اعلم أنه تعالى أمر الناس بالتقوى ، فدخل فيه أن يتقي كل محرم ويتقي ترك كل واجب وإنما دخل فيه الأمران لأن المتقي إنما يتقي ما يخافه من عذاب الله تعالى فيدع لأجله المحرم ويفعل لأجله الواجب ، ولا يكاد يدخل فيه النوافل ؛ لأن المكلف لا يخاف بتركها العذاب ، وإنما يرجو بفعلها الثواب فإذا قال : ( اتقوا ربكم ) فالمراد اتقوا عذاب ربكم .
أما قوله : ( إن زلزلة الساعة شيء عظيم ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : الزلزلة شدة حركة الشيء ، قال صاحب الكشاف : ولا تخلو الساعة من أن تكون على تقدير الفاعلة لها كأنها هي التي تزلزل الأشياء على المجاز الحكمي ، فتكون الزلزلة مصدرا مضافا إلى فاعله أو على تقدير المفعول فيها على طريقة الاتساع في الظرف وإجرائه مجرى المفعول به كقوله تعالى : ( بل مكر الليل والنهار ) [ سبأ : 33 ] وهي الزلزلة المذكورة في قوله : ( إذا زلزلت الأرض زلزالها ) [ الزلزلة : 1 ] .
المسألة الثانية : اختلفوا في وقتها فعن علقمة والشعبي : أن هذه الزلزلة تكون في الدنيا وهي التي يكون معها طلوع الشمس من مغربها . وقيل : هي التي تكون معها الساعة . وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الصور : إنه قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات : نفخة الفزع ، ونفخة الصعقة ، ونفخة القيام لرب العالمين ، وإن عند نفخة الفزع يسير الله الجبال وترجف الراجفة ، تتبعها الرادفة ، قلوب يومئذ واجفة ، وتكون الأرض [ ص: 4 ] كالسفينة تضربها الأمواج أو كالقنديل المعلق ترجرجه الرياح وقال مقاتل وابن زيد : هذا في أول يوم من أيام الآخرة . واعلم أنه ليس في اللفظ دلالة على شيء من هذه الأقسام ، لأن هذه الإضافة تصح وإن كانت الزلزلة قبلها ، وتكون من أماراتها وأشراطها ، وتصح إذا كانت فيها ومعها ، كقولنا : آيات الساعة وأمارات الساعة .
المسألة الثالثة : روي أن هاتين الآيتين نزلتا بالليل والناس يسيرون ، فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمع الناس حوله فقرأهما عليهم ، فلم ير باكيا أكثر من تلك الليلة ، فلما أصبحوا لم يحطوا السرج ولم يضربوا الخيام ولم يطبخوا القدور ، والناس بين باك وجالس حزين متفكر . فقال عليه السلام : ' أتدرون أي ذلك اليوم هو ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ' ذلك يوم يقول الله لآدم عليه السلام : قم فابعث بعث النار من ولدك ، فيقول آدم : وما بعث النار ؟ - يعني من كم كم ؟ - فيقول الله عز وجل : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة ، فعند ذلك يشيب الصغير ، وتضع كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى ' ، فكبر ذلك على المؤمنين وبكوا ، وقالوا : فمن ينجو يا رسول الله ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : ' أبشروا وسددوا وقاربوا فإن معكم خليقتين ما كانا في قوم إلا كثرتاه : يأجوج ومأجوج ' ، ثم قال : ' إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ' فكبروا ، ثم قال : ' إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة ' ، فكبروا وحمدوا الله ، ثم قال : ' إني لأرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة ، إن أهل الجنة مائة وعشرون صفا ثمانون منها [ من ] أمتي وما المسلمون في الكفار إلا كالشامة في جنب البعير أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود ' ، ثم قال : ' ويدخل من أمتي سبعون ألفا إلى الجنة بغير حساب ' ، فقال عمر : سبعون ألفا ؟ قال : ' نعم ومع كل واحد سبعون ألفا ' فقام عكاشة بن محصن فقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال : ' أنت منهم ' ، فقام رجل من الأنصار فقال مثل قوله ، فقال : ' سبقك بها عكاشة ' فخاض الناس في السبعين ألفا ، فقال بعضهم : هم الذين ولدوا على الإسلام ، وقال بعضهم : هم الذين آمنوا وجاهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قالوا ، فقال : ' هم الذين لا يكتوون ولا يكوون ، ولا يسترقون ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون ' .
المسألة الرابعة : أنه سبحانه أمر الناس بالتقوى ثم علل وجوبها عليهم بذكر الساعة ووصفها بأهول صفة ، والمعنى أن التقوى تقتضي دفع مثل هذا الضرر العظيم عن النفس ، ودفع الضرر عن النفس معلوم الوجوب ، فيلزم أن تكون التقوى واجبة
اعلم أنه تعالى أمر الناس بالتقوى ، فدخل فيه أن يتقي كل محرم ويتقي ترك كل واجب وإنما دخل فيه الأمران لأن المتقي إنما يتقي ما يخافه من عذاب الله تعالى فيدع لأجله المحرم ويفعل لأجله الواجب ، ولا يكاد يدخل فيه النوافل ؛ لأن المكلف لا يخاف بتركها العذاب ، وإنما يرجو بفعلها الثواب فإذا قال : ( اتقوا ربكم ) فالمراد اتقوا عذاب ربكم .
أما قوله : ( إن زلزلة الساعة شيء عظيم ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : الزلزلة شدة حركة الشيء ، قال صاحب الكشاف : ولا تخلو الساعة من أن تكون على تقدير الفاعلة لها كأنها هي التي تزلزل الأشياء على المجاز الحكمي ، فتكون الزلزلة مصدرا مضافا إلى فاعله أو على تقدير المفعول فيها على طريقة الاتساع في الظرف وإجرائه مجرى المفعول به كقوله تعالى : ( بل مكر الليل والنهار ) [ سبأ : 33 ] وهي الزلزلة المذكورة في قوله : ( إذا زلزلت الأرض زلزالها ) [ الزلزلة : 1 ] .
المسألة الثانية : اختلفوا في وقتها فعن علقمة والشعبي : أن هذه الزلزلة تكون في الدنيا وهي التي يكون معها طلوع الشمس من مغربها . وقيل : هي التي تكون معها الساعة . وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الصور : إنه قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات : نفخة الفزع ، ونفخة الصعقة ، ونفخة القيام لرب العالمين ، وإن عند نفخة الفزع يسير الله الجبال وترجف الراجفة ، تتبعها الرادفة ، قلوب يومئذ واجفة ، وتكون الأرض [ ص: 4 ] كالسفينة تضربها الأمواج أو كالقنديل المعلق ترجرجه الرياح وقال مقاتل وابن زيد : هذا في أول يوم من أيام الآخرة . واعلم أنه ليس في اللفظ دلالة على شيء من هذه الأقسام ، لأن هذه الإضافة تصح وإن كانت الزلزلة قبلها ، وتكون من أماراتها وأشراطها ، وتصح إذا كانت فيها ومعها ، كقولنا : آيات الساعة وأمارات الساعة .
المسألة الثالثة : روي أن هاتين الآيتين نزلتا بالليل والناس يسيرون ، فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمع الناس حوله فقرأهما عليهم ، فلم ير باكيا أكثر من تلك الليلة ، فلما أصبحوا لم يحطوا السرج ولم يضربوا الخيام ولم يطبخوا القدور ، والناس بين باك وجالس حزين متفكر . فقال عليه السلام : ' أتدرون أي ذلك اليوم هو ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ' ذلك يوم يقول الله لآدم عليه السلام : قم فابعث بعث النار من ولدك ، فيقول آدم : وما بعث النار ؟ - يعني من كم كم ؟ - فيقول الله عز وجل : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة ، فعند ذلك يشيب الصغير ، وتضع كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى ' ، فكبر ذلك على المؤمنين وبكوا ، وقالوا : فمن ينجو يا رسول الله ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : ' أبشروا وسددوا وقاربوا فإن معكم خليقتين ما كانا في قوم إلا كثرتاه : يأجوج ومأجوج ' ، ثم قال : ' إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ' فكبروا ، ثم قال : ' إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة ' ، فكبروا وحمدوا الله ، ثم قال : ' إني لأرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة ، إن أهل الجنة مائة وعشرون صفا ثمانون منها [ من ] أمتي وما المسلمون في الكفار إلا كالشامة في جنب البعير أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود ' ، ثم قال : ' ويدخل من أمتي سبعون ألفا إلى الجنة بغير حساب ' ، فقال عمر : سبعون ألفا ؟ قال : ' نعم ومع كل واحد سبعون ألفا ' فقام عكاشة بن محصن فقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال : ' أنت منهم ' ، فقام رجل من الأنصار فقال مثل قوله ، فقال : ' سبقك بها عكاشة ' فخاض الناس في السبعين ألفا ، فقال بعضهم : هم الذين ولدوا على الإسلام ، وقال بعضهم : هم الذين آمنوا وجاهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قالوا ، فقال : ' هم الذين لا يكتوون ولا يكوون ، ولا يسترقون ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون ' .
المسألة الرابعة : أنه سبحانه أمر الناس بالتقوى ثم علل وجوبها عليهم بذكر الساعة ووصفها بأهول صفة ، والمعنى أن التقوى تقتضي دفع مثل هذا الضرر العظيم عن النفس ، ودفع الضرر عن النفس معلوم الوجوب ، فيلزم أن تكون التقوى واجبة
اعلم أنه تعالى أمر الناس بالتقوى ، فدخل فيه أن يتقي كل محرم ويتقي ترك كل واجب وإنما دخل فيه الأمران لأن المتقي إنما يتقي ما يخافه من عذاب الله تعالى فيدع لأجله المحرم ويفعل لأجله الواجب ، ولا يكاد يدخل فيه النوافل ؛ لأن المكلف لا يخاف بتركها العذاب ، وإنما يرجو بفعلها الثواب فإذا قال : ( اتقوا ربكم ) فالمراد اتقوا عذاب ربكم .
أما قوله : ( إن زلزلة الساعة شيء عظيم ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : الزلزلة شدة حركة الشيء ، قال صاحب الكشاف : ولا تخلو الساعة من أن تكون على تقدير الفاعلة لها كأنها هي التي تزلزل الأشياء على المجاز الحكمي ، فتكون الزلزلة مصدرا مضافا إلى فاعله أو على تقدير المفعول فيها على طريقة الاتساع في الظرف وإجرائه مجرى المفعول به كقوله تعالى : ( بل مكر الليل والنهار ) [ سبأ : 33 ] وهي الزلزلة المذكورة في قوله : ( إذا زلزلت الأرض زلزالها ) [ الزلزلة : 1 ] .
المسألة الثانية : اختلفوا في وقتها فعن علقمة والشعبي : أن هذه الزلزلة تكون في الدنيا وهي التي يكون معها طلوع الشمس من مغربها . وقيل : هي التي تكون معها الساعة . وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الصور : إنه قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات : نفخة الفزع ، ونفخة الصعقة ، ونفخة القيام لرب العالمين ، وإن عند نفخة الفزع يسير الله الجبال وترجف الراجفة ، تتبعها الرادفة ، قلوب يومئذ واجفة ، وتكون الأرض [ ص: 4 ] كالسفينة تضربها الأمواج أو كالقنديل المعلق ترجرجه الرياح وقال مقاتل وابن زيد : هذا في أول يوم من أيام الآخرة . واعلم أنه ليس في اللفظ دلالة على شيء من هذه الأقسام ، لأن هذه الإضافة تصح وإن كانت الزلزلة قبلها ، وتكون من أماراتها وأشراطها ، وتصح إذا كانت فيها ومعها ، كقولنا : آيات الساعة وأمارات الساعة .
المسألة الثالثة : روي أن هاتين الآيتين نزلتا بالليل والناس يسيرون ، فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمع الناس حوله فقرأهما عليهم ، فلم ير باكيا أكثر من تلك الليلة ، فلما أصبحوا لم يحطوا السرج ولم يضربوا الخيام ولم يطبخوا القدور ، والناس بين باك وجالس حزين متفكر . فقال عليه السلام : ' أتدرون أي ذلك اليوم هو ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ' ذلك يوم يقول الله لآدم عليه السلام : قم فابعث بعث النار من ولدك ، فيقول آدم : وما بعث النار ؟ - يعني من كم كم ؟ - فيقول الله عز وجل : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة ، فعند ذلك يشيب الصغير ، وتضع كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى ' ، فكبر ذلك على المؤمنين وبكوا ، وقالوا : فمن ينجو يا رسول الله ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : ' أبشروا وسددوا وقاربوا فإن معكم خليقتين ما كانا في قوم إلا كثرتاه : يأجوج ومأجوج ' ، ثم قال : ' إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ' فكبروا ، ثم قال : ' إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة ' ، فكبروا وحمدوا الله ، ثم قال : ' إني لأرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة ، إن أهل الجنة مائة وعشرون صفا ثمانون منها [ من ] أمتي وما المسلمون في الكفار إلا كالشامة في جنب البعير أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود ' ، ثم قال : ' ويدخل من أمتي سبعون ألفا إلى الجنة بغير حساب ' ، فقال عمر : سبعون ألفا ؟ قال : ' نعم ومع كل واحد سبعون ألفا ' فقام عكاشة بن محصن فقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال : ' أنت منهم ' ، فقام رجل من الأنصار فقال مثل قوله ، فقال : ' سبقك بها عكاشة ' فخاض الناس في السبعين ألفا ، فقال بعضهم : هم الذين ولدوا على الإسلام ، وقال بعضهم : هم الذين آمنوا وجاهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قالوا ، فقال : ' هم الذين لا يكتوون ولا يكوون ، ولا يسترقون ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون ' .
المسألة الرابعة : أنه سبحانه أمر الناس بالتقوى ثم علل وجوبها عليهم بذكر الساعة ووصفها بأهول صفة ، والمعنى أن التقوى تقتضي دفع مثل هذا الضرر العظيم عن النفس ، ودفع الضرر عن النفس معلوم الوجوب ، فيلزم أن تكون التقوى واجبة
التعليقات