طريقة العرض :
كامل
الصورة الرئيسية فقط
بدون صور

اظهار التعليقات

وكالة جراسا الإخبارية

تفسير سورة الفيل


أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ المراد بالرؤية العلم الظاهر ظهور الحس، والاستفهام إنكاري، والمعنى أ لم تعلم كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، وقد كانت الواقعة عام ولد فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). وقول القرآن: أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ المراد بكيدهم سوء قصدهم بمكة وإرادتهم تخريب البيت الحرام، والتضليل والإضلال واحد، وجعل كيدهم في تضليل جعل سعيهم ضالا لا يهتدى إلى الغاية المقصودة منه فقد ساروا لتخريب الكعبة وانتهى بهم إلى هلاك أنفسهم. وقول القرآن: وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ الأبابيل - كما قيل - جماعات في تفرقة زمرة زمرة، والمعنى وأرسل الله على أصحاب الفيل جماعات متفرقة من الطير والآية والتي تتلوها عطف تفسير على قوله: «ألم يجعل كيدهم في تضليل». وقول القرآن: تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ أي ترمي أبابيل الطير أصحاب الفيل بحجارة من سجيل. وقول القرآن: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ العصف ورق الزرع والعصف المأكول ورق الزرع الذي أكل حبه أو قشر الحب الذي أكل لبه والمراد أنهم عادوا بعد وقوع السجيل عليهم أجسادا بلا أرواح أو أن الحجر بحرارته أحرق أجوافهم، وقيل: المراد ورق الزرع الذي وقع فيها الأكال وهو أن يأكله الدود فيفسده وفسرت الآية ببعض وجوه أخر لا يناسب الأدب القرآني.[5]

وقال المراغي في تفسيرها[6]: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أي ألم تعلم الحال العجيبة والكيفية الهائلة الدالة على عظم قدرة الله تعالى وكمال علمه وحكمته، فيما فعل بأصحاب الفيل الذين قصدوا هدم البيت الحرام، فتلك حال قد جاءت على غير ما يعرف من الأسباب والعلل، إذ لم يعهد أن يجيء طير في جهة فيقصد قوما دون قوم، وهم معهم في جهة واحدة، فذلك أمارة أنه من صنع حكيم مدبر بعثه لإنقاذ مقصد معين. وإنما عبر عن العلم بالرؤية، للإيماء إلى أن الخبر بهذا القصص متواتر مستفيض، فالعلم به مساو في قوة الثبوت مع الوضوح, للعلم الناشيء عن الرؤية والمشاهدة. وخلاصة ذلك, إنك قد علمت ذلك علما واضحا لا لبس فيه ولا خفاء. ثم بين الحال التي وقع عليها فعله فقال: أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ أي إنك لترى ما كان عليه فعل الله بأولئك القوم، فقد ضيع تدبيرهم، وخيّب سعيهم. ثم فصل تدبيره في إبطال كيد أولئك القوم فقال: وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ أي إنه تعالى أرسل عليهم فرقا من الطير تحمل حجارة يابسة سقطت على أفراد الجيش، فابتلوا بمرض الجدري أو الحصبة حتى هلكوا. وقد يكون هذا الطير من جنس البعوض أو الذباب الذي يحمل جراثيم بعض الأمراض، أو تكون هذه الحجارة من الطين اليابس المسموم الذي تحمله الرياح، فيعلق بأرجل هذا الطير، فإذا اتصل بجسم دخل في مسامّه، فأثار فيه قروحا تنتهى بإفساد الجسم وتساقط لحمه. ولا شك أن الذباب يحمل كثيرا من جراثيم الأمراض، فوقوع ذبابة واحدة ملوّثة بالمكروب على الإنسان كافية في إصابته بالمرض الذي يحمله، ثم هو ينقل هذا المرض إلى الجمّ الغفير من الناس، فإذا أراد الله أن يهلك جيشا كثير العدد ببعوضة واحدة لم يكن ذلك بعيدا عن مجرى الإلف والعادة، وهذا أقوى في الدلالة على قدرة الله وعظيم سلطانه، من أن يكون هلاكهم بكبار الطيور، وغرائب الأمور، وأدل على ضعف الإنسان وذله أمام القهر الإلهي، وكيف لا وهو مخلوق تبيده ذبابة، وتقضّ مضجعه بعوضة، ويؤذيه هبوب الريح. فهذا الطاغية الذي أراد أن يهدم البيت، أرسل الله عليه ما يوصل إليه مادة الجدري أو الحصبة، فأهلكته وأهلكت قومه قبل أن يدخل مكة، وهي نعمة من الله غمر بها أهل حرمه على وثنيتهم، حفظا لبيته حتى يرسل إليه من يحميه بقوة دينه، وإن كانت نقمة من الله حلت بأعدائه أصحاب الفيل الذين أرادوا الاعتداء على البيت بدون جرم اجترمه، ولا ذنب اقترفه. فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ أي فجعل هؤلاء القوم كعصف وقع فيه الآكال وهو السوس، أو أكلت الدواب بعضه، وتناثر بعضه الآخر من بين أسنانها. وصلّ ربنا على محمد الذي قصصت عليه ما فيه العبرة لمن ادّكر، وأوحيت إليه ما فيه مزدجر، لمن تدبر واعتبر، إنك أنت العليم الحكيم.

 الدكتور فايز ابو درويش


جميع الحقوق محفوظة
https://www.gerasanews.com/article/116812