أوراق الملك : مثالية التنظير .. واقعية التطبيق


المثالية قاعدة أساسية في السياسة الدولية، من الممكن استخدامها لإقناع الرأي العام وبلورة مفاهيم ومبادئ اخلاقية، الا ان هذه المثالية لا يمكن لها أن تكون أداة فعالة تمهد الطريق لتطبيق الافكار ان لم تلحق بإنتاج الاسباب الواقعية للفعل الصحيح، فمن يفكر بشكل صحيح، لابد له ان يتصرف بشكل صحيح.
أوراق الملك عبد الله الثاني افكارا نظرية مثالية جميلة، تحتاج إلى شيئا من النقاش، لإيجاد التربة الخصبة لزرعها، قد تعطي النظرية المثالية قوة دفع لهذه الارواق لا الواقعية في الطرح، الا انها تبقى بعيدة عن الفهم، إن لم تلحق بالتطبيق العملي.
الذي يطالع الاوراق يجدها غاية في الرقة والروعة، لكن ما أن يشرع العقل في أيجاد القواعد لإطلاق مشاريعا حتى يفاجئ بصعوبة تحقيقيها، كونها مبنية على افكار فردية " اقتراحات " تؤمن بمقدرتها على الطرح والتوجيه، دون سواها، سيما وأن ثمة مشاريع سابقة مثل الاجندة الوطنية تم وأدها بل وانكار وجدودها، مع انها أكثر أهمية من الاوراق وما سينتج عنها من نقاش.
المؤسف في الامر، أن الملك عندما طرح هذه الاوراق طالب بعرضها للنقاش كما فهم كتابنا الصحفيين، الذي طالع المقالات الصحفية التي تناولت الأوراق، سيجد " اغلبها " تقوم على اسقاطات المجاملة لا رافعات النقاش، فهي تركز على شخص الملك أكثر مما تركز على افكاره، هذا الأمر بحد ذاته استهانه من قبل الكتاب بشكل مباشر أو غير مباشر بأهمية الاوراق، وكأن الهدف من هذه التصرفات هو اسقاط هذه الاوراق.
في ورقته الثانية التي جاءت بعنوان " تطوير نظامنا الديمقراطي لخدمة جميع الأردنيين " يقول الملك عبد الله الثاني : الديمقراطية في جوهرها عملية حيّة نمارسها جميعاً، مواطنين ودولة. وفي الأردن، شكَّل الدستور أساس الحياة السياسية والديمقراطية الذي طالما وفر إطاراً تنظيمياً لقراراتنا وخياراتنا على مدى تسعين عاما. يقول الملك عبد الله في ورقته الثانية
الفقرة تحتاج إلى تفسير، هل حقا تم احترام الدستور، هل شارك المواطن فعليا بشكل ديمقراطي في صناعة خياراته، هل بنيت القرارات وفق المصلحة الوطنية المدعومة بالشعب، أم وفق نظرة " الأنا " التي أكدت اسقاط "هم " من قاموسها.
الديمقراطية التي يتحدث عنها الملك نسبية، فإن كانت تتوافق مع افكاره فهي محببه يتوجب تأكيدها ودعمها، وإن كانت لا تتوافق ومصلحته يتوجب التخلص منها بأي صورة من الصور، لننظر مثلا للتاريخ كيف قام الملك الحسين باحتواء معارضيه من خلال استحداث اساليب الترضية بحيث تحول هؤلاء من شط إلى شط، ومن فكرة إلى ضدها.
ثمة حقيقة أكيدة في حديث الملك، نعم، تطورت المؤسسات، لكنها ارتقت في اساليب تهميشها، وعدم فاعليتها ومقدرتها على إدارة الدولة، لننظر مثلا إلى المنخفض الجوي الاخير الذي أربك أذرع الدولة واركانها، مما حدا بالملك للتدخل شخصيا بكل شاردة وواردة في سبيل التغطية على حكومته الوظيفية.
فيما يتعلق بالتعديلات الدستورية هل عملت هذه على قوننة سلطات الملك، أم قامت بتحصينها، هل اعطت التعديلات حوافزا تشجيعية لنشر مبادئ التشاركية أم قامت على اقصاء كل مناوئ لها، لننظر مثلا إلى قانون الانتخابات، وكيف عمل بالبلد، هل حقيقة هذه القوانين فعليا على تمكين الشعب، أم على زيادة جرعات تهميشه.
لننظر إلى استخدام جملة " تطويرا مستمرا للنهج الذي يحكم الممارسات" هل مثالية الفكرة تعطيها حرية الادعاء، من المؤكد أن هذا لا يعطها الحق. هل كان هناك نهجا بالأصل حتى يتم تطويره، اضافة إلى ذلك، الا يعني القول بالنهج أن ثمة نهج سابق تم البناء علية الفعل الديمقراطي، الفكرة طوباوية قائم على افعال الوهم ويتم بناء وهم اخر على انقاضها، وفق سياسات تغيير الشكل الخارجي والابقاء على النهج المضمون.
فيما يتعلق بالنواب ودورهم، يا ترى ما هو الفعل الذي قام به النواب، منذ 1989م، بحيث قاموا بحماية الوطن من مافيا الفساد المؤسسي التي استباحت مقدرات البلد وثرواته، ألم يكن النواب الذي حملتهم أفعال التزوير، باعتراف "بعض" رجالات الاجهزة الامنية، هم عينهم الذين قاموا بتبرئة الفاسدين وحمايتهم.
فيما يتعلق بالاقتراح بـ " الانتقال إلى الحكومات البرلمانية " جميل جدا ما تم طرحة إن بني اساسا على قواعد حقيقية، فالبرلمان شكلي يمكن شطبه بقرار من قبل الملك، اضافة إلى ذلك لابد من القول أن غالبية اعضاء الحكومات المعينة من قبل الملك بما فيهم الوزراء، مصابون بل ومتورطون بملفات فساد كبرى، ومع هذا يتم إعادة تكليفهم مرة بعد الاخرى، دون الالتفات إلى الشعب وصرخاته !
لننظر إلى فقرة " متطلبات التحول الديمقراطي الناجح " ما طرحته الفقرة من أفكار جيد بحد ذاته ،لكنه يتطلب لجهد تثقيفي لكافة الاطياف بما يسهم في ادارة الدولة، يتناسب ومصالحها وبرامجها الوطنية المدروسة والمقوننة والممنهجة، لا وفق رؤى ونظريات "الفرد " المجاملات.
نظرة مستقبلية: الأدوار والمسؤوليات، الفكرة واضحة لأنها شيدت على أسس الفقرات السابقة، لكن هذا لا يعني تأكيد السابق، خصوصا وأن المجلس القادم مجلس اشكالي انتقالي، شرع وجودة قانون انتخاب اقصائي، في ظل وجود انقسام شعبي ممتد، يرفض الاصلاح الشكلي الذي يقوم به النظام ويبني عليه أفكاره القادمة.
قد تكون المثالية في طرح الأفكار جيدة في تثقيف الرأي العام، أن الحقت بالتطبيق العملي للأفكار، لا تجميدها - كما الاجندة الوطنية – ووأدها.
الأوراق الملكية تبقى مثالية، لا الواقعية، وستبقى كذلك إلى أن تخرج من أطار التنظير إلى فضاءات التطبيق الفعلي.








تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات