الكويت والأردن ومآرب "أحفاد شاس"


كالعادة لا تظهر "الخفافيش" إلا تحت جُنح الظلام، وكذلك هُم مثيري النعرات ومؤججي الفتن لا يظهرون إلا وقت الأحداث الساخنة، وبطبيعة الحال تكون مهمتهم التهييج وإثارة الشعوب، ثم يعودون إلى المخبأ ينتظرون فتنة أخرى.. وهؤلاء شرذمة مِن أبناء الليل المرتزقة تبحث عن ورقة توت لتستر ما تبقى مِن عورة العيش عالة على أسيادهم الحمقى.
وهذا هو حال ما طرأ على الساحة الاردنية والكويتية مؤخراً، حيث أرادها المدعو مسلّم البراك فتنة وإثارة وإقتتال، وحال هذا "الخبيث" يذكرنا باليهودي شاس بن قيس، وهو مِن زعماء اليهود في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان مِن أشد قومه حقداً على المسلمين، عظيم الكفر وأحد أشد الحاقدين والضاغنين على الإسلام والمسلمين، فمر ذات يوم على نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ينتمون لقبيلتي الأوس والخزرج، كانوا يتحدثون فيما بينهم في ألفة وانسجام عن هموم الدعوة وأحوال المسلمين دون تفريق بينهم. فغاظ اليهودي الحاقد ما رأى، فقال: "قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد. لا والله مالنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها مِن قرار". ثم أمر فتى شاباً مِن يهود كان معه، فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم، ثم اذكر يوم بعاث وما كان قبله وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه مِن الأشعار، ففعل، فتكلم القوم عند ذلك وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان مِن الحيين على الركب: أوس بن قيظي، أحد بني حارثة بن الحارث مِن الأوس، وجبار بن صخر، أحد بني سلمة مِن الخزرج، فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم رددناها الآن جذعه، فغضب الفريقان جميعاً وقالوا: قد فعلنا موعدكم الحرة، السلاح السلاح. فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخرج إليهم فيمن عنده مِن أصحابه المهاجرين فقال: "يامعشر المسلمين الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله وألّف بين قلوبكم". فعرف القوم أنها نزغة شيطان، وكيد من عدوهم، فبكوا وعانق بعضهم بعضاً، ثم انصرفوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد أن أطفأ الله كيد عدوهم.
هذه القصة فيها دروس وعبر وبخاصة هذه الأيام التي كثرت فيها الدسائس، وتنوعت المكائد، ولعل الكثيرون مِن أبناء جيلي، ومَن سبقوهم، يذكرون جيداً تلك الجدران المضرجة بخطوط وكتابات يخطها ليلاً بعض الذين كان يصفون حساباتهم مع خصومهم، بعبارات هجائية أو بذيئة، ولم تكن تلك العبارات الطائشة لتشغل العقلاء في كثير، ولكن يحدث أن "العيار الذي لا يصيب يدوش"، كما يُقال في الأمثال، فتستدرج كلمة نافرة بعض الكبار العصبيين، "يعملها الصغار فيقع في شرها الكبار".. وبهدف اطفاء الحرائق حتى قبل اشتعالها، كان الكبار والعقلاء يعممون كلاماً يستخف بالكتابة على الجدران، كأن تقرأ مثلاً أو تسمع جملة من نوع "الحيطان دفاتر المجانين"، وحقيقة الأمر أن الجدران دفاتر المجانين فعلاً، أو هي دفاتر عديمي المسؤولية، ولم يكن يبقى مِن خربشات المجانين أو عديمي المسؤولية، إلا بقايا خطوط باهتة سرعان ما يمحوها الزمن، أو نوادر طريفة يتسلى بها من يشاء التسلية.. واذا لم يكن الحل، عندما كنا صغاراً، في تهديم الجدران المكتوب عليها ذلك الكلام السخيف، فليس الحل بطبيعة الحال هذه الأيام أن يتربص بعضنا لبعض.
إن كانت الأخلاق الجمعية تلزمنا أن نميز بين الأخوة التي تجمعنا وبين دفاتر المجانين.. ولا شك أن أحفاداً لشاس بن قيس لهم الدور المحوري بإحياء هذه النعرات الفاسدة التي مرادها صرف أبناء هذه الأمة عما يجب عليهم فعله مِن تآلف وتعاضد ووحدة بالأهداف والمصير، لتمزيق وحدة الصف العربي وإذكاء النعرات، لذا فإننا نثق بأن الشعبين الأردني والكويتي الشقيقين يدركون الأهداف الخبيثة مِن وراء هذه المحاولات "الشاسية"، ونثق أيضاً أن الكل على وعي تام بأن السلاح الأمضى هو وحدة الصف لحماية الإنجاز الكبير الذي أحرزته وتحرزه قيادة البلدين للنهوض بالأوطان والمواطنين.. وليعلم "أحفاد شاس" أنه كل مآربهم ومحاولاتهم ما هي إلا ضرب مِن ضروب الجاهلية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات