الأمن الناعم والأمن الخشن
جراسا - كتب : فهد الخيطان - المقاربة الأمنية أصبحت أكثر وضوحا؛ فقد اختصرها مدير الأمن العام الفريق أول حسين المجالي، بالعبارة التالية: "الأمن الناعم مع الحراك السلمي، والأمن الحازم مع الحراك خارج القانون".
"الأمن الناعم" في التعامل مع الحراك السياسي جنّب النظام السياسي سيناريو الصدام مع الشعب، وكان هذا بلا شك خيارا حكيما. لكن لنتذكر أنه، وإلى جانب ذلك، طرحت الدولة مبادرات سياسية وخططا إصلاحية، صحيح أنها لم ترتق إلى مطالب الأحزاب والحراكات، لكنها ساهمت في خلق حالة حوار أشغلت الشارع السياسي، وامتصت ولو لفترة من الوقت حالة الاحتقان.
غير أن استراتيجية الأمن الناعم بدأت تستنفد أغراضها بعد سنة على اعتمادها.
والسبب أن الدولة بالغت في الاعتماد عليها، وساد في أوساطها الاعتقاد بأن الحراك الشبابي والحزبي المنضبط هو النسخة الوحيدة للربيع الأردني.
لكن الأمر لم يكن كذلك. ففي الأشهر الأولى من العام الحالي، ظهرت ملامح أولية لنسخة ثانية من الحراك أكثر خشونة وعنفا، تنامت مظاهرها مع مرور الوقت حتى كادت تغطي على صورة الحراك السلمي.
العنوان العريض للنسخة الثانية من الحراك: تحدي سلطة الدولة ورموزها، واللجوء إلى أشكال غير قانونية للاحتجاج، كقطع الطرق، والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، واقتحام المباني العامة، واستهداف مراكز الأمن.
المحرك الأساسي لهذا النوع من الاحتجاجات يكون، في الغالب، قضايا مطلبية جماعية، مثل انقطاع المياه عن الأحياء السكنية، أو البحث عن فرص عمل في ظل ارتفاع معدلات البطالة، والمطالبة بتحسين أوضاع الموظفين والعاملين في مؤسسات عمومية. وفي بعض الأحيان، تكفي مظلمة فردية لتفجير حالة احتجاج.
وشهدنا في الآونة الأخيرة تزايد محاولات الانتحار على خلفية مطالب شخصية.
ورافق ذلك كله عنف اجتماعي على خلفية جرائم قتل، بالإضافة إلى العنف المصاحب لامتحان الثانوية العامة، ولجوء البعض إلى القوة لممارسة الغش في الامتحانات.
التطور اللافت في الاحتجاجات المطلبية أن شعاراتها أصبحت تكتسي طابعا سياسيا.
فالمحتجون لا يكتفون بإحراق الإطارات وإغلاق الشوارع عند انقطاع المياه عن منازلهم، وإنما يصبون نقمتهم على الدولة والرموز السياسية. وفي هذه الحالة، نكون أقرب إلى ما يمكن وصفه بالعنف السياسي.
يتعين على مؤسسات الدولة إدراك هذا البعد للحراك الخارج عن القانون، قبل التورط في الاعتماد على "الأمن الحازم" في التعامل معه.
لا تستطيع المؤسسة الأمنية، بأجهزتها المختلفة، أن تتحمل المسؤولية وحدها، وإلا ستخسر المواجهة؛ لأن الاعتماد المفرط على القوة سيعرض صاحبه إلى الوقوع في الخطأ، عاجلا أم أجلا، وقد وقعوا فيه بالفعل في السلط باعتراف مدير الأمن العام.
الأجهزة المسؤولة في المحافظات وقطاع الخدمات تقف عاجزة عن معالجة المشاكل قبل تفاقمها، ولو كانت تقوم بمهامها لما سمحت بانقطاع المياه عن أحياء سكنية لأيام طويلة بدون أن تجد حلا. ألم يسمع الحكام الإداريون في السلط مثلا، بنية نشطاء التيار السلفي الاحتجاج؟ لماذا انتظروا إلى حين نزول الشبان إلى الشارع؟ أعرف أن قنوات الحوار معهم مفتوحة، لماذا لم يبادروا إلى الحوار معهم؟
وفي العقبة أيضا، مشكلة العمال ليست جديدة؛ لماذا وصل الأمر إلى حد اقتحام مبنى المفوضية؟ وأين كنا من مطالب أهالي العقبة؟ لقد انتهى الأمر إلى استقالة رئيس المفوضية هروبا من واقع يستحيل معه العمل.
الإدارات التنفيذية تحاول أن تغطي على كسلها وعجزها عن التعامل مع المواطنين ومشاكلهم باللجوء إلى القوة الأمنية، فذلك أسهل الطرق.
الاعتماد المتزايد على القوة الأمنية والدركية في التعامل مع المشاكل دليل ضعف لا قوة.
كتب : فهد الخيطان - المقاربة الأمنية أصبحت أكثر وضوحا؛ فقد اختصرها مدير الأمن العام الفريق أول حسين المجالي، بالعبارة التالية: "الأمن الناعم مع الحراك السلمي، والأمن الحازم مع الحراك خارج القانون".
"الأمن الناعم" في التعامل مع الحراك السياسي جنّب النظام السياسي سيناريو الصدام مع الشعب، وكان هذا بلا شك خيارا حكيما. لكن لنتذكر أنه، وإلى جانب ذلك، طرحت الدولة مبادرات سياسية وخططا إصلاحية، صحيح أنها لم ترتق إلى مطالب الأحزاب والحراكات، لكنها ساهمت في خلق حالة حوار أشغلت الشارع السياسي، وامتصت ولو لفترة من الوقت حالة الاحتقان.
غير أن استراتيجية الأمن الناعم بدأت تستنفد أغراضها بعد سنة على اعتمادها.
والسبب أن الدولة بالغت في الاعتماد عليها، وساد في أوساطها الاعتقاد بأن الحراك الشبابي والحزبي المنضبط هو النسخة الوحيدة للربيع الأردني.
لكن الأمر لم يكن كذلك. ففي الأشهر الأولى من العام الحالي، ظهرت ملامح أولية لنسخة ثانية من الحراك أكثر خشونة وعنفا، تنامت مظاهرها مع مرور الوقت حتى كادت تغطي على صورة الحراك السلمي.
العنوان العريض للنسخة الثانية من الحراك: تحدي سلطة الدولة ورموزها، واللجوء إلى أشكال غير قانونية للاحتجاج، كقطع الطرق، والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، واقتحام المباني العامة، واستهداف مراكز الأمن.
المحرك الأساسي لهذا النوع من الاحتجاجات يكون، في الغالب، قضايا مطلبية جماعية، مثل انقطاع المياه عن الأحياء السكنية، أو البحث عن فرص عمل في ظل ارتفاع معدلات البطالة، والمطالبة بتحسين أوضاع الموظفين والعاملين في مؤسسات عمومية. وفي بعض الأحيان، تكفي مظلمة فردية لتفجير حالة احتجاج.
وشهدنا في الآونة الأخيرة تزايد محاولات الانتحار على خلفية مطالب شخصية.
ورافق ذلك كله عنف اجتماعي على خلفية جرائم قتل، بالإضافة إلى العنف المصاحب لامتحان الثانوية العامة، ولجوء البعض إلى القوة لممارسة الغش في الامتحانات.
التطور اللافت في الاحتجاجات المطلبية أن شعاراتها أصبحت تكتسي طابعا سياسيا.
فالمحتجون لا يكتفون بإحراق الإطارات وإغلاق الشوارع عند انقطاع المياه عن منازلهم، وإنما يصبون نقمتهم على الدولة والرموز السياسية. وفي هذه الحالة، نكون أقرب إلى ما يمكن وصفه بالعنف السياسي.
يتعين على مؤسسات الدولة إدراك هذا البعد للحراك الخارج عن القانون، قبل التورط في الاعتماد على "الأمن الحازم" في التعامل معه.
لا تستطيع المؤسسة الأمنية، بأجهزتها المختلفة، أن تتحمل المسؤولية وحدها، وإلا ستخسر المواجهة؛ لأن الاعتماد المفرط على القوة سيعرض صاحبه إلى الوقوع في الخطأ، عاجلا أم أجلا، وقد وقعوا فيه بالفعل في السلط باعتراف مدير الأمن العام.
الأجهزة المسؤولة في المحافظات وقطاع الخدمات تقف عاجزة عن معالجة المشاكل قبل تفاقمها، ولو كانت تقوم بمهامها لما سمحت بانقطاع المياه عن أحياء سكنية لأيام طويلة بدون أن تجد حلا. ألم يسمع الحكام الإداريون في السلط مثلا، بنية نشطاء التيار السلفي الاحتجاج؟ لماذا انتظروا إلى حين نزول الشبان إلى الشارع؟ أعرف أن قنوات الحوار معهم مفتوحة، لماذا لم يبادروا إلى الحوار معهم؟
وفي العقبة أيضا، مشكلة العمال ليست جديدة؛ لماذا وصل الأمر إلى حد اقتحام مبنى المفوضية؟ وأين كنا من مطالب أهالي العقبة؟ لقد انتهى الأمر إلى استقالة رئيس المفوضية هروبا من واقع يستحيل معه العمل.
الإدارات التنفيذية تحاول أن تغطي على كسلها وعجزها عن التعامل مع المواطنين ومشاكلهم باللجوء إلى القوة الأمنية، فذلك أسهل الطرق.
الاعتماد المتزايد على القوة الأمنية والدركية في التعامل مع المشاكل دليل ضعف لا قوة.
تعليقات القراء
أكتب تعليقا
تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه. - يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع |
|
الاسم : | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : | |
لم نسمع يوما من يقول ان المديونية قد ارتفت او انخفضت بمقدار معين او ان الفاقد قد قل من 40% ال 35% او ان معدل انقطاع المياه قد انخفض من من 10 ايام الى 6 ايام او زاد الى 12 يوما و لماذا تفاقمت المشكلة.
يوجد وزارة للتخطيط و لكن كمواطن عادي لم اسمع عن اية خطط
فعلاً انة دليل ضعف لا قوة.
القبضه الامنيه لم تحم النظام الشيوعي في العالم رغم انها كانت فولاذيه
فكيف تحمي بلدا مثل الاردن في ظل انتشار مباديء الحريه والمساواه في العالم كله
خاصة وان البيت الرسمي الاردني من زجاج - فساد مالي واداري وبطاله وفقروجوع ومحسوبيات ومراكز قوى وغياب العداله وتمييز عنصري وعرقي وطائفي وجهوي وطبقه حاكمة تتوارث المناصب منذ ستين عاما - هذا البيت لايتحمل حتى نسمة هواء
خصوصا اذا كان هناك ظرف سياسي ملموس
وتراكم المطلبي عبر وحدة الزمن والصد عن
تحقيقه خصوصا اذا كانت (البيروقراطيه)
ولااقول الاداره العامه تتعامل مع المطلبي
بذهنيه عرفيه فانها عند لحظه معينه تتحول
من (الكمي) اي كم المطالب الى الكيفي
الى (السياسي) وهنا يبدأ السياسي
يتراكم كميا ايضاولكن بتسارع ليصل
(الكم السياسي) الى (النوع السياسي)
هذه حقائق ادركتها العديد من الدول
والمجتمعات قبلنا بكثير ، فمن (جزئيه
كميه) في فرنسا،تتعلق بتوحيد انظمة
المكاييل والموازين والمقاييس ، وهي
قضايا مطلبيه والتعامل البيروقراطي
العرفي معها قاد الى (النوعي).
والمقاربه الامنيه خشنة كانت ام
ناعمه، تظل مقاربه امنيه ولاتستطيع
حل اشكالات (المطلبي) ولا آلية عمل
(البيروقراطي العرفي)فهذه ليست مهمات
لا الامن الناعم ولا الامن الخشن.