ترك الوطن للمجهول .. ؟!


ما يجري في الاردن من تداعيات اصبحت معروفة وموصوفة للجميع بخسائرها وشعاراتها، وما رافقها من شحن تلقائي غير مسبوق، ناجم عن قرار اقل ما يمكن وصفه بانه يخلو من الحكمة والسياسة، ويجهل ابسط المعطيات الامنية وتداخلاتها، رغم ان الجميع بما فيها جهات وشخصيات شبه رسمية قد المحت وتحدثت بشكل مباشر عن سوء ما سوف يجري ونصحت اعتماد ابواب اخرى لمعالجة العجز وتباعاته، حتى ان رئيس الحكومة ورئيس البرلمان سابقا، الذي يعتبر(في تقديري) من اركان المطبخ السياسي، السيد فيصل الفايز الذي ظهر على التلفزيون الاردني، وطالب فيه اولا؛ باعادة الثقة التي اهتزت بين المواطن والدولة، وطالب ايضا بايجاد بدائل افضل لدعم الخزينة كالضريبة التصاعدية، وصنديق المحافظات، الى محاسبة الفاسدين عبر قانون من اين لك هذا، ومع ذلك اصر وعاند الرئيس عبدالله النسور واعلن انه يصر على رفع الاسعار ويتحمل المسؤولية!؟
ثلاثة اسئلة تطرح نفسها في اطار ما جرى ويجري من تداعيات:
1- من المسؤول عما جرى ويجري؟
2- هل هناك تصور لمدى تداعيات الموقف؟
3- ما الحل والمخرج؟
لا بد ان نقر ان السياسة والاقتصاد وحتى الامن، لم تعد الغازا او حجبا، حكرا على نخبة من الاختصاصيين، يرمونها بمصطلحات كبيرة ليسكتوا بها الشعب ، بل اصبحت، مع عالم المعرفة والنت والفضائيات وثورة الاتصالات، ثقافة يمكن استيعابها بسهولة وهي في متناول الجميع، كما انها لم تعد فهلوة وتذاكي وشطط ووهم من العبقرية، بل هي نظريات مجربة، تحكمها ظروف ومعطيات ونتائج متوقعة، ومن يخالف ذلك ويتشاطر، اجتهادا من تلقاء نفسه لابد ان يقع ويوقع غيره بل والدولة كلها في شرك يصعب التراجع عنه اوالخروج منه.
وعليه فان خلاصة ما جرى ويجري من رفع للاسعار وتداعياتها، ليس اكثر من ركوب السهل من القرارات التي تمس جيوب الفقراء والعامة، واصرار على حماية الحيتان والمتنفذين والفاسدين ومنظومتهم الوراثية، ولكن ومع ذلك كله فان في المشهد تفاصيل لابد ان نتناول بعضها ما امكن الى ذلك سبيلا.
كل ما جرى من تمهيد وتصريحات حول رفع الاسعار وانهيار الدينار( والتي اججت الموقف اكثر)، وما ويجري من تداعيات معروفة للجميع تشير الى ان الدكتور عبدالله النسور قدم نفسه لتشكيل الحكومة على انه المنقذ لواقع اقتصادي، كان يعلم ابعاده، معتمدا على انه صاحب سلسلة مواقف معارضة للحكومات وانه صاحب تجربة شعبية، ويعرف كيفية احتوائهم، باعتباره انه نجح بالوصول الى البرلمان لعدة دورات، وانه القادر بذكائه وخبرته انفاذ رفع الاسعار دون تداعيات، اوربما كالشعرة عندما تسلها من العجين، رغم ان حجم التحذيرات لما كان ينوي عليه غير مسبوق، الا انه اصرواعلن تحمله المسؤولية، وهو ما يصعب تفسيره دون معطيات اكثر، حول جوانب كثيرة تحتاج الى ايضاحات، حتى نستطيع ان نحكم على الدوافع الحقيقية لامر ترتب عليه تداعيات خطيرة لم تكن بالحسبان ..
قراءة التصريحات وتسلسلها وتحمس الرئيس النسور لها ولرفع الاسعار، والاستعداد لتحمل المسؤولية والاصرار على انفاذ القرار، رغم تحذيرات شبه رسمية وفتور رسمي تجاهها، كلها تشير ان صاحب الفكرة والخطة والمبادر لها على هذا النحو ، فضلا عن قرار التنفيذ لرفع الاسعار ، هو الرئيس عبدالله النسور نفسه ،والتي ربما على اساسها كلف بتشكيل الحكومة..
وهنا التذكيران حكومات سابقة في السنوات الماضية حاولت ان تعالج الامر ولكنها تراجعت، وحبذت الرحيل تحت ذرائع شتى ، اوعالجتها بشكل جزئي مع دعم مجز ومباشر للرواتب والدخول المتدنية، ولكنها لم تقدم على ما اقدمت عليه حكومة النسور بهذا الشكل وهذا التوقيت وهذه الالية ..؟!
عندما يتعلق الامر بالمعيشة والرزق وقوت المواطن يجب الحذر الشديد جدا، لان كل وهم العبقريات مهما اوتيت من حيل نفسية، ومناورات سياسية، والتفافات جهنمية، وتشاطر، لن تمر عندما تستشعر الفقر والجوع، وهي ترى الفساد يرتع ويتبغدد ويتيه بمبرراته وتحصيناته..؟!
تداعيات الاحداث المتسارعة تُنبئ ان ترك الساحة السياسية لقرارات الحكومة الاجتهادية والفردية والمتخبطة ذات الطابع النرجسي، انما هو ترك الوطن للمجهول الذي لا نعلم عواقبه، وما الخوف الا من لحظة قادمة لا يمكن معها تدارك الموقف ..
اما وقد حدث ما تم التحذير منه واكثر،وتم على ذلك تداعيات خطيرة مست الارواح وغير مسبوقة في تفاصيل المشهد الجغرافي والاحتقاني، وان ما حصل ليس بالامر الاعتيادي، ومعالجته يجب ان تتجاوز كثير مما جرى عليه العرف والعادة والتقاليد السياسية وبعض الوجوه المكررة والسياسات التقليدية..
وعليه فان الوقت دقيق ومقدر بالساعات ان لم يكن بالدقائق ، ولا بد من قرارات سريعة تلغي قرار رفع الاسعار قبل فوات الاوان، يرافق ذلك استقالة الحكومة، وتشكيل حكومة وطنية اقرب لنبض الشارع، تتبنى قرارات تمس جيوب الحيتان وليس الفقراء، وتعمل على فتح ملفات الفساد ، مع ما يرافق ذلك من اجراءات دستورية قد تتطلب تاجيل العملية الانتخابية، لافساح المجال لحكومة انقاذ وطني تعمل على رأب الصدع ، ومعالجة آثار ما جرى، تفتح باب الحوار وصولا الى توافقات حقيقية في مجالات الاصلاح المنشود.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات