حب في زمن الغبرة


كم أحب المدرسة , أتحدى أي طالب أحب المدرسة مثلي,
فأنا طالب متعلق بالدراسة كتعلق الطفل بنهد والدته ,
لا زلت أذكر معلمي الذي كان في مدرستنا قبل أعوام عدة
لا زلت أذكره عندما
أمسك بالعصا وبدأ بتحفيظنا بيتا من الشعر..
وخير الناس ذو حسب قديم ....أقام لنفسه حسبا جديدا
وشر العالمين ذوي خمول....اذا فاخرتهم ذكروا الجدودا
كان ذلك في الصف السابع على حيث أن هذه الحادثة الوقحة قد التصقت بذاكرتي وقلبي في آن واحد
في تلك الحصة وبعد تغريد الطلبة لهذان البيتان من الشعر المملوء بالغبار الواجب نفضه
أذكر بأن هنالك طالب طويل اللسان سأل المعلم عما تعنيه الأبيات التي قرأناها..
فبدأ المعلم بشرح الأبيات كالآتي...
أن المتفاخرين بما قد أنجزه أجدادهم عليهم أن يخجلوا من أنفسهم ويقوموا بصناعة تاريخهم الخاص بهم ليفخروا به.
فسأل نفس الطالب سؤالا آخرا وقال : ولكن يا أستاذ أجدادنا لم يكونوا مقيدين بحدود وقوانين مثلنا ولذلك كان لهم انجازات عظيمة.
ما أذكره أنا هي تلك النظرة على عينا المعلم... تلك النظرة المليئة بآيات من الصدمة..
صمت للحظة ثم قال ... مزقزا هذه القصيدة من دفاتركم ولننتقل للدرس التالي ولن ياتي أي سؤال في المادة من هذه القصيدة.
كان الدرس التالي تحت عنوان تنمية الاعتزاز الوطني...
وما أن قرأ أحد الطلبة العنوان الا وأمرنا المعلم بتمزيق هذه الورقة أيضا...
وعندما سأله أحد الطلبة عن السبب أجابه قائلا بأن هذا الدرس يعلمنا الاعتزاز بعبوديتنا
لم نكن مدركين لما يحدث , كان كل تفكيرنا يدور حول فرحة الطالب بسهولة امتحان لن يشمل بعض الدروس.
لم نكن نعلم بأن ما يحدث سيكون من أعظم دروسنا التي لم نعي بها في ذلك الوقت.
قمنا بتمزيق الدرس المذكور وأنتقلنا الى الدرس الذي يليه
فكان الدرس عن جيش البلاد حيث يروي امكانياته وتصنيفاته وما الى ذلك
وما أن أكمل أحد الطلبة قرائة عنوان الدرس حتى أمرنا المعلم بتمزيق صفحاته ايضا..
لا أنكر ذهولي وصدمتي بما يحدث...لم أكن مصدوما من أمر المعلم بتمزيق الصفحات, فأنا لم أكن بذاك الطالب المجتهد الذي يكترث لدرس يمزق , بل ان ما أذهلني هو أنني قد لمحت دمعة تنهمر من عين أقسى معلمي المدرسة ,
وهنا أتتني الشجاعة لأسأل معلمي عن سبب تمزيق الدرس الذي يروي لنا امكانيات جيشنا , وما أن سألته حتى أجابني قائلا : جيش ضخم بالعدد والعدة يكون عارا وليس فخرا عندما يقف مكتوف الأيدي على حدود دولة شقيقة محتلة من قبل العدو.
سمعنا قرع الجرس يعلن نهاية الحصة من دون أن نكمل أي درس في ذلك اليوم , وخرج المعلم حزينا كأيبا وبقينا لنكمل يومنا الدراسي كالمعتاد....
وفي اليوم التالي لم يأتي المعلم , ذلك المعلم الذي أطلق عليه بعض الطلبة لقب الممزق, وفوجئنا في اليوم التالي بمعلم جديد أتانا عوضا عنه وعندما سألنا عن الممزق أخبرونا بأنه قد فصل من التعليم وقاموا بزجه بالسجن بتهمة تحريض الطلبة.
لقد كان هذا من أجمل الدروس التي حفضتها عن ضهر قلب , وأكثرها التصاقا بذاكرتي.
"بقلمي"
طالب لا يزال في الصف السابع
ريماز موسى



تعليقات القراء

dana alawamleh
يبدو أن هذه الذاكرة تستوجب نفض الغبار الكثيف عنها..

ذاكرة امتلأت بالخيبات..

وأظن أن حالنا سيبقى على ما هو عليه ما دمنا على هذه الأفكار والمعتقدات...

ولكن من يسمع..!!!
14-03-2013 10:45 AM
خديجة الرواضية
للأسف يا ابو عمر ها نحن الآن على. ما كنا عليه سابقا وسنبقى ايضا ....
09-12-2014 08:29 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات