مساخيط جبر


سقالله تلك الأيام التي كان يطل فيها من علٍ ولا يمسه صغير ولا يحركه إلا كبير، وكم تمنى جبر أن يكبر بسرعة ليصل إلى الرف ويضع ابهامه في الثقوب ويحرك قرصه بإتجاه عقارب الساعة ويبقيها ليرتد القرص على الهوينا مدغدغا الأصابع حتى الكتف، إنه الأسود المهول تلفون دار أبو جبر الفِطن.

ولم يثني جبر قِصر القمامة عن الإستعانة بالطربيزة للإتصال بتكسي خالد، عندما يطلب أو لا يطلب منه ذلك، الذي كان يلبي الطلب في غضون دقائق عندما كانت المسافة بين المحمص والدار تأخذ لفة من خلال الشارع العريض ويمين القلعة وطلوع الحسين، فالتكسي كان مميز ويعرف أهل الدار والمشوار.

لم يسلم التلفون من كثير الغلبة جبر فكانت الرنرنة تطرب مسمعه فما بات ينفك يدق على الأنياب البارزة من تحت مرارا وتكرارا حتى يسمع الصوت قادما من المطبخ: ولك رد يا حمار، وبذلك يزهو ويفتخر لأن حيلته قد انطلت على أم جبر. وبقي هذا الكائن المسكون هدفا عند جبر للبحث والتحري عن أولائك المساخيط المختبئن بداخله، فقد تناهى الى مسامعه بانهم هم من ينقلون الكلام من طرف لآخر من خلال الأسلاك الممتدة بين الطالب والمطلوب وإلا كيف ينتقل الكلام يا غلام، فكر جبر.
لا بد أنهم كثر ويشكلون سلسلة مساخيط يمسك كل منهم بذنب الآخر لينقل خبر وفاة أو طهور من على الأسلاك، وكيف لك يا جبر أن تتأكد بدون النظر في داخل هذا الأسود المربوع. وكالدبور الداير على خراب عشه، بقي جبر ينتظر الفرصة لكشف سبر الغامض المهول، فصعد على الطربيزة فجاءه الصوت من جديد: شو بتعمل ولك، فرفع رأسه بسرعة ليضرب الرف ويسقط المهول عن عرشه، وحينها أطلق جبر العنان لعساكيله هاربا من عذاب أليم.

انقطع حبل الذكريات عندما نكزه صوت المنادي (سي 53 إلى الشباك تسعة) ليقف مسدداً فواتير المساخيط كأثمان لكلام لم يقله وضرائب لم يفهمها وابتسامات صفراء ملها تلتها عبارة: في إشي تاني عمو، قال نعم في: التلفون كان على الرف وصرنا نحطه بالجيبة وبدون أسلاك للمساخيط، هاي وفهمناها، بس اللي مش فاهمه كيف باعت الدولة رخصة المساخيط باربعة مليون مسخوط وراح سويرس وباعها باربعمائة مليون مسخوط، مش الموضوع في إن، فنّجرت الصبية عيونها وقالت: شو بتئول عمو ... بتفكر حالك فِطن.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات