الاسكان في خطر


صحيح أن الأردن لا يعاني من مشكلة إسكان حقيقية ولا من مدن الصفيح كما هو في العديد من الدول، إلا أن السكن بات يشكل هاجسا لنسبة كبيرة من المجتمع الأردني. وقد قامت الدولة الأردنية بالتدخل المباشر في السوق العقاري وأنجزت مدينة أبو نصير في الثمانينات من القرن المنصرم وبكل نجاح وضخّت في السوق مشاريع أخرى ناجحة عن طريق المؤسسة العامة للإسكان والتطوير الحضري سواء ببناء الشقق أو عن طريق توفير الأراضي المخدومة.
أمّا وقد تخلت الدولة عن دورها في توفير السكن الملائم للمواطنين، فقد عدّلت إستراتيجيتها تاركة المجال للقطاع الخاص للإطلاع بهذه المهمة، والتي نفذها القطاع بنجاح إلى حين تزايد الفوارق الطبقية بين الناس وإنضمام جزء كبير من الطبقة المتوسطة الى شقيقتها الفقيرة بحيث أصبحت نسبة كبيرة من السكّان غير قادرة على شراء الشقق التي يوفرها القطاع الخاص. وللأمانة، فإن السبب لا يعود لجشع من قبل المستثمرين في قطاع الإسكان، وإنما لإرتفاع سعر الأراضي وتحمل المستثمر في كثير من الأحيان لكلفة البنية التحتية والتي عكسها بالتالي على سعر الوحدة السكنية.
وما أن بدأت ظواهر سكن الصفيح تطل برأسها في المدن والقرى الأردنية، حتى تنبه رأس الدولة لضرورة التدخل لمنع الأردن من الإنزلاق إلى هذه الحالة من التردي الإسكاني، فأطلق الملك مبادرة "سكن كريم لعيش كريم" والتي شكّلت عودة لتدخل الدولة الإيجابي في آليات السوق لإعادة التوازن في السوق العقاري. إلا أن القائمين على هذه المبادرة الهامة، وجلّهم من العاملين في الديوان الملكي، قد أفسدوها بسوء التخطيط والتنفيذ. وبعد أن استشعروا الورطة التي هم فيها، لجئوا إلى مؤسسة الإسكان ليتم زجهم بالمبادرة مكرهين، وتم الإستيلاء على الأراضي المملوكة من قبل المؤسسة وتم توريط العديد من المقاولين الذي اشتكروا بحسن النية في هذه المبادرة الوطنية الهامة ليجدوا انفسهم قد أقاموا مبانيهم على أراضي بعضها معلق الملكية وأخرى بدون خدمات ولا شوارع. وخير مثال على ذلك ما حصل في مشروع مؤسسة الإسكان داخل مدينة خادم الحرمين الشريفين بالزرقاء والتي تطلب "موارد" من المؤسسة دفع عشرات الملايين من الدنانير مقابل الأرض وعلى الرغم من كونها مملوكة للقوات المسلحة وتم دفع ثمنها من هدية الملك السعودي للشعب الأردني وقيمتها مليار دينار لا ندري أين صرفت. فالمشروع متعثر والمباني يصفّر بها الهواء وبلدية الزرقاء ترفض خدمتها، وسمعنا مؤخرا بأن النية تتجه لإسكان اللاجئين السوريين بها ضمن صفقة يعمل عليها وزير التخطيط والتعاون الدولي مع بعض الدول المانحة ويا ليتها لن تتم. وقد زادت الحكومة الطين بِلة عندما أحالت المشروع لهيئة مكافحة الفساد ليبقى الجميع معلق في إنتظار إتخاذ إجراءات قانونية بحق مشروع فيه الكثير من الفساد التخطيطي والقليل من الفساد المالي.
إن سوق الإسكان الأردني يحتاج لحوالي ربع مليون شقة سنويا، فكيف سيتم توفيرها ضمن الوضع الطبيعي فما بالك عندما ’نزج بالشأن الإقليمي الملتهب، فهل نقترب من المحظور حين نقول بأن جزءا كبيرا من أشقائنا السوريين الذين دخلوا الأردن سيبقون فيه لمدة طويلة مما سيزيد من الأعباء الملقاة على الدولة في توفير الأراضي الصالحة للسكن وخدمتها بالطرق والمواصلات والمياه والصرف الصحي. أوليس من الضروري أن نخطط لزيادة سكانية طارئة لما يقارب المليون نسمة تضاف الى ما لدينا من أعداد للأشقاء العراقيين والليبين وغيرهم. صحيح أن الدولة مشغولة بمسائل مصيرية أخرى، ولكن هذا لا يمنع من التخطيط لعدة سيناريوهات سيكون أحلالها مرّ على موازنة الدولة المنهكة أصلا وأمرّها طول مدة الأزمة التي ستحول المخيمات المؤقتة الى دائمة ولنا في التاريخ غير البعيد دروس وعبر.
وهذه دعوة لحضور الندوة المتخصصة التي سيقيمها المنتدى الأردني للتخطيط بتاريخ 25-8-2012 في برية الأردن لمناقشة موضوع "الإسكان بين التخطيط والعشوائية".



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات