طريقة العرض :
كامل
الصورة الرئيسية فقط
بدون صور

اظهار التعليقات

وكالة جراسا الإخبارية

"بأي ذنب قتلت" ؟


كتب ايهاب سلامة - أبت أمواج البحر إلا أن تقذف جثة طفل سوري صغير فرّ وأسرته من خراب بلاده هرباً الى اليونان.. دون أن يدرى بأن جثمانه الطاهر، سيسجى على سواحل الشواطىء التركية، ممدداً بكل ما في الكون من براءة وطفولة.. غافياً كملاكٍ صغير.. تاركاً وجع الارض وما عليها لمن عليها، مسلماً روحه ومصيره ليدي خالقه ..

طفلٌ سوريٌ بعمر براعم ياسمين الشام .. الذي لم يعد ينثرُ سوى رائحة الموت والدماء ... غرق اليوم، وتسعة من أفراد أسرته على متن قارب فرّوا به من النيران المستعرة في بلادهم محاولين اللجوء إلى اليونان، لتنتهي رحلتهم بمنتصف الطريق، غرباء.. وغرقى، بعد أن توقفت أنفاسهم وهم يصارعون الحياة في رحلة الهروب من أوطانهم ..

عندما تخمد أمواج البحر انفاس طفل بعمر الورد، تعلق بحضن أمه فوق قارب خشبي ، باحثاً في البلاد الاوروبية عن وطن .. فيما وطنُ - اجداده - العربي الممتدة مساحاته الخاربة من أول الدنيا لاخرها، بخيراته وثمراته، لا يقبل به على ارضه، ولا يرحب بقدميه الطاهرتين على شواطئه.. تغرق حينها الامة العربية كلها، بقيمها وتاريخها وحضارتها وانسانيتها، وتخمدُ انفاسها، غير مأسوف عليها وعلينا ابدا.

البحر الذي أنهى معاناتك يا بني.. أبى إلا أن يزّف جثمانك الطاهر إلى الشاطىء ، وأنت مرتدياً أجمل ما لديك من ملابس .. مكوماً هناك كعصفور أتعبه الرحيل، وأصر بأن تروي حكايتك ..

أراد أن يسجل أمام أعيننا جميعاً، لقطة واحدة .. مشهداً واحداً .. يختزل كل ما في الارض والسماء من ألم ووجع وقهر ودموع ..

أراد أن يعرينا أمام ضمائرنا الميتة.. أمام أولادنا الذين ندعي البطولة والرجولة صبح مساء أمامهم، اننا رأيناك يا بني.. وتركناك هناك، تغرق وحدك ..

أترى لو أن أمك التي غرقت معاك يا بني .. شاهدتك وأنت بهذه الحالة.. ماذا كانت تفعل أو تقول ؟..

أترى لو ان أباك ما زال حياً، وشاهد وجهك الذي أخفيته برمال الشاطىء خجلاً وقرفاً ممن تركوك تموت غريباً، وحيداً.. ماذا تراه يقول لنا ؟ وكيف برب الخلق يعاتبنا على تخاذلنا وعجزنا وصمتنا ؟

أترى لو أنك فتحت عينيك الان.. ونطقت بشفتيك.. ورويت أسماء من أغرقوك، وهجّروك، وكشفت عناوين السفلة والقتلة الذين تاجروا بلحمك وشردوك.. ورموك في غياهب الجب وحدك !

 يا بني ..

مذ خلق الله الارض والسماء، لا يوجد أمة تمرغت بوحل خزيها وعارها كما نحنُ ..

لا يوجد بشر.. أنس.. وحش.. حيوانات، سقطت في قعر الرذيلة والخيانة كما سقطنا نحنُ ..وماتت ضمائرها ونخوتها وكرامتها، كما ماتت فينا نحنُ ..

نم يا صغيري .. 

انت الان شهيد عند الله ..

ونحن ها هنا، غارقون حتى رؤوسنا، بخزينا وعارنا، وكل ما فينا من وضاعة .. تحتك !


جميع الحقوق محفوظة
https://www.gerasanews.com/article/196686