طريقة العرض :
كامل
الصورة الرئيسية فقط
بدون صور

اظهار التعليقات

وكالة جراسا الإخبارية

سلفية العصر .. والألباني المفترى عليه


كنت ومنذ نعومة أظفاري أتردد على الشيخ الإمام محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله بحكم مجاورتي له في منطقة ماركا الجنوبية بعمان في الأردن، وقد حباني الله عز وجل بحب هذا الإمام المحدث الجهبذ وتعلقت به تعلق الولد بوالده فأحببته وأحببت منهجه في الدعوة والعلم القائم على الكتاب العزيز وصحيح السنة النبوية المطهرة بعيداً عن الحزبية المقيتة والأهواء الشخصية الضيقة والبدع المنكرة.

بل لقد أحببت هذا الرجل من حبي للمنهج الذي يسير عليه منهج أهل السنة القائم على نصوص الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، ولأنني أعتقد جازماً بأن هذا المنهج هو الخلاص والمناص لهذه الأمة مما هي فيه من التشرذم والتحزب والتقزم والتأزم.

وكم تعجبني عبارة الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة رحمه الله تعالى حيث قال: (لا يصلح حال آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها). ولعمر الله يا عبد الله فإن أولها لم يصلح إلا بموافقته للوحيين العظيمين الكتاب العزيز والسنة المطهرة.

وأنا أحمد الله عز وجل أني قد رَضَعتُ هذا المنهج من الشيخ الألباني رحمه الله رضعاً وتعلقت بهذا المنهج دراسة ودعوة تعلق الرضيع بأمه وارتويت من نبعه كما يرتوي العطشان من بعد ظمأ، وهذا كله بتوفيق من الله وحده الذي وفقني ويسر لي شيخا كالألباني رحمه الله أباً ومعلماً ومدرساً وموجهاً وأستاذاً.

أقول إن كل هذا الحب للألباني رحمه الله لم يجعلني في يوم من الأيام أن أقدسه فوق النصوص فالرجال تعرف بالحق ولا يعرف الحق بالرجال، وما إن رحل الشيخ رحمه الله تعالى عن هذه الحياة الدنيا الفانية ووصلني نبأ وفاته إلا وبكيت عليه بكاء شديداً وذرفت عليه الدموع كما يذرف السحاب المطر، وسارعت إلى مقبرة هملان في ماركا الجنوبية لحضور جنازته ودفنه.

وبينما أنا في أحزاني على فراق شيخي الحبيب علم السنة بل ناصر السنة وقامع البدعة في هذا الزمان الغابر ... نزلت على أذني وعلى مسمعي والشيخ يُدفن كلمة من سلفي يَعُدّ نفسه من كبار السلفية بل من أوتادها في الأردن يقول وقد علاه الحزن (من لنا بعدك يا ألباني)!! (من لنا بعدك يا شيخنا)!!، سمعت هذه الكلمة الخطيرة وكأنها صاعقة نزلت على جسدي فارتعدت منها ورجفت منها ورجفت أطرافي من خطورتها .. كيف لا وهي تخالف العقيدة وتخالف المنهج الذي كان يسير عليه الشيخ رحمه الله ... الذي كان يمقت الإطراء والمدح والغلو .. وينهى عن تقديس الشخوص ويأمر بالوقوف مع النصوص...

لقد مات أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومات الصحابة رضي الله عنهم ومات العلماء من التابعين والسلف و...و ... وبقي الإسلام هو الإسلام بتعاليمه ونصوصه ... فالإسلام لا يتوقف عند موت أحد من الخلق لأنه شريعة الله الخالدة والباقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .. فهل توقف الإسلام بموت الألباني رحمه الله تعالى؟! أللهم غفراً...

قلت في نفسي كيف لكم يا سلفية الإنحراف أن تنهوا الناس عن الغلو في الأنبياء والأولياء والصالحين بل وتنهون الناس عن الغلو والإطراء حتى في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول قائلكم مثل هذا الكلام على الشيخ الألباني رحمه الله تعالى والذي هو والله براءٌ منه ومن قائله لأنه يخالف المنهج الذي عاش ومات رحمه الله عليه.

وإنني أعجب والله وتأخذني الدهشة والرعشة عندما أسمع وأقرأ من هنا وهناك عن بعض السلفيين بل المتمسلفين وهم يصّدرون الفتاوى العظام والتي تشيب لها الولدان ثم بعد ذلك ينسبونها للألباني رحمه الله تعالى مدّعين أنهم من تلاميذ الألباني رحمه الله تعالى وهم في غالبيتهم والله ما رأوا الألباني بأم أعينهم لمرة واحدة حتى نقول أنهم جلسوا بين يديه وسمعوا منه وأخذوا العلم عنه.

وأعجب والله من هؤلاء الذين (تزبّبوا قبل أن يتحصرموا) كما يقول المثل العربي ... وهم قد انقلبوا اليوم على أنفسهم وهم أدعياء السلفية والسلفية منهم براء وهم عبر الصحف والمجلات والجرائد وعبر الشبكة العنكبوتيه بل وفي الجامعات والمساجد والمنتديات يطعنون ويلمزن ويبدّعون ويفسقون ويصدرون الأحكام جزافاً، هذا من أهل السنة وهذا من أهل البدعة وهذا سلفي وهذا بازي وهذا ربيعي و..و.. من تهم وألفاظ شنيعة يندى لها الجبين وكلهم يدعي الوصل بمنهج السلف..بل هم العالة على المنهج السلفي والسلفية بمنهجها الناصع الوضيء منهم براء..

هؤلاء المتمسلفين تجارت بهم الأهواء كما يتجارى داء الكَلَبِ بصاحبه فأطلقوا لعقولهم القاصرة ولأقلامهم المكسورة العنان يكتبون ويؤلفون الطامات بحجة وذريعة تصحيح عقائد المسلمين على منهج السلف ... وهم والله أحوج الناس إلى تصحيح المعتقدات وتقويم السلوكيات ومعالجة المشكلات... فتراهم على مواقع الإنترنت كموقع شبكة سحاب السلفية ومنتدى كل السلفيين ومنتديات أنصار الدعوة السلفية وملتقى أهل الحديث وغيرها من مواقعهم المخزية يخوضون في أسماء الله وصفاته خوضاً ينبئك عن جهلهم وضلالهم وبدعهم .. وتراهم يتناقشون ويتسائلون هل الله له نفس هل له حاسة شم هل له أصابع هل هو ينسى هل هو يهرول هل له عينين وهل له شفتين وهل...وهل... تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

هل هذا هو منهج السلف يا أدعياء السلفية؟.. أم هل هذا هو منهج الإمام الألباني رحمه الله أيها المفترون.. إن الألباني عندما تكلم في مسائل الأسماء والصفات تكلم ضمن منهج علمي سلفي قائم على التأصيل والتفصيل مقروناً بالأدلة من الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وضمن مباحث تفصيلية كاملة فما وافق الوحيين أخذ به ودافع عنه وما عارضهما رّده واعترض عليه بشكل علمي حديثي رصين...

أما أنتم يا سلفية الزمان فتأصيلكم وتفصيلكم هو القدح والجرح والردح، ولم يسلم منكم جُلّ علماء الإسلام كابن حجر والنووي والعزبن عبد السلام وابن دقيق العيد وغيرهم من أعلام الإسلام رحمهم الله تعالى.وأقولها ملء فمي ألا لا خير في سلفية تطاولت بالشتم والقدح على خيرة علماء الأمة وفضلائها.

ومما يزيد القلب حسرة أن هذه الطامات وهذه الفضائح تخرج منكم ثم توشحونها بأنكم طلاب وتلاميذ مدرسة الشيخ الألباني رحمه الله تعالى لتسيئوا للرجل وهو في فبره هداكم الله. والألباني منكم بريء براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام.ووالله ما تعلمنا من شيخنا الألباني رحمه الله إلا حب العلماء واحترامهم وعدم التعريض بهم فهم معذورون في إجتهاداتهم وهم مشاعل الهداية لهذه الأمة المرحومة.

منهج الألباني لو تعقلون هو منهج قائم على كتاب الله وصحيح سنة النبي صلى الله عليه وسلم بفهم سلف الأمة.. وهو مشروع دعّمه الشيخ رحمه الله تعالى بمبدأي التصفية و التربية .. أي تصفية الإسلام مما علق فيه من شوائب وبدع ومنكرات دخيلة لنصل إلى جوهر الإسلام النقي الزاهر الصافي كتابا وسنة.

ومن ثم التربية على هذا الإسلام تربية دقيقة حتى تؤتي هذه التصفية والتربية ثمرتها وأولها التربية على أخلاق هذا الإسلام العظيمة والكريمة والتي يفتقدها معظم سلفية الزمان.

هذه هي دعوة الإمام الألباني رحمه الله تعالى وقد كتب الله عز وجل لها النجاح لما كان عليه من إخلاص لهذه الدعوة بعيدا عن الأهواء والأدواء والقدح و الردح الذي أصبح للأسف سمة السلفي في هذا الزمان الغابر، والطامة الكبرى أنه بعد ذلك يدعي بأنه على منهج الشيخ الألباني رحمه الله تعالى .. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


جميع الحقوق محفوظة
https://www.gerasanews.com/article/34542