دُهس في أول يوم مدرسة


كنت أميّل عليه ونمشي معا لمدرسة التطبيقات النموذجية ... صديقي ورفيق دربي وإبن حارتنا في جبل الطهطور، جبر الفِطن. وكيف فاتني أن أحكيلكم عن سبب تسميته بالطهطور، السبب في أن عمّان الحديثة نشأة منذ حوالي مئة عام إنطلاقاً من المدرج الروماني في وسط البلد وإمتدت في جميع الإتجاهات فسار المِعمار مع الأودية كالسيل، أيام ما كان فيه ماء، وشيئا فشيئا أنتشر العَمار بإتجاه الربوات والجبال وكان أهمها جبل القلعة التي بنيت في القرن السابع الميلادي كقصر أموي، إلا أن الشواهد تشير إلى أن الجبل كان عامراً بالأبنية الرومانية والدليل على ذلك الأعمدة الكورنثية المنتشرة في محيط القلعة. كما يوجد على جبل القلعة هيكل هرقل والذي بناه الإمبراطور الروماني أوريليوس، وتوجد بقايا كنيسة بيزنطية تعود إلى القرن السادس الميلادي. هذه الأطلال المهدّمة كانت أكواماً من الحجارة الكثيرة المتراكمة وتسمى عند العرب بالطهطور. وقد سمي الجبل لاحقا بجبل الحُسين نسبة إلى الشريف الحسين بن علي والد الملك عبد الله الأول مؤسس المملكة الأردنية الهاشمية.

ومع أني كثير النق (بداعي الإصلاح طبعاً) إلا اني أعترف بأن عمّان قد نمَت في وقت قياسي وربما يكون من أسرع نسب نمو المدن في العالم فصار عندنا الشارع العريض في جبل الطهطور وكنت قد أخبرتكم بسبب التسمية، ولا ضير من التكرار الذي يعلم الشّطار: السبب هو أن الشارع صمم كممر تنموي يمتد شعاعياً من القلعة بإتجاه الغرب. وقد كان هذا الطهطور سببا في فرض نمط بناء معين في عمّان والذي فرض بالتالي نمط نقل عام التصق بنا كلزقة كوكس حتى يومنا هذا.

طلوع الجبل مش سهل مما إستدعى الإستعانة بل 180 وهي المرسيدس التي اختير لها مساران الأول خط (8) مع طلوع الشابسوغ بمحاذاة القلعة والثاني خط (9) مع طلوع سينما زهران مرورا بشارع صلاح الدين الأيوبي. كان الجير أيد عظم على الستيرنج وكان الغيار الأول يوصل لنص الطلعة وبعدين بيعطيها ثاني عند السهلة الأولى. طبعا ال 190 الأحدث سهّلت الطلوع وصار فينا نشعر بضوجان أقل للماتور.

ما علينا خلينا نرجع للشارع العريض، يبدو أن مهندسي أمانة العاصمة ومنهم جارنا أبو عويصة لم يستغلو الشارع العريض في الطلوع، كون القلعة داقرة في النص، ولكن في النزول وضع الشارع مثالي فهو يصل للقلعة ويفرّع يمين لشارع صلاح الدين ومن ثم نزولاً إلى شارع السلط (شارع المحكمة والبنك المركزي) ويساراً بمحاذاة وادي الحدادة بإتجاه البلد.

الستينات والسبعينات كانت بمثابة فورة إقتصادية بمعنى الكلمة بسبب ما يعرف بحقبة النفط، فقد تلقى الأردن مساعدات كبيرة جداً، لأسباب سياسية لا نحب الخوض فيها، حيث تم تأسيس الشركات المساهمة العامة كمصفاة البترول والكهرباء والإسمنت والفوسفات، وقد صاحب ذلك فتح المجال أمام القطاع الخاص لتأسيس الشركات ولم يخلو الأمر من تنفيع بعض المحاسيب من الإستحواذ على الفبارك والوكالات فكان نصيب أبو مجدي نسيب المختار رخصة كازية في الشارع العريض. قطع الشارع كان يتطلب مهارة وحذر شديدين وكنت أنا قد اصطحبت جبر معي للمدرسة وكنت اكبرة بصف وكنت أقطع الشارع قبل كازية أبو مجدي لجهة نتافة دجاج الحشحوش. نظرت يميناً ويساراً كما علمونا وقطعت ظاناً أن جبر بجانبي وسيتبعني، وما أن وصلت إلى الضفة الأخرى من الشارع العريض حتى سمعت صوت شحطة بريك استمرت لدقائق ... لا، لساعات لأنها ما زالت تقحط في ذاكرتي بين الحين والآخر. نظرت ولم أصدق أن جبر قد دُهس وملقى أمام ال 190، فزعت الناس وعاينو جبر وقررو أنها سليمة إن شاء الله وخلوه يكمّل على المدرسة، ركضت نحوه وأخذت بيده وسرت به إلى المدرسة وما زلت أمسكها حتى اليوم لأني السبب في دهسه حينما فكرت بالنجاة بنفسي من الخطر وتركت إبن حارتي لوحده. آه كم أنا متألم ... فهل لنا أن نتعظ ونأخذ بيد الضعفاء منا لنتجاوز معاً عين العاصفة.

 

خاطرة للدكتور مراد الكلالدة 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات