يعلم ويعي الألِبّاءُ والفُطناء من المعلمين أنّ مجلس نقابتهم قد تحدّدت ملامح هيكله العام حتى قبل بدء الانتخابات الأخيرة ، فلم تطرأ عليه تغييراتٌ معتبرة ، وأبَت كثيرٌ من الوجوه إلا أنْ تكرر نفسها وتفرض تواجدها مجدّداً ، لأنّ بوصلة الترشيح في عُرْف الانتخابات النقابية العصريّة لا تقف – عادةً - إلا عند المُنظّمين حزبياً ؛ وبما يَلْقَونه مِن سخاء الدّعم المادّي والمعنوي بكل أشكاله ؛ ناهيك عن كوْن الحسابات السياسية لأحزاب بعض المشاركين فيها لا بدّ – فيما بعد - أنْ تُلقي بظلالها وشيء من ظُلمها على المنهج العملي للنقابة .
وقف المعلمون – بعد تشكيل المجلس - وعيونهم ترْمقُ وعوداً جديدة من عُمر نقابتهم الوليدة ، لكنّ قلوبهم تتحسّرُ على فوات الأيام التي مضت دون لَمْسهم شيئاً من طموحاتٍ مشروعةٍ صاغوها بهجائية ما يكابدونه في أعظم مهن الدّنيا ؛ اللهم إلّا بطاقة العضوية التي حصل عليه المعلم – أخيراً !- فوضعها في جيبه ، ومعها أملٌ ضئيل أن تنفعهم يوماً ، أو تلقى من الناس تقديراً وقبولاً ولو بمقدار كلمات قليلة تشعره بشيء من الفخر بمهنته والاعتزاز برسالته ، أو حتى الإحساس بالتغيير .
لعلّ تلك الحسرة هي منشأ الإحباط الذي بدى جاثماً على تفكير كثيرٍ من المعلمين قُبيل الانتخابات ، ودفَع قسْماً منهم نحو قرار المقاطعة وترك الانتخاب ؛ وهو ما ساهم إلى حدّ بعيد في اختلال الموازين المسئولة عن شكل النتائج الداخلة في تركيبة المجلس القادم ، وربما الاستمرار بنفس السياسة والسلوك والأداء ؛ وهذا لأنّ الطائفة الأكبر عدداً من الواصلين للمجلس منتسبون – واقعاً – إلى حزبٍ سياسيّ يعنيه كثيراً أمرُ الظهور والتواجد في نقابة بحجم ( المعلمين ) ، وعليه فلم يتأخرّ مؤيدوه من المعلمين عن مَلء صناديق الانتخابات بأسماء ( إخوانهم ) في الحزب أو الجماعة ، ولو كان كثيرٌ من تلك الأسماء وجوهاً قد حضرت في المجلس السابق الذي لم يكن على المستوى الأدنى من رضى العاملين في ميدان التربية والتعليم ! .
وعلى كلّ حالٍ فليس من الحكمة – في هذا المقام – بحْثُ الأسباب التي تجعل طريق الهيمنة على المجالس النقابية ممهدة أمام تنظيمٍ أو حزبٍ معيّن - كالإخوان المسلمين مثلاً – والوسائل المُعينة على تأسيس فكرٍ نقابي إصلاحي قويم بعيد عن التّعصّب والتحزّب ، وأرى من الأهميّة وجوب الاهتمام للآثار اللاحقة المتوقعة حول تركيبة المجلس القائم لنقابة المعلمين ، ومدى قدرته على التكيّف مع تطلعات العاملين في التربية والتعليم ، والنأي بنفسه عن التجاذبات السياسية الخارجيّة أو صراع الأحزاب مع الدولة .
في هذه الأيام – ومع اقتراب الدوام المدرسي للطلبة – بدأنا نلمسُ تحرّكات متسرعة داخل أروقة الفروع النقابية لمجلس المعلمين بغية تنفيذ اضراب شاملٍ عن تدريس التلاميذ ، وهو ما حدث في مدارسنا من مدّة قريبة مع اختلاف الأسباب المُدّعاة أو الحجج !، ورأينا حينها التأثيرات اللاحقة للإضراب ومدى الفوضى التي لحقت بالعملية التربوية و التعليمية .
لسنا هنا بصدد البحث في النتائج المتوقعة لإضرابٍ يتعلق بعشرات الآلاف من أبنائنا الذين سيتيهون – كما أُسَرِهم – في حسابات مختلطة لا ناقة لهم فيها ولا بعير ، ولا يقدرون فيها على رفضٍ أو نفير ؛ لكنّ العاقل يجد نفسه في مثل هذا الأمر أمام سؤالٍ صارخٍ : أيحّق شرْعاً وعقلاً لأولئك القائمين – أو المتحمّسين ! – للإضراب اتّخاذُ طلبة المدارس سيْفاً يسلّونه كلما دَعت حاجتهم أو مطالبهم ، أو دخلت النقابة في اللعبة السياسية ؟
مَن يقول بجواز هذا فلنا سؤاله : هبْ أنّ الطرف الآخر استقرّ على قراره أو رأيه ، أو لم تكن تنازلاته مرضية للمعلمين ، واستمر على هذا شهوراً .. ؛ أتقولُ – أو ترضى – لأولادنا الانقطاعَ عن الدراسة عدّةَ الشهور ؟ وما حدُّ هذا بظنّك ؟
إنّ الله – تعالى – قد جعل لصاحب الحقّ سُبُلاً إليه ، وما مِنها سبيلٌ واحد فيه ظلمٌ للغير أو فواتٌ لمصالح شرعيّة هامة للأمة ، أو حصول المفاسد العظيمة والأضرار العامّة ؛ ولا أظنّ منصفاً يخفى عليه ما يجرّه أيُّ إضرابٍ للعامل عن عمله من المفاسد والأضرار وسيئ الآثار ، فكيف إذا كان للمعلمين الذين هم الصفوة مِن المجتمع والأخيار ! ؛ ألا يكون العجبُ أكبر والأثرُ أخطر ؟
ليعلم أولئك المخطّطون للإضراب – في مجلس نقابة المعلمين – أنّ المشكلات والآفات التي تنخرُ مدارسنا تقتضي منّا عظيمَ الجهد والمثابرة ، وتسخير طاقاتنا وقوّاتنا في طريق الارتقاء بأبنائنا نحو مكارم القيم والأخلاق والعلم النافع ؛ ولئن كان للمعلمين ثمّة حقوق أو ما شابه فليطلبوه برضى الله – تعالى – وإنْ تأخرّ تحصيلها ، ولا يكونوا كمن ينقضُ غزْلَه مِن بعد قوّة ! ؛ فالمعلمون لتعليم الطلبة لا لحرمانهم منه أيّاً كانت الدّواعي أو الأسباب ، وليذكروا حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ' لابد للنّاس من عريف، والعريف في النار ' ، والعريف هو الذي يقومُ بأمر وحاجات القوم أو الجماعة المعيّنة من الناس ، وقوله : ' في النار ' بمعنى أنّ العرفاء على خطر عظيم ، لكوْن الأمانة لها كثيرٌ من التَّبعات في عنق حاملها .
وأمّا من كان منهم ذا دوافعٍ سياسيّة أو مآرب حزبيّة ؛ فهؤلاء لا نملك لهم إلا أنْ نقول : اتقوا الله في وطنكم الأردن ، واتقوا الله في المعلمين والتلاميذ فأنتم بمثل هذا الذي تخطّطون له إنما تقيمون للفتنة دَوْلةً ، وتهيئون للباطل صَوْلة ، واحذروا فأنّ آفة السياسة والتحزّب لا تأتي إلا بالصراعات والتفرّق ، وهي أساس كلّ بلاء وضعف يلحقُ بنقابتكم الغرّاء .. .
أخيراً : إنّ العدل والإنصاف يقتضيان حُسْنَ الظنّ بكلّ مَن وصل مجلس النقابة ، وبغضّ النظر عن مرجعياتهم وانتماءاتهم الفكريّة والمنهجية ، أو الالتفات إلى كوْن كثير منهم قد انتُخبوا لاعتباراتٍ فئويةٍ أو شخصيّة أو حزبيّة ، ونحسبُ أنهم سيصدقون بشعاراتهم التي قطعوها على أنفسهم قبل الانتخابات ، ولا زال الأملُ معقوداً بناصية كثيرٍ ممَن تقلّدوا دفّة القيادة في المجلس الجديد لنقابة المعلمين أنْ يبرزوا لنا ملامحَ عملٍ نقابي متقن يُجلي لنا الطريق نحو آفاقٍ تربويّة وتعليميّة منيرة ، لا يشوبها تأثّرٌ حزبي ولا توترٌ عصبي .. ، نحن نريد لنقابة المعلمين أن تمضي برُشْد رسالة أبنائها العظيمة ، مخلصة لدينها ووطنها – بالنّية والبُنية - خُلوص النفائس من المعادن ، واللهُ – وحده – الموفق لكلّ خيرٍ وسداد وصلاحٍ ورشاد .
يعلم ويعي الألِبّاءُ والفُطناء من المعلمين أنّ مجلس نقابتهم قد تحدّدت ملامح هيكله العام حتى قبل بدء الانتخابات الأخيرة ، فلم تطرأ عليه تغييراتٌ معتبرة ، وأبَت كثيرٌ من الوجوه إلا أنْ تكرر نفسها وتفرض تواجدها مجدّداً ، لأنّ بوصلة الترشيح في عُرْف الانتخابات النقابية العصريّة لا تقف – عادةً - إلا عند المُنظّمين حزبياً ؛ وبما يَلْقَونه مِن سخاء الدّعم المادّي والمعنوي بكل أشكاله ؛ ناهيك عن كوْن الحسابات السياسية لأحزاب بعض المشاركين فيها لا بدّ – فيما بعد - أنْ تُلقي بظلالها وشيء من ظُلمها على المنهج العملي للنقابة .
وقف المعلمون – بعد تشكيل المجلس - وعيونهم ترْمقُ وعوداً جديدة من عُمر نقابتهم الوليدة ، لكنّ قلوبهم تتحسّرُ على فوات الأيام التي مضت دون لَمْسهم شيئاً من طموحاتٍ مشروعةٍ صاغوها بهجائية ما يكابدونه في أعظم مهن الدّنيا ؛ اللهم إلّا بطاقة العضوية التي حصل عليه المعلم – أخيراً !- فوضعها في جيبه ، ومعها أملٌ ضئيل أن تنفعهم يوماً ، أو تلقى من الناس تقديراً وقبولاً ولو بمقدار كلمات قليلة تشعره بشيء من الفخر بمهنته والاعتزاز برسالته ، أو حتى الإحساس بالتغيير .
لعلّ تلك الحسرة هي منشأ الإحباط الذي بدى جاثماً على تفكير كثيرٍ من المعلمين قُبيل الانتخابات ، ودفَع قسْماً منهم نحو قرار المقاطعة وترك الانتخاب ؛ وهو ما ساهم إلى حدّ بعيد في اختلال الموازين المسئولة عن شكل النتائج الداخلة في تركيبة المجلس القادم ، وربما الاستمرار بنفس السياسة والسلوك والأداء ؛ وهذا لأنّ الطائفة الأكبر عدداً من الواصلين للمجلس منتسبون – واقعاً – إلى حزبٍ سياسيّ يعنيه كثيراً أمرُ الظهور والتواجد في نقابة بحجم ( المعلمين ) ، وعليه فلم يتأخرّ مؤيدوه من المعلمين عن مَلء صناديق الانتخابات بأسماء ( إخوانهم ) في الحزب أو الجماعة ، ولو كان كثيرٌ من تلك الأسماء وجوهاً قد حضرت في المجلس السابق الذي لم يكن على المستوى الأدنى من رضى العاملين في ميدان التربية والتعليم ! .
وعلى كلّ حالٍ فليس من الحكمة – في هذا المقام – بحْثُ الأسباب التي تجعل طريق الهيمنة على المجالس النقابية ممهدة أمام تنظيمٍ أو حزبٍ معيّن - كالإخوان المسلمين مثلاً – والوسائل المُعينة على تأسيس فكرٍ نقابي إصلاحي قويم بعيد عن التّعصّب والتحزّب ، وأرى من الأهميّة وجوب الاهتمام للآثار اللاحقة المتوقعة حول تركيبة المجلس القائم لنقابة المعلمين ، ومدى قدرته على التكيّف مع تطلعات العاملين في التربية والتعليم ، والنأي بنفسه عن التجاذبات السياسية الخارجيّة أو صراع الأحزاب مع الدولة .
في هذه الأيام – ومع اقتراب الدوام المدرسي للطلبة – بدأنا نلمسُ تحرّكات متسرعة داخل أروقة الفروع النقابية لمجلس المعلمين بغية تنفيذ اضراب شاملٍ عن تدريس التلاميذ ، وهو ما حدث في مدارسنا من مدّة قريبة مع اختلاف الأسباب المُدّعاة أو الحجج !، ورأينا حينها التأثيرات اللاحقة للإضراب ومدى الفوضى التي لحقت بالعملية التربوية و التعليمية .
لسنا هنا بصدد البحث في النتائج المتوقعة لإضرابٍ يتعلق بعشرات الآلاف من أبنائنا الذين سيتيهون – كما أُسَرِهم – في حسابات مختلطة لا ناقة لهم فيها ولا بعير ، ولا يقدرون فيها على رفضٍ أو نفير ؛ لكنّ العاقل يجد نفسه في مثل هذا الأمر أمام سؤالٍ صارخٍ : أيحّق شرْعاً وعقلاً لأولئك القائمين – أو المتحمّسين ! – للإضراب اتّخاذُ طلبة المدارس سيْفاً يسلّونه كلما دَعت حاجتهم أو مطالبهم ، أو دخلت النقابة في اللعبة السياسية ؟
مَن يقول بجواز هذا فلنا سؤاله : هبْ أنّ الطرف الآخر استقرّ على قراره أو رأيه ، أو لم تكن تنازلاته مرضية للمعلمين ، واستمر على هذا شهوراً .. ؛ أتقولُ – أو ترضى – لأولادنا الانقطاعَ عن الدراسة عدّةَ الشهور ؟ وما حدُّ هذا بظنّك ؟
إنّ الله – تعالى – قد جعل لصاحب الحقّ سُبُلاً إليه ، وما مِنها سبيلٌ واحد فيه ظلمٌ للغير أو فواتٌ لمصالح شرعيّة هامة للأمة ، أو حصول المفاسد العظيمة والأضرار العامّة ؛ ولا أظنّ منصفاً يخفى عليه ما يجرّه أيُّ إضرابٍ للعامل عن عمله من المفاسد والأضرار وسيئ الآثار ، فكيف إذا كان للمعلمين الذين هم الصفوة مِن المجتمع والأخيار ! ؛ ألا يكون العجبُ أكبر والأثرُ أخطر ؟
ليعلم أولئك المخطّطون للإضراب – في مجلس نقابة المعلمين – أنّ المشكلات والآفات التي تنخرُ مدارسنا تقتضي منّا عظيمَ الجهد والمثابرة ، وتسخير طاقاتنا وقوّاتنا في طريق الارتقاء بأبنائنا نحو مكارم القيم والأخلاق والعلم النافع ؛ ولئن كان للمعلمين ثمّة حقوق أو ما شابه فليطلبوه برضى الله – تعالى – وإنْ تأخرّ تحصيلها ، ولا يكونوا كمن ينقضُ غزْلَه مِن بعد قوّة ! ؛ فالمعلمون لتعليم الطلبة لا لحرمانهم منه أيّاً كانت الدّواعي أو الأسباب ، وليذكروا حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ' لابد للنّاس من عريف، والعريف في النار ' ، والعريف هو الذي يقومُ بأمر وحاجات القوم أو الجماعة المعيّنة من الناس ، وقوله : ' في النار ' بمعنى أنّ العرفاء على خطر عظيم ، لكوْن الأمانة لها كثيرٌ من التَّبعات في عنق حاملها .
وأمّا من كان منهم ذا دوافعٍ سياسيّة أو مآرب حزبيّة ؛ فهؤلاء لا نملك لهم إلا أنْ نقول : اتقوا الله في وطنكم الأردن ، واتقوا الله في المعلمين والتلاميذ فأنتم بمثل هذا الذي تخطّطون له إنما تقيمون للفتنة دَوْلةً ، وتهيئون للباطل صَوْلة ، واحذروا فأنّ آفة السياسة والتحزّب لا تأتي إلا بالصراعات والتفرّق ، وهي أساس كلّ بلاء وضعف يلحقُ بنقابتكم الغرّاء .. .
أخيراً : إنّ العدل والإنصاف يقتضيان حُسْنَ الظنّ بكلّ مَن وصل مجلس النقابة ، وبغضّ النظر عن مرجعياتهم وانتماءاتهم الفكريّة والمنهجية ، أو الالتفات إلى كوْن كثير منهم قد انتُخبوا لاعتباراتٍ فئويةٍ أو شخصيّة أو حزبيّة ، ونحسبُ أنهم سيصدقون بشعاراتهم التي قطعوها على أنفسهم قبل الانتخابات ، ولا زال الأملُ معقوداً بناصية كثيرٍ ممَن تقلّدوا دفّة القيادة في المجلس الجديد لنقابة المعلمين أنْ يبرزوا لنا ملامحَ عملٍ نقابي متقن يُجلي لنا الطريق نحو آفاقٍ تربويّة وتعليميّة منيرة ، لا يشوبها تأثّرٌ حزبي ولا توترٌ عصبي .. ، نحن نريد لنقابة المعلمين أن تمضي برُشْد رسالة أبنائها العظيمة ، مخلصة لدينها ووطنها – بالنّية والبُنية - خُلوص النفائس من المعادن ، واللهُ – وحده – الموفق لكلّ خيرٍ وسداد وصلاحٍ ورشاد .
يعلم ويعي الألِبّاءُ والفُطناء من المعلمين أنّ مجلس نقابتهم قد تحدّدت ملامح هيكله العام حتى قبل بدء الانتخابات الأخيرة ، فلم تطرأ عليه تغييراتٌ معتبرة ، وأبَت كثيرٌ من الوجوه إلا أنْ تكرر نفسها وتفرض تواجدها مجدّداً ، لأنّ بوصلة الترشيح في عُرْف الانتخابات النقابية العصريّة لا تقف – عادةً - إلا عند المُنظّمين حزبياً ؛ وبما يَلْقَونه مِن سخاء الدّعم المادّي والمعنوي بكل أشكاله ؛ ناهيك عن كوْن الحسابات السياسية لأحزاب بعض المشاركين فيها لا بدّ – فيما بعد - أنْ تُلقي بظلالها وشيء من ظُلمها على المنهج العملي للنقابة .
وقف المعلمون – بعد تشكيل المجلس - وعيونهم ترْمقُ وعوداً جديدة من عُمر نقابتهم الوليدة ، لكنّ قلوبهم تتحسّرُ على فوات الأيام التي مضت دون لَمْسهم شيئاً من طموحاتٍ مشروعةٍ صاغوها بهجائية ما يكابدونه في أعظم مهن الدّنيا ؛ اللهم إلّا بطاقة العضوية التي حصل عليه المعلم – أخيراً !- فوضعها في جيبه ، ومعها أملٌ ضئيل أن تنفعهم يوماً ، أو تلقى من الناس تقديراً وقبولاً ولو بمقدار كلمات قليلة تشعره بشيء من الفخر بمهنته والاعتزاز برسالته ، أو حتى الإحساس بالتغيير .
لعلّ تلك الحسرة هي منشأ الإحباط الذي بدى جاثماً على تفكير كثيرٍ من المعلمين قُبيل الانتخابات ، ودفَع قسْماً منهم نحو قرار المقاطعة وترك الانتخاب ؛ وهو ما ساهم إلى حدّ بعيد في اختلال الموازين المسئولة عن شكل النتائج الداخلة في تركيبة المجلس القادم ، وربما الاستمرار بنفس السياسة والسلوك والأداء ؛ وهذا لأنّ الطائفة الأكبر عدداً من الواصلين للمجلس منتسبون – واقعاً – إلى حزبٍ سياسيّ يعنيه كثيراً أمرُ الظهور والتواجد في نقابة بحجم ( المعلمين ) ، وعليه فلم يتأخرّ مؤيدوه من المعلمين عن مَلء صناديق الانتخابات بأسماء ( إخوانهم ) في الحزب أو الجماعة ، ولو كان كثيرٌ من تلك الأسماء وجوهاً قد حضرت في المجلس السابق الذي لم يكن على المستوى الأدنى من رضى العاملين في ميدان التربية والتعليم ! .
وعلى كلّ حالٍ فليس من الحكمة – في هذا المقام – بحْثُ الأسباب التي تجعل طريق الهيمنة على المجالس النقابية ممهدة أمام تنظيمٍ أو حزبٍ معيّن - كالإخوان المسلمين مثلاً – والوسائل المُعينة على تأسيس فكرٍ نقابي إصلاحي قويم بعيد عن التّعصّب والتحزّب ، وأرى من الأهميّة وجوب الاهتمام للآثار اللاحقة المتوقعة حول تركيبة المجلس القائم لنقابة المعلمين ، ومدى قدرته على التكيّف مع تطلعات العاملين في التربية والتعليم ، والنأي بنفسه عن التجاذبات السياسية الخارجيّة أو صراع الأحزاب مع الدولة .
في هذه الأيام – ومع اقتراب الدوام المدرسي للطلبة – بدأنا نلمسُ تحرّكات متسرعة داخل أروقة الفروع النقابية لمجلس المعلمين بغية تنفيذ اضراب شاملٍ عن تدريس التلاميذ ، وهو ما حدث في مدارسنا من مدّة قريبة مع اختلاف الأسباب المُدّعاة أو الحجج !، ورأينا حينها التأثيرات اللاحقة للإضراب ومدى الفوضى التي لحقت بالعملية التربوية و التعليمية .
لسنا هنا بصدد البحث في النتائج المتوقعة لإضرابٍ يتعلق بعشرات الآلاف من أبنائنا الذين سيتيهون – كما أُسَرِهم – في حسابات مختلطة لا ناقة لهم فيها ولا بعير ، ولا يقدرون فيها على رفضٍ أو نفير ؛ لكنّ العاقل يجد نفسه في مثل هذا الأمر أمام سؤالٍ صارخٍ : أيحّق شرْعاً وعقلاً لأولئك القائمين – أو المتحمّسين ! – للإضراب اتّخاذُ طلبة المدارس سيْفاً يسلّونه كلما دَعت حاجتهم أو مطالبهم ، أو دخلت النقابة في اللعبة السياسية ؟
مَن يقول بجواز هذا فلنا سؤاله : هبْ أنّ الطرف الآخر استقرّ على قراره أو رأيه ، أو لم تكن تنازلاته مرضية للمعلمين ، واستمر على هذا شهوراً .. ؛ أتقولُ – أو ترضى – لأولادنا الانقطاعَ عن الدراسة عدّةَ الشهور ؟ وما حدُّ هذا بظنّك ؟
إنّ الله – تعالى – قد جعل لصاحب الحقّ سُبُلاً إليه ، وما مِنها سبيلٌ واحد فيه ظلمٌ للغير أو فواتٌ لمصالح شرعيّة هامة للأمة ، أو حصول المفاسد العظيمة والأضرار العامّة ؛ ولا أظنّ منصفاً يخفى عليه ما يجرّه أيُّ إضرابٍ للعامل عن عمله من المفاسد والأضرار وسيئ الآثار ، فكيف إذا كان للمعلمين الذين هم الصفوة مِن المجتمع والأخيار ! ؛ ألا يكون العجبُ أكبر والأثرُ أخطر ؟
ليعلم أولئك المخطّطون للإضراب – في مجلس نقابة المعلمين – أنّ المشكلات والآفات التي تنخرُ مدارسنا تقتضي منّا عظيمَ الجهد والمثابرة ، وتسخير طاقاتنا وقوّاتنا في طريق الارتقاء بأبنائنا نحو مكارم القيم والأخلاق والعلم النافع ؛ ولئن كان للمعلمين ثمّة حقوق أو ما شابه فليطلبوه برضى الله – تعالى – وإنْ تأخرّ تحصيلها ، ولا يكونوا كمن ينقضُ غزْلَه مِن بعد قوّة ! ؛ فالمعلمون لتعليم الطلبة لا لحرمانهم منه أيّاً كانت الدّواعي أو الأسباب ، وليذكروا حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ' لابد للنّاس من عريف، والعريف في النار ' ، والعريف هو الذي يقومُ بأمر وحاجات القوم أو الجماعة المعيّنة من الناس ، وقوله : ' في النار ' بمعنى أنّ العرفاء على خطر عظيم ، لكوْن الأمانة لها كثيرٌ من التَّبعات في عنق حاملها .
وأمّا من كان منهم ذا دوافعٍ سياسيّة أو مآرب حزبيّة ؛ فهؤلاء لا نملك لهم إلا أنْ نقول : اتقوا الله في وطنكم الأردن ، واتقوا الله في المعلمين والتلاميذ فأنتم بمثل هذا الذي تخطّطون له إنما تقيمون للفتنة دَوْلةً ، وتهيئون للباطل صَوْلة ، واحذروا فأنّ آفة السياسة والتحزّب لا تأتي إلا بالصراعات والتفرّق ، وهي أساس كلّ بلاء وضعف يلحقُ بنقابتكم الغرّاء .. .
أخيراً : إنّ العدل والإنصاف يقتضيان حُسْنَ الظنّ بكلّ مَن وصل مجلس النقابة ، وبغضّ النظر عن مرجعياتهم وانتماءاتهم الفكريّة والمنهجية ، أو الالتفات إلى كوْن كثير منهم قد انتُخبوا لاعتباراتٍ فئويةٍ أو شخصيّة أو حزبيّة ، ونحسبُ أنهم سيصدقون بشعاراتهم التي قطعوها على أنفسهم قبل الانتخابات ، ولا زال الأملُ معقوداً بناصية كثيرٍ ممَن تقلّدوا دفّة القيادة في المجلس الجديد لنقابة المعلمين أنْ يبرزوا لنا ملامحَ عملٍ نقابي متقن يُجلي لنا الطريق نحو آفاقٍ تربويّة وتعليميّة منيرة ، لا يشوبها تأثّرٌ حزبي ولا توترٌ عصبي .. ، نحن نريد لنقابة المعلمين أن تمضي برُشْد رسالة أبنائها العظيمة ، مخلصة لدينها ووطنها – بالنّية والبُنية - خُلوص النفائس من المعادن ، واللهُ – وحده – الموفق لكلّ خيرٍ وسداد وصلاحٍ ورشاد .
التعليقات