أين الخير ؟!


الخير بمعناه المطلق، كما عرّفه الفلاسفة، ومارسه الفضلاء ووصف كيمياءه العلماء، أكسير مفقود في مجتمعاتنا العربية، ليس لافتقاره للشروط الموضوعية لوجوده، أو لاستلابه من قبل الاستعمار الذي نلقي كل أخطائنا وحروبنا ومشاكلنا عليه، وسلبه لثرواتنا وقيمنا، وليس لأنه اندحر من قلوبنا المتقلصة والمتجزئة والمرتدة، ولا لأن طعمه ولونه تغير مع ما تغير من قيمنا وثوابتنا وحضارتنا...

أصبح الخير لا يلاقي رواجاً في مجتمعاتنا، بل أصبح سوء طالع على من يقدم عليه، وأصبح «الخير» يجد في تربتنا ملوحة، تقصف أشتاله قبل بَرعمتها، ويواجه فوق سهولنا وهضابنا وداخل جماجمنا المنخورة رياحاً تقتلع جذوره مثل امتدادها لاحتضان تربة ...

قدر الخير في هؤلاء هو مسحه من الأذهان، وتحوره بيولوجياً بل وانقراضه تدريجياً... لأن العقل العربي أصبح لا يفهم الخير بالمعنى الشمولي والمطلق، بل اقترن منها بفلسفات دخيلة حيث – عربشت – داخل الدماغ وامتصت منه كل مقومات العمل الحر، ووزعت بدلها «أميبيا» جديدة، وسرطاناً قاتلاً تقوم حياتها على انتظار العوض، والسكون لاستمطار الذهب، والعمل مقابل الثواب، أو المديح والإطراء...

عمل الخير صار يفشل، بأبسط أشكاله لأنه لا مجيب... ولكن سينجح إذا تزامن مع ادفع قرشاً تكسب مليوناً... تماماً كالرسائل المبرمجة على هواتفنا المحمولة... هذا الخير سينجح بتفوق، ويخرج عن صمته، لأنه يتوقع صاحبه أنّ وراءه درجة رضا من مسؤول، أو مضاعفة رِبا، أو جائزة تُسَلِط عليه أضواء الكاميرات هنا وهناك...

مشاريع الخير تجمدت في ثلاجات الاقتصاد المتدني، والحاجة السريعة، والتشوه الخُلقي والعقلي، واقترنت جميعها بمردود مادي أو نفسي من نوع ما...

الخير المطلق لم يعد سوى فلسفة قديمة، تخبرنا عنها فلسفة الخلفاء الراشدين « عُمر»، و»علي» و «حاتم الطائي»... أين نحن من هذا الخير ؟؟؟

أمامنا المئات من الأخوات والإخوة يحتاجون ليد العون والمساعدة... في مختلف مدننا وقرانا... وأسر تلهث وراء تأمين قوتها اليومي بشق الأنفس... تجولوا في بلدكم الصغير لتعرفوا أين تقدمون ولو الجزء اليسير الذي منحكم إياه رب العالمين، واشكروا فضله عليكم، إن كنتم مؤمنين.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات