صالون الجزيرة


استطاع! أبو العز الحلَّاق! أن يبني صالونه الخاص في "مدخل السلط" بعد أن أرهقه الإيجار ......وقد جعل واجهته الأمامية من الحجر الأصفر الغض ليحاكي تاريخ المدينة الضارب في القدم.

ولأبي العز أصدقاء وزبائن لا يكتفون بالحلاقة والانتشار السريع وإنما أحيانا لابد لهم من اقتناص بعض الوقت في الحديث الشهي المليء بالحميمية والمشفوع بكوب من الشاي الساخن تقريبا عند أبي العز خصوصا بوجود مساعده عصام النزق جدا إلى حد الانفجار أحيانا ، ويوسف الذي ينتقل من المزاح إلى ذات درجة النَّزَقِ إن استفزه عصام ببعض تعليقاته العابرة للمسافات الآمنة من الحوار المتازم المحتوم ، مما يهيئ لأبي العز جواً من التدرب على هوايته في بذل النصح بالتروي والهدوء لمساعدَيْهْ.

وقد استطاع أبو العز أن يزيد في طول صالونه،ليجعل ما بعد الكراسي الثلاثة التي يحلق عليها للزبائن مجلسا من (الكنب ) حتى لا يختلط الضيوف بالزبائن برغم ان زبائن ابي العز جميعا كانوا أصدقاءه فهو رجل لطيف المعشر وقريب من القلب وكذلك كان مساعداه .

في أحد الأيام كان النقاش محتدماً جدا في المجلس وكانت العبارات الثورية التي يطلقها الغاضب لا تتناسب وحجم المشكلة العاطفية التي يعانيها فالمشكلة كانت أبسط مما يعرضها هو ، لقد كانت زوجتة المغضبة على استعداد للعودة الى البيت بأقل مما يصنعه من المشاحنات والمشاورات والمبادرات الفاشلة ، لقد كانت على استعداد للعودة بكلمة رقيقة طيبة تأبى نفس موسى المتآكلة من الغيظ المصطنع أن يقولها .

وأبو العز المصلح وبطريقته الوعظية الهادئة يحاول أن يرشد موسى إلى عدة طرق اخترعها قد تنفع في استرضاء زوجته ولكن المجلس كان مزروعا بالألغام الكامنة، وموسى رأسه خفيف جدا قد يستفزه أقل من انفجار لغم (ففتاش صغير ) من ياسر الذي يقبع على المقعد المقابل له ويستمع للحديث بإصغاء متناه الدقة بينما يتصنع العبث بهاتفه الملون والذي يضعه دوما بشكل بارز في مقدمة (تابلو ) السيارة ليعلم المارة بجوار سيارته من هو من الناس قد يقلب أي خطة إصلاحية تدخل رأس موسى إلى مؤامرة عليه من خلال استدراج أضغانه التي يتفقان عليها سويا ويعلم الخبيث ياسر كيف ينفخ في الرماد من فوقها ليتأجج جمرها !! .

أما فلا يتكلم باي حرف قبل أن يستنطق قسمات موسى ليعلم مقدار ما يؤثر فيه كلام ابي العز ليقول قولا يناسب الموقف الذي سيتخذه موسى ،،،لانه لا يستطيع ان يتخيل أبدا مخالفته في أي شيء يقوله فهو يخشى غضبه ويخاف أن يضمر له سوءا يظهره في وقت يكره أن يَظْهَرَ فيه ...فهكذا كان ثائر مخالفا دوما لحروف اسمه الثوري ومجانبا للحق إن رفضه موسى إلا إن أعجب الحق موسى .

على كل حال استطرد ابو العز بآخر الحلول بعد أن كان موسى يرفض اقتراحاته عندما يعلق عليها ياسر العابث بتعليقاته الكيدية الصاخبة المليئة بالدس فهو يعرف مفاتيح شخصية موسى ويعلم كيف دس له الأسافين في كل خطة حكيمة يعرضها ابو العز للإصلاح .

المهم كان طرح ابي عز الأخير بعد أن استطاع كظم غيظه وتململه من تعليقات ياسر السمجة، مختزلا موقفه الاحتجاجي من رعونة ياسر بتوجيه وجهه وحديثه تلقاء موسى فقط : يا رجل النساء رقيقات عطوفات ضعيفات وأنت قد جرحت زوجتك جرحا عظيما وأهنتها ، وانت رجل ذو مال وقد جردتها من كل شيء من بيتها... وأبنائها... وسيارتها.... وتستطيع الآن حل المشكلة بعد أن أَخَذَتْ بالتفاقم فتُعيدُ الأمور الى نصابها الصحيح .......... وكل ما عليك فِعْلُهُ أن تشتري سيارةً جديدةً وتُزَيِّنَها ببعض الزينة فتقدمها هديَّة اليها في بيت أهلها لتكون بمثابة اعتذارٍ عما اقترفته بحقها من السوء طيلة السنوات الماضية ،خصوصا وأنك قد اخذت سيارتها واعطيتها لموظف عندك وهذا كان من بعض ما جرحت به مشاعرها وعندئذ ستشعر هي بمقدار حبك لها وحرصك على رضاها ويشعر أهلها بمقدار احترامك لها ولهم.......... وهاأنت تنثر المال هنا وهناك ولن ينقص هذا الفعل منه شيئا وأنا لك ناصحٌ فاستمع لما نصحتك به.

ولما بَدى على قسمات موسى بعضُ علامات الرَّضى !وَهَمَّ ثائر! أن يؤيدها بعد استقرائه لقسمات موسى مخرجا استهلاله للكلمات بصعوبة:....... والله يا موسى آآآآآآآآآآآ قفز عندها ياسرٌ قبل ان يؤيد أحد هذه الفكرة فيؤثر على موسى : ماذا تقول يا ابا العز أتريد ان تجعلها سنَّة بين الناس !؟؟ أوكلَّما أغضب أحدٌ امرأتهُ أعادها بسيارة جديدة!!! أنسيت أن زوجتي اختها أنسيت أن أخاها يصر على تحدي موسى ...إسمع يا موسى اسمع !إياك ان ترضخ إياك! فلابد ان تأتيك زوجتك ذليلة خاضعة وإلا فلن تكون رجلا ....

عندئذ اشتدت قسمات موسى واحمرت عيناه واتسعت فتحتا انفه ليستوعب الكثير من الأكسجين بعدما خنقه ياسر بعباراته المستفزة وانتفض من مكانه وخرج من الصالون يتبعه ثائر الراكد وياسر الثائر .


وعصام ينفض المنشفة مما علق بها من الشعر عند الباب بشدة ويكاد يقضم سيجارته من الغيظ ، ويوسف قد تعلق بولدٍ صغير وضع له خشبة على يدي الكرسي ليهيِّأهُ للحلاقة .وأبو العز يتبع المغادرين بخطىً متثاقلة حتى وصل إلى الباب وهو يصفق بكفيه ويتمتم بصوت يكاد يكون مسموعاً ....(ما أصعب أن يغشى مجالسَ الرجالِ ولدٌ كبيرْ!!) .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات