العفو العام .. من سيشمل بعد !!


التقيت أول أمس بصديق يعمل محاسبا في وزارة الصحة مع مجموعة أصدقاء ،وفي معرض مناقشتنا لطي صفحة قضية فساد " الكابسات" في أمانة عمان، وإعفاء البشير ومهيار من التهم الثابتة الواردة في تلك القضية مستفيدين من قانون العفو العام الذي أطاح بآمال الناس رؤية بعض الفاسدين خلف القضبان ، إذ جرى اعتقالهما سابقا لنفس القضية ، وأدت حينها للإطاحة بالقضاء الأردني وسمعته "عقابا " لما ارتكبه القضاء من " حماقة " حبس أبناء الذوات ممن تربطهم بالكبار علاقات اجتماعية واسعة دفع ثمنها النائب والمدعي وجرا تغييرات لازالت قائمة حتى الآن ،قال صديقي حينها : يا ليتني كنت فاسدا وارتكبت جنايات الاعتداء على المال العام ،لخرجت " بعروى " من خرج من قضايا الفساد تلك ومن سيخرج لاحقا ، ولما استطاعت الدولة أن تسترد مني فلسا واحدا كما هي حال من جرى الالتفاف على قانون العفو العام وتنظيف سجلاتهم قضائيا وماليا !
ما من شك أن قانون العفو العام الذي شمل" حنانه " تبرئة البشير ومهيار ، لابد أنه سيضم كذلك المهندس عمر المعاني أمين عمان السابق ، إذ تلاحقه قضايا فساد بلغت أكثر من 37 قضية مدرجة في محاكم الدولة ، وسبق ان تم توقيفه أيام طوال كما هي حال البشير والمهيار ، وقد يكون شمولهما بالعفو العام مقدمة لطي ملفات المعاني كاملة ، أو أنها أصلا كانت من أجل عيون الرجل ، وإلا كيف لحكومة أن تنتقي بعض من تورطوا في قضايا فساد واعتداء على المال العام واستغلال مناصبهم ووظائفهم في الكسب غير المشروع ويخرجوا برحمة قانون العفو العام ،فيما لازال يقبع في السجون لأكثر من عامين مدير عام الموارد أبو حمدان ومدير المخابرات السابق محمد الذهبي وما لاقته عصبة خالد شاهين من مد وجزر وسفر طالت أربعة شخصيات لم يشملهم العفو نفسه !وكنت كغيري اعتقد أن العفو العام يصدر بعد إصدار الأحكام بالجرم واسترداد ما نهبه الفاسدون من مال ،ولكنني لا اعلم بالقانون ولا مدخلاته ومنافذه ،فجرى على ما يبدو التعامل مع روح " القانون " وسماحته وكرمه وليس عقله كما كنت اعتقد !
في ذروة الحديث عن إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية تتطلب الحرص وتوخي الحذر من أي قرار يضاعف من استياء الناس وزيادة سخطهم والحد من الأزمة القائمة في البلاد ،فان ما يجري من " تجاوزات " على صعيد الانتقائية في التعامل مع قضايا الفساد في الوطن بات أمرا مدانا ومستغربا من الجميع ،بحيث يعفى فاسد ويكرم فاسد ،ويرفع الدعم عن الفقراء ويمنح الأغنياء امتيازات تضاعف من مكاسبهم في مجالات حماية احتكارهم وفسادهم وتحديهم للناس ،ولهذا فإننا بتنا نشعر أن النظام يعمل بلا كلل ولا ملل على تعطيل الإصلاح ، وضرب أراء الناس ومطالبتهم بملاحقة كل فاسد أوصل البلاد إلى ما آلت إليه من أزمة خانقه قد تنفجر مع رفع أسعار يخطط له النسور أوائل الأسبوع الحالي .
المشكلة الأكبر ليست في موضوع شمول الفاسدين بقانون العفو العام فقط ، بل في ما يمكن أن تمنحه تلك القوانين والاستثناءات من غلو اكبر وأعظم للفاسدين القائمين على المؤسسات الوطنية اليوم ، وسيكون هذا الاستثناء الذي استفاد منه بعض المشتبه بقضايا فسادهم ، او من سيلحق بهم ممن لازالت المحاكم تنظر في قضاياهم فرصة سانحة للكثير ممن أصابه الخوف او التردد في الاعتداء على المال العام واستغلال وظيفته ، بحيث يزيل من قلبه الخوف والقلق وينطلق كما انطلق من قبله ليسيح في المؤسسة والوطن فسادا ، ولن تخيفه جلسات المدعي العام أو النائب العام الذي تتبدل فيه الشخوص حسب الأهواء وحسب القضايا التي ينظرون بها وحسب قرب أو بعد الشخص المتهم من الكبار والمقربين ..
ما بال الحكومات تتخبط ،وما بالها توزع مكارمها على الفاسدين وتعفيهم من أي جرم ارتكبوه ، وهل يليق بدولة تعاني ما تعانيه من أزمات وسطوة مؤسسات الفساد على اقتصادها وخزانتها وتعلن على الملاء رغبتها بالإصلاح أن تقدم على تلك الخطوات !
أذكر أن الناس ذات يوم رحبت بتصريح لأحد المشتبه بفسادهم ويرأس شركة كانت ذات يوم وطنية كبيرة ،بأنه سيقدم للخزينة 500 مليون دولار مقابل طي صفة القضية ،ولكنه سرعان ما تراجع وأنكر تلك التسوية ،لاعتبارات أن الرجل لن يلاحق او ُيسأل مطلقا ،ونحن لا نحقق حلمنا بحبس المتهمين ووضعهم في أقبية السجون ،ولكن يفرحنا قرار استرداد ما نهبوه من أموال السمسرة وبيع مقدرات الوطن لشركات لازالت حتى اللحظة مجهولة للناس ، وان يبتعدوا عن العمل الرسمي في دوائر الدولة الى الأبد ،لا أن يعودوا نوابا أو وزراء في حكومات منتخبة ، فالبعض منهم يخطط لخوض الانتخابات البرلمانية حتى قبل أن يصدر العفو ،لأنه مدرك قوة ونفوذ من يقف خلفه ! وبالتالي يمكن لنا أن نتخيل كيف سيكون حال الوطن، إن بات أولئك الناس اعضاءا في سلطات تشريعية وتنفيذية في البلاد !!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات