في اربد أمن ناعم وكنافة خشنة


تلطف الله بنا بتدخل جلالة الملك في تجميد رفع أسعار المحروقات في قرارات الحكومة! فالحكومة تغامر بدعوى الفداء الاقتصادي عن طريق النبش الدائم جيب المواطن الذي يكدح لتدبير أمره. حكومة أفقدت ثقة الشارع بجدوى محاربة الفساد واستعادة ما تم سلبه في مرحلة الخصخصة, حكومة أصبحت خطرة على أمن الدولة والمجتمع وليس عندها من وسائل ومشاريع سوى إقلاق الناس عن طريق ترقب المواطن لقراراتها المفاجئة. والسؤال عند كل ذي لب يقول: أين الحكمة والرشد في قرارات حكومة الطراونه, وخاصة رفع أسعار البنزين 90 الذي يمس نبض المجتمع برمته. حكومة لا تقدر ظروف المواطن العادي الذي وصل حد الضنك, وتتشقلب بقرارات وتصريحات غير مدروسة من غير أن تتوقع "في غرة ترويجها للانتخابات النيابية" رد الفعل الطبيعي من الناس وهو التلكؤ في استخراج البطاقة الانتخابية، علاوة على العزوف عن الانتخاب في قابل الأيام, وكأن متخذي القرار يريدون أن يؤدي الرفع إلى تأجيل الانتخابات، و اختبار صبر الصابرين على الرفع المستمر للأسعار بنعومة حتى لا يشعر بها أحد. الحكومة رفعت سعر البنزين لسقوف مرتفعة قبل إيعاز الملك، والرفع جري بليل ! وبتوقيت سيئ، وفيه استفزاز لعموم الناس، وقد أدى لشغب واحتجاج, وفي حده الأدنى للانتقاص من آلية حكمة أفرادها، وسيؤدي فيما يؤدي لحالة إرباك لكل مؤسسات الدولة وفزع البرلمان متدني المصداقية ويأخذنا إلى قرار متوقع وهو عدم منطقية إجراء انتخابات مبكرة لهذا العام, وفقا لتفاصيل وآلية قانون الانتخابات الخلافي, الذي يفتقر للدعم الشعبي ويختلف مع رويا عدد كبير المراقبين والساسة الكبار وعدم قناعة خمسة من رؤساء الوزارات السابقين, الذين صرحوا به في أحاديثهم أمام جمهرة من الحضور في غير ندوة هنا وهناك, يضاف إليهم تخوف عدد من الشخصيات الأردنية التي لها حضورها على المستوى الدولي من تطبيق القانون الحالي الذي تم إقراره دون تروي. قد تستخدم الحكومة بقراراتها النعومة والدهاء وربما الأمن الناعم في ثني الناس عن الاحتجاج والانصياع للقرارات التي تثقل كاهل المواطن. إن تلك القرارات ليست في مصلحة أحد, وهي كذلك تودي بالأمن وتقلق العامة والخاصة. الناس عندها أسبابها للتذمر والشكوى والاحتجاج, لكن الحليم من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه وتدبيره.
حالات الشكوى في بلدنا كثيرة, فمواطنين كثر في بعض أحياء اربد والقرى المحيطة بها عطشى, والسبب قلة ضخ الماء إليهم, أما لندرة في الماء المتوفر أو من سؤ عدالة توزيع من بيده مفتاح ومحبس ضخ الماء إلى بيوتهم. وقد يكون من يمنح الماء آخر حلقة في السلم الوظيفي والإداري في وزارته لكنه بالطبع هو شخص مهم جدا عندما يعطش الناس "أو عبد لمهم" في واقع الحال ! لم يطق بعض الناس الشح المائي وانقطاع الماء فقاموا بممارسات غير مألوفة في الظروف العادية مثل إغلاق شوارع وإحراق إطارات في شوارع بعض إحيائها ومنهم أناس في بلدتي بيت راس, حيث تم إغلاق الشارع الرئيسي الذي يربط اربد مع بيت راس وهو ذاته الطريق المؤدي للواء بني كنانة والذي يخدم ما يقرب من ربع مليون من البشر في ليلة العيد, وكان من بينهم بعض أقاربي, حيث برر أحدهم فعله, "وهو رجل في الخمسة والخمسين من عمره ومتقاعد من الجيش العربي" بقوله: بأنه مواطن مطيع للحكومات ومسدد لكل ما يستحق عليه من ضرائب وغرامات وأنه وليس معنيا بالحراك الأردني ولا بالربيع العربي, وطلبه الوحيد أن لا يبقى وأسرته الكبيرة وأقاربه وجيرانه بلا ماء للشرب وبلا استحمام في ليلة العيد. على اثر ذلك الفعل قام العديد من المسؤولين الإداريين والأمنيين بما فيهم وزير المياه بزيارتهم ووعدهم بضخ الماء إليهم في اليوم التالي, وحصل ذلك فعلا, فضن المواطن أن فعله قد نجح وأدى إلى إجبار دائرة المياه على ضخ الماء لحي أم الغزلان الوقع إلى الشرق من البلدة العتيقة. لقد كان المواطن يروى قصته بفخر عن كيفية إجبار دائرة المياه, المتهمة عنده وأقاربه سلفا ووصفها بالمتواطئة مع غيره من علية الناس في غير مكان وتزويدهم بالماء غير آبهين بهم وبحيهم, وهذا مثال حي تشهده أحياء كثيرة في مدننا وقرانا على مساحة الوطن.
وكذلك في اربد المدينة, حيث كانت تعج بعض شوارعها وأرصفتها الخدمية بالكثير من البسطات والعربات المتجولة للباعة في فترة ما قبل رمضان ولغاية الأسبوع الماضي وتغلق بعض الشوارع الواصلة ما بين الشوارع الهاشمي والسينما وفلسطين وتضايق المارة من الناس, الأمر الذي حدا بالأمن لاستخدام الأمن الناعم ومن ثم الخشن لحسم الأمر وتطبيق القوانين التي تم تعطيلها لفترة ما, فأصبح المشهد أشبة بمناوشات كر وفر بين رجال الأمن ومن يعتقد من الباعة أن الشارع قد أصبح لهم حق مكتسب لعرض وبيع ما لديهم ! قد تعتمد الحكومة الأمن الناعم في فرض سيطرتها على سلوكيات المواطنين وممارساتهم الاحتجاجية ولكن ذلك لا يجدي نفعا عند عطش الناس وتآكل رواتبهم جراء رفع الأسعار وضيق ذات اليد عند أغلب المواطنين في فترة حرجة, مباشرة قبل دوام طلاب المدارس والجامعات واستحقاق دفع الرسوم لأبنائهم ناهيك عن أن راتب شهر آب قد تم صرفه مبكرا قبل إجازة عيد الفطر وانقضى.
يبدو لي, أن مصطلح الأمن الناعم أردني بحت, تم استخدامه بكثرة مع بداية الربيع العربي الراهن وفي مسيرات المدن الأردنية, حيث تم توزيع الماء والعصائر, وأستخدم العنف الناعم الذي لم يؤدي إلى موت أحد. قد يفيد استخدام الأمن الناعم لمرحلة ما, ولكن نظرية الأمن واحدة, وهي مساعدة العدالة في تطبيق القوانين واللوائح نصا وروحا على الناس بحكمة وتدبر! والحقيقة هنا أننا قد نميز ما بين الكنافة الناعمة والخشنة ولكن قد يصبح التمييز صعبا بين الأمن الناعم والأمن الخشن في ظروف أردنية وإقليمية صعبة للغاية, وفي مرحلة يضيق صدر المواطن فيها من تكاليف الحياة وضنكها, وحذر وحنق على ما يجري في سوريا الغالية من أحداث كبرى لصراع دولي على أرضها, يأتي على شعبها وجيشها ومكتسباتها التاريخية والحضارية والزراعية والتجارية الناجحة, في ظل نظام ليس عنده من بدائل لغاية الآن, سوى الحل الأمني العنيف, والتدمير القاتل الذي نأسف ونتأسى من تطوره وربما انتشاره. وأنتهز الفرصة في نهاية هذا المقال, أن أدعو الله مخلصا بأن لا نرى القصف الغربي لحواضرنا في دمشق وحلب كما رأيناه في بغداد وطرابلس الغرب.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات