أغداً ألقاك


 في طريق العودة من أم الحيران سألني جبر ... هل سلكت نفس الطريق إلى المدرسة أيام الزوبعة إياها ولا خفت وغيرت الطريق. يأ إبن الإيه ... لسة فاكر، كان أول جواب خطر ببالي ولم أنتبه أن ردة الفعل كانت إسم أغنية لأم كلثوم. ولِم لا، فقد نبشَ العقل الباطن في ثنايا المخ وإذ به يُطلق سراح العاشِق المحبوس، لينهل من مَعين سيدة الشرق، ومن غيرُها قادر على توفير بعض الوجد للعُشاق.

صحيح أنه كان يُسمى طلوع الحُسين للسيارات ولكنه طلوع ونزول الحُسين للمارة. فالقادم من فوق يكشِف المدى ويصبح مرئياً للذي على السفح. طلتها بهية، وهي كذلك لأغراض هذه الخاطِرة، طلت بمريولها الأزرق الكحلي وكنت واقفاً منذ ساعة أو يزيد، لا ادري، انتظرها على أحرِ من الجمَر.

نزول الجبل مش مثل طلوعه، فالنزول أسرع وكانت بهية تتعمد مش الهوينا حتى تتيح لي ولها بعضاً من الوقت لتبادل النظرات، فهي على الجانب الأيمن من الطريق وأنا كعادتي على يسارِه.

ومن محاسِن الصُدف أن أرصفة عمّان غير صالحه لإستخدام المشاة، وما زالت حتى يومنا هذا، فكانت بهية تمشي على طرف الشارع مما أتاح لي رؤيتها بالكامل. شعر خروبي يتطاير مع جميع تقسيمات الرياح وفقا لبوفرت إبتداً من الدرجة صفر (الجو الهاديء) مرورا بالدرجة خمسة (النسيم العليل) وحتى الدرجة 12 (الزوبعة). كانت تضُّم الكتب إلى صدرها وكلما اقتربت من موقفي أحمرّت وجنتيها وإبتسمت مكافِئة لي لطول إنتظاري.

آه يا جبر كم كان اللقاء طويلا بثواني، وبقينا على هذا الحال أيام وأسابيع ولن أبوح بأكثرمن هذا عن بلاهتي لتاخري في إتخاذ الخطوة التالية ... بدك تعذرني يا جبر وأنت أعرف بظروف الحارة والناس رايحه جاي ولا مجال للعبور من ضفة الشارع إلى الجهة الأخرى، فبحرُ الإسفلت هائج وبالعيون مائج.

ولن أنسى لك يا جبر ذاك الجميل وحملِك لي لعبور الشارع، ولا عجب فانت فطِن من دار الفِطن، حيث أشرت علي الذهاب إلى فرن الشارع العريض لشراء الخبز، وكانت هذه المرة برضاي. وأما وقد طلت بهية من رأس الشارع حتى كنت في وضع لا يسمح لي بالتراجع فالبهية من أمامي وجبر من ورائي ولا مجال إلا للعبور. مرت بجانبي وتمكنت للمرة الأولى أن أشِمُ رائحة البهية، وشعرت بزوبعة في عروقي وتصَبب العرقَ من جبيني في هذه اللحظة الطويلة. نعم يا جبر لقد مرت ساعة طويلة خلال رمشة عين وابتسمنا وخاطبتها طويلا ... طويلا ... بالمرحبا.

لقد كسرَت حاجز الخوف وكان لمبادرتي بالمرحبا مكافئة إضافية حيث ناولتي في اليوم التالي شريط كاسيت لسيدة الشرق الأولى ولامست يدي اليمنى يداها.

الأغنية كانت بمثابة سؤال مفاده (أغداً ألقاك) وسمعتها من مضجعي فوق الغيم عشرات لا بل مئات المرات، وأجبت على سؤال الست بنعم وألفِ نعم، وكنت حاضراً للقاء في الموعد المعهود.

وسأرد لك الجميلَ يا فطِن وسأقول لك ... نعم لقد مررت بالقرب من دارها في اليوم التالي، فهذا طريقي اليومي إلى المدرسة كما تعرف، ولم أجبُن لتهديد إخوتها لي بكسر أرجلي إن فعلت، ولكني كنت فطِناً وحضرتُ مبكراً بعض الشيء، فلم تُكسر قدماي وحافظت على كبريائي، وتجاوزت الزوبعة، وافترقنا على أمل اللقاء.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات