قرأت مقالا للكاتب والصحفي ماهر أبو طير بعنوان"الأقصى ليس فلسطينيا", وفيه يتناول عمليات تهويد القدس والحفريات التي تجري على قدم وساق حول الأقصى ومن تحته, وينتقد الموقف العربي الذي يكتفي باطلاق الشعارات لحماية القدس ومقدساتها, تاركا بل راميا الاجراءات التنفيذية جانبا, فالأقصى ليس للفلسطينيين وحدهم وانما لأمة يقرب عددها المليار ونصف المليار.
وتاليا ردي على ما جاء في مقال أبو طير:
لا يخفى على أحد بأن المخطط الصهيوني, لتهويد القدس, وهدم الأقصى, تمهيداً لبناء هيكل سليمان المزعوم, قد دخل مرحلة حاسمة, تتسارع فيها الأحداث, والخطوات التنفيذية من قبل الصهاينة الذين يبدو انهم مقتنعون, بأن كل الظروف مهيأة لهم لتنفيذ مخططاتهم, في ظل حالة الوهن والاستسلام العربي والإسلامي, بل أكثر من ذلك, فإن بعض الفلسطينيين, وبعض العرب, وبعض المسلمين, لا يخجلون من تجاوز مرحلة الوهن والاستسلام للواقع, إلى مرحلة التعاون مع العدو, وإعانته على تنفيذ مخططاته. ومنها هدم الأقصى, وبناء الهيكل, فقد سمعنا أقوالا صدرت عن مسئولين في سلطة رام الله تجعلك تموت قهرا, ومنها"مالنا ومال القدس"..فلنهتم بالأمور المالية والإدارية, وهو أمر ليس مستغرباً من سلطة اعتادت على مطاردة المقاومين وقتلهم واعتقالهم وتسليمهم للعدو الصهيوني أكثر من مرة, فهي سلطة تعتبر المقاومة عبئاً وصواريخها وعملياتها مبعثاً للقرف والاشمئزاز.
الكثيرون ينتظرون ويعولون على المجتمع الدولي ليقوم بدوره لحماية القدس ومقدساتها, وخاصة موقف أمريكا ورئيسها ووعوده البراقة قبل انتخابه ناسين أو متناسين بأن أمريكا كانت ولا تزال خاتما في أصبع الصهاينة.
والى هؤلاء أقول, ليست العقدة المستعصية في قضية فلسطين عقدة أوباما وغيره من زعماء الدول الغربية، إنما عقدة المتشبثين بأقدامهم، ولن يكون التغيير القادم في قضية فلسطين تغييرا أمريكيا أو أجنبيا, بل فلسطينيا وعربيا وإسلاميا، ولن يأخذ التغيير مجراه عن طريق حكومات لا تغير إلا في الاتجاه المعاكس، ولا عن طريق نخب يتوجه جلها في ألف اتجاه واتجاه معاكس، إنما هو التغيير الذي "يمكن" أن يصنعه جيل يحرر إرادته أولا وأسلوب تفكيره ثانيا، وطاقاته المتفجرة ثالثا، وواقع حياته رابعا، من مختلف تلك الهياكل ومختلف القيود والأغلال الظاهرة والخفية، لتتغير أوضاعه خامسا, فيغير بنفسه أوضاع بلاده وقضاياه وعالمه سادسا.
من كان صادقا مخلصا في قضية فلسطين فليتوجه إلى الجيل الجديد من أهل فلسطين، فتحرر إرادته مما صنعه المتسلطون على صناعة القرار فيه أول خطوة "إصلاح" وأول شرط للتغيير في قضية فلسطين.
ومن كان صادقا مخلصا في تطلعه إلى تغيير السياسات العدوانية الدولية والمحلية في قضية فلسطين، فلا بد أن يعمل لتفجير طاقات الجيل الجديد رغم العوائق والعقبات، ولن تزول العوائق والعقبات من تلقاء نفسها، بل على أيدي من يزيلها بنفسه.
لا جدوى من التعامل مع تهويد القدس وأخواتها عن طريق إحياء "لجنة القدس" وإحراج "مؤتمر قمة" ونداءات مراكز الدراسات والبحوث، فلن تتحقق نتيجة.. إلا من خلال تحرير هذا التعامل من تلك القوالب، وتحويله إلى تفاعل مع القوى الشعبية خارج إطارها، وولادة قيادات جديدة من قلب صفوفها، وطرح القضية كجزء لا يتجزأ من القضية الكبرى وثوابتها، وتعبئة الفلسطينين والعرب والمسلمين والمنصفين المتزايدة أعدادهم باطراد من "أحرار العالم" في كل مكان.
إننا عندما نصنع أنفسنا، أفرادا ونخبا، نصنع قياداتنا، ونصنع المستقبل لقضايانا وبلادنا وفي عالمنا وعصرنا.. ومن لا يفعل ذلك يخسر نفسه ويرحل، أما القضايا المصيرية، فلن تموت، ما دام يوجد من يسلك الطريق، طريق التغيير وطريق المقاومة والبذل والتضحية.
أعلن فريق برشلونة الإسباني لكرة القدم أنه توصل إلى اتفاق مع مؤسسة قطر"قطر فونديشن" كي يضع اسم هذه المؤسسة على قميصه إلى جانب شعار"يونيسيف" وذلك مقابل 220مليون دولار امريكي. وستكون هذه المرة الأولى في تاريخ الفريق البالغ 111 عاما، التي يضع فيها إعلانا على قميص فريقه، مقابل مبلغ مالي، لأنه لا يتقاضى مقابلا من 'يونيسف', منذ أن وضع شعارها على صدر لاعبيه عام 2006، بل إنه يدفع لهذه المؤسسة، التي تتبع الأمم المتحدة، وتعنى بحماية الأطفال، مليوني يورو سنويا.ويخرج مدير الفريق الاسباني ليعلن شكره لقطر، لأنها اخرجت الفريق من أزمة مالية خانقة يمر بها ناديه.كذلك تسعى قطر، كما اعلنت مؤخرا، إلى إنفاق نحو 100 مليار دولار، على مدى السنوات الخمس المقبلة، في إطار تحضيراتها لاستضافة مونديال 2022م .
في نفس الوقت، وعلى الجانب الاخر، يصيح الرئيس الفلسطيني محمود عباس في عمان غاضبا، محبطا، امام اعضاء المجلس الوطني المقيمين هناك:
سأقول للعرب أن القدس بحاجة الى دعم فعلي، لا خطابات..وذلك في اشارة منه الى ان المبلغ الذي أقر من قبل قمة سرت العربية الماضية، وقيمته 500 مليون دولار للسلطة، لم يصل منه سنتا واحدا، حتى اللحظة. وبدورنا نقول, سجل أيها التاريخ، اثنتان وعشرين دولة عربية لم ترسل دولارا واحدا للقدس المحاصرة الذبيحة، المهانة التي تحتضر، ودولة واحدة ترسل لفريق كرة قدم لوحدها 220 مليون دولار..سيزهو فريق برشلونة الاسباني طربا بأموال العرب وعوائد نفطه، كما سيشتد بكاء الأقصى والقيامة، ومستشفى المقاصد، من الظلم الذي يلاقيه من المحتل..ومن اللامبالاة التي يلاقيها من ذويي القربى.
السؤال الذي سوف يخطر على بال اي قارىء: ترى لو رصدت الدول العربية، وليس قطر لوحدها، 100 مليار دولار للقدس، وبغداد، والخرطوم، ومقاديشو، هل سيبقى فيها فقير او عاطل عن العمل؟. ان الصهاينة ينفقون سنويا على الأحياء الاستيطانية في الشطر الشرقي من المدينة أكثر من نصف مليار دولار، بهدف تهويد المدينة وتفريغها من سكانها ومؤسساتها.وبدورنا نقول, لو أن جزءا من الأموال التي خسرها أحد الاثرياء العرب، على ضوء الازمة المالية العالمية، استثمرت في مدينة القدس، لأمكننا من حماية المدينة لـمائة عام على الأقل من خطر التهويد..ان القدس لا تطلب أموال زكاة من العرب والمسلمين، ولكنها بحاجة الى استثمار حقيقي من الأموال الفلسطينية، والعربية، والاسلامية .
أتخيل أن أحد احفادنا، في يوما ما، قرأ وهو يراجع التاريخ "الحاضر" نفس النبأ، أن دولة عربية، اسمها قطر، صرفت 220 مليون دولار لشعار على صدر فريق اسباني، و100 مليار دولار لكأس العالم، وفي نفس الوقت، المجاعات والحصار، والتضييق والخناق يلف المقدسات الاسلامية بالقدس، ويلتهم أرضها، كما أيضا في بلاد الرافدين، ودول عربية أخرى..ترى ماذا سوف يرتسم في مخيتله عن زماننا الحاضر؟..ولن اكون اصدق من الامام الشافعي عندما قال : تموت الأسد في الغابـات جوعـا**ولحـم الضـأن تأكلـه الـكـلاب..وعبـد قـد ينـام علـى حـريـر** وذو نسـب مفارشـه الـتـراب..ولكن"القدس ومقدساتها ليست برشلونة", يا ماهر أبو طير.
وما أصدق القائل فينا هذه الأيام: أي الحكايا ستروى عارنا جلل ** نحن الهوان وذل القدس يكفينا..من باعنا خبروني كلهم صمتوا** والأرض صارت مزانا للمرابينا..هل من زمان نقي يف ضمائرنا ** يحيي الشموخ الذي ولى فيحيينا.