زعيط ومعيط ونطاط الحيط!!


 منسوب البلادة في بلدي الناحب على حالته المتوالية والمتوارثة، تجاوز كل مخزون أخلاقي يمكنه أن يحفظ لبقية مِن وطن ومواطن ملكيتهما لبعض من آمال مقبورة، كشفت الأيام أنها ستظل حكراً على "رهط" متجدد، يختفي أحدهم فتفقس "فراخة" معلنة أنهم على "الرهط" سائرون ومسيرون.

في بلدي، حيث يروق لي أن أراقب الوضع مِن بعيد، كلما أتيحت لي فرصة المرور، أرى أن الشِعَاب حبلت بكل غثٍ وسمين، لتكون الواجهة القادمة ترسيخاً لدوام حال ومحال، وعنواناً لعبثٍ متجدد تتكالب عليه الطحالب و"السحالب" و"الثعالب" من كل حدبٍ وصوب وبمنتهى الابتذال والتدني.

إنه مِن العادي جداً أن يُصفق الناس لنجاحات وشخصيات "مصطنعة"، كانت بلدي شاهدة زور على تحصيلها و"تلقيحها".. لكنه في النهاية لا بد وأن يسقط القناع، ويصبح كل عذرٍ أقبح مِن ذنب.. وفي هذا تروق في ذاكرتي هذه الحكاية.

كان لأحد البسطاء حمار وكلب وقطة، إعتنى بهم وشكّل منهم شبه عائلة، فكان ينفق على عليق الحمار مبلغاً لا يقل عما ينفقه على قوته الشخصي، أما الكلب فكان عزيزاً لديه بهذا المقدار حتى كان يربض بجانبه على المائدة ولقمة في فمه والأخرى في فم الكلب، أما القط فكان مدللاً إلى حد أنه يجلس معه فوق المائدة يأكل أطايب الطعام.

كان الرجل كبير الثقة برفاقه الثلاثة. ولما وافت ليله جلوس الحاكم على العرش، وإعتزم الناس السهر طوال الليل يترقبون مرور موكبه الذي اعتاد في مثل هذه الليلة أن يحقق لكل ذي طلب مطلبه، فاذا بصاحب الثلاثة يمرض، فيوكل لهم الأمر وطلب منهم السهر حتى اذا ما أبصروا الحاكم يبلغوه بما يتمناه كل واحد منهم لصاحبهم، ونام مطمئناً على وسادة من الثقة. فلما إقترب الملك من الثلاثة قاموا بصوت واحد يطلبون، ولكن لمن طلبوا؟، وماذا طلبوا؟.

طلب الحمار لنفسه أن يكون والياً على بعض البلاد، أما الكلب فطلب أن يصبح وزيراً، والقط إكتفى بأن يكون كبيراً للقضاه، وهنا سألهم الحاكم اذا كانوا يريدون أن يطلبون شيئاً آخر لأنفسهم أو لغيرهم، فأجابوا بالنفي، فلم يمر سيدهم على بالهم، ولم يطلبوا له شيئاً.

لما استيقظ صاحبهم من نومه وكله آمال فيهم ليسألهم ماذا طلبوا من الحاكم؟، فأبتدر حماره بالسؤال: ماذا طلبت لي يا حماري المحبوب؟، فما كان من الحمار إلا أن أجابه في رفسه كادت تودي بحياته وقال "صه" لا تدعني من الآن فصاعداً بالحمار لأنني طلبت من الحاكم أن أكون والياً على بعض البلاد، فالآن أنا صاحب الأمر والنهي، إن شئت أميتك وإن شئت أحييك. فإرتد الرجل الى الخلف مذهولاً.
وعندما أفاق نظر قليلا الى كلبه وقال: وأنت أيها الصاحب ماذا طلبت لي، فأجابه بنباح وخربشة: لا تقل كلباً لأني طلبت أن أكون وزيراً وها أنا اليوم لي تصاريف الأمور وبيدي أن أنفيك من البلاد وأجعلك شريداً طريداً، فأسقط في يده وكاد اليأس يقتله لولا قليل من الأمل في القط الذي عندما تقدم اليه في تأدب قائلاً: وأنت يا قطي الجميل ماذا طلبت لصديقك الحميم؟. فما كان من القط إلا أن تنمر وزام زومته وقفز في وجهه قفزته وقال: إياك أن تدعوني من الآن قطاً لأني أصبحت اليوم كبير القضاه ولي المقدره أن أحكم عليك بالسجن أو الإعدام.

فما كان من الرجل المسكين إلا أن رفع بصره الى السماء وصرخ صرخه مدوية وقال: كفى يا ربي خذ نفسي عندك ولا تسمح لي أن أحيا مرة أخرى في هذا المكان الذي يحيا فيه زعيط ومعيط ونطاط الحيط.

لكل زمن مجريات.. ولكل زمن قضاياه.. وحتى لا يُفهم من كلامي أن هناك أحداً بعينه مقصوداً بالحكاية، فإن القضية عامة ولا تعني أحداً بعينه.. وكل ما في الأمر أننا في بلد العجائب، وكما المهازل فوق التصور، فإن الأمر لا يعني أحداً!!.. حسبنا الله ونعم الوكيل.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات