ذئاب بشرية


ما كنت أبدا أتمنى أن نرى وحشية كتلك التي نراها على أشرطة فيديو يتم نشرها على الفضائيات والانترنت، وتتضمن مشاهد دموية، غاية في القسوة والبربرية، يتراقص فيها شبان مدججون بالسلاح حول ضحية أو مجموعة من الضحايا يتم اقتيادهم بطريقة همجية ليتم إعدامهم بلا شفقة ولا رحمة، وبطريقة تقشعر لها الأبدان ويشيب لها الولدان، ولا تمت للإنسانية بصلة، لا من قريب أو بعيد.

إذا كانت ثورات الربيع العربي ستحولنا إلى ذئاب بشرية على هذه الشاكلة، فلا كانت ولا كنا. إذا كان هؤلاء الناس قد انتفضوا على حاكم يعتقدون أنه طاغية ظالم، يبطش بهم دون رحمة أو شفقة، فماذا نُسمي ما نراه على أشرطة الفيديو هذه؟ من يضمن لنا أن لا يكون "الثوار" أكثر قسوة ووحشية من الحكام الذين يريدون التخلص منهم؟

كنا نتوقع أن يُقدم "الثوار" نموذجا أخلاقياً مختلفاً تماماً عن النموذج الذي حملوا السلاح من أجل الإطاحة به واستبداله بنظام قائم على العدالة والتسامح وحكم القانون، لكن توقعاتنا وآمالنا ذهبت أدراج الرياح بمجرد رؤيتنا للإعدامات البشعة التي يقوم بها الجيش الحر في سوريا دونما محاكمة، وأمام عدسات الكاميرات بأنواعها المختلفة، وسط حالة من الضجيج والصراخ والرقص والهيجان، يتم خلالها إطلاق النار على الضحية أو الضحايا بشكل هستيري يندى له جبين البشرية، ومن أعداد كبيرة من الثوار، يستمرون في إطلاق النار حتى بعد وفاة الضحية، لدرجة تتحول معها الضحية إلى شظايا تتطاير في كل الاتجاهات.

جرائم النظام، مهما كانت وحشيتها، لا تبرر إطلاقا الانتقام على هذا النحو الذي نشاهده على أشرطة الفيديو، وإلا فما الفارق بين النظام وبين من ثاروا عليه؟ وهل نقدم آلاف القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى ومئات الآلاف من المشردين لمجرد استبدال نظام دموي بنظام أكثر دموية ووحشية؟ لقد أُصيب العالم بالذهول وهو يشاهد القذافي يُعامل بقسوة قبل مقتله، على الرغم من كل الجرائم التي ارتكبها أثناء فترة حكمه لليبيا، فهل يتوقع "الثوار" السوريون تعاطفاً من أحد، حتى من ألد أعداء النظام السوري، بعد رؤيتهم لهذه المشاهد الدموية الرهيبة؟ سؤال نطرحه على ثوار سوريا، لعلهم يتفكرون.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات