خاصة في ظل توقعات بتحكم واستئثار الحزب الديمقراطي بنتائج انتخابات مجلس الشيوخ الجانبية المترافقة مع الانتخابات الرئاسية كما كان الأمر عليه في عهد أوباما إضافة الى مواصلة ألهيمنة على مجلس النواب مما سيخفف من الابتزاز الإسرائيلي على الرئيس والكونغرس ومن هنا ستعمل إسرائيل كل محاولاتها من اجل إقناع بايدن في حال فوزه بأن نجاح عملية ( التطبيع العربي ) مع إسرائيل تشير الى ان عملية السلام ممكنة من دون مشاركة الجانب الفلسطيني وأن على هذه الإدارة الجديدة تشجيع التطبيع العربي والإسلامي مع إسرائيل للتوصل إلى استقرار وأمن المنطقة وسوف يتمسك بايدن بمفهوم أن السلام لن يتحقق إلاّ من خلال حل الدولتين مما يشجع الفلسطينيين للعودة الى طاولة المفاوضات للوصول إلى سلام مع إسرائيل ربما يخسروا فيه كثيرا وتبقى إسرائيل بلا أي خسارة
باختصار أن عودة ترامب ستقضي على كل الحقوق الوطنية الفلسطينية وقد يبدأ سياساته الشرق أوسطية القائمة في بناء حلف سياسي وعسكري وأمني تكون فيه إسرائيل هي الدولة الأقوى والمهيمنة ويكون فيه العرب شركاء من الدرجة الثانية مع استكمال مسيرة دورة صفقة القرن بكل سيئاتها وفي الحقيقة المجردة أن نجاح جو بايدن ربما لن يغير بصورة جوهرية كما يتوقع البعض لأن الأمور ستكون صعبة أمامه خصوصاً وأن العرب قد غادروا ساحة الدعم والمؤازرة للقضية الفلسطينية والاهم انه يستحيل أن تتمكن الإدارة الديمقراطية من خلق وابتكار تغييرات جدية وفاعلة على ارض الواقع من دون إحداث تغيرات جوهرية في الخارطة السياسية والحزبية المتعصبة في إسرائيل
واشنطن وتل ابيب توأمان في جسد ورأس واحد لا يمكن فصلهما ولايعيش الواحد منهما بدون الأخر ومن المفيد في هذا المقام ان نستذكر ليفي أشكول ثالث رئيس وزراء في إسرائيل وقوله ( إنّ إسرائيل تصاب بالتهاب رئوي عندما تعطس أميركا ) في مقاربة حقيقية تعكس عمق العلاقات الإستراتيجية بينهما والحقيقة الدامغة وغير القابلة للشك من قريب أو بعيد وبصرف النظر عن ساكن البيت الأبيض ديمقراطياً أم جمهورياً يظل الالتهاب الرئوي يظهر مدى ارتباط إسرائيل حاضرا ومستقبلاً بالولايات المتحدة ليس كتابع بل كشريك وان قل قليلاً أو كثر كثيراً فهي مقتضيات المراوحة والمرحلة وقواعد اللعبة وربما الاتفاق والتوافق المشترك بينهما ولفلسطين رب يحميها
mahdimubarak@gmail.com
قبل أيام قليلة لا تزيد على أصابع اليد الواحدة على موعد سباق الانتخابات الرئاسية الأميركية يوم الثلاثاء القادم تنتظر أكثرية شعوب ودول العالم على أحر من الجمر وهم يحبسون أنفاسهم في حالة من الترقب وبمستوى غير مسبوق للنتائج المتوقعة وما سيقرره الشعب الأميركي من فوز بايدن أو سقوط ترامب أو التجديد له فيما يرى بعض المراقبين أن هذه الانتخابات ربما تكون الأكثر حدة وأهمية منذ ما يزيد على قرن كامل من الزمن والأكبر إثارة للاهتمام والجذب داخلياً وخارجياً في تاريخ الولايات المتحدة الكل يترقب نتائجها من زاويته ومنظار مصالحه وهواجسه ومخاوفه وتوقعاته وإسرائيل نظام وقيادات لا تشذ عن هذه القاعدة
المرشح الديمقراطي جو بايدن يحظى بفرصة كبيرة وتاريخية للفوز خصوصا بعد اجتياحه معظم الولايات المهمة قبل بدء المعركة ما لم تحدث أي مفاجئة في اللحظات الأخيرة والكل يتصور في عقله السياسة التي يفترض انتهاجها ومدى تأثير وجوده في البيت الأبيض على مجمل التطورات في الساحة المحلية وعلى السياسات الإقليمية والدولية وتحديدا ما يتعلق منها بالقضية الفلسطينية مع الفهم المسبق بان الحكم الأميركي يخضع لنظام وقانون ومؤسسة وأحزاب وبروتوكولات ومصالح الدولة العظمى المهيمنة على العالم وهي لا تتبدل إلا في الهوامش الطفيفة وبأضيق الحدود
البعض يصر على أنه لا فرق يذكر بين عودة ترامب أو نجاح بايدن لأن السياسة الأميركية في مجملها اتجاه القضية الفلسطينية تدعم إسرائيل وتبقي على تفوقها والدفاع عن أمنها والالتزام المطلق بحماية وجودها والتبني الحرفي لجميع سياساتها التي يصوغها اليمين القومي والديني المتطرف في عدائه للسلام وتوغله في العنصرية وان سياسة أي إدارة قادمة ستظل ثابتة دون أي تغير حقيقي بغض النظر عن الفائز وذلك ( حسب رصد المواقف التاريخية الموثقة للحزبين الديمقراطي والجمهوري في تاريخ السياسة الأمريكية على مدار سنوات طويلة )
في حين يرى فريق آخر ان نجاح بايدن سيحدث فرقاً كبيراً وجوهرياً ملموسا نتيجة ما أقدم عليه ترامب بشخصيته الإشكالية المتهورة وبتجربته المثيرة والغريبة في الخروج عن المألوف في قواعد اللعبة السياسية والاقتصادية والأخلاقية داخلياً وخارجياً وما مارسه من انتهاكات جسيمة للشرعية الدولية وللقانون الدولي ولعبه بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال ما أسماه بصفقة القرن التي جسد فيها رؤية أقصى اليمين الإسرائيلي في حل سياسي يثبت الاحتلال والاستيطان والسيادة الإسرائيلية ويشطب قضية اللاجئين وتقرير المصير والدولة ولا يقدم للشعب الفلسطيني غير حكم ذاتي على شكل مقاطعات أو ولايات منفصلة تحت إدارة وسيطرة الاحتلال فضلا عن وقوفه العلني مع مصالح القوى الاقتصادية الأكثر توحشاً ومقامرة في الاقتصاد والسياسة والبيئة والصحة وحقوق الإنسان والقضاء وغيرها عبر سجل حافل بالتخبط والتناقض قدمه الرئيس ترامب بنفسه ونفذ بعضه ديفيد فريدمان السفير الأميركي في إسرائيل وأشرفت على رسمه وتخطيطه كل الطواقم العاملة في ملف الشرق الأوسط بقيادة جاريد كوشنر ومع مجيء وزير الخارجية الحالي بومبيو اكتملت الصورة السوداوية وأغلق باب الأمل كليا
ومن اجل عدم وصول بايدن للبيت الأبيض يعمل اليمين المتطرف في إسرائيل منذ زمن بعيد لصالح ترامب وعودته ويحشد الناخبين وخاصة الإنجيليين للوقوف إلى جانبه خوفا من التغير السلبي المتوقع لان نجاح بايدن قد يعني عدم تبنى سياسات ترامب حول مجمل ملف الصراع في الشرق الأوسط من حيث الجوهر والانقلاب عليه وإعادة الاعتبار لحل الدولتين والعودة إلى معادلة الأرض مقابل السلام الفلسطينية وتوظيف عمليات التطبيع التي جرت مؤخرا كحافز قوي لإحياء المبادرة العربية السلام الميتة للوقوف إلى جانب الحقوق والمطالب الفلسطينية حتى وإن اضطر بايدن في بعض المراحل الى المساومات التكتيكية في هذا الإطار تحديدا فيما يتعلق بنقل السفارة الأميركية للقدس
في استطلاع للرأي أجرته قناة إسرائيل 24 قبل أيام حول توجهات الرأي العام الإسرائيلي إزاء الانتخابات الرئاسية الأميركية تبين أن نصف المستطلعين يتابعون باهتمام بالغ هذه الانتخابات في حين أن ثلثي النصف الثاني يتابعها بشكل عام ولم تكن هناك أي مفاجأة في أن ثلثي هؤلاء يأملون بفوز ترامب بينما رغبت نسبة 19% بفوز بايدن الذي في حال فوزه سيؤثر تأثيراً سلبياً ويشكل ضرراً على إسرائيل حسب نصف المستطلعين لهذا بدأ قادة الرأي لدى الدولة العبرية بقرع جرس الإنذار بأن معظم المؤشرات تتجه نحو احتمال اكبر لفور بايدن وذلك خلافاً لرغبة الأغلبية الإسرائيلية
ربما لا يكون بإيدن قادر على فعل الكثير مثلا من حيث إعادة السفارة الأميركية إلى تل أبيب الا انه من المتوقع ان يقوم بفتح القنصلية الفلسطينية في شرقي القدس والمباشرة في استئناف المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية ووكالة الغوث وإعادة فتح المكتب التمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن الذي سبق وأن أغلقه ترامب عام 2018 والتركيز على ان انعدم سبل الاستقرار في المنطقة تعود إلى أسباب كثيرة أهمها الاستيطان الإسرائيلي ولا يمكن لنا ان نغفل هنا الملف الإيراني كعامل قلق وخوف لإسرائيل حيث أعلن بايدن انه سيجري مفاوضات مع إيران للتوصل إلى اتفاق جديد وإعادة النظر في مسألة الحظر المفروض عليها
وغير ذلك الكثير من التوقعات التي لا يتسع المقال ذكرها
الدوائر السياسية العليا في إسرائيل تأخذ كل ذلك بالاعتبار والاهتمام والنتن ياهو يجهز نفسه كخصم عنيد لبايدن والعجلة والسيناريوهات والخطط مستمرة للتعامل مع إدارة أميركية جديدة بزعامة بايدن والتي من شأنها أن تؤثر تأثيراً مباشراً على العلاقة مع إسرائيل خاصة في ظل توقعات بتحكم واستئثار الحزب الديمقراطي بنتائج انتخابات مجلس الشيوخ الجانبية المترافقة مع الانتخابات الرئاسية كما كان الأمر عليه في عهد أوباما إضافة الى مواصلة ألهيمنة على مجلس النواب مما سيخفف من الابتزاز الإسرائيلي على الرئيس والكونغرس ومن هنا ستعمل إسرائيل كل محاولاتها من اجل إقناع بايدن في حال فوزه بأن نجاح عملية ( التطبيع العربي ) مع إسرائيل تشير الى ان عملية السلام ممكنة من دون مشاركة الجانب الفلسطيني وأن على هذه الإدارة الجديدة تشجيع التطبيع العربي والإسلامي مع إسرائيل للتوصل إلى استقرار وأمن المنطقة وسوف يتمسك بايدن بمفهوم أن السلام لن يتحقق إلاّ من خلال حل الدولتين مما يشجع الفلسطينيين للعودة الى طاولة المفاوضات للوصول إلى سلام مع إسرائيل ربما يخسروا فيه كثيرا وتبقى إسرائيل بلا أي خسارة
باختصار أن عودة ترامب ستقضي على كل الحقوق الوطنية الفلسطينية وقد يبدأ سياساته الشرق أوسطية القائمة في بناء حلف سياسي وعسكري وأمني تكون فيه إسرائيل هي الدولة الأقوى والمهيمنة ويكون فيه العرب شركاء من الدرجة الثانية مع استكمال مسيرة دورة صفقة القرن بكل سيئاتها وفي الحقيقة المجردة أن نجاح جو بايدن ربما لن يغير بصورة جوهرية كما يتوقع البعض لأن الأمور ستكون صعبة أمامه خصوصاً وأن العرب قد غادروا ساحة الدعم والمؤازرة للقضية الفلسطينية والاهم انه يستحيل أن تتمكن الإدارة الديمقراطية من خلق وابتكار تغييرات جدية وفاعلة على ارض الواقع من دون إحداث تغيرات جوهرية في الخارطة السياسية والحزبية المتعصبة في إسرائيل
واشنطن وتل ابيب توأمان في جسد ورأس واحد لا يمكن فصلهما ولايعيش الواحد منهما بدون الأخر ومن المفيد في هذا المقام ان نستذكر ليفي أشكول ثالث رئيس وزراء في إسرائيل وقوله ( إنّ إسرائيل تصاب بالتهاب رئوي عندما تعطس أميركا ) في مقاربة حقيقية تعكس عمق العلاقات الإستراتيجية بينهما والحقيقة الدامغة وغير القابلة للشك من قريب أو بعيد وبصرف النظر عن ساكن البيت الأبيض ديمقراطياً أم جمهورياً يظل الالتهاب الرئوي يظهر مدى ارتباط إسرائيل حاضرا ومستقبلاً بالولايات المتحدة ليس كتابع بل كشريك وان قل قليلاً أو كثر كثيراً فهي مقتضيات المراوحة والمرحلة وقواعد اللعبة وربما الاتفاق والتوافق المشترك بينهما ولفلسطين رب يحميها
mahdimubarak@gmail.com
قبل أيام قليلة لا تزيد على أصابع اليد الواحدة على موعد سباق الانتخابات الرئاسية الأميركية يوم الثلاثاء القادم تنتظر أكثرية شعوب ودول العالم على أحر من الجمر وهم يحبسون أنفاسهم في حالة من الترقب وبمستوى غير مسبوق للنتائج المتوقعة وما سيقرره الشعب الأميركي من فوز بايدن أو سقوط ترامب أو التجديد له فيما يرى بعض المراقبين أن هذه الانتخابات ربما تكون الأكثر حدة وأهمية منذ ما يزيد على قرن كامل من الزمن والأكبر إثارة للاهتمام والجذب داخلياً وخارجياً في تاريخ الولايات المتحدة الكل يترقب نتائجها من زاويته ومنظار مصالحه وهواجسه ومخاوفه وتوقعاته وإسرائيل نظام وقيادات لا تشذ عن هذه القاعدة
المرشح الديمقراطي جو بايدن يحظى بفرصة كبيرة وتاريخية للفوز خصوصا بعد اجتياحه معظم الولايات المهمة قبل بدء المعركة ما لم تحدث أي مفاجئة في اللحظات الأخيرة والكل يتصور في عقله السياسة التي يفترض انتهاجها ومدى تأثير وجوده في البيت الأبيض على مجمل التطورات في الساحة المحلية وعلى السياسات الإقليمية والدولية وتحديدا ما يتعلق منها بالقضية الفلسطينية مع الفهم المسبق بان الحكم الأميركي يخضع لنظام وقانون ومؤسسة وأحزاب وبروتوكولات ومصالح الدولة العظمى المهيمنة على العالم وهي لا تتبدل إلا في الهوامش الطفيفة وبأضيق الحدود
البعض يصر على أنه لا فرق يذكر بين عودة ترامب أو نجاح بايدن لأن السياسة الأميركية في مجملها اتجاه القضية الفلسطينية تدعم إسرائيل وتبقي على تفوقها والدفاع عن أمنها والالتزام المطلق بحماية وجودها والتبني الحرفي لجميع سياساتها التي يصوغها اليمين القومي والديني المتطرف في عدائه للسلام وتوغله في العنصرية وان سياسة أي إدارة قادمة ستظل ثابتة دون أي تغير حقيقي بغض النظر عن الفائز وذلك ( حسب رصد المواقف التاريخية الموثقة للحزبين الديمقراطي والجمهوري في تاريخ السياسة الأمريكية على مدار سنوات طويلة )
في حين يرى فريق آخر ان نجاح بايدن سيحدث فرقاً كبيراً وجوهرياً ملموسا نتيجة ما أقدم عليه ترامب بشخصيته الإشكالية المتهورة وبتجربته المثيرة والغريبة في الخروج عن المألوف في قواعد اللعبة السياسية والاقتصادية والأخلاقية داخلياً وخارجياً وما مارسه من انتهاكات جسيمة للشرعية الدولية وللقانون الدولي ولعبه بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال ما أسماه بصفقة القرن التي جسد فيها رؤية أقصى اليمين الإسرائيلي في حل سياسي يثبت الاحتلال والاستيطان والسيادة الإسرائيلية ويشطب قضية اللاجئين وتقرير المصير والدولة ولا يقدم للشعب الفلسطيني غير حكم ذاتي على شكل مقاطعات أو ولايات منفصلة تحت إدارة وسيطرة الاحتلال فضلا عن وقوفه العلني مع مصالح القوى الاقتصادية الأكثر توحشاً ومقامرة في الاقتصاد والسياسة والبيئة والصحة وحقوق الإنسان والقضاء وغيرها عبر سجل حافل بالتخبط والتناقض قدمه الرئيس ترامب بنفسه ونفذ بعضه ديفيد فريدمان السفير الأميركي في إسرائيل وأشرفت على رسمه وتخطيطه كل الطواقم العاملة في ملف الشرق الأوسط بقيادة جاريد كوشنر ومع مجيء وزير الخارجية الحالي بومبيو اكتملت الصورة السوداوية وأغلق باب الأمل كليا
ومن اجل عدم وصول بايدن للبيت الأبيض يعمل اليمين المتطرف في إسرائيل منذ زمن بعيد لصالح ترامب وعودته ويحشد الناخبين وخاصة الإنجيليين للوقوف إلى جانبه خوفا من التغير السلبي المتوقع لان نجاح بايدن قد يعني عدم تبنى سياسات ترامب حول مجمل ملف الصراع في الشرق الأوسط من حيث الجوهر والانقلاب عليه وإعادة الاعتبار لحل الدولتين والعودة إلى معادلة الأرض مقابل السلام الفلسطينية وتوظيف عمليات التطبيع التي جرت مؤخرا كحافز قوي لإحياء المبادرة العربية السلام الميتة للوقوف إلى جانب الحقوق والمطالب الفلسطينية حتى وإن اضطر بايدن في بعض المراحل الى المساومات التكتيكية في هذا الإطار تحديدا فيما يتعلق بنقل السفارة الأميركية للقدس
في استطلاع للرأي أجرته قناة إسرائيل 24 قبل أيام حول توجهات الرأي العام الإسرائيلي إزاء الانتخابات الرئاسية الأميركية تبين أن نصف المستطلعين يتابعون باهتمام بالغ هذه الانتخابات في حين أن ثلثي النصف الثاني يتابعها بشكل عام ولم تكن هناك أي مفاجأة في أن ثلثي هؤلاء يأملون بفوز ترامب بينما رغبت نسبة 19% بفوز بايدن الذي في حال فوزه سيؤثر تأثيراً سلبياً ويشكل ضرراً على إسرائيل حسب نصف المستطلعين لهذا بدأ قادة الرأي لدى الدولة العبرية بقرع جرس الإنذار بأن معظم المؤشرات تتجه نحو احتمال اكبر لفور بايدن وذلك خلافاً لرغبة الأغلبية الإسرائيلية
ربما لا يكون بإيدن قادر على فعل الكثير مثلا من حيث إعادة السفارة الأميركية إلى تل أبيب الا انه من المتوقع ان يقوم بفتح القنصلية الفلسطينية في شرقي القدس والمباشرة في استئناف المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية ووكالة الغوث وإعادة فتح المكتب التمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن الذي سبق وأن أغلقه ترامب عام 2018 والتركيز على ان انعدم سبل الاستقرار في المنطقة تعود إلى أسباب كثيرة أهمها الاستيطان الإسرائيلي ولا يمكن لنا ان نغفل هنا الملف الإيراني كعامل قلق وخوف لإسرائيل حيث أعلن بايدن انه سيجري مفاوضات مع إيران للتوصل إلى اتفاق جديد وإعادة النظر في مسألة الحظر المفروض عليها
وغير ذلك الكثير من التوقعات التي لا يتسع المقال ذكرها
الدوائر السياسية العليا في إسرائيل تأخذ كل ذلك بالاعتبار والاهتمام والنتن ياهو يجهز نفسه كخصم عنيد لبايدن والعجلة والسيناريوهات والخطط مستمرة للتعامل مع إدارة أميركية جديدة بزعامة بايدن والتي من شأنها أن تؤثر تأثيراً مباشراً على العلاقة مع إسرائيل خاصة في ظل توقعات بتحكم واستئثار الحزب الديمقراطي بنتائج انتخابات مجلس الشيوخ الجانبية المترافقة مع الانتخابات الرئاسية كما كان الأمر عليه في عهد أوباما إضافة الى مواصلة ألهيمنة على مجلس النواب مما سيخفف من الابتزاز الإسرائيلي على الرئيس والكونغرس ومن هنا ستعمل إسرائيل كل محاولاتها من اجل إقناع بايدن في حال فوزه بأن نجاح عملية ( التطبيع العربي ) مع إسرائيل تشير الى ان عملية السلام ممكنة من دون مشاركة الجانب الفلسطيني وأن على هذه الإدارة الجديدة تشجيع التطبيع العربي والإسلامي مع إسرائيل للتوصل إلى استقرار وأمن المنطقة وسوف يتمسك بايدن بمفهوم أن السلام لن يتحقق إلاّ من خلال حل الدولتين مما يشجع الفلسطينيين للعودة الى طاولة المفاوضات للوصول إلى سلام مع إسرائيل ربما يخسروا فيه كثيرا وتبقى إسرائيل بلا أي خسارة
باختصار أن عودة ترامب ستقضي على كل الحقوق الوطنية الفلسطينية وقد يبدأ سياساته الشرق أوسطية القائمة في بناء حلف سياسي وعسكري وأمني تكون فيه إسرائيل هي الدولة الأقوى والمهيمنة ويكون فيه العرب شركاء من الدرجة الثانية مع استكمال مسيرة دورة صفقة القرن بكل سيئاتها وفي الحقيقة المجردة أن نجاح جو بايدن ربما لن يغير بصورة جوهرية كما يتوقع البعض لأن الأمور ستكون صعبة أمامه خصوصاً وأن العرب قد غادروا ساحة الدعم والمؤازرة للقضية الفلسطينية والاهم انه يستحيل أن تتمكن الإدارة الديمقراطية من خلق وابتكار تغييرات جدية وفاعلة على ارض الواقع من دون إحداث تغيرات جوهرية في الخارطة السياسية والحزبية المتعصبة في إسرائيل
واشنطن وتل ابيب توأمان في جسد ورأس واحد لا يمكن فصلهما ولايعيش الواحد منهما بدون الأخر ومن المفيد في هذا المقام ان نستذكر ليفي أشكول ثالث رئيس وزراء في إسرائيل وقوله ( إنّ إسرائيل تصاب بالتهاب رئوي عندما تعطس أميركا ) في مقاربة حقيقية تعكس عمق العلاقات الإستراتيجية بينهما والحقيقة الدامغة وغير القابلة للشك من قريب أو بعيد وبصرف النظر عن ساكن البيت الأبيض ديمقراطياً أم جمهورياً يظل الالتهاب الرئوي يظهر مدى ارتباط إسرائيل حاضرا ومستقبلاً بالولايات المتحدة ليس كتابع بل كشريك وان قل قليلاً أو كثر كثيراً فهي مقتضيات المراوحة والمرحلة وقواعد اللعبة وربما الاتفاق والتوافق المشترك بينهما ولفلسطين رب يحميها
mahdimubarak@gmail.com
التعليقات