الاستدارة والصفقة والخطر القادم


جراسا -

كتب : د. حسن البراري - يتضح أن احدا من النخب الحاكمة لا يأخذ حاجة المجتمع الأردني للاصلاح ولا مستلزمات الاستقرار (في عالم متقلب ومتغير ارتفعت فيه سقوف الشعارات ونزعت القداسة عن الاشخاص) مأخذ الجد، ويبدو وكأن ملف الاصلاح اصبح ملفا امنيا بدلا من كونه ملفا سياسيا. ويكفي أن يستمع الواحد منا لتصريحات رئيس الحكومة المحافظ فايز الطراونة والذي يؤكد أنه لا يستمع لمن 'يزمجز' هنا وهناك ليستنبط أن الحكومة في استدارتها وردتها عن الاصلاح انما هي تجسيد للاستعصاء السياسي وعامل تأزيم. واللافت أن الالفاظ التي ينتقيها رئيس الحكومة تنطوي على استفزاز واستخفاف بالرأي الآخر وتصل لحد شيطنة الغالبية التي تختلف مع وجهات نظر فايز الطراونة..

فرئيس الحكومة يصر على أن من 'يزمجر' هنا وهناك لا يدفع الحكومة إلى تغيير موقفها من قانون الانتخابات الامر الذي دفع الكاتب محمد ابورمان للمطالبة باستفتاء شعبي لأنه لا يعتقد أن الطراونة وصيا على الأردنيين، واتفق مع الزميل فيما ذهب اليه لأن الموضوع برمته يجب ان لا يترك لمجموعة من المتنفذين الذين لا يروا الاردن الا بمنظار رؤيتهم الضيقة ومصالحهم دون الاخذ بعين الاعتبار ديناميكية التأزيم التي قد تأخذ الاردن إلى اتجاهات لا يتمناها احد.

الاستدارة على الاصلاح التي جاءت نتيجة قراءات خاطئة للشأنين المحلي والاقليمي توجت بقانون انتخابات لم يرض الا القليل، وجاء موقف الملك النقدي للحكومة والبرلمان لكنه أي الملك لم يحبذ أن يحرج حكومته ولا البرلمان ولم يرغب في تأخير عمل الهيئة المستقلة للانتخابات وبالتالي صادق على القرار مطالبا في الوقت ذاته بتعديل القانون.

غير أن ثمة مؤشرات تظهر أن هناك تخوفا من قيام قوى رئيسية بمقاطعة الانتخابات القادمة ونزع الشرعية عنها. من هنا جاء القرار بادخال تعديلات على قانون الانتخابات تهدف إلى توسيع المشاركة الشعبية في الانتخابات القادمة. فجميع القوى السياسية ترفض المشاركة في الانتخابات إلا إذ ادخلت تعديلات مناسبة أو لنقل تعديلات الحد الادني. الراهن أن الدولة ما زالت تبحث عن صفقة مع الاخوان في مشهد وصفه الزميل عريب الرنتاوي بالخصاونية من دون الخصاونة.

من هنا يرى الكثيرون أن ثمة تفاهمات مع صقور الاخوان المسلمين المتنفذين في تنظيمهم على غرار صفقات كانت تعقدها الحكومات في السابق تضمن مشاركة الاسلاميين بالانتخابات دون الالتفات إلى متطلبات الاصلاح او موقف القوى السياسية الاخرى والحراك الشعبي.

الاستدارة مع الصفقة أو بدونها دليل على أن استراتيجية شراء الوقت ما زالت هي الطاغية على اسلوب عمل الحكومات في موضوع الاصلاح. فبعد كل الانتقادات الشعبية الواسعة وبعد موقف الملك الذي انتقد فيه القانون أقرت الحكومة الصيغة النهائية لقانون الانتخابات والذي سيقدم لمجلس النواب يوم الاحد من الاسبوع المقبل. ويقتصر التعديل المقترح على المادة 8 – ج التي تحدد عدد مقاعد القائمة النسبية العامة على زيادة المقاعد المخصصة للقائمة النسبية لتصبح 27 مقعدا بدل من 17 مقعدا. وما من شك أن هذا التعديل لهو خطوة ممتازة ومرحب بها مع انها غير كافية بكل تأكيد. فالقانون برمته غير صالح وغير مؤهل لنقل الاردن من اجواء التوتر إلى الانفراج حتى لو صحت الاخبار والتسريبات الواردة عن تفاصيل الصفقة الاخوانية مع الدولة.

لا اعتقد أن مجلس النواب يمتلك القدرة على فتح بنود اخرى في قانون الانتخابات مع ان هناك رأيا يقول أن من حقهم فتح القانون بالرغم من أن البند المدرج على الدورة الاستثنائية محدد، وحتى لو امتلك مجلس النواب الحق القانوني لفتح القانون برمته فإن حلف الصوت الواحد ما زال الأقوى أو للدقة نقول أن غالبية اعضاء مجلس النواب يخضعون لرغبات وتوجهات ومواقف حلف الصوت الواحد، لذلك لا أمل في أن ينقذنا مجلس النواب ولا حكومة الطروانة من الازمة القادمة.

وبعيدا عن شبهات الصفقات، نقول أن الاصلاح السياسي جاء نتيجة لحراك الشارع الاردني، وبعد اكتساب الحراك زخما اضافيا نتيجة لانضمام الشمال للحراك نسأل ماذا في جعبة الدولة الاردنية من استراتيجية لاحتواء الحراك الشعبي؟ فالحكومات التي تبدو غير قادرة على التصدي للمشكلات الاقتصادية وتلجأ لجيب المواطن كل مرة هي حكومات لا تحظى بالثقة الشعبية وهي من ساهم في تعمبق الفجوة بين الدولة والمجتمع. ثم الحكومات التي لا تلبي الحد الأدني من متطلبات الاصلاح هي عامل تأزيم وليس عامل استقرار. لنسأل انفسنا السؤال التالي: ماذا لو اجريت الانتخابات على اساس قانون الصوت الواحد مع دخول الاسلاميين البرلمان واستمر الحراك؟ هذا سيناريو متوقع وسيكون شاهدا على اخفاق الدولة في استثمار الربيع العربي وتحويله من فرصه الى تحد ان لم يكن خطرا.



تعليقات القراء

محمد غرايبه
اشكرك جدا دكتور حسن براري لقد اصبت في مقالك الشئ الكثير وعبرت فيه عن هاجس كل اردني متابع لما يجري على الساحه الاردنيه
04-07-2012 11:52 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات