صباح الجوع يا وطني


صباح الفقر والفقراء يا وطني... صباح القرى اليابسة، والوجوه العابسة ، والأردنيين الذين تقطعت بهم سبل العيش الكريم على ترابهم الوطني.
صباح الرؤساء، وأصحاب المعالي، والسعادة والعطوفة الحاليون منهم والسابقون واللاحقون.
صباح سكرتيراتهم "المتعجرفات"، والكراسي العالية، والأبواب المغلقة.
صباح المهمشين ، ومتظاهري الدواوير، ومن نصبوا الخيام على ضفاف جرحهم الوطني أولئك الذين فيهم من يستدينون ثمن الخبز، ويتدفئون بأنفاسهم الوطنية، ويأكلون الهواء في وطن قضمه الفسدة، وصادروه من أهله الطيبين.
صباح فواتير الكهرباء بعد الرفع، والبنزين بعد الرفع الثاني ، والمياه المكلورة، والضرائب العالية، والغلاء الذي داهم جيوبنا، وفوط الأطفال، وحليبهم ، وأقساط البنك ، والإقراض الزراعي.
صباح الضيق والهم والحزن والحاجة ، صباح المساكين على قارعة الوطن ، وعمال المياومة ، صباح الرواتب المتدينة، وبناتنا في باصات الشركات يبحثن عن حلم وظيفة بأي راتب ، وأبناؤنا العاطلون عن العمل منذ سنوات، ويتكدس في داخلهم الألم، وفقدان الأمل، ويغدو الوطن صورة سوداء لأحلام أبنائه المقتولة.
صباح الخذلان يا وطني ، ومن انتظروا هيكلة الرواتب، وعادوا بخفي حنين، صباح معتق برائحة الخديعة، والضحك على ذقون الأردنيين الذين ينتظرون الاصلاح . صباح الفريق الاقتصادي ، وحزمة الأمان الاجتماعي, وباسم عوض الله ، ومجدي الياسين، وناديا السعيد، ووزارة التنمية الاجتماعية،وأموال التخاصية ، وصناديق تنمية المحافظات، وقوانين تشجيع الاستثمار، وبرامج التحول الاقتصادي والاجتماعي، والنمو بنسبة 7% . ، صباح المستشارين والعقود والفساد.
صباح مفعم بضيق ذات اليد، وانكسار أحلام الفقراء والجيوب الفارغة حتى من مصروفات الأطفال الإجبارية. صباح يعكس الكسرة في عيوننا, صباح الشكوى والاحتقان والسخط ، ، صباح مر بطعم البنزين، والطفر، والكشرات على الوجوه السمر الطيبة.
فآه يا وطني قد صحا الشعب فيك كما قال الشاعر " ونائما بعدما حل الظلام صحا", وأضاع وطنا حانيا، واطل على أيام سود غائرة في الإذلال، ففي وطني القرى تمتلئ بالفقراء ، وبضع محافظات جنوبية استسلمت لسوء نصيبها ، وحارات تنطفىء فيها الأعمار.
وأطفال صغار لا يعرفون طريق مستقبلهم، وسياسيون لؤماء ابتلعوا كل شيء ، ومنزل احدهم الفاخر بثمن بيوت قرية من قرانا المهملة، وورثونا المليارات ديونا ، وباعوا قطاعنا العام، واستولوا على المنح الخارجية، واراضي الخزينة باتت اراضي شخصية لهم ولعائلاتهم، وتركوا على رؤوسنا مسؤولية رفاهية طبقتهم.
في وطني بؤس يصفع وجوه الملايين، وقهر استوطن صدورا لطالما افتخرت بحب التراب ، ووجوه غائرة في الحظ التعيس ، والأردني - مدني ومتقاعد عسكري- يبحث عن حلمه ، ولا يجد إلا السراب ، وشعب طيب فرش القلب والدرب لأولئك الذين حرموه حق العيش الكريم ، والأردنيون يضربون كفا بكف ، ويندبون خساراتهم التي لا تعد، ويغمضون على الجرح، ويتحسرون على سنوات الخداع، وإضاعة الحلم الوطني.
صرعى الفساد يستدينون ثمن الخبز، وبيوت وجبة غذائها الرئيسية الخبز والشاي، وطلاب جامعات بلا رسوم ولا يدرون كيف يكملون مشوار دراستهم. وعاطلون عن العمل مسكونون بحلم وظيفة بأي راتب، ومئات الآلاف من العمالة الوافدة لمصلحة الأغنياء, وبناة الأبراج ، فسلام على جرحك يا وطني... سلام على الجيوب الفارغة... سلام على وطن أعلناه جيبا كبيرا للفقر والفقراء.
وقد اتسع الجرح يا وطني ، وطاب موسم الموت ، وبكت أوتار ربابة ، وفاضت روح الأرض من ثنايا قلبك الحار، وقد ضيع الفقراء في التصفيق أعمارهم وحملوا من يأسهم رفاتهم ، واتشحوا بالتراب العذب ، والسارقون لا يعطون الناس نقيرا ، وقرية تنام في الجفن أسهرتها رؤى الأماكن القديمة ، وذكريات الكرامة، فلا يسلم حتى الخبز اليابس ، والفقراء يحسدون على الأكواخ ولقمة الخبز التي في الأفواه.
فلله درك يا وطني كيف جعلتهم يأكلون حق الفقير في بلد كله فقراء ، وتمتد أياديهم "النجسة" إلى بطون الجياع ، ويصادرون التعب المالح من جباه تغرق في العرق, وأيد يابسة ، فلا يسلم الفقير من الأذى ، ورياح الغدر تهب على صفو حياته فلا يهدأ طرفة عين .
ويتشاطر "الهمل" الذين لم يسقوا الأردن قطرة دم على عيش أصحاب الأيادي الطيبة التي زرعت الخير في روح هذه البلاد ، ويظنون أنهم يذلون الأعزة الأبرار ممن سلفوا في صفحة مجدك يا وطني ، فأبكيك يا بلادا عربية خرجت من قصيدة بدوية بيضاء كقطرة الندى ، وتوزعت في جيوب العكاريت ودفاتر شيكاتهم ، فقصورهم قبورهم ، ونفوسنا مقاصل الحرية.
فيا بلد الوزراء كيف حال بني عطية ، وكيف ليالي السمر في غور نمرين ، وكيف هي سلحوب، والمفرق، وكيف هي السلط، و الكرك ، ومعان ، وهل ظل عز في الجنوب ، وعلى من في الشمال ستدور الدوائر ، وأين أضعت يا وطني من بنوا السهول والهضاب الشم فيك ، وسقوك الدم الطاهر ، فمضيت تدب رحالك في الغربة وابتعدت ، وطال بك المشوار ، ولماذا ارتقت فوقك جيف من فوقها جيف ، ووجهك الوضاء من أطفأ النور في عينيه ، من سرق الطهر من سجادة صلاته, من غير اللهجة والكلمات العربية , من ملأ قلبك بكل هذا السواد ، من كرهك فينا ، ويريد أن يكرهنا فيك ، وبرغمهم ما غادرناك وما غدرناك.
من غيرك يا وطني فتنكرت لبنيك، وكيف داسوا أثارنا فوق قلبك الطاهر؟؟، وهذه الأرض، والواجهات العشائرية المزروعة في الأرواح من اقتلعها والناس نيام.
قد اتسع الجرح يا وطني ، وغدا العيش حلوه حنظل ، وجرت ، وظلمت ، وتحول الكرام فيك إلى جياع ، فمرة هي الحلوق الأردنية ، والوجوه السمر بات يغشاها الحزن العميق ، وسيقت للحتوف الأماني ، ويد تبطش بكل خير ، وتمتد من خلف الظهور .



تعليقات القراء

ياسين الخضور
صح لسانك
02-09-2012 06:48 AM
ابن الحمايده
دائما رائع واعلم انك اخي علي جميل في الثوب الموالي للحكومات ولكنك اجمل في الثوب المعارض للحكومات و لسياسة الفساد التي دمرتنا
02-09-2012 11:08 AM
أبو الحكم الحمايدة
تبقى حميدي يا علي ولا تخشى في الله لومة لائم , وهكذا هم أبناء عمومتكم جميعا يقولون كل شيء ولا يخافون الا الله سبحانه وتعالى , ولكن سيبقى هذا الوطن الطيب حرا عصيا منيعا على كل السارقين والهمل ( كما ذكرت في مقالتك الرائعة ) الذين يتشاطرون على لقمة العيش التي ينتظرها أبناء الشعب , الأردني الحر الطيب وأقول لهم مهما طالت الأيام ستداسون بنعال الأردنيين الشرفاء الذين لم ولن ينسوا من نهبوا ثرواتهم وعاشوا على أطلال نكباتهم ودموع الأمهات الحيارى اللواتي ضاقت بهن الأرض في تدبير أقساط الجامعية لأبنائهن طلاب وطالبات الجامعات , المجد والكرامة لكل الرجال الشرفاء الذين خدموا وطنهم , والخزي والعار لكل من تآمر على هذا الوطن الغالي وسلب خيراته . عاش الأردن موطن الشهامة والرجولة بقيادته الهاشمية المظفرة
02-09-2012 12:51 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات