سياسات التعليم العالي !


أود أن أسجل وبكل صراحة أن الأردن هو الدولة الوحيدة التي تخشى من زيادة عدد الملتحقين من أبنائها في الجامعات كما صرح به وزير التعليم العالي مؤخرا ، فما يسجل للأردن من انجاز ارتفاع نسبة الملتحقين في الجامعات وجد من يريد مخالفته ويعود به إلى النسب الموجودة في رواندا او هاييتي او الصومال تحت ذرائع باطلة لا تقنع جاهلا ،ويؤكد وزير التعليم العالي صاحب الرؤية " الثاقبة " على أن تزايد أعداد الطلبة في الجامعات يشكل تحديا اجتماعيا واقتصاديا وامنيا !! ولا أدري أين هو التحد هنا ، ويؤكد العويس أن النية تتجه لتخفيض أعداد الطلبة المقبولين في الجامعات ! وهي سياسة تخالف كل المعايير الشرعية والأخلاقية وحقوق البشر في مواصلة التعليم العالي منذ اختراع الكتابة قبل الآف السنين ، وهي كذلك إجراءات لا تتبعها دولة تحترم مواطنيها تحت أي ظرف أو أي ذريعة حتى لو كانت متعلقة بالوظيفة ، فهناك تمايز بين حق المواطن في التعليم وحقه في الوظيفة وهناك فرق كذلك بين المكرمة والكرامة ! ، وان ربط الشهادة الجامعية بالوظيفة ليس إلا خطأ ارتكبته الحكومات في بلادنا عززتها ثقافة مجتمع ولا علاقة له بالوظيفة ، فمحاربة التعليم العالي واقتصاره على فئات من خلال بعض ما سيتخذ من إجراءات مثل إلغاء الاستثناءات و رفع الحد الأدنى للقبول ،وإلغاء المنح والمكارم ، واقتصار التعليم العالي على من يملك المال من خلال رفع الرسوم الدراسية ، فقد بات التعليم العالي في الأردن مقتصرا هنا على الطبقات الأرستقراطية و البرجوازية كما هي سائر الامتيازات التي تمنح لطبقة الحكم ومن تتحالف معه في ميادين عدة ، وترمي بقية أبناء الشعب إلى الصف الرابع جهلة وعمال ومتخلفين ، وكأننا أمام مشروع إعادة إحياء " طبقة العبيد " وحراس المباني وحرس الحدود والسهر على راحة الكبار خارج القصور في أكشاك البرد القارص والصيف الحارق !
ما كان لنظام ديموقراطي أو إنساني أن يحول دون مواصلة أبناء بلده من تلقي تحصيلهم العالي ، إلا أن كان ذلك يرتبط بسيكولوجية القهر والذّل التي تنتهجها أنظمة مستبدة في العالم ، فإحدى معايير الاستبداد أن يكون التعليم العالي لفئة من الشعب دون غيره ، ولو كان التعليم العالي في بلادنا مجاني كسائر غالبية دول العالم وخاصة منها الأضعف اقتصادا ، لقلنا أن الدولة تريد الحد من النفقات وتحميل المواطن تكاليف تعليمه .
على عكس ما يجري في العالم وتنفرد به بلادنا ، تتيح غالبية الدول لمواطنيها تلقي التعليم العالي على برامج عدة ومنها التعليم عن بعد أو التعليم بالمراسلة ، وهو مشاريع لاتعترف بها الدولة الأردنية بسبب أن من يدير سياسة التعليم العالي هم طبقة برجوازية مستحكمة نالت من التعليم والتميز ما جعلها في مواجهة مع طبقة الشعب التي تبحث عن تجهيلها عمدا ، ولا ترغب برؤية شعبها ينهل كما تنهل هي من العلوم ، فبدأت جامعاتنا قبل أعوام بإلغاء شهادة الدبلوم العالي للحد من مواصلة التعليم لمستويات أعلى ، وحرمت أصحاب المعدل المقبول والجيد من مواصلة التعليم العالي لمستوى الماجستير لقلة المقاعد المخصصة لكل جامعه ، ومن ثم اشترطت الحصول على شهادة اللغة الإنجليزية " التوفل " لمواصلة التعليم وهو اشتراط " استبدادي واستعماري " معيب " ،فعملت بذلك على حرمان الآلاف من طلبة الوطن من مواصلة دراساتهم وجعلتها حكرا على الأغنياء ممن تلقوا تعليمهم في الخارج أو في مدارس خاصة متميزة ، فغادر المقتدر من الطلبة إلى جامعات خارجية "عربية وأجنبية " وخسرت البلاد مئات الملايين من العملة الصعبة لمواصلة تعليمهم ، فكانت تلك السياسات أسوا ما يمكن لطالب أو راغب بالدراسة أن يواجهه في العالم ، وأسوا سياسة تعليم عالي في العالم .
الخلل ليس في أعداد الطلبة المقبولين في الجامعات ، ففي مصر تزداد تسهيلات الدولة لمواطنيها للالتحاق بالجامعات ودون مقابل ، المشكلة لدينا في آلاف الطلبة الذين حصلوا على شهادة الثانوية ألعامه ُظلما وُغشا وبلطجة وتسهيلا رسميا ، وكذلك ضعف إجراءات الرقابة وترهل التعليم ووصوله إلى حالة لا تتشابه في حالتها أي دولة في العالم ، فما يجري منذ عدة سنوات أمر يدعو للخجل والاستهجان ، وكنا نخجل ذكره حفاظا على سمعة التعليم في الأردن ، لكن ومع استمرار تلك الحالة والفلتات الكبير في امتحان الثانوية ألعامه وعدم وضع الضوابط والإجراءات للحد منها ، فأن ذلك يشير إلى تورط الدولة بتمييع امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة للحد الذي بات الأُمّي الذي لايجيد القراءة والكتابة يحصل على معدلات تؤهله لنيل مقعد في كليات لايقل القبول بها عن 85 % ! فهل خلت قاعة أو مدرسة من تلك الأساليب التكنولوجية واستخدامها على مرأى من المراقبين في الحصول على الإجابات الصحيحة التي كانت تباع أمام قاعات المدارس بعلم ومعرفة القائمين على وزارة التربية وحتى الأجهزة المعنية بضبط العملية وحمايتها ! ولا يعيب البلاد لو أن نسبة النجاح كانت متدنية وخرج منها من يستحق دخول الجامعة ، ولكن فتح المجال لتجارة التعليم والجامعات الخاصة التي باتت تزيد على عدد الجامعات في دول أخرى أعظم سكانا من بلادنا ، كان يستدعي غض الطرف عن الأساليب تلك ومنح زيادات غير عادية لطلبة الثانوية بهدف تغطية حاجات الجامعات الخاصة من الطلبة ولو على حساب النوعية التي تصل إليهم أو لتغطية فشل التعليم وترهله وما وصل اليه من مستوى خطير ، فمن دخل جامعاتنا فهو آمن ، وطالما انه يدفع القسط فهو آمن ،ومن دخل بيت العميد وصاحب الجامعة فهو آمن ..
أسوأ وأخطر ما في تصريح الوزير اعترافه برغبة الدولة إلغاء كافة المكارم والمنح وخاصة منها مكارم الجيش والأجهزة الأمنية ، والتي يبدو أنها استجابة سريعة لمطالب أصحاب الحقوق المنقوصة التي أرسلت للملك قبل أيام تحت مسمى المبادرة الأردنية لمواطنة متساوية ، والتي دعت فيها إلى إلغاء كل المكارم والمنح باعتبارها خلل اجتماعي لايمكن السكوت عليه على حد تعبيرهم ، فكانت الاستجابة فورية بالتخطيط لإلغاء تلك المنح كما فعلت مع قوائم ومنح الديوان الملكي ، وهي ضربة قاسمة لأبناء العاملين في القوات المسلحة وخروجا على تقاليد احترام مكارم ومنح كان الملك المؤسس رحمه الله قد منحها لأبنائه وإخوته في السلاح ! فكيف يمكن لعاقل أن يدعو بقرارة نفسه وبتصريح رسمي نية الدولة إلغاء تلك المكارم وإثارة البلبلة والسخط بين أبناء العالمين في القوات المسلحة والأجهزة ! ويؤكد من جانب أخر وتكريسا لنهج السطوة ورفض تحقيق العدالة الإبقاء على استثناءات أعضاء الهيئات التدريسية وأعضاء مجالس الأمناء وحتى أحفادهم في الجامعات . وباعتقادي أن من يشير على الملك عبدالله الثاني بتلك الاقتراحات ليس مخلصا ولا عابئا بحال البلاد والعباد والنظام ككل ،و لايبحث عن خير أو محبة أو إخلاص للملك ، بقدر ما يريد مضاعفة حالة الاستياء والتذمر في أوساط الناس وأبناء الوطن وخاصة منهم أفراد المؤسسة العسكرية والأجهزة ألأمنية التي كانت ولازالت درع النظام والوطن وشعارها دوما أنها في خدمة الملك ! ويريدون تحميل الملك كل ما أفسدوه وتلاعبوا به واثار استياء الناس ، وباتت مكاسبها ومصالحها تتعرض للتهديد على يد حفنة استطاعت إقناع الملك وبدعم واضح من المقربين للملك أن يذكروا تلك المسألة !ويعملوا على إلغائها لتحقيق أجندتهم وبرامجهم في الوطن !
يقول الوزير كذلك ، أنه لايمكن وقف قبول الطلبة على نظام الدراسة الموازي او الدولي ! أي انه سيحافظ على قبول الطلبة ممن يدفعون الأقساط المضاعفة ومن ذوي المعدلات المنخفضة كالعادة ، ويقلل من قبول الطلبة بالتنافس أصحاب المعدلات ألمرتفعه !! فهل يوجد عاقل يقول بذلك أو يفعله، وحتى لو كان يرتبط بالدعم المالي، فعلى الوزير أن يكون أكثر انسجاما مع نفسه وأنظمته التي يتحدث بها في الحد من قبول الطلبة وتنظيم دراساتهم .
لقد حاولت أن أجد تفسيرا منطقيا لما صرح الوزير ،وقمت بربطه بعدة تغييرات شملت تلك المكارم والسياسات السابقة ، ولم أجد سوى أن هناك مخطط كبير لإعادة رسم القوانين في البلاد وتهيئتها لظروف وأحوال دراماتيكية قد تمهد الطريق نحو ما كنا نخشاه وهو المتعلق بالوطن البديل الذي يستوجب إعادة تقييم وتغيير وتجديد كل قوانين وأنظمة الوطن المتعلقة بمكاسب الناس وحقوقها وإعادة صياغتها بما يهيئ لتلك الظروف ، وأتمنى لو أكون مخطئا بكل ذلك .. ولكني لا اعتقد ..



تعليقات القراء

عوني السرحان
المؤامره على الوطن بدأت من بداية مشروع الخصخصة ، والمؤامره على الملك تبدا من خلال اقناعه بالغاء ما قد تعاهد به الملك المؤسس رحمه الله مع شعبه وجيشه . ولا ادري كيف يصرح وزير بالغاء مكرمه ملكية والديوان صامت
09-08-2012 02:46 PM
سالم العواد
تخيلوا انه يريد الغاء الاستثناءت وابقوا على ابناء العاملين في الجامعات ، يقال ان احد رؤساء امناء احدى الجامعات لا اولاد له ، فعدل القانون حتى يستفيد منه حفيده ، اللوزي ومضر بدران استفاد احفادهم من المكرمه ،
09-08-2012 03:02 PM
عميد على راس عمله
طب وبعد المكارم شو رح يخططو للجيش العربي والاجهزة والدفاع ! خلونا نعرف عشان نتحرك قبل ما يتحركوا هم ..
09-08-2012 03:11 PM
سالم
يا صانع القرار لك النصيحه التاليه:

1. لعبوا على القضاء وصار القاضي يحكم وهو " معشر" وامور اخرى لم تحدث في امريكيا
2. ولعبوا على الحقوق المنقوصه وفي دول مجاوره ممنوع عليهم الهواء النقي
3. والان هم يريدون تفكيك المؤسسه العسكريه عن مؤسسة العرش من خلال انتقاص حقوق ابناء العسكريين في المكرمه واغضاب العسكريين عاملين ومتقاعدين
4. الجيش خط احمر ويريدون ابعاده عن مؤسسة العرش لمشروعهم البغيض ونواياهم البغيضه المكشوفه في الوطن البديل
فهل من معتبر
هل من صاحي لهم
لا ادري اللهم فاشهد اني قد حذرت لمصلحة البلد

09-08-2012 11:42 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات