يتجه أن تكون هذه الآية هي التي فرض بها الحج على المسلمين ، وقد استدل بها علماؤنا على فرضية الحج ، فما كان يقع من حج النبيء - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين ، قبل نزولها ، فإنما كان تقربا إلى الله ، واستصحابا للحنفية .
وقد ثبت أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - حج مرتين بمكة قبل الهجرة ووقف مع الناس ، فأما إيجاب الحج في الشريعة الإسلامية فلا دليل على وقوعه إلا هذه الآية وقد تمالأ علماء الإسلام على الاستدلال بها على وجوب الحج ، فلا يعد ما وقع من الحج قبل نزولها ، وبعد البعثة إلا تحنثا وتقربا ، وقد صح أنها نزلت سنة ثلاث من الهجرة ، عقب غزوة أحد ، فيكون الحج فرض يومئذ .
وذكر القرطبي الاختلاف في وقت فرضية الحج على ثلاثة أقوال : فقيل : سنة خمس ، وقيل : سنة سبع ، وقيل : سنة تسع ، ولم يعز الأقوال إلى أصحابها ، سوى أنه ذكر عن ابن هشام ، عن أبي عبيد الواقدي أنه فرض [ ص: 22 ] عام الخندق ، بعد انصراف الأحزاب ، وكان انصرافهم آخر سنة خمس . قال ابن إسحاق : وولي تلك الحجة المشركون . وفي مقدمات ابن رشد ما يقتضي أن الشافعي يقول : إن الحج وجب سنة تسع ، وأظهر من هذه الأقوال قول رابع تمالأ عليه الفقهاء وهو أن دليل وجوب الحج قوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا . وقد استدل الشافعي بها على أن وجوبه على التراخي ، فيكون وجوبه على المسلمين قد تقرر سنة ثلاث ، وأصبح المسلمون منذ يومئذ محصرين عن أداء هذه الفريضة إلى أن فتح الله مكة ووقعت حجة سنة تسع .
وفي هذه الآية من صيغ الوجوب صيغتان : لام الاستحقاق ، وحرف على الدال على تقرر حق في ذمة المجرور بها . وقد تعسر أو تعذر قيام المسلمين بأداء الحج عقب نزولها ، لأن المشركين كانوا لا يسمحون لهم بذلك ، فلعل حكمة إيجاب الحج يومئذ أن يكون المسلمون على استعداد لأداء الحج مهما تمكنوا من ذلك ، ولتقوم الحجة على المشركين بأنهم يمنعون هذه العبادة ، ويصدون عن المسجد الحرام ، ويمنعون مساجد الله أن يذكر فيها اسمه .
وقوله من استطاع إليه سبيلا بدل من الناس لتقييد حال الوجوب ، وجوز الكسائي أن يكون فاعل حج ، ورد بأنه يصير الكلام : لله على سائر الناس أن يحج المستطيع منهم ، ولا معنى لتكليف جميع الناس بفعل بعضهم ، والحق أن هذا الرد لا يتجه لأن العرب تتفنن في الكلام لعلم السامع بأن فرض ذلك على الناس فرض مجمل يبينه فاعل حج ، وليس هو كقولك : استطاع الصوم ، أو استطاع حمل الثقل ، ومعنى استطاع سبيلا وجد سبيلا وتمكن منه ، والكلام بأواخره . والسبيل هنا مجاز فيما يتمكن به المكلف من الحج .
وللعلماء في تفسير السبيل في قوله تعالى ( من استطاع إليه سبيلا ) أقوال اختلفت ألفاظها ، واتحدت أغراضها ، فلا ينبغي بقاء الخلاف بينهم لأجلها مثبتا في كتب التفسير وغيرها ، فسبيل القريب من البيت الحرام سهل جدا ، وسبيل البعيد الراحلة والزاد ، ولذلك قال مالك : السبيل القدرة والناس على قدر طاقتهم وسيرهم وجلدهم . واختلف فيمن [ ص: 23 ] لا زاد له ويستطيع الاحتراف في طريقه : فقال مالك : إذا كان ذلك لا يزري فليسافر ويكتسب في طريقه ، وقال بمثله ابن الزبير ، والشعبي ، وعكرمة . وعن مالك كراهية السفر في البحر للحج إلا لمن لا يجد طريقا غيره كأهل الأندلس ، واحتج بأن الله تعالى قال يأتوك رجالا وعلى كل ضامر ولم أجد للبحر ذكرا .
قال الشيخ ابن عطية : هذا تأنيس من مالك وليست الآية بالتي تقتضي سقوط سفر البحر . وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر وهل الجهاد إلا عبادة كالحج ، وكره مالك للمرأة السفر في البحر لأنه كشفة لها ، وكل هذا إذا كانت السلامة هي الغالب وإلا لم يجز الإلقاء إلى التهلكة ، وحال سفر البحر اليوم أسلم من سفر البر إلا في أحوال عارضة في الحروب إذا شملت البحار .
يتجه أن تكون هذه الآية هي التي فرض بها الحج على المسلمين ، وقد استدل بها علماؤنا على فرضية الحج ، فما كان يقع من حج النبيء - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين ، قبل نزولها ، فإنما كان تقربا إلى الله ، واستصحابا للحنفية .
وقد ثبت أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - حج مرتين بمكة قبل الهجرة ووقف مع الناس ، فأما إيجاب الحج في الشريعة الإسلامية فلا دليل على وقوعه إلا هذه الآية وقد تمالأ علماء الإسلام على الاستدلال بها على وجوب الحج ، فلا يعد ما وقع من الحج قبل نزولها ، وبعد البعثة إلا تحنثا وتقربا ، وقد صح أنها نزلت سنة ثلاث من الهجرة ، عقب غزوة أحد ، فيكون الحج فرض يومئذ .
وذكر القرطبي الاختلاف في وقت فرضية الحج على ثلاثة أقوال : فقيل : سنة خمس ، وقيل : سنة سبع ، وقيل : سنة تسع ، ولم يعز الأقوال إلى أصحابها ، سوى أنه ذكر عن ابن هشام ، عن أبي عبيد الواقدي أنه فرض [ ص: 22 ] عام الخندق ، بعد انصراف الأحزاب ، وكان انصرافهم آخر سنة خمس . قال ابن إسحاق : وولي تلك الحجة المشركون . وفي مقدمات ابن رشد ما يقتضي أن الشافعي يقول : إن الحج وجب سنة تسع ، وأظهر من هذه الأقوال قول رابع تمالأ عليه الفقهاء وهو أن دليل وجوب الحج قوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا . وقد استدل الشافعي بها على أن وجوبه على التراخي ، فيكون وجوبه على المسلمين قد تقرر سنة ثلاث ، وأصبح المسلمون منذ يومئذ محصرين عن أداء هذه الفريضة إلى أن فتح الله مكة ووقعت حجة سنة تسع .
وفي هذه الآية من صيغ الوجوب صيغتان : لام الاستحقاق ، وحرف على الدال على تقرر حق في ذمة المجرور بها . وقد تعسر أو تعذر قيام المسلمين بأداء الحج عقب نزولها ، لأن المشركين كانوا لا يسمحون لهم بذلك ، فلعل حكمة إيجاب الحج يومئذ أن يكون المسلمون على استعداد لأداء الحج مهما تمكنوا من ذلك ، ولتقوم الحجة على المشركين بأنهم يمنعون هذه العبادة ، ويصدون عن المسجد الحرام ، ويمنعون مساجد الله أن يذكر فيها اسمه .
وقوله من استطاع إليه سبيلا بدل من الناس لتقييد حال الوجوب ، وجوز الكسائي أن يكون فاعل حج ، ورد بأنه يصير الكلام : لله على سائر الناس أن يحج المستطيع منهم ، ولا معنى لتكليف جميع الناس بفعل بعضهم ، والحق أن هذا الرد لا يتجه لأن العرب تتفنن في الكلام لعلم السامع بأن فرض ذلك على الناس فرض مجمل يبينه فاعل حج ، وليس هو كقولك : استطاع الصوم ، أو استطاع حمل الثقل ، ومعنى استطاع سبيلا وجد سبيلا وتمكن منه ، والكلام بأواخره . والسبيل هنا مجاز فيما يتمكن به المكلف من الحج .
وللعلماء في تفسير السبيل في قوله تعالى ( من استطاع إليه سبيلا ) أقوال اختلفت ألفاظها ، واتحدت أغراضها ، فلا ينبغي بقاء الخلاف بينهم لأجلها مثبتا في كتب التفسير وغيرها ، فسبيل القريب من البيت الحرام سهل جدا ، وسبيل البعيد الراحلة والزاد ، ولذلك قال مالك : السبيل القدرة والناس على قدر طاقتهم وسيرهم وجلدهم . واختلف فيمن [ ص: 23 ] لا زاد له ويستطيع الاحتراف في طريقه : فقال مالك : إذا كان ذلك لا يزري فليسافر ويكتسب في طريقه ، وقال بمثله ابن الزبير ، والشعبي ، وعكرمة . وعن مالك كراهية السفر في البحر للحج إلا لمن لا يجد طريقا غيره كأهل الأندلس ، واحتج بأن الله تعالى قال يأتوك رجالا وعلى كل ضامر ولم أجد للبحر ذكرا .
قال الشيخ ابن عطية : هذا تأنيس من مالك وليست الآية بالتي تقتضي سقوط سفر البحر . وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر وهل الجهاد إلا عبادة كالحج ، وكره مالك للمرأة السفر في البحر لأنه كشفة لها ، وكل هذا إذا كانت السلامة هي الغالب وإلا لم يجز الإلقاء إلى التهلكة ، وحال سفر البحر اليوم أسلم من سفر البر إلا في أحوال عارضة في الحروب إذا شملت البحار .
يتجه أن تكون هذه الآية هي التي فرض بها الحج على المسلمين ، وقد استدل بها علماؤنا على فرضية الحج ، فما كان يقع من حج النبيء - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين ، قبل نزولها ، فإنما كان تقربا إلى الله ، واستصحابا للحنفية .
وقد ثبت أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - حج مرتين بمكة قبل الهجرة ووقف مع الناس ، فأما إيجاب الحج في الشريعة الإسلامية فلا دليل على وقوعه إلا هذه الآية وقد تمالأ علماء الإسلام على الاستدلال بها على وجوب الحج ، فلا يعد ما وقع من الحج قبل نزولها ، وبعد البعثة إلا تحنثا وتقربا ، وقد صح أنها نزلت سنة ثلاث من الهجرة ، عقب غزوة أحد ، فيكون الحج فرض يومئذ .
وذكر القرطبي الاختلاف في وقت فرضية الحج على ثلاثة أقوال : فقيل : سنة خمس ، وقيل : سنة سبع ، وقيل : سنة تسع ، ولم يعز الأقوال إلى أصحابها ، سوى أنه ذكر عن ابن هشام ، عن أبي عبيد الواقدي أنه فرض [ ص: 22 ] عام الخندق ، بعد انصراف الأحزاب ، وكان انصرافهم آخر سنة خمس . قال ابن إسحاق : وولي تلك الحجة المشركون . وفي مقدمات ابن رشد ما يقتضي أن الشافعي يقول : إن الحج وجب سنة تسع ، وأظهر من هذه الأقوال قول رابع تمالأ عليه الفقهاء وهو أن دليل وجوب الحج قوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا . وقد استدل الشافعي بها على أن وجوبه على التراخي ، فيكون وجوبه على المسلمين قد تقرر سنة ثلاث ، وأصبح المسلمون منذ يومئذ محصرين عن أداء هذه الفريضة إلى أن فتح الله مكة ووقعت حجة سنة تسع .
وفي هذه الآية من صيغ الوجوب صيغتان : لام الاستحقاق ، وحرف على الدال على تقرر حق في ذمة المجرور بها . وقد تعسر أو تعذر قيام المسلمين بأداء الحج عقب نزولها ، لأن المشركين كانوا لا يسمحون لهم بذلك ، فلعل حكمة إيجاب الحج يومئذ أن يكون المسلمون على استعداد لأداء الحج مهما تمكنوا من ذلك ، ولتقوم الحجة على المشركين بأنهم يمنعون هذه العبادة ، ويصدون عن المسجد الحرام ، ويمنعون مساجد الله أن يذكر فيها اسمه .
وقوله من استطاع إليه سبيلا بدل من الناس لتقييد حال الوجوب ، وجوز الكسائي أن يكون فاعل حج ، ورد بأنه يصير الكلام : لله على سائر الناس أن يحج المستطيع منهم ، ولا معنى لتكليف جميع الناس بفعل بعضهم ، والحق أن هذا الرد لا يتجه لأن العرب تتفنن في الكلام لعلم السامع بأن فرض ذلك على الناس فرض مجمل يبينه فاعل حج ، وليس هو كقولك : استطاع الصوم ، أو استطاع حمل الثقل ، ومعنى استطاع سبيلا وجد سبيلا وتمكن منه ، والكلام بأواخره . والسبيل هنا مجاز فيما يتمكن به المكلف من الحج .
وللعلماء في تفسير السبيل في قوله تعالى ( من استطاع إليه سبيلا ) أقوال اختلفت ألفاظها ، واتحدت أغراضها ، فلا ينبغي بقاء الخلاف بينهم لأجلها مثبتا في كتب التفسير وغيرها ، فسبيل القريب من البيت الحرام سهل جدا ، وسبيل البعيد الراحلة والزاد ، ولذلك قال مالك : السبيل القدرة والناس على قدر طاقتهم وسيرهم وجلدهم . واختلف فيمن [ ص: 23 ] لا زاد له ويستطيع الاحتراف في طريقه : فقال مالك : إذا كان ذلك لا يزري فليسافر ويكتسب في طريقه ، وقال بمثله ابن الزبير ، والشعبي ، وعكرمة . وعن مالك كراهية السفر في البحر للحج إلا لمن لا يجد طريقا غيره كأهل الأندلس ، واحتج بأن الله تعالى قال يأتوك رجالا وعلى كل ضامر ولم أجد للبحر ذكرا .
قال الشيخ ابن عطية : هذا تأنيس من مالك وليست الآية بالتي تقتضي سقوط سفر البحر . وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر وهل الجهاد إلا عبادة كالحج ، وكره مالك للمرأة السفر في البحر لأنه كشفة لها ، وكل هذا إذا كانت السلامة هي الغالب وإلا لم يجز الإلقاء إلى التهلكة ، وحال سفر البحر اليوم أسلم من سفر البر إلا في أحوال عارضة في الحروب إذا شملت البحار .
التعليقات