قرار وزير"التربية والدفاع" ونتائج الطخبيجي


لقد تعودت في كل ليلة، قبل أن يداعب جفني النوم، أن أشعل مخيلتي في بطولات تحريرية، كنت أختمها دائما في استشهادي على أرض المعركة "من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق" أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
عواصمنا المسيجة بالهزائم، تحتاج بلغة الأفلام إلى قبائل من وزن "فاندام" لفك أسرها، وتطهير ساحاتها من رجس المحتلين، تتدفق الصور حارة في مخيلتي، وأنا أنتقل محارباً من عاصمة إلى أخرى، ومتحولاً من "فاندام" إلى "جاكي شان"، وإذا "عصلجت" الأمور أتحول إلى "بروس لي"، وإذا كانت المعركة في ساحات مشجرة، أتحول إلى "طرزان"، ولا أكتمكم بأنني قد تحولت ذات ليلة، إلى بطل من أبطال "الديجيتال".
ولأنني من الأشخاص شديدي الالتصاق في "السرير" وبيتوتي إلى درجة مزعجة تثير عاصفة من الأسئلة لدى الجيران، فمن السهولة بمكان، أن يتحول ليلي إلى نهار، ونهاري إلى ليل، فما دام الفراش ساخناً، حتماً تظل معاركي حامية الوطيس، بصرف النظر عن التوقيت.
البارحة، كنت مثقلاً جداً بالتعب، ولأول مرة شعرت أن طيور الأرق، لن تبيت على أغصان ليلتي، كما أنه ولأول مرة سأنام، دون أن أعطر مخيلتي برائحة الانتصارات، وبالفعل تنازلت عن دور "بوكيمون" ولعبة التحول، وغرقت في بحور نوم لا شواطئ لها، ولكنني قمت فجأة مفزوعاً، أتخبط كالمجنون على أصوات بكاء الأولاد، وعلى أصوات البنادق، التي حاصرت بأزيزها بيتيَ الوادع بلا هوادة.
وفي وسط هذا البحر اللجي من "الطخ" و"الطخطخة"، ظننت بأن جيراننا اليهود في "إيلات"، قد ركبوا أحصنة الغدر، في ليلة ظلماء، وقلت في نفسي: حتماً إنه أمر قد دُبّر بليل، فهرعت على الفور نحو المطبخ، ومن شدة ارتباكي و "لخمتي" سحبت من الدرج "سكين فواكه"، وكبرت بأعلى صوتي: الله أكبر.. الله أكبر.. لقد جاء اليوم الموعود.
وقبل أن أخرج إلى ساحة القتال، مرتدياً "بجامتي الحمراء"، قررت أن أحضن أولادي، وأهدئ من روعهم قائلاً لهم: لا تخافوا نحن على موعد مع النصر بإذن الله، وضممتهم إلى صدري ضمّة مودع، وقلت مخاطباً زوجي: دعواتك لنا بالنصر والشهادة يا "أم المتنبي".
وبالفعل خرجت وأنا مدجج الذاكرة، بكل ألوان فنون القتال، حتى حلبات "التايكواندو" التي كنت من ألمع نجومها، وأنا على مقاعد الدراسة الجامعية، استحضرتها بسرعة مذهلة، وانطلقت كالصاروخ، دون أن تثبطني دموع زوجي، ولا نحيب أولادي على أبيهم، الذي طالما تاق للشهادة في ساحة المعركة، وهبطت الدرج "كرفته" وأثناء هبوطي رأيت جارنا "أبو أوس" رافعا طرف "دشداشه"، عاضا عليه في فمه، مشمرا عن ساقيه، حاملا بيده "عصاة قشاطة"، فصرخت بأعلى صوتي: عليهوووووووووووم ... عليهُم... اليوم يومك يا "أبو أوس" ، الله يسعد البطن اللّي حملك.
ومن شدة تدافع الجيران "الثوار"، تحول مبنى "العمارة" إلى ساحة من المجاهدين المخلصين، فمنهم من وجدت رأسه، مثل "أبو قاسم" مشروخاً يسبح بدمائه، متأبطاً "دربزين" الدرج لاهثا ومتوعداً، ومنهم من وجدته، مثل "أبو زكريا" يعرج صائحاً من شدة الألم، نتيجة حادث تدافع مأساوي، ومنهم.. ومنهم.. فما كان مني إلا القول - رافعاً صوتي إلى أقصى مدى - : الثااااااار ولا العار "يا أبو قاسم"، والله لسطح راسه نصين، وفي أسفل العمارة اصطدمت بجارنا "أبو فهد" واذ به مشهراً (جك سيارة) فخاطبته صائحاً: المووووت ولا المذلة، اليوم يوم الدم، الحقني وما عليك.
اندفعت وشققت الصفوف، وسط نيران البنادق، التي حولت سماء "العقبة" إلى نهار كادت تطل الشمس فيه برأسها، وفي خضم توقي المسعور إلى الالتحام مع العدو، وبسبب "العجّة" المتطايرة من أحذية أهالي الحي المناضلين الشرفاء، هبطت على عيني غشاوة، مما جعلني أتخيل سيارة "الهَمَر" سيارة جارنا "أبو مهند" الواقفة أمام العمارة سيارة "جيب اسرائيلي"، فما كان مني سوى أن وجهت إلى عجلاتها بسرعة خاطفة، وبكل ما أوتيت من قوة طعنة نجلاء، مشفوعة بالتهليل والتكبير.
ولكن طعنتي ذهبت أدراج الرياح، فانكسر نصل السكين، مرتدا إلى أصابع يدي، التي تلطخت بالدماء، وفي هذه اللحظة انطلقت الزغاريد من بيت جارنا " أبو شاكر"، فظننت على الفور بأنني قد أصبت مقتلا، مما حدا بنسوة الحي أن يطلقن الزغاريد، فدب الحماس في مفاصلي، وانطلقت كالسهم، نحو الجموع المحتشدة، وعندما اقتربت لم أسمع منهم سوى عبارات التهنئة والتبريك.. مبروك يا "أبو شاكر" نجاح الولد، وآخر يقول: هذا الفصل (50) إن شاءالله الفصل الجاي (99)، وبلمح البصر تذكرت بأن الأردن، على موعد مع "نتائج التوجيهي" ولكن الذي غيّب عني هذه المعلومة، وأدخلني كما أدخل غيري في دائرة الشك والبلبلة، هي تصريحات وزيرنا "وزير التربية والتعليم" وذلك عندما طمأن الجميع بقوله: "سيتم إعلان النتائج يوم الخميس الساعة العاشرة صباحاً".
ولأنني أعلم علم اليقين، بأن "وزراء حكومتنا" إذا قالوا فعلوا، فإنه لم يساورني الشك ولو للحظة واحدة، بأن النتائج قد تصدر في غير موعدها الرسمي؛ ولذا التبس عليّ المشهد وحدث معي ما حدث، ولكن السؤال المطروح: لماذا غيّر الوزير رأيه، وأصدرها بعد منتصف الليل؟!
الجميع يعلم بأن الأجواء من حولنا مشحونة جداً، وهي قاب قوسين أو أدنى من الانفجار في أية لحظة، ولأننا دولة تتميز بالأمن والأمان – بفضل الله – فقد تعودنا نحن الأردنيين على الليالي الملبدة بالموسيقى، والمطرزة بالهدوء والطمأنينة، وخالفنا تعليمات الحكومة بالتقشف، وضرورة الزهد بالليالي الوادعة، وبالتالي لم يعد أمام وزير "التربية والدفاع" سوى انتهاج الطرق العسكرية لتلقيننا درساً في فنون "التجفيل والتنقيز".
وبالفعل لقد نجح الوزير، ورسب الشعب المكبوت في الاختبار، ولكن في الوقت نفسه تعلمنا من عظيم حكمته فن "الحذر"، وقوة القلب، وطلاق "الدلع"، والثبات وقت الهلع؛ ولذا فإن كل من يشكك، في حكمته وحنكته، فإنه حتماً ينتمي إلى أزلام "الشائعات الهدامة" الذين لا هَمّ لهم، سوى تشويه سمعة وزارته، المحصنة ضد (البيع والتسريب والتهريب والمعدلات الفلكية) لهؤلاء أقول: بفضل حكمته هتف الشعب الأردني بصوت واحد: وداعاً بعد اليوم لنتائج "الطخبيجي"، وأهلاً وسهلاً في نهاية الفصل الثاني بنتائج التوجيهي.
m.sanjalawi@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات