غريب! ان اقول ان اعمال كوميديا بايخة عملت على تثبيت الهوية الوطنية في الاردن، ساعود الى الخلف بعض الشيء لشرح السبب وليكون كلامي منطقي.
عندما كنت اقرأ في الادب العالمي والادب العربي كان هناك دائما حضور للمكان وكانت التشبيهات والتعليقات والامثلة تطرح من خلال اناس اشتهروا في مجتمع كاتب الرواية او القصة اكانت شخصية سلبية او ايجابية سياسية او اجتماعية او اجرامية، وكذا الاعمال الدرامية والكوميديا للشعوب الاخرى اكانت اجنبية او عربية، لكنني ابدا لم اشاهد ولو لمحة بسيطة للمكان او حضور لللطابع الاجتماعي الخاص بالاردن في كتابات واعمال الاردنيين.
مثال المسلسلات الاردنية كان يذكر فيها اسم القرية ( انا راجع على القرية) ولا يذكر اسم القرية فتأتي اللهجة هجينة لا نعرف اهي قرية في الشمال في الاغوار او في الجنوب فتأتي صفة القرية من خلال الشخصية التي تؤدي دور ابن القرية بلا ملامح ولا هوية محددة واذا تحدث عن منطقة في المدينة ياتي تحت مسمى ( الحي) ولا يتم ذكر الحارة ألتي تعد من السقطات اللغوية السوقية في عرف كتاب ومخرجي المسلسلات مع الحرص على طرح الحوار في المسلسل بلهجة عامية هجينة تضيع الهوية المناطقية والاردنية بصورة عامة.
ما فعله هؤلاء الشباب جعل المكان يبرز بصورة غير اعتيادية اثارت دهشة الجمهور باسماء الاماكن والشوارع وهي صفة جديدة على الاعمال التلفزيونية الاردنية ودخل في الحوارات النقد الاجتماعي الذي يتناسب وخصوصية المجتمع الاردني التي لا يدركها سوى الاردني بسلبياته وايجابياته واطلق للهجات الممثلين الخاصة حرية التحليق والتعبير حسب مكان التنشئة للمثل فبتنا نسمع لهجة الجنوب ومصطلحات الشمال ولهجة المدينة طبيعية غير مبالغ فيها او مصطنعة مظهرا تنوع التكوين الديمغرافي بين المدينة والبادية والقرية.
اظهرت الاردني العصبي النكد وساعدوا على كشف روح السخرية لدينا وهي التوأم السيامي لسحنتنا النكدة فاختلط الجد بالمزاح الساخر على الواقع مما جعلنا نضحك على اشياء نراها ونفعلها بصورة يومية في حياتنا فساعد على ادراكنا وادراك الاخرين للعامل المشترك بين ابناء المجتمع الواحد، بينما كانت الشخصية الكوميديا في المسلسلات تظهر بصورة قليل العقل والشخص الخفيف الذي لا يزن كلامه وحركاته وليس له اعتبار عند احد، فقد مر على الدراما الاردنية فترة اصبحت فيها الشخصية الكوميديا عبارة عن تقليد لصورة الممثل المبدع ربيع شهاب في شخصية (عزوز) التي جسد فيها شخصية عبيط القرية في احد اشهر مسلسلات الثمانينات ( القرار الصعب) لتتوقف عند هذا الحد ولا تتقدم خطوة ( طبعا استثني الاعمال المسرحية التي قدمها مبدعون في الكوميديا لكنها شخصيات كان يرفضها التلفزيون الاردني في المسلسلات) ويصرون على تكرار شخصية عزوز كرمز للكوميديا لا غير.
بث بياخة .. استطاعوا تجنب النقد فقد اعلنوا بانفسهم ومن خلال اسم العمل انه بياخة، فوق السادة اللهجات الاردنية الاصيلة المتنوعة كانت رأس الحربة لهذا العمل، رجائي قواس وتيما جعلونا نشعر انهم نحن فقد بالغوا في سلوكياتهم الطبيعية حد شعرت كل فتاة انها تيما وكل شاب انه رجائي لانهم عرضوا شخصياتنا الشبابية بايجابيتها وسلبيتها وتمردها والضغوط التي تمارس عليها.
فالوضوح وعدم الالتفاف على شخصية الاردني كما كان يحدث سابقا كان له اثر جميل وترسيخ لهوية كل واحد منا كأردني فبتنا نفتخر بكل شيء فينا سلبا كان او ايجابا فالامة التي لها جذور اجتماعية ضاربة في التاريخ هي فقط من تمتلك مميزات في الشخصية التكوينية تجعلها مختلفة عن غيرها من الشعوب ،فيما اضاعت دراما التفزيون الاردني هذه الهوية فاصبحت الدراما الاجتماعية وكأنها تحكي عن مجتمع اخر لا نعرفه قاد هؤلاء الشباب وبرعاية قناة رؤيا على تثبيتها فقد احببنا انفسنا وجيناتنا بصالحها وطالحها بفقرنا وعوزنا ومشاكلنا وجهلنا كابناء بادية او قرية او مدينة
ومن خلال هذه الاعمال ولاول مرة عرف المواطن العربي شخصية الاردني وخبايا المجتمع الاردني ليكونوا ثالث عمل تلفزيوني كوميدي مميز منذ بداية التلفزة في الاردن بعد العلم نور وحارة ابو عواد التي خرجت بالصدفة وبقدرة الله من رحم تلفزيوننا الحكومي وعن غير قصد .......وشي غاد.