إضراب جرَه


إستيقظت متأخراً كعادتي ، لأني بلا عمل رغم أني أحمل شهادة جامعيه ، وراجعت ديوان الخدمة المدنية فكان الجواب انني متقاعد ولا يجوز لي أن احصل على وظيفة فلدي راتب لا يزيد على ثلآثمائة دينار، بينما أرى أبناء المتنفذين والمسؤولين يجوبون شسوارع الوطن زرافات زرافات بسيارات فارهه متوجهين الى وظائف فصلت لهم بالمقاس ، وأنا اظن اني قد أكون اكثر من اكثريتهم كفاءة ومؤهلات ولا ينقصني سوى أنني لست ابن وزير او سفير ، ولست حفيد رئيس أو أمير ، وأرى ايضاً الكثير ممن تقاعدوا براتب بآلاف الدنانير ، وبمعلولية بنسبة عجز 80% ويعودون للعمل في الدولة مستشارين برواتب خياليه ، دون أن يعملوا ساعة في يومهم .

المهم استيقظت ، ولأني لست مغرما باحتساء القهوة كعادة الكثيرين فقد قررت أن اعد كوباً من الشاي أبدأ به يومي ، توجهت الى المطبخ وأخرجت الابريق ووضعت به بعض الماء الذي نأتي به من بير الجيران ، لأن المياه التي تأتي بأنابيب السلطة لا تكاد تصلح لشيء ، أضفت شيئاً من السكر ووضعت الابريق على الغاز ، أدرت المفتاح وضغت زر الاشعال ، مره .. مرتين .. الا ان الشعلة لم تظهر ، أوجست خيفة من هذه الحاله ، فكارثة إن كانت جرة الغاز قد فرغت ، بدأت البحث عن السبب ، تفقدت مفاتيح الغاز فكانت سليمة ، ومسمار الشرارة كان سليماً ويرسل شراراً بما يكفي لأشعال الشارع احتجاجاً على الظلم ، تفقدت ساعة الغاز فكانت هي سليمة أيضا ، والبربيش لم يكن فيه أي اهتراء أو تهريب فهو سليم ومركب بطريقة صحيحيه ، والمرابط ( الكلبسات ) مشدودة بشكل صحيح ، ومن القوة بحيث لا يمكن للبربيش أن يتملص منها ، لم يتبقى الا الجره ، بدأ قلبي بالخفقان خوفاً من أن تكون الجرة قد فرغت ونضب ما بها من غاز ، وان كان هذا هو السبب فمن أين لي بعشرة دنانير والراتب تبخر بعد أقل ساعة من استلامه ، لكن لا بد من معرفة السبب .

رحت اذرع ارض المطبخ ذهاباً وإيابا وأنا افكر ، هل اتلمس الجرة أو اتفقدها ، وكلما زاد تفكيري تسارعت دقات قلبي ، صرت أتقدم نحو الجرة وكما يقولون (إجر لورى وإجر لقدام )، امد يدي ، وما أن تكاد تصل الى الجره حتى اعيدها بأسرع من لمح البصر ، فأخشى إن اكتشفت الحقيقة أن أصاب بنوبة تكلفني حياتي ، ترى ما الحل ، هل أنتظر عودة احد افراد الاسره ليكتشف أن الجرة قد فرغت ثم يخبرني بذلك فيكون وقع الصدمة علي أقل ، أم أن اغامر بمعرفة ذلك بنفسي وأنا المؤمن بأن الموت حق ، وأن الانسان لا يموت الا مرة واحده .

جلطه جلطه! هكذا قلت في نفسي ، واستجمعت قواي ، وتوجهت نحو الجرة ودقات قلبي قد يسمعها الجيران ، وأمسكت الجرة بيدي وهززتها ، وجدتها ثقيلة بعض الشيْ ، عندها تشجعت وحاولت حمل الجرة فوجدتها ثقيلة ، ما يدل على أنها ما زالت تحتوي على كمية من الغاز ، عندها تنهدت تنهيدة طويله ، وتنفست الصعداء ، وحمدت الله على أن الخطر قد زال وأن ما كنت اخافه لم يكن موجودا ً ، والحاجة لعشرة دنانير لتبديل الجرة قد انتهت ، الجرة ملأى .... الغاز موجود ، اذن ما المشكله .

جلست برهة لأرتاح من عناء التفكير المضني والهلع المميت الذي رافقني على مدى ما يقارب الساعة من الزمن مرت علي وكأنها الدهر ، ورحـت انظر الى تلك الجرة وألومها على ما فعلت بي وما اسكنته في نفسي من خوف كاد يقتلني ، وفجأه وكأني سمعت الجرة تحدثني ولسان حالها يقول ... أنا في اعتصام عن العمل حتى تتحقق مطالبي ... لقد سئمت هذا التعامل اللإنساني الذي ألقاه ... لم أعد احتمل الطريقة التي تعاملونني بها ... منذ سنوات وأنتم تضعوني في زاوية من المطبخ محشورة بين طباخ الغاز والجدار ، حتى أكاد أختنق ، وانتظر تبديلي بفارغ الصبر حتى اتنفس الهواء ، هرمت من شدة البرد الذي يخر في أوصالي وأنتم تضعوني على البلاط البارد شتاءاً ، تقتلني الظلمة وأنتم ترمون بي تحت الدرج عندما أفرغ ... حتى طريقة تبديلي مخالفة لكل قوانين الحقوق التي وضعتها البشريه ... سب وشتم اذا كانت هناك صعوبة في فك البربيش عني ... ترمونني رميا الى موزع الغاز .. الذي بدوره يحملني ويلقي بي في ظهر البكم بكل قوته ... تعاملونني بهذه القسوة وتريدون مني عملاً ،، لن اوقف اعتصامي ولن انهي اضرابي حتى تتحقق كل مطالبي .. فأنا اصبحت ام العشرة ،،، وقيمتي وثمني قابلين للآرتفاع .

ضحكت ملىء قلبي وأنا اسألها : وما هي مطالبك أيتها العزيزه

ردت علي وبكل ثقه : مطالبي كثيره ، لكني اجملها في المهم منها ، فأنا لا أقبل بعد اليوم أن أقف عارية في المنزل فلا بد من أن يفصل لي ثوب يبين قيمتي ويكون مناسبا لقدري ، كما أنني اريد أن توضع تحتي قطعة من الموكيت أو السجاد بحيث لا يلامس جسمي البلاط ، كما انني أطالب بأن أوضع في مكان فسيح استطيع أن أتنفس فيه الهواء النقي ، لا أن اظل محشورة في زاوية ضيقه ، هذا يدفشني من هنا وذلك يزيحني هناك ، ويجب ان يكون تبديلي بكل رفق وحنان ، وأن يحملني اثنين على أكف الراحة ، لا أن القى كأي شيء ، ويجب على موزع الغاز أن يحملني بلطف وأن يضعني في مكان قريب ، لا أن يلقي بي على (طول ايده) ، مع أني أفضل أن يتم نقلي في سيارة خاصه من البيت الى مكان التوزيع حتى أتخلص من الضجيج الذي يرافق جولة (بكم) التوزيع ، كما أنني لا أريد أن اوضع في مكان مظلم تحت الدرج ، أنا لا اطالب بأن تحتفظوا بي في غرفة النوم حتى لا أقتحم خصوصياتكم ، ولا في غرفة الاولاد حتى لا أكون العوبة لهم ، هذا يدفشني وهذا يركب فوقي ، أريد ان تبنوا لي مكاناً خاصا ، رحبا واسعاً ، فيه اضاءة جيده ونوافذ للتهويه ، وتدخله الشمس كل يوم حتى لا أصدأ من الرطوبه .

هالني ماسمعت من الجره ، أو ما تخيلت أنني اسمعه منها ، ما الذي ايقظ فيها كل هذه الجرأه ، وما الذي فتح عينيها على كل هذه المطالب ، نظرت اليها ، فإذا حال لسانها يقول : لقد اعتصمتم وأضربتم وخرجتم في مظاهرات ومسيرات واحتجاجات على رفع قيمتي ، ومضى الرفع ، وتلقيتم الدعم الحكومي السخي مقابل ذلك ، فمن حقي أن احتج وأن أعتصم ، ومن حقي أن تخصصوا جزءاً من الدعم لتوفير سبل الراحة لي ، ومن ربيعكم العربي ولد ربيع الجرة ، ولا سكوت على الظلم بعد اليوم .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات