السياسة الخارجية
كيف تختار الدولة الأهداف التي تنشدها لسياستها الخارجية المعاصرة وكيف تعين المصالح القومية التي تسعى الى تحقيقها ؟؟؟
ما هي الوسائل التي تنتهجها الدولة لبلوغ أهداف سياستها الخارجية والمحافظة على مصالحها القومية العليا ؟؟؟
ان موضوع السياسة الخارجية لم يستطع ان يحتل مكانته الحقيقية بين الدراسات السياسية العلمية المقارنة لأن معظم الدراسات التي تناولت هذا الموضوع قد اقتصرت على التحليل الوصفي للمؤسسات والعمليات السياسية داخل كل دولة.... كما أن دراسة العلاقات الدولية انصبت على علاقات وصلات الدول بعضها ببعض وتناولت توازن القوى بين مختلف الدول وخلافاتها العقائدية وتسوية منازعاتها بالمعاهدات أو في نطاق المنظمات الدولية، فظلت السياسة الخارجية وهي أهم وجه من وجوه العلاقات الدولية لا مكان لها في هذه الدراسات.
وفي بداية عام 1960 أخذت الدراسات المقارنة تتناول بالبحث والتحليل كيفية اعداد كل دولة لسياستها الخارجية والتركيز على الدراسات المقارنة للسياسات الخارجية لمختلف الدول ، فأخذنا نسمع بالأنظمة السياسية المختلفة وخصائص هذه الأنظمة في سياق النظام السياسي للدولة وفي ظل التوازن الفعلي للقوى الدولية. وتناولت هذه الدراسات كلا من العلاقات الدولية والدراسة المقارنة للحكم والتاريخ الدبلوماسي بالبحث والتمحيص وأخذت دراسة السياسة الخارجية تتناول القوى الاجتماعية والعمليات السياسية والمواقف والتطلعات والنماذج المختلفة التي يمتاز بها السلوك الدبلوماسي المعاصر. فاتسمت الدراسات الأولى بمحاولات قام بها العلماء لوصف العمليات السياسية الدولية وصفا منهجيا صارما. وتبعتها محاولات لتكوين نظريات حول مختلف الوسائل والاساليب السائدة في السياسات الدولية كتلك النظريات حول التواصل الاعلامي الدولي والدعاية وحول استعمال الوسائل الاقتصادية في التأثير على سياسات الدول الأخرى وحول امكانات استعمال القوة العسكرية في تسيير السياسة الخارجية وحدود هذا الاستعمال في ظل القوانين الدولية .
ولقد حاولت هذه الدراسات مجاراة التقدم في التكنولوجيا العسكرية بما أثاره هذا التقدم من مخاطر تهدد الانسانية جمعاء وما صاحب هذا التقدم من تراجع في القيم الانسانية والأخلاقية بعد أن كانت أوروبا محور النظام السياسي الدولي أصبحت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي' سابقا' تتنازعان وتتنافسان في استغلال هذا النظام السياسي من اجل تعزيز السيطرة والاستغلال. فاكتسبت نتيجة هذا الصراع كل من أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وافريقيا وجنوبي آسيا وجنوب شرق آسيا أهمية بالغة كمراكز للمبادرة وأهداف للتنافس الدولي وأسواق للاستغلال.
ولقد انصبت الدراسات خلال العقود الخمسة الماضية على دراسة السياسات الخارجية للدول العظمى وذلك لأهمية الدور الذي تلعبه هذه الدول في رسم وتهيئة المناخ للسياسة الدولية. ولقد تحولت دراسة التاريخ الدبلوماسي من التوقف عند القرارات الدبلوماسية الرسمية وتصرفات الدبلوماسيين لتشمل تأثير السياسة الداخلية لكل دولة على سياستها الخارجية ولتتناول التفاعل والتناغم بين السياسات الداخلية والخارجية كما برز الاهتمام بدراسة الجماعات السياسية سيما وأن ديناميكية الجماعة قد اصبحت موضوع العصر في كثير من العلوم بعد ان كانت الهوة شاسعة بين دراسة المجتمع كوحدة واحدة مستقلة عن دراسة الفرد بغض النظر عن تعريف علم الاجتماع وتعريف علم النفس أخذت هذه الهوة تضيق عن طريق ربطها بديناميكية الجماعة.
كما برزت الى حيز الوجود مواضيع ذات أهمية بالغة في عالم السياسة منها عملية اتخاذ القرار واثر هذا القرار على السياسة الخارجية والداخلية واهداف الدولة. ولا بد لنا من الاعتراف بوجود التمييز القائم بين الدول العظمى ودول العالم الثالث والدول المتقدمة اقتصاديا والدول الفقيرة وأنظمة الحكم في كثير من الدول الديمقراطية منها أو الدكتاتورية الثورية أو المحافظة. ويجب أن نعترف بأن لكل دولة من الدول طريقتها في اتخاذ واتباع السياسة الخاصة بها تجاه دول العالم ونهجها الخاص في ميدان التنظيم الدبلوماسي. ويجب أن نوضح بأنه لا يكفي أن نعتمد في دراساتنا للسياسة الخارجية على دراسة أنظمة الحكم والتركيز على الحركة الداخلية للنظام السياسي. وانما يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الوضع الاقليمي والوضع الدولي في شكل العمليات السياسية. ولقد درج الكثير من علماء السياسة الخارجية بالتركيزعند دراسة السياسة الخارجية لاحدى الدول على معلومات أساسية عن تاريخ هذه الدولة للتعرف على العوامل الرئيسة التي ساهمت في ترسيخ دور الدولة في الشؤون العالمية مثل موارد الدولة وطاقاتها الاقتصادية وتكوينها الاجتماعي ونزعاتها وارثها الثقافي وتوجهاتها العقائدية وتركيبها السياسي الدستوري والحزبي وللتغيرات في وضعها الدولي. ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن السياسات الخارجية لمختلف الأمم هي دائما في حالة تكوين وتغيير نتيجة تفاعلها مع دول الاقليم ودول العالم. وان الدولة الناجحة هي الدولة القادرة على مجابهة كافة التغيرات الاقليمية والدولية والقادرة على التوافق أو التأقلم مع كل المواقف مهما تغيرت أو استجدت . وفي نفس الوقت يجب الاهتمام بدراسة المؤسسات المسؤولة عن السياسة الخارجية في كل دولة حيث ان هذه المؤسسات في كثير من الدول المتقدمة لا تقتصر على السلطة التنفيذية والوزارت والسلطة التشريعية واللجان الهامة بل تشمل ايضا الاحزاب والجماعات الضاغطة غير الحكومية ووسائل الاعلام والراي العام والاتحادات بمختلف أنواعها والجماعات السياسية والاجتماعية والدينية والقوى التجارية والصناعية وأصحاب المال .
ولا بد عند دراسة السياسة الخارجية الاجابة على السؤالين التاليين:
1. كيف تختار الدولة الأهداف التي تنشدها سياستها الخارجية المعاصرة وكيف تعين المصالح القومية التي تسعى الى تحقيقها.
2 . ما هي الوسائل التي تنتهجها الدولة لبلوغ أهداف سياستها الخارجية والمحافظة على مصالحها القومية العليا.
السياسة الخارجية للدول العربية:
أما بالنسبة الى السياسة الخارجية للدول العربية فهي تتميز بالحيرة. لا سيما وأن صانعي السياسة الخارجية يبحثون دائما وأبدا عن طرق وأساليب جديدة للتأثير في مجريات الاحداث العالمية بحيث يصبح أي موقف للدول العربية لا يتعدى كونه ردود فعل عاجلة تنطوي في معظمها على تناقضات وتفتقر الى التخطيط والتنظيم. وعليه فان التصميم على ايجاد سياسة عربية موحدة يتمثل في مواجهة موقف معين بذاته فكلما أفلحت الدول العربية في تقريب وجهات النظر والاتفاق على سياسة خارجية موحدة برزت أحداث وظروف سياسية جديدة تتطلب اتفاقا واجماعا جديدا. ولا شك بأن اتباع سياسة تقليدية تبقينا رهائن في أيدي القوى العظمى حيث نجحت هذه القوى منذ منتصف القرن الماضي وبكل أسف في تمزيق العالم العربي وجرت بدوله الى سياسات المحاور وانقسمت الدول العربية على نفسها فمنها الدول الدائرة في فلك المعسكر الشرقي ومنها ما هو دائر في فلك المعسكر الغربي ومنها ما زال يبحث عن هوية مستقلة في دول عدم الانحياز. ولما كان قوام السياسة المحافظة على السيادة ظهرت الحاجة الى الجيوش المدربة والى أجهزة الأمن المختلفة أولا لمجابهة التهديدات الخارجية وثانيا للاستمرار في فرض حالة من الأمن والاستقرار الداخلي والمحافظة على أنظمة الحكم.. ولقد استغلت الدول العظمى هذه النزعة وتسترت خلف نوع آخر من أنواع الاستعمار. فبعد أن كانت الدول الكبرى تعمد الى الاحتلال العسكري عمدت الى الاستعمار الثقافي والفكري والإقتصادي لا سيما في غمرة الصراع العقائدي بين المعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي. وتمثلت حتمية هذا الصراع في الانتقال الى عهد التحالفات العسكرية والى الاستغلال الاقتصادي ونهب الثروات الطبيعية للدول العربية ومقايضتها بالسلع التكنولوجية والأسلحة المختلفة. وأدى التقدم التكنولوجي الى تباين واتساع الهوة بين الدول الصناعية المتقدمة والدول النامية. وهنا بالذات لا أريد التركيز على الأموال الطائلة التي أنفقتها الدول العربية في سبيل شراء أسلحة تقليدية خالية من الطابع الاستراتيجي . وبحجة مقاومة العدوان الاسرائيلي واذكاء الروح الوطنية تمكنت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي(سابقا) وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وايطاليا والصين من 'تشليح' العالم العربي من مصادره الطبيعية وعلى رأسها البترول العربي مقابل تطمين القادة العرب في المحافظة على سيادتهم واستمرار أنظمة الحكم الخاصة بهم. ويجري الآن الإعداد للسيطرة على منابع الغاز والتحكم في بيعه وتحديد وسائط نقله عبر خطوط أنابيب الغاز.
ولقد فشلت القضية الفلسطينية في تقريب وجهات النظر العربية وتوحيد الجهد رغم أنها القضية المصيرية التي حازت على أكبر حيز من مؤتمرات القمة العربية والجهد العسكري الذي تمثل بالحروب العربية الاسرائيلية فلقد تراجعت القضية الفلسطينية في ظل التمزق الداخلي بين منظمة التحرير وبين حركة حماس والخلاف الخارجي الذي تشهده الدول العربية وثورات ما يسمى بالربيع العربي والنجاح الغربي في تنفيذ مخططات تفتيت وتمزيق العالم العربي والإسلامي بدءا من وثيقة كامبل إلى مخططات برنارد لويس تحت مسميات الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد وما شهده العالم العربي من تغيير الأنظمة في كل من العراق وتونس وليبيا وسلخ جنوب السودان والصراعات التي دارت في اليمن والحرب الأهلية الدائرة في سوريا والتداعيات الخطيرة التي يعايشها العالم اليوم نظرا لإستخدام الأسلحة الكيميائية والتهديد من قبل الولايات المتحدة باللجوء إلى الضربة العسكرية إذا لم يتم تخلي النظام السوري عن الأسلحة الكيميائية . وتغيير نظام الحكم مرتين متتاليتين في مصر العربية خلال عامين . وبالرغم من محاولات الجامعة العربية في الظهور أمام العالم بأن الأمة العربية لديها موقف موحد وسياسة مؤثرة ورغم مئات القرارات والبيانات الا أن الدول العربية وبكل ألم لم تتحد فعلا بل على العكس انقسمت الدول العربية على نفسها وحاولت بعض الدول العربية الغنية مالا والقليلة عددا أن تستأثر بقيادة بعض الدول العربية العريقة ذات القيادة التاريخية والكثافة السكانية تنفيذا لأوامر الولايات المتحدة ولعل أخطر ما نجابهه الآن تحويل الصراع في الشرق الأوسط إلى صراع ديني سني شيعي وإيجاد عدو جديد للشعوب العربية المتمثل في جمهورية إيران الإسلامية بدلا من العدو الإسرائيلي حيث تتجه كل الجهود الآن إلى التخلص من النفوذ الإيراني في كل من سوريا وحزب الله ولكن الأعين مغلقة ولا تريد أن تعترف أو حتى أن تتساءل لماذا قامت الولايات المتحدة بتقديم العراق على طبق من ذهب وإخضاعه سياسيا إلى النفوذ الشيعي الإيراني . كما أن الصراع العربي العربي قد استنفذ الكثير الكثير من الثروات العربية ولعل الحروب التي وقعت في كل من ليبيا واليمن خلال العامين الماضيين بالإضافة إلى الحرب الدائرة في سوريا تحت ستار الربيع العربي وما تجابهه مصر العربية نتيجة تنحية الرئيس محمد مرسي من الأخوان المسلمين يمهد إلى حرب عصابات محدودة ولكنها مؤلمة وباهظة التكاليف . كما فشلت الدول العربية في اتخاذ موقف موحد وسياسة موحدة واضحة المعالم في المؤتمرات الاسلامية ومؤتمرات دول عدم الانحياز بل حتى مواقفها في الأمم المتحدة بعيدة عن التنسيق والتوافق .
واليوم ونحن في خضم الثورات الجديدة الحديثة لا ندري ما هو المستقبل ليس للدول التي شهدت وتشهد الثورات بل مستقبل النظام العربي ككل. فهل فعلا تم تغيير نظام الحكم في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن أم أنه تغيير محدود ولا زال رموز النظام السابق هو القابع على سدة الحكم مع تغيير للأفراد. وإنه لمن الصعب جداً الحكم على آثار هذه الثورات لا سيما ونحن لا نعرف الى أين ستؤدي بنا هذه الأحداث لأن الكثير منها لم يكتمل بعد ولأن مثل هذه التغيرات بحاجة الى زمن طويل لتقييم آثاره. كما أننا حتى هذه اللحظة لا نعلم الأسباب الكامنة وراءه رغم إدراكنا أن الفساد والتبعية هما القاسم المشترك ألأعظم بين كل الأنظمة العربية
عملية صنع السياسة الخارجية :-
ان عملية صنع السياسة الخارجية لأي دولة من الدول لا بد وأن تتناول بالدراسة والبحث المواضيع التالية:
1 . الادارات الحكومية
أ . السلطة التنفيذية
ب. السلطة التشريعية
ج . السلطة القضائية
2 . الادارات الغير حكومية
أ . الأحزاب السياسية
ب . الجماعات ذات المصالح الخاصة
ج . وسائل الاعلام
د . خصائص الرأي العام
ولا بد لنا أولا وآخرا من التعرض الى ماهية السياسة الخارجية والاجابة على السؤال التالي ' كيف تعين الدولة المصالح القومية والأهداف العليا التي تنشدها في سياستها الخارجية وما هي الوسائل التي تستخدمها في تحقيق هذه المصالح والأهداف ' وهنا لا بد لنا من مناقشة السياسات التالية.
1: السياسة الإقتصادية الخارجية من حيث مصادر الثروة الوطنية وأفضل السبل والوسائل في استغلالها وعلى رأسها النفط والغاز بالنسبة للدول العربية الغنية أما بالنسبة إلى الدول العربية الفقيرة فلا بد من التركيز على المساعدات الخارجية وتوظيف رؤوس المال ومراقبة التجارة والتعريفات الجمركية والاتفاقات الاقتصادية والمعونات ومصادر تمويل خطط التنمية.
2: السياسة الخارجية المتصلة بالأمن القومي من حيث العلاقات والأهداف القومية العليا وتوفير أكبر قدر ممكن من القدرة العسكرية من أجل الحفاظ على الأمن القومي واستعراض التهديدات العسكرية في المنطقة ودراسة التحالفات العسكرية وتأمين الحصول على السلاح المطلوب وتطوير قدرة الدولة على تحقيق أمنها القومي .
السياسة الخارجية
كيف تختار الدولة الأهداف التي تنشدها لسياستها الخارجية المعاصرة وكيف تعين المصالح القومية التي تسعى الى تحقيقها ؟؟؟
ما هي الوسائل التي تنتهجها الدولة لبلوغ أهداف سياستها الخارجية والمحافظة على مصالحها القومية العليا ؟؟؟
ان موضوع السياسة الخارجية لم يستطع ان يحتل مكانته الحقيقية بين الدراسات السياسية العلمية المقارنة لأن معظم الدراسات التي تناولت هذا الموضوع قد اقتصرت على التحليل الوصفي للمؤسسات والعمليات السياسية داخل كل دولة.... كما أن دراسة العلاقات الدولية انصبت على علاقات وصلات الدول بعضها ببعض وتناولت توازن القوى بين مختلف الدول وخلافاتها العقائدية وتسوية منازعاتها بالمعاهدات أو في نطاق المنظمات الدولية، فظلت السياسة الخارجية وهي أهم وجه من وجوه العلاقات الدولية لا مكان لها في هذه الدراسات.
وفي بداية عام 1960 أخذت الدراسات المقارنة تتناول بالبحث والتحليل كيفية اعداد كل دولة لسياستها الخارجية والتركيز على الدراسات المقارنة للسياسات الخارجية لمختلف الدول ، فأخذنا نسمع بالأنظمة السياسية المختلفة وخصائص هذه الأنظمة في سياق النظام السياسي للدولة وفي ظل التوازن الفعلي للقوى الدولية. وتناولت هذه الدراسات كلا من العلاقات الدولية والدراسة المقارنة للحكم والتاريخ الدبلوماسي بالبحث والتمحيص وأخذت دراسة السياسة الخارجية تتناول القوى الاجتماعية والعمليات السياسية والمواقف والتطلعات والنماذج المختلفة التي يمتاز بها السلوك الدبلوماسي المعاصر. فاتسمت الدراسات الأولى بمحاولات قام بها العلماء لوصف العمليات السياسية الدولية وصفا منهجيا صارما. وتبعتها محاولات لتكوين نظريات حول مختلف الوسائل والاساليب السائدة في السياسات الدولية كتلك النظريات حول التواصل الاعلامي الدولي والدعاية وحول استعمال الوسائل الاقتصادية في التأثير على سياسات الدول الأخرى وحول امكانات استعمال القوة العسكرية في تسيير السياسة الخارجية وحدود هذا الاستعمال في ظل القوانين الدولية .
ولقد حاولت هذه الدراسات مجاراة التقدم في التكنولوجيا العسكرية بما أثاره هذا التقدم من مخاطر تهدد الانسانية جمعاء وما صاحب هذا التقدم من تراجع في القيم الانسانية والأخلاقية بعد أن كانت أوروبا محور النظام السياسي الدولي أصبحت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي' سابقا' تتنازعان وتتنافسان في استغلال هذا النظام السياسي من اجل تعزيز السيطرة والاستغلال. فاكتسبت نتيجة هذا الصراع كل من أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وافريقيا وجنوبي آسيا وجنوب شرق آسيا أهمية بالغة كمراكز للمبادرة وأهداف للتنافس الدولي وأسواق للاستغلال.
ولقد انصبت الدراسات خلال العقود الخمسة الماضية على دراسة السياسات الخارجية للدول العظمى وذلك لأهمية الدور الذي تلعبه هذه الدول في رسم وتهيئة المناخ للسياسة الدولية. ولقد تحولت دراسة التاريخ الدبلوماسي من التوقف عند القرارات الدبلوماسية الرسمية وتصرفات الدبلوماسيين لتشمل تأثير السياسة الداخلية لكل دولة على سياستها الخارجية ولتتناول التفاعل والتناغم بين السياسات الداخلية والخارجية كما برز الاهتمام بدراسة الجماعات السياسية سيما وأن ديناميكية الجماعة قد اصبحت موضوع العصر في كثير من العلوم بعد ان كانت الهوة شاسعة بين دراسة المجتمع كوحدة واحدة مستقلة عن دراسة الفرد بغض النظر عن تعريف علم الاجتماع وتعريف علم النفس أخذت هذه الهوة تضيق عن طريق ربطها بديناميكية الجماعة.
كما برزت الى حيز الوجود مواضيع ذات أهمية بالغة في عالم السياسة منها عملية اتخاذ القرار واثر هذا القرار على السياسة الخارجية والداخلية واهداف الدولة. ولا بد لنا من الاعتراف بوجود التمييز القائم بين الدول العظمى ودول العالم الثالث والدول المتقدمة اقتصاديا والدول الفقيرة وأنظمة الحكم في كثير من الدول الديمقراطية منها أو الدكتاتورية الثورية أو المحافظة. ويجب أن نعترف بأن لكل دولة من الدول طريقتها في اتخاذ واتباع السياسة الخاصة بها تجاه دول العالم ونهجها الخاص في ميدان التنظيم الدبلوماسي. ويجب أن نوضح بأنه لا يكفي أن نعتمد في دراساتنا للسياسة الخارجية على دراسة أنظمة الحكم والتركيز على الحركة الداخلية للنظام السياسي. وانما يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الوضع الاقليمي والوضع الدولي في شكل العمليات السياسية. ولقد درج الكثير من علماء السياسة الخارجية بالتركيزعند دراسة السياسة الخارجية لاحدى الدول على معلومات أساسية عن تاريخ هذه الدولة للتعرف على العوامل الرئيسة التي ساهمت في ترسيخ دور الدولة في الشؤون العالمية مثل موارد الدولة وطاقاتها الاقتصادية وتكوينها الاجتماعي ونزعاتها وارثها الثقافي وتوجهاتها العقائدية وتركيبها السياسي الدستوري والحزبي وللتغيرات في وضعها الدولي. ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن السياسات الخارجية لمختلف الأمم هي دائما في حالة تكوين وتغيير نتيجة تفاعلها مع دول الاقليم ودول العالم. وان الدولة الناجحة هي الدولة القادرة على مجابهة كافة التغيرات الاقليمية والدولية والقادرة على التوافق أو التأقلم مع كل المواقف مهما تغيرت أو استجدت . وفي نفس الوقت يجب الاهتمام بدراسة المؤسسات المسؤولة عن السياسة الخارجية في كل دولة حيث ان هذه المؤسسات في كثير من الدول المتقدمة لا تقتصر على السلطة التنفيذية والوزارت والسلطة التشريعية واللجان الهامة بل تشمل ايضا الاحزاب والجماعات الضاغطة غير الحكومية ووسائل الاعلام والراي العام والاتحادات بمختلف أنواعها والجماعات السياسية والاجتماعية والدينية والقوى التجارية والصناعية وأصحاب المال .
ولا بد عند دراسة السياسة الخارجية الاجابة على السؤالين التاليين:
1. كيف تختار الدولة الأهداف التي تنشدها سياستها الخارجية المعاصرة وكيف تعين المصالح القومية التي تسعى الى تحقيقها.
2 . ما هي الوسائل التي تنتهجها الدولة لبلوغ أهداف سياستها الخارجية والمحافظة على مصالحها القومية العليا.
السياسة الخارجية للدول العربية:
أما بالنسبة الى السياسة الخارجية للدول العربية فهي تتميز بالحيرة. لا سيما وأن صانعي السياسة الخارجية يبحثون دائما وأبدا عن طرق وأساليب جديدة للتأثير في مجريات الاحداث العالمية بحيث يصبح أي موقف للدول العربية لا يتعدى كونه ردود فعل عاجلة تنطوي في معظمها على تناقضات وتفتقر الى التخطيط والتنظيم. وعليه فان التصميم على ايجاد سياسة عربية موحدة يتمثل في مواجهة موقف معين بذاته فكلما أفلحت الدول العربية في تقريب وجهات النظر والاتفاق على سياسة خارجية موحدة برزت أحداث وظروف سياسية جديدة تتطلب اتفاقا واجماعا جديدا. ولا شك بأن اتباع سياسة تقليدية تبقينا رهائن في أيدي القوى العظمى حيث نجحت هذه القوى منذ منتصف القرن الماضي وبكل أسف في تمزيق العالم العربي وجرت بدوله الى سياسات المحاور وانقسمت الدول العربية على نفسها فمنها الدول الدائرة في فلك المعسكر الشرقي ومنها ما هو دائر في فلك المعسكر الغربي ومنها ما زال يبحث عن هوية مستقلة في دول عدم الانحياز. ولما كان قوام السياسة المحافظة على السيادة ظهرت الحاجة الى الجيوش المدربة والى أجهزة الأمن المختلفة أولا لمجابهة التهديدات الخارجية وثانيا للاستمرار في فرض حالة من الأمن والاستقرار الداخلي والمحافظة على أنظمة الحكم.. ولقد استغلت الدول العظمى هذه النزعة وتسترت خلف نوع آخر من أنواع الاستعمار. فبعد أن كانت الدول الكبرى تعمد الى الاحتلال العسكري عمدت الى الاستعمار الثقافي والفكري والإقتصادي لا سيما في غمرة الصراع العقائدي بين المعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي. وتمثلت حتمية هذا الصراع في الانتقال الى عهد التحالفات العسكرية والى الاستغلال الاقتصادي ونهب الثروات الطبيعية للدول العربية ومقايضتها بالسلع التكنولوجية والأسلحة المختلفة. وأدى التقدم التكنولوجي الى تباين واتساع الهوة بين الدول الصناعية المتقدمة والدول النامية. وهنا بالذات لا أريد التركيز على الأموال الطائلة التي أنفقتها الدول العربية في سبيل شراء أسلحة تقليدية خالية من الطابع الاستراتيجي . وبحجة مقاومة العدوان الاسرائيلي واذكاء الروح الوطنية تمكنت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي(سابقا) وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وايطاليا والصين من 'تشليح' العالم العربي من مصادره الطبيعية وعلى رأسها البترول العربي مقابل تطمين القادة العرب في المحافظة على سيادتهم واستمرار أنظمة الحكم الخاصة بهم. ويجري الآن الإعداد للسيطرة على منابع الغاز والتحكم في بيعه وتحديد وسائط نقله عبر خطوط أنابيب الغاز.
ولقد فشلت القضية الفلسطينية في تقريب وجهات النظر العربية وتوحيد الجهد رغم أنها القضية المصيرية التي حازت على أكبر حيز من مؤتمرات القمة العربية والجهد العسكري الذي تمثل بالحروب العربية الاسرائيلية فلقد تراجعت القضية الفلسطينية في ظل التمزق الداخلي بين منظمة التحرير وبين حركة حماس والخلاف الخارجي الذي تشهده الدول العربية وثورات ما يسمى بالربيع العربي والنجاح الغربي في تنفيذ مخططات تفتيت وتمزيق العالم العربي والإسلامي بدءا من وثيقة كامبل إلى مخططات برنارد لويس تحت مسميات الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد وما شهده العالم العربي من تغيير الأنظمة في كل من العراق وتونس وليبيا وسلخ جنوب السودان والصراعات التي دارت في اليمن والحرب الأهلية الدائرة في سوريا والتداعيات الخطيرة التي يعايشها العالم اليوم نظرا لإستخدام الأسلحة الكيميائية والتهديد من قبل الولايات المتحدة باللجوء إلى الضربة العسكرية إذا لم يتم تخلي النظام السوري عن الأسلحة الكيميائية . وتغيير نظام الحكم مرتين متتاليتين في مصر العربية خلال عامين . وبالرغم من محاولات الجامعة العربية في الظهور أمام العالم بأن الأمة العربية لديها موقف موحد وسياسة مؤثرة ورغم مئات القرارات والبيانات الا أن الدول العربية وبكل ألم لم تتحد فعلا بل على العكس انقسمت الدول العربية على نفسها وحاولت بعض الدول العربية الغنية مالا والقليلة عددا أن تستأثر بقيادة بعض الدول العربية العريقة ذات القيادة التاريخية والكثافة السكانية تنفيذا لأوامر الولايات المتحدة ولعل أخطر ما نجابهه الآن تحويل الصراع في الشرق الأوسط إلى صراع ديني سني شيعي وإيجاد عدو جديد للشعوب العربية المتمثل في جمهورية إيران الإسلامية بدلا من العدو الإسرائيلي حيث تتجه كل الجهود الآن إلى التخلص من النفوذ الإيراني في كل من سوريا وحزب الله ولكن الأعين مغلقة ولا تريد أن تعترف أو حتى أن تتساءل لماذا قامت الولايات المتحدة بتقديم العراق على طبق من ذهب وإخضاعه سياسيا إلى النفوذ الشيعي الإيراني . كما أن الصراع العربي العربي قد استنفذ الكثير الكثير من الثروات العربية ولعل الحروب التي وقعت في كل من ليبيا واليمن خلال العامين الماضيين بالإضافة إلى الحرب الدائرة في سوريا تحت ستار الربيع العربي وما تجابهه مصر العربية نتيجة تنحية الرئيس محمد مرسي من الأخوان المسلمين يمهد إلى حرب عصابات محدودة ولكنها مؤلمة وباهظة التكاليف . كما فشلت الدول العربية في اتخاذ موقف موحد وسياسة موحدة واضحة المعالم في المؤتمرات الاسلامية ومؤتمرات دول عدم الانحياز بل حتى مواقفها في الأمم المتحدة بعيدة عن التنسيق والتوافق .
واليوم ونحن في خضم الثورات الجديدة الحديثة لا ندري ما هو المستقبل ليس للدول التي شهدت وتشهد الثورات بل مستقبل النظام العربي ككل. فهل فعلا تم تغيير نظام الحكم في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن أم أنه تغيير محدود ولا زال رموز النظام السابق هو القابع على سدة الحكم مع تغيير للأفراد. وإنه لمن الصعب جداً الحكم على آثار هذه الثورات لا سيما ونحن لا نعرف الى أين ستؤدي بنا هذه الأحداث لأن الكثير منها لم يكتمل بعد ولأن مثل هذه التغيرات بحاجة الى زمن طويل لتقييم آثاره. كما أننا حتى هذه اللحظة لا نعلم الأسباب الكامنة وراءه رغم إدراكنا أن الفساد والتبعية هما القاسم المشترك ألأعظم بين كل الأنظمة العربية
عملية صنع السياسة الخارجية :-
ان عملية صنع السياسة الخارجية لأي دولة من الدول لا بد وأن تتناول بالدراسة والبحث المواضيع التالية:
1 . الادارات الحكومية
أ . السلطة التنفيذية
ب. السلطة التشريعية
ج . السلطة القضائية
2 . الادارات الغير حكومية
أ . الأحزاب السياسية
ب . الجماعات ذات المصالح الخاصة
ج . وسائل الاعلام
د . خصائص الرأي العام
ولا بد لنا أولا وآخرا من التعرض الى ماهية السياسة الخارجية والاجابة على السؤال التالي ' كيف تعين الدولة المصالح القومية والأهداف العليا التي تنشدها في سياستها الخارجية وما هي الوسائل التي تستخدمها في تحقيق هذه المصالح والأهداف ' وهنا لا بد لنا من مناقشة السياسات التالية.
1: السياسة الإقتصادية الخارجية من حيث مصادر الثروة الوطنية وأفضل السبل والوسائل في استغلالها وعلى رأسها النفط والغاز بالنسبة للدول العربية الغنية أما بالنسبة إلى الدول العربية الفقيرة فلا بد من التركيز على المساعدات الخارجية وتوظيف رؤوس المال ومراقبة التجارة والتعريفات الجمركية والاتفاقات الاقتصادية والمعونات ومصادر تمويل خطط التنمية.
2: السياسة الخارجية المتصلة بالأمن القومي من حيث العلاقات والأهداف القومية العليا وتوفير أكبر قدر ممكن من القدرة العسكرية من أجل الحفاظ على الأمن القومي واستعراض التهديدات العسكرية في المنطقة ودراسة التحالفات العسكرية وتأمين الحصول على السلاح المطلوب وتطوير قدرة الدولة على تحقيق أمنها القومي .
السياسة الخارجية
كيف تختار الدولة الأهداف التي تنشدها لسياستها الخارجية المعاصرة وكيف تعين المصالح القومية التي تسعى الى تحقيقها ؟؟؟
ما هي الوسائل التي تنتهجها الدولة لبلوغ أهداف سياستها الخارجية والمحافظة على مصالحها القومية العليا ؟؟؟
ان موضوع السياسة الخارجية لم يستطع ان يحتل مكانته الحقيقية بين الدراسات السياسية العلمية المقارنة لأن معظم الدراسات التي تناولت هذا الموضوع قد اقتصرت على التحليل الوصفي للمؤسسات والعمليات السياسية داخل كل دولة.... كما أن دراسة العلاقات الدولية انصبت على علاقات وصلات الدول بعضها ببعض وتناولت توازن القوى بين مختلف الدول وخلافاتها العقائدية وتسوية منازعاتها بالمعاهدات أو في نطاق المنظمات الدولية، فظلت السياسة الخارجية وهي أهم وجه من وجوه العلاقات الدولية لا مكان لها في هذه الدراسات.
وفي بداية عام 1960 أخذت الدراسات المقارنة تتناول بالبحث والتحليل كيفية اعداد كل دولة لسياستها الخارجية والتركيز على الدراسات المقارنة للسياسات الخارجية لمختلف الدول ، فأخذنا نسمع بالأنظمة السياسية المختلفة وخصائص هذه الأنظمة في سياق النظام السياسي للدولة وفي ظل التوازن الفعلي للقوى الدولية. وتناولت هذه الدراسات كلا من العلاقات الدولية والدراسة المقارنة للحكم والتاريخ الدبلوماسي بالبحث والتمحيص وأخذت دراسة السياسة الخارجية تتناول القوى الاجتماعية والعمليات السياسية والمواقف والتطلعات والنماذج المختلفة التي يمتاز بها السلوك الدبلوماسي المعاصر. فاتسمت الدراسات الأولى بمحاولات قام بها العلماء لوصف العمليات السياسية الدولية وصفا منهجيا صارما. وتبعتها محاولات لتكوين نظريات حول مختلف الوسائل والاساليب السائدة في السياسات الدولية كتلك النظريات حول التواصل الاعلامي الدولي والدعاية وحول استعمال الوسائل الاقتصادية في التأثير على سياسات الدول الأخرى وحول امكانات استعمال القوة العسكرية في تسيير السياسة الخارجية وحدود هذا الاستعمال في ظل القوانين الدولية .
ولقد حاولت هذه الدراسات مجاراة التقدم في التكنولوجيا العسكرية بما أثاره هذا التقدم من مخاطر تهدد الانسانية جمعاء وما صاحب هذا التقدم من تراجع في القيم الانسانية والأخلاقية بعد أن كانت أوروبا محور النظام السياسي الدولي أصبحت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي' سابقا' تتنازعان وتتنافسان في استغلال هذا النظام السياسي من اجل تعزيز السيطرة والاستغلال. فاكتسبت نتيجة هذا الصراع كل من أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وافريقيا وجنوبي آسيا وجنوب شرق آسيا أهمية بالغة كمراكز للمبادرة وأهداف للتنافس الدولي وأسواق للاستغلال.
ولقد انصبت الدراسات خلال العقود الخمسة الماضية على دراسة السياسات الخارجية للدول العظمى وذلك لأهمية الدور الذي تلعبه هذه الدول في رسم وتهيئة المناخ للسياسة الدولية. ولقد تحولت دراسة التاريخ الدبلوماسي من التوقف عند القرارات الدبلوماسية الرسمية وتصرفات الدبلوماسيين لتشمل تأثير السياسة الداخلية لكل دولة على سياستها الخارجية ولتتناول التفاعل والتناغم بين السياسات الداخلية والخارجية كما برز الاهتمام بدراسة الجماعات السياسية سيما وأن ديناميكية الجماعة قد اصبحت موضوع العصر في كثير من العلوم بعد ان كانت الهوة شاسعة بين دراسة المجتمع كوحدة واحدة مستقلة عن دراسة الفرد بغض النظر عن تعريف علم الاجتماع وتعريف علم النفس أخذت هذه الهوة تضيق عن طريق ربطها بديناميكية الجماعة.
كما برزت الى حيز الوجود مواضيع ذات أهمية بالغة في عالم السياسة منها عملية اتخاذ القرار واثر هذا القرار على السياسة الخارجية والداخلية واهداف الدولة. ولا بد لنا من الاعتراف بوجود التمييز القائم بين الدول العظمى ودول العالم الثالث والدول المتقدمة اقتصاديا والدول الفقيرة وأنظمة الحكم في كثير من الدول الديمقراطية منها أو الدكتاتورية الثورية أو المحافظة. ويجب أن نعترف بأن لكل دولة من الدول طريقتها في اتخاذ واتباع السياسة الخاصة بها تجاه دول العالم ونهجها الخاص في ميدان التنظيم الدبلوماسي. ويجب أن نوضح بأنه لا يكفي أن نعتمد في دراساتنا للسياسة الخارجية على دراسة أنظمة الحكم والتركيز على الحركة الداخلية للنظام السياسي. وانما يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الوضع الاقليمي والوضع الدولي في شكل العمليات السياسية. ولقد درج الكثير من علماء السياسة الخارجية بالتركيزعند دراسة السياسة الخارجية لاحدى الدول على معلومات أساسية عن تاريخ هذه الدولة للتعرف على العوامل الرئيسة التي ساهمت في ترسيخ دور الدولة في الشؤون العالمية مثل موارد الدولة وطاقاتها الاقتصادية وتكوينها الاجتماعي ونزعاتها وارثها الثقافي وتوجهاتها العقائدية وتركيبها السياسي الدستوري والحزبي وللتغيرات في وضعها الدولي. ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن السياسات الخارجية لمختلف الأمم هي دائما في حالة تكوين وتغيير نتيجة تفاعلها مع دول الاقليم ودول العالم. وان الدولة الناجحة هي الدولة القادرة على مجابهة كافة التغيرات الاقليمية والدولية والقادرة على التوافق أو التأقلم مع كل المواقف مهما تغيرت أو استجدت . وفي نفس الوقت يجب الاهتمام بدراسة المؤسسات المسؤولة عن السياسة الخارجية في كل دولة حيث ان هذه المؤسسات في كثير من الدول المتقدمة لا تقتصر على السلطة التنفيذية والوزارت والسلطة التشريعية واللجان الهامة بل تشمل ايضا الاحزاب والجماعات الضاغطة غير الحكومية ووسائل الاعلام والراي العام والاتحادات بمختلف أنواعها والجماعات السياسية والاجتماعية والدينية والقوى التجارية والصناعية وأصحاب المال .
ولا بد عند دراسة السياسة الخارجية الاجابة على السؤالين التاليين:
1. كيف تختار الدولة الأهداف التي تنشدها سياستها الخارجية المعاصرة وكيف تعين المصالح القومية التي تسعى الى تحقيقها.
2 . ما هي الوسائل التي تنتهجها الدولة لبلوغ أهداف سياستها الخارجية والمحافظة على مصالحها القومية العليا.
السياسة الخارجية للدول العربية:
أما بالنسبة الى السياسة الخارجية للدول العربية فهي تتميز بالحيرة. لا سيما وأن صانعي السياسة الخارجية يبحثون دائما وأبدا عن طرق وأساليب جديدة للتأثير في مجريات الاحداث العالمية بحيث يصبح أي موقف للدول العربية لا يتعدى كونه ردود فعل عاجلة تنطوي في معظمها على تناقضات وتفتقر الى التخطيط والتنظيم. وعليه فان التصميم على ايجاد سياسة عربية موحدة يتمثل في مواجهة موقف معين بذاته فكلما أفلحت الدول العربية في تقريب وجهات النظر والاتفاق على سياسة خارجية موحدة برزت أحداث وظروف سياسية جديدة تتطلب اتفاقا واجماعا جديدا. ولا شك بأن اتباع سياسة تقليدية تبقينا رهائن في أيدي القوى العظمى حيث نجحت هذه القوى منذ منتصف القرن الماضي وبكل أسف في تمزيق العالم العربي وجرت بدوله الى سياسات المحاور وانقسمت الدول العربية على نفسها فمنها الدول الدائرة في فلك المعسكر الشرقي ومنها ما هو دائر في فلك المعسكر الغربي ومنها ما زال يبحث عن هوية مستقلة في دول عدم الانحياز. ولما كان قوام السياسة المحافظة على السيادة ظهرت الحاجة الى الجيوش المدربة والى أجهزة الأمن المختلفة أولا لمجابهة التهديدات الخارجية وثانيا للاستمرار في فرض حالة من الأمن والاستقرار الداخلي والمحافظة على أنظمة الحكم.. ولقد استغلت الدول العظمى هذه النزعة وتسترت خلف نوع آخر من أنواع الاستعمار. فبعد أن كانت الدول الكبرى تعمد الى الاحتلال العسكري عمدت الى الاستعمار الثقافي والفكري والإقتصادي لا سيما في غمرة الصراع العقائدي بين المعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي. وتمثلت حتمية هذا الصراع في الانتقال الى عهد التحالفات العسكرية والى الاستغلال الاقتصادي ونهب الثروات الطبيعية للدول العربية ومقايضتها بالسلع التكنولوجية والأسلحة المختلفة. وأدى التقدم التكنولوجي الى تباين واتساع الهوة بين الدول الصناعية المتقدمة والدول النامية. وهنا بالذات لا أريد التركيز على الأموال الطائلة التي أنفقتها الدول العربية في سبيل شراء أسلحة تقليدية خالية من الطابع الاستراتيجي . وبحجة مقاومة العدوان الاسرائيلي واذكاء الروح الوطنية تمكنت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي(سابقا) وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وايطاليا والصين من 'تشليح' العالم العربي من مصادره الطبيعية وعلى رأسها البترول العربي مقابل تطمين القادة العرب في المحافظة على سيادتهم واستمرار أنظمة الحكم الخاصة بهم. ويجري الآن الإعداد للسيطرة على منابع الغاز والتحكم في بيعه وتحديد وسائط نقله عبر خطوط أنابيب الغاز.
ولقد فشلت القضية الفلسطينية في تقريب وجهات النظر العربية وتوحيد الجهد رغم أنها القضية المصيرية التي حازت على أكبر حيز من مؤتمرات القمة العربية والجهد العسكري الذي تمثل بالحروب العربية الاسرائيلية فلقد تراجعت القضية الفلسطينية في ظل التمزق الداخلي بين منظمة التحرير وبين حركة حماس والخلاف الخارجي الذي تشهده الدول العربية وثورات ما يسمى بالربيع العربي والنجاح الغربي في تنفيذ مخططات تفتيت وتمزيق العالم العربي والإسلامي بدءا من وثيقة كامبل إلى مخططات برنارد لويس تحت مسميات الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد وما شهده العالم العربي من تغيير الأنظمة في كل من العراق وتونس وليبيا وسلخ جنوب السودان والصراعات التي دارت في اليمن والحرب الأهلية الدائرة في سوريا والتداعيات الخطيرة التي يعايشها العالم اليوم نظرا لإستخدام الأسلحة الكيميائية والتهديد من قبل الولايات المتحدة باللجوء إلى الضربة العسكرية إذا لم يتم تخلي النظام السوري عن الأسلحة الكيميائية . وتغيير نظام الحكم مرتين متتاليتين في مصر العربية خلال عامين . وبالرغم من محاولات الجامعة العربية في الظهور أمام العالم بأن الأمة العربية لديها موقف موحد وسياسة مؤثرة ورغم مئات القرارات والبيانات الا أن الدول العربية وبكل ألم لم تتحد فعلا بل على العكس انقسمت الدول العربية على نفسها وحاولت بعض الدول العربية الغنية مالا والقليلة عددا أن تستأثر بقيادة بعض الدول العربية العريقة ذات القيادة التاريخية والكثافة السكانية تنفيذا لأوامر الولايات المتحدة ولعل أخطر ما نجابهه الآن تحويل الصراع في الشرق الأوسط إلى صراع ديني سني شيعي وإيجاد عدو جديد للشعوب العربية المتمثل في جمهورية إيران الإسلامية بدلا من العدو الإسرائيلي حيث تتجه كل الجهود الآن إلى التخلص من النفوذ الإيراني في كل من سوريا وحزب الله ولكن الأعين مغلقة ولا تريد أن تعترف أو حتى أن تتساءل لماذا قامت الولايات المتحدة بتقديم العراق على طبق من ذهب وإخضاعه سياسيا إلى النفوذ الشيعي الإيراني . كما أن الصراع العربي العربي قد استنفذ الكثير الكثير من الثروات العربية ولعل الحروب التي وقعت في كل من ليبيا واليمن خلال العامين الماضيين بالإضافة إلى الحرب الدائرة في سوريا تحت ستار الربيع العربي وما تجابهه مصر العربية نتيجة تنحية الرئيس محمد مرسي من الأخوان المسلمين يمهد إلى حرب عصابات محدودة ولكنها مؤلمة وباهظة التكاليف . كما فشلت الدول العربية في اتخاذ موقف موحد وسياسة موحدة واضحة المعالم في المؤتمرات الاسلامية ومؤتمرات دول عدم الانحياز بل حتى مواقفها في الأمم المتحدة بعيدة عن التنسيق والتوافق .
واليوم ونحن في خضم الثورات الجديدة الحديثة لا ندري ما هو المستقبل ليس للدول التي شهدت وتشهد الثورات بل مستقبل النظام العربي ككل. فهل فعلا تم تغيير نظام الحكم في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن أم أنه تغيير محدود ولا زال رموز النظام السابق هو القابع على سدة الحكم مع تغيير للأفراد. وإنه لمن الصعب جداً الحكم على آثار هذه الثورات لا سيما ونحن لا نعرف الى أين ستؤدي بنا هذه الأحداث لأن الكثير منها لم يكتمل بعد ولأن مثل هذه التغيرات بحاجة الى زمن طويل لتقييم آثاره. كما أننا حتى هذه اللحظة لا نعلم الأسباب الكامنة وراءه رغم إدراكنا أن الفساد والتبعية هما القاسم المشترك ألأعظم بين كل الأنظمة العربية
عملية صنع السياسة الخارجية :-
ان عملية صنع السياسة الخارجية لأي دولة من الدول لا بد وأن تتناول بالدراسة والبحث المواضيع التالية:
1 . الادارات الحكومية
أ . السلطة التنفيذية
ب. السلطة التشريعية
ج . السلطة القضائية
2 . الادارات الغير حكومية
أ . الأحزاب السياسية
ب . الجماعات ذات المصالح الخاصة
ج . وسائل الاعلام
د . خصائص الرأي العام
ولا بد لنا أولا وآخرا من التعرض الى ماهية السياسة الخارجية والاجابة على السؤال التالي ' كيف تعين الدولة المصالح القومية والأهداف العليا التي تنشدها في سياستها الخارجية وما هي الوسائل التي تستخدمها في تحقيق هذه المصالح والأهداف ' وهنا لا بد لنا من مناقشة السياسات التالية.
1: السياسة الإقتصادية الخارجية من حيث مصادر الثروة الوطنية وأفضل السبل والوسائل في استغلالها وعلى رأسها النفط والغاز بالنسبة للدول العربية الغنية أما بالنسبة إلى الدول العربية الفقيرة فلا بد من التركيز على المساعدات الخارجية وتوظيف رؤوس المال ومراقبة التجارة والتعريفات الجمركية والاتفاقات الاقتصادية والمعونات ومصادر تمويل خطط التنمية.
2: السياسة الخارجية المتصلة بالأمن القومي من حيث العلاقات والأهداف القومية العليا وتوفير أكبر قدر ممكن من القدرة العسكرية من أجل الحفاظ على الأمن القومي واستعراض التهديدات العسكرية في المنطقة ودراسة التحالفات العسكرية وتأمين الحصول على السلاح المطلوب وتطوير قدرة الدولة على تحقيق أمنها القومي .
التعليقات
والاردنية خاصة الانتباه الى ان هناك
ادمغة وعقول كثيرة لكنها مغيبة عن
الشاشة ومنهم صاحب هذا المقال الذي
لا يعرفني
لماذا تأتوا بمحللين اشباه اميين
وتتركوا المفكرين الاسترتيجيين بعيدا
دكتورنا شكرا لكم
ويمكننا التحدث إلى ما لانهاية حول العلاقات بين السلطات الثلاث وبي قمة الهرم وبيت الدور الذي يطلع به الديوان الملكي والدور الخفي الذي تقوم به المخابرات العامة في تسييس وتعيين الكثيرين في وظائف الدولة المختلفة على كل المستويات
وإن أحلام القرن الماضي في الوحدة العربية والحرية كلها شعارات تلاشت فأصبحنا رغم إدعائنا بالإستقلال لا زلنا مناطق نفوذ للدول العظمى وللدول المتفدمة التي تعمل على استغلال ثرواتنا وتفرض علينا نمطا معينا من الحكام ومن الديمقراطية الكذابة البراقة حتى أصبحت سياستنا الخارجية بمثابة انعكاس لسياساتنا الداخلية من فتن طائفية ومن صراع قوى الفساد ومن انحسار وتراجع وتخلي عن كل المقومات الأساسية لهذا نسينا القضية الفلسطينية لأن هناك أكثر من قضية وأكثر من مأساة في كل الدول العربية