السحيجة والتصفيق


المثل الفرنسي يقول ( يظل الطفل بريئاً حتى يتعلم التصفيق)
وللتصفيق انواع وخصائص وفنون فمنها الدحية الاردنية عندما تركب الراس وتعبئ الدماغ تجد المدحي( بتشديد الدال والحاء ) من نشوتها يقع المنديل عن راسه هازا راسه بكل الاتجاهات حتى تنتهي النشوة بصرخات تعم الصفوف كلها تحت ازيز رشق الرصاص وهذا التصفيق الممنهج والمتفق عليه اردنيا هو للأفراح وللأعراس ولتفريغ شحنات التعب والاعياء اليومي ولها ناسها ومحترفيها وجزء من تراثنا الاردني الحبيب .


في احيانا كثيرة يكون التصفيق سلوكاً قمعيا يمارسه الشعب تحت إكراه الحكومة مع تغطية إعلامية قوية تقلب الموازين راسا على عقب تجعل الحق باطلا , و الديك حمارا و بياض العين احمر, ويندرج تحته مسميات كثيرة فزعة وطن هبة وطن المولاة زوامير ,اغلاق للشوارع , رفع للأعلام على السيارات , وعادة من يقوم به المنتفعون , ومن يندرج تحت لواءهم من المراهقين سياسيا , تسحيجا, وتبصيما, وتصفيقا, وهؤلاء رجال لا قيمة لمشاعرهم, إن كسبتها لن تفرح، وإن خسرتها لن تحزن، فمشاعرهم لا تقود تصرفاتهم، بل تقودها مصالحهم أو أوامر سادتهم . هؤلاء لا أهمية لقلوبهم حالهم حال من يكون مستعداً للتخلي عن أحبته وأهله، وأن يرفع السيف عليهم، إن هو أمر بذلك من سيد له , أو مصلحة ما يوالون لمن يدفع اكثر , مقارنة حقيقة لمن يمنحون الشرعية لقرار حكومي وضع راس الشعب في الوحل .
أيام حكم ستالين ظلت الجماهير تصفق لأكثر من ربع ساعة ، تصفيقاً حارا متواصلاً بلا توقف ، حتى سقط بعضهم من كبار السن من التعب و الإعياء ونُقلوا إلى المستشفيات، والذي تجرأ يومها وتوقف عن التصفيق الحار عوقب بالسجن عشر سنوات مع الاعمال الشاقة .


لذلك ولدت لدى الأديب الروسي الراحل الكسندر سولجنستين من تلك الحادثة حكمة وفكرة ديكتاتورية باهضه الثمن (لا تكن أبداً اول من يتوقف عن التصفيق)

وكان الرئيس حافظ الاسد في خطاباته يبقى السوريون يصفقون له وقوفا وبحرارة اكثر من ربع ساعة تصفيق الخوف و الجوع والقمع والقهر , ولو قارنا بين التصفيق هنا والتصفيق هناك في البرلمان التركي في استقبال رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية اعتقد ان الفرق كبير جدا بين التصفيقين والمعاني تصبح غزيرة في اطار النظر لنفس الشخصين .


أن عدم استهداف حكومة عبد الله النسور وقرارته الجائرة بحق شعبنا برفعة الاسعار والمشتقات النفطية, من أولويات الإعلام الاردني الذى ركز على الضحية وأظهره بصورة الوسواس الخناس , ما هو الا صورة وشكل من اشكال الافلاس السياسي ولم يرعوا من قانون القوة واختراقه وامتطاؤه ، وعلى وجه الخصوص الإعلام المرئي والتلفزيون الاردني (أكبر محرض على التصفيق للحكومة)، فإما أن تصفق وتضع نفسك في شرنقة الحكومة والا تتهم بعدم المولاة .


والاردنيون يعرفون الوجوه الصفراء من الوجوه الخضراء والحمراء ويعرفون القلوب البيضاء من القلوب السوداء ويعرفون من يعتلي سرج الوطن فلقد تبدل الحال واصبح من المحال بقاء الحال على ما هو عليه في زمن اصبحت الافكار تتناطح والإرادات تتصارع مع ناهبي الوطن ومضيعي مقدراته .


والسؤال هنا كيف نصل كأردنيين مرحلة امتلاك الخيار الوطني الذي لا يعني أكثر من تحكم مزاجنا كمواطنين بطبيعة البرامج التي تناقش أوجاعنا الوطنية أو تحاور رموزنا السياسية عوضاً عن أن استخدام خيارات الريموت كنترول كلما ظهر أحد السادة الوزراء السابقين أو غلمان السياسة المسئولين طمعاً في المزيد من التصفيق .


وكيف نرتقي مراتب الحرية و الوعي الديموقراطي الاردني ونحن مهمشون تحت مظلة إدارات حكومية و إعلامية لا تفرق بين الناقد الإصلاحي لأداء الحكومة ، والمعارض السياسي او الاخواني الذى يسعى بشتى الطرق لامتلاك مساحة على حجم الوطن يتكئ عليها .


والنجاح السياسي الذى يقوم على المصلحة والمنفعة الذائبة في كاس الوطن من ملء الكروش ولعق الاحذية قائمة بطولها وعرضها على الاسلوب الرخيص من ارضاء البشر على حساب رب البشر الذى حرم الظلم وجعله بيننا محرما لا يعني أكثر من أن البقاء للأذكى، والأقدر بالتالي على مستثمري النقد الاصلاحي المحبين لوطنهم اطلاق حملة وطنية لن اصفق بعد اليوم .

وحمى الله الاردن



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات